Devletlerin Hallerini Tanıma Yollarında En Doğru Yol
أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك
Türler
وبقي وراء ذلك للعامة شيء آخر يسمى «حرية المطبعة»، وهو أن لا يمنع أحد منهم أن يكتب ما يظهر له من المصالح في الكتب والجرنالات التي تطلع عليها العامة أو يعرض ذلك على الدولة والمجالس، ولو تضمن الاعتراض على سيرتها. وفي هذا المقدار افترقت الممالك الأوروباوية، فمنهم من ناله مع الأول فتمت له الحرية المطلقة، ومنهم من ناله بشروط معتبرة عند الملوك التي لم ترخص لرعاياها ما تيسر لغيرها إعطاؤه من الحقوق؛ وذلك أن أحوال الممالك متفاوتة بتفاوت مقاصد رعاياها، فمنهم من لا ينازع الملوك إلا لقصد الحصول على ما يسوغ لهم معارضة الدولة إن حادت عن سواء السبيل واستجلابها لما فيه صلاح المملكة، وحينئذ تيسر للملوك إعطاء تمام الحرية لتوارد مقصد الراعي والرعية على المصلحة. ومنهم من يظن به أن الباعث له على المناضلة فرط التعصب والحمية، حيث تفترق الرعايا أحزابا كل حزب يروم السياسة التي يراها أصلح للمملكة في نظره، كأن يرى البعض أن تكون الدولة جمهورية والبعض يختار أن يكون الملك في عائلة غير التي يختارها الآخر، فينشأ عن ذلك ظن الدولة أن معارضة الأحزاب لها وإن كانت بحسب الظاهر لإلجائها إلى طرق المصلحة، لكن الغرض منها وراء ذلك. وبذلك الظن الناشئ عما ذكر استباح الملوك الامتناع من إعطاء تمام الحرية الموصل لما أشير إليه.
هذا وإن من واجبات الممالك التي تنال الحرية ولو خصوص الشخصية أن يقابلوا تلك النعمة بإظهار آثارها واستجناء ثمارها بتعاطي المعارف وأنواع الصناعات الراجعة إلى الأصول الأربعة؛ الفلاحة والتجارة والأعمال البدنية والفكرية، وبهذه الأصول قوام السعادة الدنيوية المربية للهمة الإنسانية وكمال الحرية المؤسسة على العدل وحسن نظام الجماعة، حتى يكون المحترف مثلا آمنا من اغتصاب شيء من نتائج حرفته أو تعطيله في بعض أحوال خدمته، فما ينفع الناس كون أرضهم خصبة كريمة المنابت، إذا كان الباذر فيها لا يتحقق حصاد ما زرع ومن الذي يقدم حينئذ على ازدراعها، ولضعف أمل الناس في كثير من أراضي آسيا وأفريقية تجد أخصب مزارعها بورا معطلة، ولا شك أن العدوان على الأموال يقطع الآمال، وبقدر انقطاع الآمال تنقطع الأعمال إلى أن يعم الاختلال المفضي إلى الاضمحلال.
ومن أهم ما اجتناه الأورباويون من دوحة الحرية تسهيل المواصلة بالطرق الحديدية، وتعاضد الجمعيات المتجرية، والإقبال على تعلم الحرف والصنائع، فبالطرق تستجلب نتائج البلدان القاصية قبل فوات إبان الانتفاع بها بعد أن كان جلبها متعذرا لطروء الفساد عليها في الطريق أو لزيادة كرائها على أضعاف قيمتها، وبالجمعيات تتسع دوائر رءوس الأموال، فتأتي الأرباح على قدرها وتتداول على المال الأيدي المحسنة لتنميته، وبتعلم الحرف تكتسب الأموال الذريعة عن غير رأس مال. وقد رأينا بالمشاهدة أن البلدان التي ارتقت إلى أعلى درجات العمران هي التي تأسست بها عروق الحرية والكونستيتوسيون المرادف للتنظيمات السياسية، فاجتنى أهلها ثمارها بصرف الهمم إلى مصالح دنياهم المشار إلى بعضها. ومن ثمرات الحرية تمام القدرة على الإدارة المتجرية، فإن الناس إذا فقدوا الأمان على أموالهم يضطرون إلى إخفائها فيتعذر عليهم تحريكها. وبالجملة فالحرية إذا فقدت من المملكة تنعدم منها الراحة والغنى ويستولي على أهلها الفقر والغلاء ويضعف إدراكهم وهمتهم كما يشهد بذلك العقل والتجربة.
وما أشرنا إليه من أن الشركات الجمعية من أسباب نمو النتائج المتجرية معقول مجرب، فإن قوة الاجتماع معهودة في سائر الأمور العادية وغيرها، وكلما تمكن حب الاشتراك من قلوب أهل المملكة يشاهد نمو المكاسب فيها بالعيان، ولذلك كثرت الجمعيات بأوروبا في سائر المعاملات المدنية والمتجرية وغيرها، وتكاثرت الخدمات برا وبحرا، وكثرت مجامع العلوم وجمعيات المحسنين للضعفاء والمساكين، وتكرر التعاون على استخراج المعادن واصطناع الخلج ومجاري المياه التي تصعد بها السفن إلى الجبال ثم تنزل، وطرق الحديد ... إلى غير ذلك من المهمات التي لم تكن تحدث لولا وجود تلك الجمعيات، فمن الذي كان يقدر وحده على اصطناع طريق حديد أو يخاطر بجميع ماله على فرض قدرته في إحداث ما لم يتيسر لهم إلا باشتراك مائتي أو ثلاثمائة ألف نفس بخلاف مخاطرة الواحد منهم بنزر يسير من ماله، فإنها غير مجحفة ولا مستبعدة. ثم إن الجمعية إذا كانت كبيرة وكان فيها فائدة عمومية فإن الدولة قد تضمن لها ربحا معلوما في المائة وإدارة الجمعية تكون بيد أناس ينتخبون من أرباب الحصص لهم مزيد شهرة ومعرفة بإجراء قانون الشركة وحفظ فوائدها، وعند تمام السنة يقدمون حساب ذلك مع سائر متعلقات الإدارة، ويعينون الفوائد لأرباب الحصص المشار إليهم.
ومن أعظم مآثر المشاركة شق خليج السويس وطريق الحديد الجامع بين طرفي البحر المحيط بأميركا، وثقب جبل ألب الكائن بين إيطاليا وفرنسا، وقطع جبل البريني بين فرنسا وإسبانيا لمرور طريق الحديد بهما وإحداث السرداب تحت وادي تامس بلندرة، وعقد الجمعية المسماة ب «مسجري أمبريال» التي لها من السفن الجليلة ما هو مشاهد في سائر البحور، ووضع سلك التلغراف تحت البحر المحيط من إنكلترة إلى أميركا، ونحو ذلك من الإعانات التي وجدها في المشاركة رجال الدول وأرباب الاختراع وحذاق المحترفين.
ومعلوم أن قوة المجموع أشد بكثير من قوى الجميع، والناس إذا تعاضدوا على شيء توصلوا إلى المقصود منه ولو كان من أصعب الأمور، وكفى حجة لذلك الحادثان الهائلان؛ وهما: بنك فرنسا المشهور ومستعمرات الإنكليز بالهند؛ فإن دولة إنكلترة تملكت بجمعية من تجارها تسمى كومبانية الهند مسافة ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف متر مربع، بها من السكان مائة وخمسة وثمانون مليون نفس. وأما بنك فرنسا فإنه كان في سنة ثمانمائة وألف رأس ماله ثلاثون مليون فرنك متجمعة من ثلاثين ألف سهم، وفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف بلغ ما به من النقود واحدا وتسعين مليون فرنك، وبلغت كواغده المالية الرائجة بين الناس وفي المعاملة رواج المسكوك مقدار اثنين وخمسين وأربعمائة مليون فرنك في أواخر سنة تسع وأربعين وثمانمائة وألف، رخص من الدولة للبنك المذكور أن يزيد في كواغده الرائجة إلى أن تبلغ مقدار خمسة وعشرين وخمسمائة مليون فرنك، وفي سنة سبع وخمسين وثمانمائة وألف طلب البنك من الدولة تجديد المدة إلى تمام أربعين سنة مستقبلة، فأذنت له بشرط تضعيف ما به من النقود حتى يصير تقريبا مائتي مليون فرنك، فضاعف ذلك وتممت له الدولة مطلوبه.
ثم إن من تصرفات البنك عندهم صرف كواغد الحوالات التي تكون مصححة بخط ثلاثة أشخاص يعرف مجموعهم بالملأ الذي يناسب المعاملة بذلك المبلغ الذي تضمنته وقبض ما كلف البنك بقبضه من الحوالات لأربابها بأجر معلوم، إلا إذا كانت في البلد الذي هو به، فإنه يفعل ذلك بلا عوض، وقبول ودائع الناس لمجرد حفظها، ومراسلة من يضع فيه مالا وتتميم المحاسبة معه، وإقراض المال لمن يريده إذا دفع رهنا ثقة غير الربع والعقار من كل ما يصير عينا بسهولة كسهام طرق الحديد والكواغد التي تباع من اقتراض الدول والسبائك ونحوها، وإعطاء كواغد الحوالات على نوابه كما يحيل عليه النواب أيضا، وله خمسة وخمسون نائبا في بلدان متفرقة، وإذا أردت أن تعرف كيفية تدرجه إلى هذه الحالة الراهنة وكيف اتسعت دائرة المعاملات بأوروبا في هذه المدة الأخيرة منذ ثلاثين سنة، فاعلم أن البنك المذكور لم يكن به من الكواغد في سنة ثلاثين وثمانمائة وألف إلا مقدار ثلاثمائة وخمسين مليون فرنك، واليوم به من النقود ما تقدم آنفا، وهو ما يقرب من مائتي مليون فرنك، ومن الكواغد الرائجة مع ما في الصندوق من الحوالات وغيرها مقدار ألف وستمائة مليون فرنك، هذا مع أن البنك كان في الزمن السابق مستقلا بمعاملة الناس، وأما الآن فقد زاحمه كثير من الجمعيات كجمعية معاملة الصناع والتجار والكريدي المعينة لمعاملة أرباب الأراضي والكريدي المعينة لمعاملة أرباب المنقولات والجمعية العامة وصندوق الودائع، ونحوها من الجمعيات. وبالجملة فإذا قال قائل: إن الملايين التي كانت الناس تتعامل بها سابقا صارت اليوم ألوف ملايين، فلا يكون قوله بعيدا عن الصدق.
ومن أسباب تقدمهم العناية بمن اخترع شيئا لم يسبق إليه أو أجاد في عمل مفيد، فمن ذلك أن بتخوت الممالك المشار إليها مواضع معتبرة تعرض فيها نتائج المملكة من نباتات وحيوانات ومصنوعات مستغربة ونحوها بعد كل خمسة أعوام أو أقل أو أكثر بحسب مقتضى حال المملكة، وينعقد لذلك مجمع مركب من العارفين بحقائق الأشياء ليتأملوا فيها، فإن وجدوا شيئا منها مستبدعا أعطي مخترعه قطعة من نحاس أو فضة أو ذهب تسمى «المداليا» على شكل المسكوك مرسوما في أحد وجهيها صورة الملك وفي الآخر مكان العرض وتاريخه، وقد يستحق متقن صناعته نشان الافتخار. فإن قيل: ما فائدة هاته القطع التي أعلاها قطعة ذهب وهي لا تفي ببذل الجهد والمكابدة في الاختراع؟ فالجواب: إن آخذ تلك القطع زيادة على الشهادة له بالكمال والتقدم فيما هو بصدده من الأعمال يتوصل بذلك إلى ما يؤمله من الرغبة في سلعته المثمرة لنمو مكاسبه؛ لأن سائر ما يقع في ذلك المجمع يطبع في صحف الأخبار ليشيع في الناس، وربما أعطي المخترع مبلغا من المال، وقد كان نابوليون الأول أصدر أمرا بإعطاء مليون فرنك لمن يحدث آلة تغزل الكتان وحدها. ومن عناية ملوكهم بهذا المجمع أن الملك يحضره بنفسه مع رجال دولته حضورا رسميا عند فتح المعرض وعند انتهائه، ويعلن للحاضرين بخطبة تتضمن مدح من أتى بشيء مستبدع لتتوفر الدواعي ويتنافس الناس فيما ينمي منافع الوطن. وإذا طلب أحد المخترعين من الدولة ولو خارج المعرض قبل إشهاره مخترعه الرخصة في الاستبداد باصطناعه مدة لا يصطنعه غيره فيها إلا بإذن تعطى له الرخصة في ذلك بشرط أن لا تتجاوز المدة خمسة عشرة سنة، وأن يدفع للدولة شيئا معلوما في مقابلة الاختصاص.
وأما المؤلفات فإنها تبقى ملكا لصاحبها مدة حياته ويختص بها ورثته بعد موته سبع سنين، وفي بعض الممالك ثلاثين سنة ثم يرتفع التحجير المشار إليه، ولولا هذا التخصيص ما انبعثت رغبات الناس إلى الاختراع والتأليف؛ لأن المخترع يلزمه ما لا يلزم المقتدي من اقتحام شاق الأعمال والمخاطرة بمصاريف التجريب وإضاعة غالب الأوقات في التدبير، فإذا لم يعط هذا الاختصاص كانت أعماله المذكورة بلا عوض حيث شركه غيره في فائدتها.
ومن وجوه الترغيب عندهم أن من اخترع أمرا مهما تجعل صورته من رخام أو نحاس وتوضع في الأماكن المعدة لاجتماع الناس أو يسمى باسمه ما يتفق حدوثه في تلك المدة من قنطرة أو طريق جديد أو نحو ذلك؛ ليبقى بذلك ذكره. وحاصل سياستهم في هذا الشأن اعتبار ما حقه أن لا ينسى بأي نوع يقتضيه حاله من وجوه الاعتبار، كما اعتبرت ذلك الدولة العلية عند تأسيسها سوقا بدار الخلافة لعرض نتائج المملكة، وقد وقع العرض المذكور في سنة ثمانين ومائتين وألف هجرية. وفي سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وألف وقع بإنكلترة للمعرض المشار إليه ترتيب عجيب، وهو أنهم أسسوا محلا في غاية الاتساع والضخامة وأعدوه لعرض نتائج الممالك من سائر المعمور، ثم وقع مثله في فرنسا سنة خمس وخمسين وثمانمائة وألف، ثم تكرر بإنكلترة، ثم أعيد في فرنسا بمزيد اعتناء سنة سبع وستين وثمانمائة وألف، كل ذلك ليقتدي المتأخر بالمتقدم في الصناعات ونحوها، مع ما يحصل لتجار تلك المملكة من الأموال الغزيرة الناشئة عن معاملة ملايين من النفوس الأجانب الوافدين عليها لذلك، وإدارة هذه المجامع وتعيين المنازل لأرباب الصنائع والبضائع، وتعيين من يستحق الجزاء ونحو ذلك موكولة لنظر مجلس مرءوس بأمير من البيت الملكي إظهارا لمزيد الاعتبار.
Bilinmeyen sayfa