ولكنني قلت أخيرا: كيف حال الأستاذ حسن؟
وقال مصححا في سذاجة: منصور يا أستاذ، لقد نسيتني!
وأعدت مستنكرا: كيف نسيت؟ الأستاذ حسن منصور.
فقال وهو يضحك: منصور محمد حسن، ألم يقدمني إليك صديقنا مرسي؟! ألم أقل لك إنك نسيت؟!
وأمعنت في استنكاري قائلا: سبحان الله يا أستاذ! أنا نسيت؟ لقد كان ذلك منذ شهرين في حفلة نادي التجارة، وكنت حضرتك جالسا بجانب مرسي، فقدمني إليك وخرجنا معا.
وكان هذا كله صحيحا، كان النادي أقام حفلة منذ شهرين، وكنت جالسا إلى جانب مرسي، زميل الدراسة، فقدمني إلى أحد أصدقائه وخرجنا في نهاية الحفلة نحن الثلاثة، وافترقنا عند محطة الأتوبيس، كل ذلك كان صحيحا، لكنه لا يمنع الحقيقة الواقعة، إنني نسيت كل ما يتصل بهذا الرفيق الثالث، ومر تعارفي به على حافة ذاكرتي المكتظة، فلم يخلف أثرا.
وكانت المرة الثالثة التي نسيت فيها الأستاذ منصور يوم قابلت صديقي مرسي، فقصصت عليه نبأ لقائي مع صديقه، وحاولت أن أتذكر اسمه فما استطعت، حتى ذكره مرسي قائلا في عتاب: يا رجل؟ أتنسى منصور؟ إنه شخصية فذة؟
وقلت مدافعا: لو كان كذلك ما نسيته! - بل إنك لم تعرفه جيدا، ولو أنك عرفته لأحببته ولم تنسه قط ... ومضى يقص علي ما يعرفه عن منصور، حتى أثار اهتمامي به، وجعلني آسف لعدم اكتراثي له ... إنه كما صوره لي شخصية خرافية، هربت من تاريخ أيام مجيدة، تسودها البطولة والشرف لتعيش في الحياة الصاخبة الماجنة، شخصية غريبة إذا عددنا عالمنا المضطرب مألوفا لا غرابة فيه ...
ولقد حققت الأيام صدق هذه الصورة، وعندما لقيت منصور أفندي في المرة الرابعة لقيته على ألا أنساه، بل لعلني لم أعتز بشيء قدر اعتزازي بهذه الرسالة التي لم تكتب لي؛ لأنها رسالة من منصور، تنعكس عليها صورة من صور هذا المخلوق الخرافي النبيل ...
كنا أربعة في الحجرة المتسعة نعمل عملا واحدا، عملا بغيضا، أبغض ما فيه أنه لا يتغير، أكوام من الأوراق نقرؤها ونراجع ما فيها، كان عملنا من الدقة بحيث إن أقل خطأ يرتكبه أحدنا لا يمكن أن يئول بالسهو والنسيان، قبل أن يئول بالتواطؤ والاتفاق مع عملاء الحكومة، ولقد رأيت بعيني زميلا لي يخرج من مكتبه إلى عرض الطريق مشردا لخطأ ارتكبه، فأضاع على الحكومة بضعة ألوف من الجنيهات صرفت خطأ لمقاول لم يكن قد قام بكل ما طلب إليه من أعمال.
Bilinmeyen sayfa