وأجاب دون انتباه: لقد حضرت في الخامسة والنصف، كنت أنوي أخذك للسينما، ولكن ...
وقاطعته مسرعة: لقد ذهبت فعلا للسينما، مع مديحة وحسنية ...
ودار حديث طويل، ومرت كلماته على صدره كأنها أحجار، ولامست معانيه قلبه كأنها أشواك ... وعندما خرج كان وداعها فاترا، وأحس كأنما تتعجل خروجه.
إنه ليذكر الآن كل يوم بعد ذلك اليوم ... يذكر كل لقاء لهما، وكل نزهة خرجا إليها، يذكر ذلك الفارق العظيم بين تفكيره وتفكيرها، تلك الهوة السحيقة التي كانت تلقي فيها بآماله واحدا إثر واحد ... يذكر المرات التي جاء ليزورها فلم يجد غير كلبتها الصغيرة ترحب به وتجري من حوله ... لقد ظلت وحدها المخلوق الباقي على الوفاء، وإنه لا يذكر يوما واحدا عني فيه بالعطف عليها أو مداعبتها.
والتقى بابنة عمه ذات يوم صاعدة درج السلم إلى بيته، فحياها وأسرع مهرولا إلى كعبة آماله، ولكنها أمسكت به قائلة: سعيد، هل أنت مستعجل؟ إني أريد أن أحدثك.
وصعد معها ثانيا إلى الدار، وقالت وهي تجلس: ألا تزال متصلا بمنيرة؟
وفجأه السؤال، فأجاب على الفور: نعم، لكن ... - لكن ماذا؟ لكنك تحس أنها تغيرت، أليس كذلك؟
وتهاوت عزيمته، ولم يجد ما يقوله، فاستطردت قائلة: إنها تغيرت فعلا يا سعيد، أنا أعرف ذلك؛ ولذلك جئت لأحدثك ... إن منيرة لا تحبك ولا تحب أحدا، إنها تصادق، تصادق أكبر عدد من الشبان؛ تلهو بهذا، وتعبث بذاك، والسعيد منهم من عبث بها ومضى إلى حال سبيله ...
الذي يؤسفني أنك أحببتها، وقمت بدور المحب الوفي ... إنك لم تترك لي فرصة لأحدثك عنها، لم أكن أعلم حين سألتني عنها أنك أحببتها، لو علمت لأخبرتك ... أمس فقط آلمني أن أسمعها تتحدث بسخرية، وعلمت أي خدعة وقعت فيها!
إنه لا يدري، هل سمع كل ما قالته ابنة عمه أم لا، إن كل ما وعاه أنها أضاءت بحديثها النور في سبيله، فأدرك ما غاب عليه وما حار فيه من تعليل تصرفات منيرة، ووعى أيضا جوابها على سؤاله المضطرب: أكانت تخدعني طوال مرضها؟ - بل كانت صادقة ... لقد كنت أنت كل ما بقي لها خلال هذه الفترة، من أين يكون لها الشاب الذي يسري وحدتها، يغمرها بالحب، وهي جسد أصفر باهت يتآكله المرض، لم يكن هناك غيرك، حتى شفيت وعادت إلى الحياة.
Bilinmeyen sayfa