قالت كمبرلي: «كانوا لا يشبهوننا إلى حد بعيد.»
قالت فاليري: «أنا متأكدة أنني تعلمت دائما - هذا إن كنت قد تعلمت أساسا في تلك الأيام الغابرة - أن القوس المدبب تطور طبيعي للقوس المميز للعمارة الرومانسية. عن لهم فجأة أن يطوروه بقدر أكبر، فبدا أكثر تأثرا بالمعمار الديني.»
قال جورج مسرورا: «هراء. اعذريني. أعرف أن هذه دعواهم، لكن القوس المدبب في حقيقة الأمر أقدم الأقواس على الإطلاق. وهو الأيسر في بنائه أيضا؛ ولا يعتبر تطورا للقوس الدائري أبدا، هل يعقل أنه كان كذلك؟ فقد كانت هناك أقواس مدببة في مصر. القوس الدائري، وأعني قوس إقليد العقد، هو القوس الأكثر تطورا الذي يمكن بناؤه. الرواية كلها منقولة بشكل محرف محاباة للمسيحية.»
قالت روث: «ربما كان متطورا، لكنني أجده كئيبا. أراها محبطة جدا تلك الأقواس الدائرية. فهي رتيبة الشكل؛ فتراها تتكرر مرارا وتكرارا، فلا ترفع روحك المعنوية تحديدا.»
قالت كمبرلي: «لا بد أنها عبرت عن رغبة دفينة داخل الناس. وبالكاد يسعنا أن نسمي هذه الظاهرة موضة عابرة. فقد بنى الناس هذه الكاتدرائيات، ولم يمل أي مهندس معماري مخططها عليهم.» «هذا مفهوم خاطئ؛ فقد كان لديهم مهندسون معماريون. وفي بعض الحالات، تمكنا حتى من معرفة هوياتهم.»
قالت فاليري: «ومع هذا، أعتقد أن كمبرلي على حق؛ ففي هذه الكاتدرائيات يشعر المرء بقدر كبير من طموحات هؤلاء الناس، ويحس بالطابع المسيحي في المعمار.» «بغض النظر عن مشاعرك، تبقى حقيقة واحدة وهي أن الصليبيين جلبوا معهم فكرة القوس المدبب من العالم العربي، تماما مثلما جلبوا عشق الأطعمة الحريفة. فلم تبتكر الأقواس عن طريق اللاوعي الجمعي تقديسا للمسيح بالنحو نفسه الذي خلقت به. لقد كان هذا هو الطراز المعماري الأحدث. والأمثلة الأولى عليه تتجلى في إيطاليا، وبعد ذلك شقت طريقها شمالا.»
احمرت كمبرلي خجلا، لكنها مع ذلك ابتسمت على استحياء. وشعرت فاليري، بسبب كراهيتها الشديدة لكمبرلي، بضرورة أن تقول أي شيء مهما كان لإنقاذها من الموقف. لا بأس بالنسبة لفاليري أن تبدو سخيفة في أعين الآخرين؛ فهي على أتم استعداد أن تزج بنفسها في أي حوار لإخراجه عن مساره الجدلي لمجرد أن تحمل الناس على الضحك وتلطف الأجواء. وتتمتع روث بمهارة تلطيف الأجواء أيضا، مع أنها تفعل ذلك بلا تعمد ولكن بهدوء وبمحض الصدفة تقريبا، نتيجة التزامها الشديد بتسلسل أفكارها. ماذا عن ديفيد؟ في تلك اللحظة، كان ديفيد منشغلا بأنجيلا، ولم يكن منتبها كعادته. وكانت أنجيلا بصدد اختبار قدراتها؛ ولا مانع عندها أن تختبرها على ابن عمتها الذي عرفته منذ نعومة أظافرها. فحدثت روبرتا نفسها بأن كمبرلي تتعرض لهجوم من جبهتين. لكنها ستتدبر أمرها؛ فهي قوية بالقدر الذي يسمح لها بالحفاظ على ديفيد من أنجيلا ومثيلاتها، والاحتفاظ بابتسامتها إزاء هجمة جورج على معتقداتها. هل تتكهن ابتسامتها بكيف سينهار؟ هذا مستبعد. فهي تتكهن بكيف سيتعثرون جميعا ويضيعون في متاهات، ويعرقل الواحد منهم الآخر؛ ما مغزى الفوز بالنقاش على أية حال؟ بالنسبة لكمبرلي، تحقق النصر لها في كل النقاشات بالفعل.
وإذ خطر ذلك ببال روبرتا، شعرت بالرضى والارتياح بعد أن استدرجتهم جميعا إلى هذا الدرب. لقد أنقذتها اللامبالاة. أهم شيء أن تتعامل بلامبالاة مع جورج - هذه هي النعمة العظيمة. لكن لامبالاتها تتجاوزه إلى الآخرين؛ فهي لامبالاة سخية تمس الجميع. روبرتا ثملة بالقدر الكافي الذي يجعلها ميالة للإفصاح عن بعض اكتشافاتها. قد تقول لفاليري: «التغاضي عن الجانب الجنسي لا يكفي.» لكنها ما زالت واعية بالقدر الكافي الذي يجعلها تلتزم الصمت.
حملت فاليري جورج على الحديث عن إيطاليا. وشرعت روث وديفيد وكمبرلي وأنجيلا في التحدث عن شيء آخر. وسمعت روبرتا صوت أنجيلا وهي تتحدث بنفاد صبر وتسلط، وبشوق وخجل لم يستشعرهما إلا هي.
قالت أنجيلا: «الأمطار الحمضية ...»
Bilinmeyen sayfa