لم أستطع أن أكمل القصيدة، رغم أنني أعلم القافية، وأن ثمة تتمة للقصيدة تسير على المنوال التالي «وفي القبر المظلم الصامت، يسدل الستار على قصة حياتنا.» كنت أعلم أن القصيدة كتبها سير والتر رالي ليلة إعدامه. ولم تتفق هذه القصيدة مع حالتي المزاجية، ورغم ذلك جالت بخاطري وكأنها شيء جميل وباعث على البهجة. ولم أتمهل للحظة للتساؤل عن سبب ورودها على ذهني من الأساس.
والآن وأنا أحاول أن أنظر إلى الأمور بجدية وعقلانية، علي أن أتذكر حوارنا بعد أن حزمنا أمتعتنا ووقفنا في انتظار سيارة الأجرة. وداخل الحقائب صنفت ملابسنا - التي تشاطرت الأدراج والخزائن، وتقلبت معا في الغسالة، وتعلقت معا على حبال الغسيل حيث حطت طيور الكوكابورا الصاخب - وانفصلت بلا أمل في احتكاك بعضها ببعض بعد الآن. «أنا سعيدة بشكل أو بآخر أن العلاقة انتهت دون أن يعكر صفوها شيء؛ فالأمور عادة ما تفسد عند الانفصال.» «أعلم ذلك.» «رغم كل شيء، كانت علاقتنا رائعة.»
قلت ذلك، لكن هذه كانت كذب؛ فقد بكيت ذات مرة، وظننت أنني دميمة، وأنه قد مل مني.
فقال: «نعم رائعة.»
على متن الطائرة، جالت القصيدة بخاطري مرة أخرى، وكنت لا أزال سعيدة. خلدت إلى النوم وأنا أظن أن إكس مستلق إلى جواري، وعندما أفقت سرعان ما ملأت المساحة التي كان يشغلها بذكريات صوته ونظراته وملامحه ودفئه ومشاهد تجمع بيننا معا.
كنت أسبح في بحر من الذكريات في البداية، وكانت تلك المشاهد المفصلة المتكررة هي التي تحول بيني وبين الغرق. لم أحاول أن أتملص منها، ولم أتمن ذلك. ولاحقا تمنيت لو فررت منها؛ فقد أمست وباء يجتاحني، وجل ما فعلته أن حركت بداخلي الرغبة والاشتياق والإحساس بقلة الحيلة؛ ثلاثية تعاني منها القطط البرية البائسة الحبيسة التي تسللت داخلي دون إذن مني، أو على الأقل دون أن أعي إلى متى ستظل على قيد الحياة، وإلى أي مدى ستكون قاسية. إن صور ولغة المشاهد الإباحية والرومانسية متشابهة؛ رتيبة ومغرية بشكل آلي، فتفضي سريعا إلى القنوط. ذلك ما كان على عقلي التعاطي معه، وذلك ما يستطيع إلى الآن التعاطي معه. جربت السهر وقراءة الكتب الجادة، لكن قدمي ما زالت تزل فأسقط بعمق في مشهد ما قبل أن أدري أين أنا.
على السرير امرأة تستلقي في ثوب نوم أصفر لم يكن ممزقا، لكنه نزع من على كتفيها ولف فوق خصرها وحوله، فلم يعد يغطي من جسدها أكثر مما يغطيه وشاح مجعد. وثمة رجل عار يميل عليها، يقدم لها كأسا من الماء. بينما المرأة - التي كادت تفقد وعيها، وساقاها متباعدتان، وذراعاها ملقاتان على امتدادهما، ورأسها ملتو إلى جانبها، وكأن شيئا أطاح بها أثناء كارثة طبيعية ما - تحاول أن تستعيد نشاطها وأن تمسك الكأس بيديها المرتعشتين. فتسقط قدرا من الماء على نهديها، وتحتسي بعضه ثم تستلقي مرة أخرى. والرجل أيضا يداه ترتعشان؛ يشرب من الكأس نفسها، وينظر إليها ويضحك ضحكة حزينة واعتذارية وحنونة، لكنها أيضا مندهشة، واندهاشها ليس ببعيد عن الرعب. تتساءل ضحكته: كيف نقدر على كل ذلك؟ ما معنى ذلك؟
ويقول: «كاد أحدنا يقضي على الآخر.»
ما برحت الغرفة تحفل برجع صدى الجلبة التي حدثت منذ قليل؛ أصوات الصراخ والرجاء والتوعدات القاسية والصيحات الحادة تعبيرا عن الوصول إلى الذروة والتشنجات الطويلة الضعيفة.
الغرفة مترعة برائحة الامتنان والمتعة، ومزيج غني من الحب، من غروب الحب الذهبي. نعم، نعم كان بالإمكان استنشاق هذه الرائحة.
Bilinmeyen sayfa