فما الحياة إلا حلم.
أرقد في الفراش إلى جوار شقيقتي الصغرى، وأستمع إلى غنائهن في الحديقة. تغيرت الحياة، بهذه الأصوات، بهذه الكيانات، بأرواحهن المعنوية المرتفعة، واعتدادهن الشديد بأنفسهن وبعضهن ببعض. والداي - بل جميعنا - في إجازة. مزيج الأصوات والكلمات معقد ومتنوع للغاية لدرجة بدا معها هذا الارتباك - وهذا التنافس المرح - أنه سيستمر إلى الأبد، ثم فجأة ولدهشتي - لأنني أصبت بالدهشة، رغم معرفتي بنمط الأدوار - يخفت صوت الأغنية، وبإمكاني سماع صوتين يناضلان:
بمرح، ومرح، ومرح، ومرح.
فما الحياة إلا حلم.
ثم صوت وحيد، إحداهن فقط تواصل الغناء - ببسالة - حتى النهاية. صوت واحد به مسحة غير متوقعة من الاستعطاف، من التحذير، وهو يترك الكلمات الأربع منفصلة تتطاير في الهواء. «ما الحياة ...» انتظروا «إلا ...» مهلا «حلم».
آل تشادلي وآل فليمينج (2)
حجر في الحقل
لم تكن أمي تقضي جل وقتها في تزيين حواف الأكواب وإيهام نفسها بأنها تنحدر من أصول أرستقراطية؛ فقد كانت سيدة أعمال في واقع الأمر؛ تاجرة وبائعة. كان منزلنا مكتظا بأشياء لم تدفع ثمنها بالمال، وإنما أخذتها في نوع معقد من المقايضة، وقد لا نستطيع الاحتفاظ بها. ولبعض الوقت استطعنا أن نعزف على البيانو، وأن نستعين بالموسوعة البريطانية، وأن نأكل طعامنا فوق مائدة من خشب البلوط. ولكن في أحد الأيام كنت أعود إلى البيت من المدرسة لأجد أن كلا من هذه الأشياء قد ذهب لشخص آخر؛ فمرآة حائطية يمكن أن تذهب بسهولة، أو حامل للأباريق الزجاجية، أو مقعد مزدوج كان قد حل سابقا محل أريكة كانت قد حلت محل أريكة سريرية من قبل. باختصار: كنا نعيش في مخزن.
كانت أمي تعمل لصالح - أو مع - رجل يدعى بوبي كالندر، وكان يتاجر في التحف، ولم يكن لديه متجر: هو أيضا كان يملك بيتا مزدحما بالأثاث، وما كان في بيتنا هو مجرد الفائض لديه. كان يملك خزانات أطباق تواجه ظهورها ظهور بعض وحواشي فراش زنبركية مسندة إلى الحائط. كان يشتري الأشياء - أثاثا وأطباقا وملاءات سرير ومقابض أبواب وأذرع للطلمبات ومماخض لبن ومكاوي غير كهربائية وأي شيء - من أشخاص يعيشون في المزارع أو في قرى صغيرة بالريف، ثم يبيع ما اشتراه إلى معارض التحف في تورونتو. لم تكن ذروة موسم التحف قد بدأت بعد، فقد كان ذلك الوقت الذي يغطي فيه الناس الأشغال الخشبية القديمة بالطلاء الأبيض أو عجينة الباستيل بأقصى سرعة يستطيعونها، متخلصين من الأسرة ذات الأعمدة الخشبية، ليحل محلها أثاث غرفة النوم من خشب القيقب الأصفر، ويغطون الألحفة المرقعة بملاءات من قماش الشنيل. لم يكن شراء الأشياء صعبا؛ فقد كان ثمنها بخسا، ولكن كان بيعها تجارة بطيئة، وهو ما يفسر سبب تحولها إلى جزء من حياتنا طيلة موسم كامل. وبالمثل، كان بوبي وأمي على المسار الصحيح. ولو كانا استمرا، ربما كانا سيصبحان أثرياء ويحصلان على تصريح بالعمل. ولكن بطبيعة الحال، كان بوبي يتجنب الخسارة والمغامرة بينما عجزت أمي عن جمع الكثير من المال؛ فاعتقد الجميع أنهما مخبولان.
لم يستمرا في هذا العمل؛ فأمي أصابها المرض، بينما دخل بوبي السجن بتهمة التحرش في أحد القطارات.
Bilinmeyen sayfa