Açık Görüşlerde Yararlı Faydalar
الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة
Türler
[الفائدة الثالثة والثمانون: حكم من أبطل شفعته جاهلا]
وإذا فعل ما يبطل شفعته جاهلا لم تبطل كتركه إياها ظانا فساد العقد، أو أن لا شفعة للجار أو في المنقول؛ إذ الجهل عذر كالخوف، ولو جهل أن التراخي مبطل لم تبطل، حيث يحتمل أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو لا يخالط أهل الأمصار؛ إذ الجهل كالنسيان هنا، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان )) ولقول علي عليه السلام: (عفى عن الجهلة رب رحيم)، ثم إن الشرع قد يعذر الجاهل في كثير، ومنه قوله تعالى: {للذين عملوا السوء بجهالة ...} [النحل: 119]الآية.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله يغفر للجاهل مائة ذنب ...)) الخبر، فإن ترك لجهله ملك السبب أو اتصاله لم تبطل اتفاقا، كلو لم يعلم بالبيع.
[الفائدة الرابعة والثمانون: في جواز تأجير المستأجر ما
اكتراه]
وللمستأجر أن يؤجر ما اكتراه عند (ه) و(م بالله) و(ط) و(ي)؛ لأنه قد ملك المنفعة، وإنما تصح بشروط، وهي أن يكون قد قبض العين المستأجرة، وأن تكون بمثل ما اكتراها له، وبمثل ما اكتراه به أو دونه.
(أبو جعفر): وهذا مجمع عليه إذ قد ملك المنفعة فله بيعها، وفي دعوى الإجماع نظر؛ لما في البحر عن (ه في المنتخب) و(ع) من منع ذلك إلا بإذن المالك ؛ إذ العين أمانة عنده فلا يخرجها إلا بإذن مالكها.
وأجيب: بأنه ملك المنافع فصار مأذونا في إخراجها؛ إذ التأجير نوع انتفاع.
قلت: فلعل الإجماع مع الإذن قال الأخوان: فإما بأكثر مما استأجرها به فلا يجوز إلا بإذن المالك.
قيل: إجماعا أو لزيادة مرغب زاده المكتري؛ إذ لا يقبض المنافع بقبض العين لعدمها، فلم تكن مضمونة بالقبض، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ربح ما لم يضمن، فإن أذن المالك طابت؛ إذ يصير كالوكيل وكأن الربح حصل للمالك، ثم انتقل إلى المستأجر من جهة المالك فلم يكن من ربح ما لم يضمن.
قلت: وفي دعوى الإجماع نظر لظهور خلاف جماعة من الفقهاء فإنهم قالوا: يصح أن يؤجرها بأكثر مطلقا، وهو مروي عن (م بالله) إذ تضمن المنافع بقبض العين؛ بدليل أنه لو لم ينتفع حتى مضت المدة ضمن الأجرة، فلم يكن من ربح ما لم يضمن.
وأجيب: بأنه إنما ضمن الأجرة لتلف المنفعة في يده، ولهذا إنها لو تلفت العين وسط المدة لم يضمن إلا حصة ما مضى، وإذا أجرها بأكثر ضمنها عند من منع تأجيرها بأكثر مما استأجرها به؛ لتعديه بإخراجها بغير إذن مالكها، وكذا المستأجر الثاني يضمنها، وقرار الضمان عليه إن علم بالزيادة أو جنى على العين، وإلا فعلى الأول.
(ز، ن، ي): بل لا يضمن إذ لم يتعد بالتسليم ولا المستأجر بالقبض لجوازه بالمثل، وإنما تعدى بالزيادة عند من منع منها، وهي لا توجب ضمان العين.
(المهدي): وهو قوي من جهة المنظر؛ إذ عدم لزوم الزيادة لا يقتضي الضمان كلو أعارها؛ إذ له الإعارة، ولا ضمان عليه إجماعا، ويرد الزيادة على المستأجر الثاني؛ إذ العقد غير صحيح.
(ه ون): وليس للمستأجر تأجيرها من المالك؛ إذ يلزم المالك بالعقد الأول تسليمها مستمرا، والعقد الثاني يقتضي تسليمها مستمرا فيصير طالبا مطلوبا.
(م بالله) و(ي): بل يصح إذ قد ملك المنافع فجاز أن يملكها غيره.
(الهدوية): ولا يجوز أن يؤجرها قبل القبض كالبيع إذا قبض العين ، وإن لم يكن قبضا حقيقيا للمنفعة فهو في حكم القبض لها؛ بدليل أنه لو لم يسكن الدار بعد العقد وجبت الأجرة.
(م بالله): ولمن استأجر أجيرا خاصا أن يؤجره لملكه منافعه، (ط) وليس للموصي له بالمنفعة أن يكري من غيره؛ لأنه لا يملك المنفعة، وإنما له الانتفاع، ولهذا لا تورث عنه.
(ي): بل له أن يكريها؛ إذ قد ملك المنفعة بالوصية.
[الفائدة الخامسة والثمانون: حكم الإجارة الفاسدة]
ولكل من المؤجر والمستأجر فسخ الفاسدة المجمع على فسادها بلا حاكم، ولا تراض، فإن كان الفساد مختلفا فيه فلا بد في فسخها من التراضي، أو حكم الحاكم.
[الفائدة السادسة والثمانون: حكم من استأجر أرضا لعمارة أو زراعة]
ومن استأجر أرضا إجارة صحيحة للعمارة فيها أو لزراعتها ثم أضرب عن العمارة أو الزراعة فيها، فإن الإضراب يزول معه الغرض له من عقد الإجارة، فيجوز الفسخ لذلك، لكن إنما يكون الفسخ به بالتراضي أو حكم الحاكم.
d: إنما يكون الإضراب عذرا في حق المستأجر لا حق المؤجر. ذكره الفقيه (س).وإنما يكون حيث تغير عزمه عن فعل ذلك الشيء بالكلية.
[الفائدة السابعة والثمانون: تقسيم الماء إلى ملك وحق]
الماء على أضرب حق إجماعا كالأنهار غير المستخرجة والسيول، وملك إجماعا كالذي يحرز في الجرار ونحوها، ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقناة المحفورة في الملك من دار أو أرض، والمذهب أنه حق، وله أحكام الحق بأن للحافر أو السابق إليه قدر كفايته لنفسه وعياله وماشيته وزرعه، للإجماع على أن الحافر أحق بالماء وإن بعدت أراضيه، وتوسط غيرها وبعد الكفاية يجب عليه بذل الفضلة لمن سبق إليها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وآليه وسلم: ((الناس شركاء في ثلاث )) وذكر منها الماء.
ولنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن منع فضل الماء إن استغنى عنه، والمراد استغناء الحافر والسابق، كما مر.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له )) وفي رواية فهو أحق به، وظاهر الأدلة أنه لا فرق بين أن يكون الماء في أرض مباحة أو مملوكة، وسواء كان للشرب أو لغيره ولحاجة الماشية أو الزرع، وفي فلاة أو غيرها، فإن بذل الفضلة واجب في ذلك كله لمن سبق إليها لسقي أو غيره، هذا إذا كان للفضلة طريق من ملك آخذها أو من مباح، فإن لم يكن لها طريق إلا من ملك الغير لم يجز إلا بإذنه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيبة من نفسه )) هذا ما لم يكن الأخذ للشرب ولو للدواب، أو للطهور أو لغسل الأبدان أو الثياب، فلا يأثم ولو استغرق جميع الماء، ولو ضر صاحب الحق إذا كان الأخذ على وجه لا يستعمل ملك الغير، وإلا أثم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يحل مال امرء مسلم ...)) الخبر.
والوجه في أنه لا يأثم بالأخذ للشرب ونحوه، ولو استغرق إن لم يستعمل ملك الغير، هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم :((الناس شركاء في ثلاث ...)) الخبر.
[الفائدة الثامنة والثمانون: لكل مالك أن يفعل في ملكه ما يشاء]
ولكل أن يفعل في ملكه ما شاء، وإن ضر الجار في غير العلو والسفل إلا عن قسمة، فليس لأحد المتقاسمين أن يفعل ما يضر بالآخر، سواء كان الضرر في الملك أو المالك ما لم يخرج عن ملك المتقاسمين ببيع أو نحوه؛ إذ القسمة شرعت لدفع الضرر عنهما، وقد زال إلا ما شرط عند القسمة أو كان معتادا قبلها فيجوز فعله ومن فعل في ملكه شيئا لقصد الضرر أثم، ومنعه على أهل الولاية؛ لأن قصد الضرر بالغير قبيح عقلا لإطباق العقلاء على ذم من عرف منه قصد إنزال الضرر بغيره، وشرعا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) ونحوه.
[الفائدة التاسعة والثمانون: مايلزم من في ملكه أو حقه مسيل]
ومن في ملكه أو في حقه حق مسيل أو إساحة أو طريق فعليه إصلاحه ويجبر عليه ليصل رب الحق إلى حقه، كما يلزم المؤجر للدابة وغيرها القيام بما تحتاج إليه العين المؤجرة ليتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة، وكما يجب على رب السفل إصلاحه لينتفع رب العلو.
قال في شرح البحر: وكل من عليه حق فعليه القيام به.
وقال في حواشي الأزهار: إلا أن يجري عرف بخلافه لم يجب على المالك إصلاحه.
d: ويكون الإصلاح في ذلك كله على ما جرت به العادة في تلك الجهة؛ إذ الأصل براءة الذمة عما زاد على المعتاد.
[الفائدة التسعون: في عدم جواز منع الحق المعتاد ولو في ملكه]
وليس لمن ألحق في ملكه أو حقه أن يمنع المعتاد وإن ضر داره أو أرضه أو زرعه، فإذا كان الأعلى يستحق إفاضة مائه إلى الأسفل أو الأسفل يستحق مرور الماء في حق الأعلى لم يكن لأيهما أن يمنع المعتاد وإن ضر، فإن فعل غير المعتاد ضمن ما ضر ذلك، حيث كان له عناية في الزيادة على المعتاد، فإن لم يفعل إلا المعتاد لم يضمن؛ لأن له أن يستوفي حقه بالمعتاد، وليس عليه أن يفعل ما يدفع الضرر، وكذلك يضمن حيث كان يمكنه الزيادة وعلمها؛ لأن سبب دخول الماء بفعله الذي هو المعتاد وحصل منه التفريط بعدم رد الزائد.
قال في بعض شروح الأزهار: وإنما يشترط تمكنه وعلمه حيث لم يكن سبب الزيادة منه وإلا ضمن مطلقا.
d: وليس على ذي الحق أن يفعل ما يمنع الضرر أو خروج الماء من ممره إلا لخلل فيه عن المعتاد، فيلزم إصلاحه وإلا ضمن ما أفسد لتفريطه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)).
قال في التاج المذهب: وعلى صاحب الأرض أن يفعل في أرضه ما يدفع الماء عنها إن شاء.
[الفائدة الإحدى والتسعون: تفريع على أقوال أهل المذهب ولكل أن
يفعل في ملكه ما شاء]
ويتفرع على قول أهل المذهب، ولكل أن يفعل في ملكه ما شاء وإن ضر الجار، وقولهم: أنه لا يجبر أحد على عمارة ملكه فرعان:
أحدهما: ذكره الإمام الحسن بن عز الدين عليه السلام، وهو أنه إذا اجتحف السيل جربة في أعلى ضيعة، فلا يجب على مالكها إصلاحها؛ لئلا يجتحف السيل ما تحتها، ولا يجبر على إصلاحها إلا أن يكون فيها حق للغير لا يصل إليه إلا بإصلاحها فإنه يجب عليه لذلك.
قلت: وظاهر المذهب أن عليه الصلاح المعتاد وإلا ضمن لتفريطه.
الفرع الثاني: قال الإمام محمد بن القاسم الحوثي عليه السلام في رجل له مشرب إلى جربة فأصلحه الصلاح المعتاد، فجاء سيل عظيم فقطع المشرب وأدخل حجارا أو ترابا إلى أموال بجنبه لغيره، فإنه لا يجب على صاحب المشرب إلا الصلاح المعتاد، فإن قصر عنه لزمه رفع ما أدخله السيل؛ لأنه المسبب.
وأما وقد فعل المعتاد فلا يلزمه؛ لأن ذلك من فعل الله تعالى لا من فعله ما لم يكن الداخل من الأحجار والتراب ملكا لصاحب المشرب، فيلزمه رفعه لأن استعمال ملك الغير لا يجوز إلا بإذنه، ومثل هذا إذا كان لرجل جربة، وكلما جاء سيل دخلها غيار، ودخل إلى ما تحتها، فإنه لا يلزم صاحبها رفعه إلا إذا وقع منه تفريط أو التراب، ونحوه ملكه إذ لا يجبر على عمارة ملكه لحفظ مال غيره بما لا يعتاد وما لا يجبر على حفظه، فلا يلزمه رفع ما دخل فيه.
[الفائدة الثانية والتسعون: في حكم الحق السابق]
قال النجري: الحق السابق إذا كان مما لا يفوته إحياء الثاني، ولا ينقصه لم يمنع حكمه كالجبال التي أصبابها مستحقة، والمرافق البعيدة للبلد كالمحتطب والمرعى فتملك هذه بالإحياء ما لم تنقص الحقوق السابقة، كما لكل أن يستعملها فيما لا يمنع ولا ينقص تلك الحقوق وفي غيره وهو المذهب أن ما تعلق به حق للغير فلا يجوز إحياؤه إلا بإذنهم كمحتطب القرية ومرعاها، والنادي، وهو موضع اجتماعهم، والميدان وهو موضع إلقاء الزبل، والوادي المنحصر أهله، والطريق المنسدة (قرز)، بلا فرق بين البعيدة والقريبة، فلو أحياها أحد لا بإذنهم لم يملكها عندنا ولو كان من أهل ذلك المحل ولو بعمارة دار لا تضر بهم.
والحاصل أن ما تعلق به حق إما عام أو خاص لم يجز الاستقلال بإحيائه، فالحق العام نحو بطون الأودية، وهو كل واد يسقى به قوم غير منحصرين، ومحتطب القرية والمصر ومرعاهما ولو بعدت، وكذا مرافقهما والطريق المسبلة، وأما الحق الخاص فنحو الطريق المشروعة بين الأملاك، وحمى الدور والأنهار المملوكة لمنحصرين، ونحو ذلك، فهذه الحقوق لا تخلو إما أن يتعين ذو الحق أو لا، إن لم يتعين بأن يجهل، وهو منحصر أو كان معلوما لا ينحصر كبطون الأودية لم يجز إحياؤها؛ لتعلق حق المسلمين بها فجرت مجرى الأملاك إلا بإذن الإمام أو الحاكم، ولو من جهة الصلاحية وعدم الضرر، وأن يكون لمصلحة عامة كمسجد ونحوه فإن تحول عنها جري الماء إلى مباح جاز إحياؤها؛ لانقطاع الحق، وعدم تعيين أهله وإنما يجوز بإذن الإمام، وعدم الضرر ولو على واحد في الحال أو المال.
d: ومن أحيا الحق بدون تلك الشروط لم يثبت له حق ولا ملك، فيرفع سواء في الأودية أو السكك، وإن تعين صاحب الحق نحو محتطب القرية ومرعاها حيث أهلها منحصرون، وبطن الوادي المنحصر أهله، والطريق المنسدة، فهذه لا يجوز إحياؤها إلا بإذن أهلها جميعا، وإلا لم يملك ما أحياه، وإذا كان فيهم صغير أو مجنون ناب عنه وليه في الإذن إن كان له فيه مصلحة وإلا فلا.
[الفائدة الثالثة والتسعون: حكم من رغب عن ملك]
وتخرج الأملاك عن ملك صاحبها بالرغبة عنها، ولا فرق بين المنقول وغيرها، ولا تصح رغبة الصبي والمجنون؛ لأنه لا يصح تصرفها في ملكها، فإذا ترك الملك رغبة عنه كما يفعله كثير ممن يقصد الاحتطاب والاحتشاش فإنه إذا كان أرضا وأحياه غيره بعد ذلك ملكها المحيي، كمن سيب دابة رغبة عنها، والقول قوله في عدم الرغبة ما لم يكن الظاهر خلافه، فلو أحياها محيي ظنا منه أنها تملك ثم انكشف ملكها للغير لزمه لمالكها الأجرة.
[الفائدة الرابعة والتسعون: عدم جواز إحياء ما ملكه مسلم]
ولا يجوز إحياء ما ملكه مسلم أو تحجره؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيبة من نفسه )) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من غصب شبرا من أرض طوقه الله من سبع أرضين )) وما كان محفوفا بملك الغير فلا حريم له؛ إذ لا يتجاوز ملك أحدهما إلى ملك الآخر إلا ما كان من حق كمسيل أو طريق فله ذلك بالاستحقاق، فإن حق بموات استحق منه ما لا يصح ملكه إلا به من مسيل، وطريق من غير إذن الإمام، فإن كانت بئرا فله حريمها من الموات والطريق إليها، وما يحتاج إليه من استعملها من عطن المواشي حتى تشرب قليلا قليلا ونحو ذلك.
[الفائدة الخامسة والتسعون: ولكل أن يفعل في ملكه ما شاء]
ولكل أن يفعل في ملكه ما شاء، وإن ضر الجار، قيل: إجماعا، وفيه نظر إذ فيه خلاف القاسم عليه السلام.
وعن مالك: أنه لا يجوز أن يفعل في ملكه ما يضر جاره إلا التعلية.
d: فلو كان لرجل ملك أو حق بإزاء نهر الغير أو بيره فحفر في ملكه أو حقه بئرا، سواء كانت من فوق أو من تحت أو مساوية، فجذبت ماء نهر للغير أو ماء بئره إلى بئره التي حفرها، فإنه لا يمنع من ذلك، ولو استغرق ماء نهر جاره أو بئره، ولا يأثم في ذلك مهما كان الماء في النهر، أو البئر باقيا على أصل الإباحة، أما لو كان في بركة أو سقاية مملوكة، فليس له جره من ملك نفسه، فإن فعل لم يملكه بل يلزمه رده أو مثله إن كان قد تلف والوجه في جواز الحفر، ما تقرر أن لكل أن يفعل في ملكه ما شاء؛ لأنه مالك لا عن قسمة فيحدث ما شاء، وإن ضر كسائر التصرفات.
[الفائدة السادسة والتسعون: مجرد الاستعمال في الكهوف لا يوجب
حقا ولا ملكا]
مجرد الاستعمال في الكهوف لا يوجب ملكا ولا حقا، بل إن كان منحوتا ويعرف بالأثر، فهو من فعل الآدميين ويملكه من نحته، فإذا جهل فهو إما مرغوب عنه فيملكه من سبقه، أو مظلمة ملتبسة وإن لم يكن فيه أثر النحت فهو من فعل الله، كما قال الله تعالى: {وجعل لكم من الجبال أكنانا }[النحل: 81] وله حكم سائر الموات يكون لمن سبق إلى إحيائه بالنحت فيه أو بالبناء في جوانبه ملكا أو إلى من سبق إلى تحجره حقا، والتحجر أحد الأسباب المعروفة، ومنه الزرب؛ إذ يتخذ لمنع الداخل والخارج، وله أن يبيح أو يهب لا بعوض، وله منعه ولا يبطل قبل ثلاث سنين إلا بإبطاله ولا بعدها إلا به، أو بإبطال الإمام أو الحاكم ولو من جهة الصلاحية.
[الفائدة السابعة والتسعون: في مبني شركة الأبدان]
ومبني شركة الأبدان على التوكيل في العمل، لا التضمين إذ وكل كل منهما صاحبه على تقبل العمل ليستحق الربح، فلو ضمن العمل على غير المتقبل لم يستحق الأجرة كمن اشترى سلعة وضمنها غيره، فإن الضامن لا يستحق شيئا من الربح، ومعنى هذا كما في الغيث أن يستأجر الغير على حفظ السلعة فإن الضامن لا يستحق شيئا من الربح، لكن الضمان في هذه الشركة يتبع الوكالة فللوكيل أن يرجع على من وكله بحصته من الضمان، وليس للخصم مطالبة الموكل بها، ولهما فيها العمل مجتمعين ومفترقين كلو وكل رجلين في بيع أو شراء.
[الفائدة الثامنة والتسعون: عدم انفساخ الشركة بترك العمل]
ولا تنفسخ بترك أحدهما العمل فيها، وفي جميع الشرك، ولاحقه من الأجرة وفاقا إذ عقداها على أن ما يحصل لأحدهما فهو مشترك بينهما، وهذا لا يبطله ترك العمل.
[الفائدة التاسعة والتسعون: في ما لا يلزم أحد الشريكين مما
لزم الآخر]
وما لزم أحدهما من غرم لا من جهة ما اشتركا فيه لم يلزم الآخر، والوجه ظاهر.
قلت: ويدل عليه قوله تعالى: {وعليها ما اكتسبت }[البقرة: 286]، {ولا تزر وازرة وزر أخرى }[الأنعام: 164].
[الفائدة المائة: حكم إذا قبض أحد الشريكين قدر حصته]
وإذا قبض أحد الشريكين قدر حصته من الدين لم ينفرد به، ولو نواه له بل يكون لهما إلا أن يستوفي شريكه نصيبه من الغريم، وكذا الورثة إذا قبض أحدهما قدر حصته من دين الميت كان لهم جميعا، ولو نواه لنفسه إذ قبضه بالولاية لا بالاتفاق إلا أن يستوفي الباقون حقهم، وهذا إن كان الوارث قبض من جنس الدين لا من غير جنسه؛ إذ يكون من باب البيع، وأما في غير ذلك كثمن مبيع أو نحوه بين اثنين، فمن قبض قدر حصته فهو له؛ إذ لا ولاية له على قبض حق الثاني.
[الفائدة الإحدى والمائة: في الشركة العرفية]
والشركة العرفية هي حيث يكون كسب الجميع للجميع، والنفع والخسارة، كذلك للجميع وعليهم، وهي راجعة إلى شركة الأبدان، وحكمها في أن ما حصل من المصالح وغيرها يكون مشتركا بينهم وعليهم، لا فضل لأحدهم على الآخر، وسواء حصلت إضافة الشراء إليهم أو لا حتى أن أحدهم لو شرى أرضا كانت مشتركة، ولو أضاف إلى نفسه، والوجه أن كلا منهم وكيل للآخر كالأبدان.
[الفائدة الثانية والمائة: متى يلزم إجابة أحد الشريكين إلى
حفر البئر]
وإذا طلب أحد الشريكين حفر البئر لزيادة مائها فلا تلزم إجابته إلا أن يعرف أنها وإن لم تحفر قل ماؤها.
[الفائدة الثالثة والمائة: في أنه لا يجبر أحد الشريكين على
إحداث حائط أو نحوه]
ولا يجبر أحد على إحداث حائط أو عرم أو فرجين أو خندق أو سقف بين الملكين، بل يعمره الطالب في ملكه؛ إذ لم يتقدم حق الشريك بخلاف ما إذا انهدم لتقدم الحق.
[الفائدة الرابعة والمائة: في نقض القسمة]
تنقض القسمة بالغلط كإعطاء النصف من له الربع، ولو بحكم إذ خالف قطعيا، وبظهور الغبن الفاحش لا المعتاد، ولا تسمع دعوى الغبن من حاضر غير مجبر من ظالم إذ قد رضي به كالبيع.
فأما إذا كان غائبا أو حاضرا غير مباشر، بل موكل أو صغير فإنها تنقض؛ لأن تصرف الوكيل والولي بغبن فاحش لا ينفذ، وكذا الصغير، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) والغبن الفاحش: ما زاد على نصف العشر عند القاسمية والناصر؛ إذ يتسامح بدونه.
وقال (ي): بل ما خرج عن تقويم المقومين، إذ يرجع إليهم في العيوب ونحوها.
(المهدي): وهو قوي إذ لا دليل على تعيين القدر، وكذا تنقض إذا استحق بعض الأنصاب كالغلط وبانكشاف دين على الميت بينه، أو بإقرار الورثة جميعا فإن قضوه قررت فإن أقر بعضهم فعليه حصته في حصته، وانكشاف الوصية كالاستحقاق، وتنقض بعدم استيفاء المرافق في الانصباء كالطريق والمسيل إجماعا؛ إذ الغرض بالقسمة الصلاح.
[الفائدة الخامسة والمائة: ولا تلحق الإجازة من دون عقد إلا
القسمة]
لا تلحق الإجازة من غير عقد إلا القسمة، والرجعة وقضاء الدين وإجازة الإجارة في البيع والقرض، وإجازة الغير وإجازة أحد الشريكين حيث استنفق أحدهما أكثر من الآخر، وإجازة الوراث بما أوصى به الميت، وإجازة قبض المبيع وإجازة السيد عتق مكاتبه وإن لم يكن عقد، والصدقة وإجازة إبطال خيار الرؤية، وفائدة إجازة قضاء الدين الرجوع على المديون، وأما في غير هذه فالإجازة لا تلحق إلا العقود.
قال النجري: وقد علم أن الإجازة مختصة بالعقود للارتباط، يعني بالإيجاب والقبول وتمامها علة مؤثرة، فلا تلحق العقد الفاسد ولا شيئا من الإنشاءات غيرها كالنذر والطلاق والعتق والبراء غير المعقودة، ونحوها، إلا ما كان من توابع العقد وتتميمه كالزيادة في الثمن أو المبيع، أو الأجل والنقصان منها، وكذا تسمية المهر أو الزيادة والنقص منه، ولا تلحق شيئا من الأفعال إلا ما كان نائبا عن العقد أو من توابعه كقبض الثمن، المبيع والموهوب، وقبض الهدية، والقرض ونحو ذلك.
[الفائدة السادسة والمائة: حكم الإجازة]
ولما كانت الإجازة تقريرا وقعت بكل ما أفاد التقرير من فعل أو قول نحو طلب الثمن أو المبيع أو قبضه، أو التصرف فيه من جهة من بيع عنه أو اشتري له.
d: ولكونها تقريرا علم أنها أمر ثبوتي لا إسقاط حق، ولذلك اختصت بالعقود، وأما إجازة الورثة وصية الميت، وإجازة الغرماء وصية المحجور، وإجازة المرتهن تصرف الراهن، فإنما هو إسقاط حق مجرد، ومثله إجازة الولي تصرف الصبي المميز في ماله، والسيد نكاح عبده؛ لاهليتهما لذلك، والإجازة إسقاط حق، ولهذا تقع بالسكوت.
d: ويصح تعليق كل من نوعي الإجازة بشرط مستقبل، أما الثاني: فكسائر الإسقاطات نحو الطلاق والبراء، وأما الأول: فلأن في التقرير معنى التزام أحكام العقد السابق، فيصح تعليقه كسائر الالتزامات كالنذر ونحوه.
[الفائدة السابعة والمائة: ما يثبت لأهل القرى]
قال في المعيار: ويثبت لأهل القرى حق فيما حولها من المرافق القريبة كحريمها ومجمع بهائمها، وملعب صبيانها، والبعيدة لمحتطبها ومراعيها، وأصباب أمواهها، والأرض التي يتعلق بها الحق في هذه كلها باقية على الإباحة، ويجوز استعمالها ما لم يؤد إلى نقصان ذلك الحق السابق.
[الفائدة الثامنة والمائة: حكم العرف]
قال العلماء: العرف طريق شرعية، وأصل من الأصول، وقد كثر اعتباره والاعتماد عليه حتى في نقل الأملاك.
قال النجري: وهو مقدم على اليد، وذلك كثبوت اليد على الحق في مسيل أو استطراق، حيث جرى العرف بالتوسع فيه بالإباحة فالعرف مقدم على اليد.
[الفائدة التاسعة والمائة: إذا أراد أحد الشركاء الانتفاع بقدر
نصيبه وبعضهم غائب]
إذا كان الشيء مشتركا بين جماعة وفيهم غائب، وأراد الحاضر أن ينتفع بقدر نصيبه، فإنه يجوز له الانتفاع بقدره، أو يترك قدر نصيب شريكه، وهذا فيما يمكن الانتفاع ببعضه ويترك بعضه نحو الدار والأرض، وحيث لا يمكن الانتفاع فما كان مقصودا في نفسه كالحيوان، والسلعة فلا يجوز أن ينتفع بها في وقت، ويتركها في آخر على وجه المهايأة إلا بإذن شريكه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيبة من نفسه أو بحكم الحاكم)) لأنه له النظر في المصالح، وما كان المقصود به غيره كالطريق المشتركة والمساقي المشتركة، فلكل من الشركاء أن يستطرق الطريق، وأن يجري الماء في المسقى إلى ملكه متى شاء، سواء حضر شركاؤه أم غابوا لعادة المسلمين بذلك.
[الفائدة العاشرة والمائة: في أحكام القسمة]
والقسمة إن عم نفعها المشتركين بأن يصير إلى كل واحد ما ينتفع به أجبر من امتنع منها؛ إذ شرعت لدفع الضرر وإن عم ضررها، لم يجبر الممتنع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) ونهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن إضاعة المال، ولا يمنعوا إن فعلوا إذ الحق لهم، ولا رجوع بعد الفعل كالشفيع ترك شفعته، فإن ضرت البعض كمن له تسع منزل صغير، وطلبها المنتفع أجيب وإن ضرت غيره.
فإن قيل: في القسمة تعطيل لمنفعة شريكه وفيه ضرر عليه.
قلنا: هي معطلة على كل حال إذ الغرض عدم انتفاعه بنصيبه، وأيضا هي كاستقضاء الدين من المديون مع تضرره، وفي ترك القسمة إضرار بالمنتفع بمنعه من أخذ حقه، والانتفاع به مع تمكنه منه، وذلك لا يجوز وإن طلبها غير المنتفع لم يجبر الآخر؛ إذ هو سفه وتبذير هذا في قسمته عينا بالتقطيع ونحوه.
[الفائدة الإحدى عشرة والمائة: فيما يقسم بالمهايأة]
ويهايأ ما تضره القسمة كالحيوان الواحد والسيف والسفينة والسيارة والمنزل الصغير وما أشبه ذلك.
واحتج القاضي زيد على وجوب هذه القسمة، بقوله تعالى: {لها شرب ولكم شرب }[الشعراء: 155] ولأن المهايأة هي قسمة المنافع، والمنافع تدخلها الإباحة والمعاوضة، فوجب أن تصح قسمتها كالأعيان، وقال: إن كل شيء لاتتأتى فيه القسمة أو كانت تضره كبيت صغير لا ينتفع به إذا قسم، فإنه لا يقسم وإن طلبه بعض الشركاء؛ لوجوب تحري المصلحة والمنفعة، وإزالة الضرر في القسمة؛ لأن موضوعها لدفع الضرر، فلا يجوز وقوعها على وجه يقتضي الضرر، فلم يبق إلا أن القسمة في ذلك بالمهايأة لا غير.
d: والمقسوم بالمهايأة إن تماثلت منافعه جنسا وصفة، فتقديرها بالزمان كالمساومة والمشاهرة، كثور للحرث في أراض مستوية، أو حانوت لعطارين، وإن اختلفت جنسا كناقة بين محمل، وساق للماء وبيت بين حداد وخياط، أو صفة كثوب بين عصار وعطار، وثور بين عامل في رخوة، وعامل في أرض صلبة، فتقديرها بالقيمة كما في قسمة الأعيان المختلفة، والقيمة هنا أجرة المثل، فإذا كان الحرث مثلا في أرض صلبة أجرة مثله في اليوم ثلاثة دراهم، وفي أرض رخوة في اليوم درهم، فيكون لصاحب الصلبة يوم، ولصاحب الرخوة ثلاثة أيام ليستوفي كل منهما نصيبه من المنفعة.
قال في شرح البحر: وهذا بخلاف ما لو كان أحدهما يستوفي العمل في نوبته، والآخر يستعمل في بعض نوبته، ويترك في بعضها أو في كلها؛ فإنه لا شيء له؛ لأن هذا قد تمكن من الاستيفاء في نوبته.
d: وتكون المهايأة بينهم على حسب رضاهم من قلة الأيام وكثرتها ونحوه؛ إذ ما طابت به النفس جاز، فإن تشاجروا عملوا برأي الحاكم لما مر من أن موضوع القسمة للنفع ودفع الضرر، والحاكم منصوب لمصالح المسلمين ودفع مضارهم.
قال الصعيتري: فينظر ما الذي تندفع به المضرة، والغبن والتظالم، ويقع به التساوي.
[الفائدة الثانية عشرة والمائة: ما يشترط في الإجبار على قسمة
المهايأة]
يؤخذ من كلام أئمة المذهب وتعليلاتهم: أنه يشترط في الإجبار على قسمة المهايأة أن تكون على وجه يتمكن كل من المشتركين من استيفاء نصيبه من المنفعة في نوبته؛ لتصريحهم بأن القسمة شرعت لدفع الضرر، وأنه يجب فيها تحري المصلحة والمنفعة، ومصير النصيب إلى المالك أو نائبه وإلا بطلت، وقالوا: إذا اختلفت المنفعة فيما يقسم بالمهايأة جنسا أو صفة قدرت المهايأة بالقيمة؛ ليستوفي كل منهم نصيبه من المنفعة، ومع الاختلاف يرجع إلى الحاكم لينظر ما الذي يقع به التساوي، ويدفع به الغبن والتظالم.
فهذه نصوص تقتضي أنه لا يجوز الإجبار على المهايأة إلا إذا كان يتمكن كل من الشركاء من استيفاء نصيبه من المنفعة ونوبته، وإلا تركت القسمة وامتنعت، فعلى هذا إذا كان أحد الشركاء لا يتمكن من الانتفاع بنصيبه في نوبته أو يتمكن لكن بانضمام ذلك إلى غيره، لم يجير الممتنع؛ لأنهم شرطوا في وجوب إجابة المنتفع أن يكون نفعه بقدر حصته على انفرادها، لا بضمها إلى ملكه.
إذا عرفت هذا فلو كانت الشركة في رحى بعضهم يشارك في حجريها وبعضهم ليس له شركة إلا في واحدة، فهذه لا تقسم بالمهايأة؛ لأن المشاركة في واحدة فقط، ولا يتمكن من الانتفاع بها في المنفعة المعتادة منها، والمشارك فيهما إنما ينتفع بها مع انضمامها إلى الأخرى، وقد نصوا على أن الانتفاع يكون بالمشترك منفردا، وهكذا يقال في كل مشترك مركب من أجزاء، ومواد يمكن فصل بعضها من بعض، ولا يحصل النفع إلا بمجموعها، وضم بعضها إلى بعض كالسيارة والبنبة إذا شارك أحد في جزء منها فقط كبيت النار، ونحوه.
[الفائدة الثالثة عشرة والمائة: ليس للمستعير التأجير للعين
المستعارة]
ولكون المستعير لم يملك المنفعة، وإنما ملك الانتفاع بإباحة المنفعة لم يكن تأجيرها إجماعا في غير المضمنة؛ لأنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن، وهو منهي عنه.
(الهدوية والجمهور): وكذا المضمنة؛ إذ التضمين لا يوجب ملك المنفعة بدليل جواز الرجوع فيها بالإجماع.
فإن قيل: بل هي تمليك المنفعة دليله عارية الدراهم، فإنها تمليك، قيل: عارية الدراهم تصير قرضا لتعذر الانتفاع بها مع بقائها.
قالت الهدوية: وليس للمستعير أن يعير العارية؛ لأنها إباحة للمنافع فقط، وليست بتمليك لها، وهو الذي جنح إليه (م بالله)، إلا أنه قال في شرح التجريد: لأنها هبة المنافع، وعليه فتجوز إعارتها عنده، وفيه نظر؛ لأنها لو كانت هبة لجاز تأجيرها، وهو ممنوع كما مر.
(ي): أما إذا أجاز المعير رأي المستعير فيها كان له أن يعيرها غيره إجماعا، لتفويضه.
(المهدي): ومن أجاز إعارتها لم يجز إلا بمثل ما استعارها له.
[الفائدة الرابعة عشرة والمائة: في من إذن لغيره بحفر بئر أو
نحوه ثم رجع عن الأذن]
قال الإمام عز الدين بن الحسن عليه السلام: من أذن لغيره بحفر بئر أو مدفن أو ماجل في أرضه، ثم رجع عن الإذن، فله حكم العارية لا حكم التمليك؛ إذ ليس من التمليك في شيء، ولا حكم الغصب إذ لا تعدي ا ه.
وقد نص أهل المذهب على صحة عارية العرصة لحفر بئر أو نحوها؛ إذ العين باقية، والعارية إنما تناولت المنفعة، فتصح الإعارة كما لو أجرها لذلك، فإن رجع المالك في المطلقة أو قبل انقضاء الوقت في المؤقتة سلم الغرامة إن لم يكن من المستعير بناء، وإلا خير بين أن يطلب من المعير قيمة البناء قائما ليس له حق البقاء وبين قلع بنائه، ولا شيء له، ولا تلزمه تسوية الأرض؛ إذ الإذن له بالبناء أسقاط لما تولد عنه، وحكم العارية للغرس حكم البناء، وإنما يثبت للمستعير الخياران في البناء والغرس إن لم يشترط المعير القلع عند رجوعه، وإذا رجع في عارية العرصة للحفر فيها، فلا يلزم المستعير لهم ما حفر لما مر من أن الإذن بالبناء إسقاط لما تولد عنه فكذا هنا.
[الفائدة الخامسة عشرة والمائة: في جواز أخذ متولي الوقف أجرة مثله]
الظاهر على المذهب أن متولي الوقف يستحق أجرة المثل، سواء كانت أقل مما فرض له أو أكثر؛ لأنها إجارة فاسدة، لجهالة العمل والمدة والأجرة واللازم في الفاسدة، إنما هو أجرة المثل، وقد ذكروا نحو هذا في العامل على الزكاة.
[الفائدة السادسة عشرة والمائة: في حكم أموال المسجد إذا دمرت]
وإذا دمرت أموال المسجد فطلب أهل الأموال التي تحتها إصلاحها وبيعها منهم، دفعا للضرر عن أموالهم لم يكن للمتولي بيعها منهم بل يصلحها من مال المسجد فإن كان المسجد معسرا، فلأهل الأمول إصلاحها إجماعا، كما في العلو والسفل ليتمكنوا من حقهم ولا يحتاجون إلى إذن الحاكم؛ إذ ولايتهم أخص ولهم أن يحبسوا مال المسجد أو يكروها أو يستعملوها بقدر غرامتهم فيها، إذ هم أخص. ا ه.
[الفائدة السابعة عشرة والمائة: في عدم جواز تحويل آلات
المسجد]
المذهب أنها لا تحول آلات المسجد وأوقافه إلى غيره؛ لمصيره في قفر ما بقي قراره لبقاء حرمته، وذهب القاسم بن إبراهيم، والإمام يحيى وغيرهما إلى جواز ذلك؛ لأن تعلق القربة بالعرصة مشروط بدوام نفعها، وملاحظة لما هو الظاهر من قصد الواقف المصلحة، ولنقل الصحابة مسجد الكوفة إلى جنب بيت المال لما سرق وغير ذلك من الأدلة.
[الفائدة الثامنة عشرة والمائة: في حكم الوديعة والضمان]
ومن خشي على ماله والودائع من الحريق أو الغرق أو أيهما في بيت أو سفينة أو غيرهما، ثم اشتغل بإخراج ماله دون الودائع، أو بعض الودائع دون بعض، لم يضمن ما تلف إلا حيث تمكن من إخراج الجميع؛ إذ لا يجب أن يجعل ماله وقاية لمال غيره، والقول للوديع في تلف الوديعة مع يمينه؛ لأنه أمين، وإن لم يبين سبب التلف ما لم يكن مستأجرا على الحفظ أو ادعى أنه ذبحها لمرض أو نحوه، فالبينة عليه.
[الفائدة التاسعة عشرة والمائة: في تعجيل كفارة الخطأ بعد
الجرح قبل الموت]
(الهدوية): وتعجيل كفارة الخطأ بعد الجرح قبل الموت جائز؛ لأن الجرح سبب، والموت شرط في وجوبها، والأحكام تتعلق بالأسباب دون الشروط، وتتعدد على الجماعة اتفاقا؛ لأنها حق الله تعالى بخلاف الدية فهي واحدة؛ لأنها حق الآدمي في مقابلة النفس وهي واحدة.
[الفائدة العشرون والمائة: عدم جواز إخراج الكفارة قبل الحنث]
الذي عليه أكثر أهل البيت عليهم السلام أنه لا يجزي التكفير لليمين قبل الحنث؛ إذ السبب الموجب للكفارة هو مجموع اليمين والحنث، فالحنث جزء من السبب؛ لأن مجموعها مناسب، وما تعلق وجوبه بسبب واحد لم يجز تقديمه عليه كالصلاة قبل وقتها، والوجه في كون الحنث جزءا من السبب هو كون اليمين مؤثرة في الكفارة لا تتحقق إلا به، وقد نبه الله على ذلك، بقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته...}[المائدة: 89]الآية إذا التقدير إذا حنثتم فكفارته.
قال في الثمرات: فالحنث مقدر بإجماع المفسرين، وقال في قوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم }[المائدة: 89]أي عن الحنث؛ لئلا تجب الكفارة، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير ، ثم ليكفر عن يمينه))، وثم للترتيب، وعليه تحمل رواية: ((فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه)).
وقال الإمام شرف الدين والإمام الحسن بن يحيى القاسمي وولده فخر الإسلام: بل يجوز التعجيل قبل الحنث إن كان خيرا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير)) وفي رواية ((فليكفر ثم ليأت الذي هو خير)) فدل على أن اليمين هي السبب، وأن الحنث شرط كالحول في الزكاة، ومن جهة النظر أن السبب الباعث هو الباعث على الحكم، ولا شك أن الباعث على الحكم وهو وجوب الكفارة، هو اليمين، ولهذا لا يجزي التكفير قبلها بالإجماع.
قيل: وقد ذهب إلى جواز تقديمها على الحنث أربعة عشر صحابيا، وجماعة من التابعين، وبه قال جماهير علماء الإسلام.
فإن قيل: الحديث يدل على وجوب تقديم الكفارة على الحنث، فما الذي صرفه؟
قيل: الخبر المتقدم، فإنه يدل على جواز التأخير والإجماع على عدم وجوب تقديمها على الحنث، بل قالوا: يستحب تأخيرها عنه، ولعله للإحتياط، والخروج من موضع الخلاف، وهاهنا قول ثالث مروي عن الناصر، وهو أن إتيان الذي هو خير هو الكفارة، ويدل عليه ما رواه محمد بن منصور قال: حدثني عبد الله بن موسى، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، قال: ((من حلف على شيء ثم رأى غيره خيرا منه فليأته فإنه كفارته )) رواه في العلوم. وهذا سند صحيح؛ لأنه من طريق العترة الطاهرة، وفي معناه ما رواه بعض المحدثين من حديث عمرو بن شعيب مرفوعا، ((ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها)).
وفي حديث عن أبي هريرة يرفعه: ((فليأت الذي هو خير فإنه كفارته)) وقد ضعف بعض المحدثين الروايتين، لكنه يشهد لهما خبر العلوم، وما في بعض روايات مسلم، لحديث عدي بن حاتم، ولفظه: ((ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه)) وظاهره أنه يتركها، ولا كفارة عليه وإلا لبينها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس موقوفا: ((من حلف على ملك يمين ليضر به فكفارته تركه ومع الكفارة حسنة ))، وفيه إشارة إلى أن الكفارة مستحبة، ويشهد لذلك كله ظاهر قوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا...} [البقرة: 224]الآية.
والنهي، كما في الثمرات يدل على فساد المنهي عنه فتسقط الكفارة.
قال: وقد يجمع بين الخبرين بأن الأمر بالتكفير مستحب، وعدم الأمر بالكفارة؛ لكونها مستحبة، ثم ترجح وجوبها لكثرة الأخبار المقتضية لذلك.
قلت: ويمكن أن يقال الأخبار تدل على وجوبها إلا فيما كان خيرا، وفي هذا جمع بين الأخبار، وقد بين في الآية الخير الذي تسقط به الكفارة.
وفي الثمرات عن الناصر: أنه إذا كان أقرب إلى الله فلا كفارة للخبر السابق، وعليه فيكون الخير المسقط للكفارة أمرا مخصوصا، وهو ما كان فيه قربة لا مطلق الخير المتناول للمباح، والمنافع الدنيوية المحضة.
[الفائدة الإحدى والعشرون والمائة: حكم من أعان على خصومة]
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع )) وأخرج أبو داود عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله )) ولأبي داود، وابن حبان في صحيحه مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل بعير تردى في بئر، فهو ينزع منها بذنبه، ومعناه أنه وقع في الإثم وهلك كما يهلك هذا البعير؛ لأنه لا يتخلص بنزعه بذنبه.
وفي حديث أخرجه الطبراني: ((وأيما رجل شد غضبا على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند الله حقه ، وحرص على سخطه، وعليه لعنة الله تتابع إلى يوم القيامة)) ومعنى شد غضبا أنه أعان مخاصما قد غضب.
وللطبراني أيضا: ((ومن أعان على خصومة لا يعلم أحق أو باطل فهو في سخط الله حتى ينزع )).
وفي حديث أخرجه الطبراني، والأصبهاني: ((من أعان ظالما بباطل ليدحض به حقا، فقد برئ من ذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم )).
[الفائدة الثانية والعشرون والمائة: حكم تعارض البينتين]
وإذا تعارض البينتان وأمكن استعمالهما معا لزم، نحو أن يدعي أن فلانا أقر، أو أوصى له، أو وهب له كذا وهو عاقل، ويقيم البينة على ذلك، ويقول: هو أو الوارث، بل فعله وهو زائل العقل، ويبين على ذلك، وتكون البينتان مضافتين إلى وقتين أو مطلقتين أو أطلقت إحداهما، والأخرى مؤقتة ففي هذه الصورة يستعملان معا؛ حملا على السلامة، ويحمل على أنه وقع عقدان أحدهما مع العقل دون الآخر فيحكم بالصحة عملا، بالواقع مع ثبوت العقل تقدم أو تأخر.
فأما إذا أضافتا إلى وقت واحد، أو تصادق الخصمان على أنه لم يتفق إلا إقرار، أو عقد واحد، فهنا لم يمكن استعمالهما معا، بل يتكاذبان ويبطلان معا؛ لأن تعارضهما على وجه يعلم كذب إحداهما، وحينئذ يرجع إلى الأصل المعروف من حاله، فإن كان هو الجنون أو هو الغالب عليه بقي الحق لمالكه، وإن كان أصله العقل أو هو الغائب عليه أو استويا أو التبس حكم بالصحة؛ لأن العقد إذ احتمل وجهين يصح في أحدهما حمل على الصحة، وهو الانتقال عن الجنون إلى الصحة.
d: وعلى هذا التفصيل يقال في تعارض البينتين في البيع: فيلزم الاستعمال إن أمكن، وتتكاذب البينتان إن لم يمكن إلا أنه مع التكاذيب يثبت التحالف بينهما؛ إذ قد صارا كما لو لم يبينا فيحلف كل منهما على النفي أنه ما شرى كذا أو ما باع كذا، وبعد التخالف يبطل العقد بالتراضي، أو بفسخ الحاكم عند التشاجر.
[الفائدة الثالثة والعشرون والمائة: وجوب قبض المعجل قبل وقته]
ويجب قبض كل معجل مساو أو زائد في الصفة؛ لإلزام عمر امرأة كاتبت عبدا قبول تعجيل العبد قبل النجوم المضروبة، ولما امتنعت أخذه عمر وتركه في بيت المال، ولم ينكره أحد، ولأنه لا ضرر على صاحب الحق فيه فأشبه ما إذا أعطاه أجود، وفي فعل عمر دليل على أن صاحب الدين إذ امتنع من قبضه ناب عنه الإمام والحاكم، وقد ذكر نحوه في شرح البحر.
d: له ترك القبض لخوف ضرر أو غرامة.
[الفائدة الرابعة والعشرون والمائة: وجوب رد الدين إلى موضع القبض]
ويجب رد الدين اللازم بالعقد سواء كان مؤجلا أو حالا إلى موضع العقد.
فائدة: الذي يجب رده في الموضع الذي قبض فيه القرض والرهن، والعارية والرقبة المؤجرة، والحق المعجل والمؤجل، إن ساوى أو زاد في الصفة بأن أمكن قبضه وأمن عليه، فإن لم يقبله مع التخلية ناب عنه الإمام والحاكم، فإن لم يوجدا فظاهر المذهب أنه يبرأ من هو عليه بالتخلية.
[الفائدة الخامسة والعشرون والمائة: حكم رد الوديعة إلى زوجة
المالك ونحوه]
وللوديع رد الوديعة إلى زوجة المالك وغلامه، وولده إذ يدهم يده، إذا جرت العادة بالرد إليهم، ولو قال: لا تسلمها إلا إلى يدي فسلمها إلى من جرت العادة بالرد إليه برئ، ولا حكم لنهيه، كما لو قال: ضعها في الطريق أو في زاوية البيت.
[الفائدة السادسة والعشرون والمائة: حكم رد المغصوب إلى موضع الغصب]
ويجب رد المغصوب إلى موضع الغصب وإن بعد عن المجلس، أو كان في حمله مؤنة؛ لوجوب رده، كما أخذه، وهذا من صفاته، فإن كان غائبا عن موضع القبض فالحاكم ينوب عنه.
[الفائدة السابعة والعشرون والمائة: حكم جواز حبس العين
المستأجرة حتى يستوفي الأجير]
وللأجير حبس العين التي استأجر على العمل فيها حتى يستوفي أجرته، وكذا البائع قبل التسليم والمشتري فاسدا إذ فسخ، وقد سلم الثمن، وكل فسخ بعد تسليم الثمن فإن الحكم واحد.
[الفائدة الثامنة والعشرون والمائة: في أن أول ما يقضى فيه يوم
الدماء]
وأول ما يقضى فيه يوم القيامة الدماء؛ لحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء )) وفيه دليل على عظم ذنب القتل؛ لأن الابتداء لا يكون إلا بالأهم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله وشطر الكلمة أن يقول: أق)) من أقتل، وفيه وعيد شديد للقاتل؛ لأنه إذا كان شطر الكلمة موجبا للإياس من رحمة الله، فكيف بمن أراق دم المسلم ظلما وعدوانا بغير حجة نيرة، والأحاديث في الباب كثيرة، حتى روي أنها لا تقبل لقاتل المسلم ظلما توبة.
[الفائدة التاسعة والعشرون والمائة: بيان إذا حمل السيل تراب
أرض رجل إلى أرض غيره]
إذا حمل السيل تراب أرض لرجل إلى أرض غيره فعلى مالكه رفعه بما لا يجحف، فإن لم يكن فهو عذر، وإذا رفعه لم يجب عليه تسوية الأرض إذا تولد نقص من التراب إلا لعرف، ولا يجب عليه أجرة وقوفه في الأرض؛ لأنه بغير فعل منه إلا أن يكون بسبب متعد فيه، أو بعد المطالبة بالرفع فلم يرفع.
[الفائدة الثلاثون والمائة : وعلى مطلق البهيمة ونحوها ما جنت]
وعلى مطلق البهيمة ونحوها، كالماء والمدفع والبندق والسفينة والسبع ماجنت فورا من غير تراخ إذ هو كالمهيج لها.
d: والمراد بالفور هو: الذي لم يتخلل فيه وقوف سواء سارت المعتاد أم زائدا عليه؛ لأنه أثر فعله فإن تخلل عقيب الشعور بالإطلاق، أو في أثناء السير وقوف لم يضمن ما جنت إذ فعلت باختيارها، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((جرح العجماء جبار )) أي منجبر لا ضمان فيه إلا أن يكون ذلك الحيوان عقورا ضمن، ولو تراخت بعد الإرسال؛ إذ إطلاقها تفريط في الحفظ، والتفريط في حفظ العقور موجب للضمان؛ لقضاء علي عليه السلام بالضمان في بقرة قتلت حمارا، وحمل على العقور جمعا بينه وبين قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((جرح العجماء جبار )).
[الفائدة الإحدى والثلاثون والمائة: وعلى متولي الحفظ جناية
غير الكلب]
وعلى متولي الحفظ من مالك أو مستعير أو نحوهما جناية غير الكلب إن جنى ليلا؛ إذ قضى صلى الله عليه وآله وسلم بذلك؛ لاعتياد حفظها بالليل، ولا ضمان في النهار لاعتياد إرسالها؛ إذ لا تعدي بأرسالها، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((جرح العجماء جبار )) فإن جرت العادة بعكس ذلك انعكس الحكم؛ إذ العلة العادة، ولا ضمان إن جرت العادة بعدم حفظ الدواب لما مر.
[الفائدة الثانية والثلاثون والمائة: في أنه لا يضمن ما جناه
الكلب ليلا]
وأما الكلب فإنه يرسل في الليل ولا يضمن ما جناه ولو في الطريق ونحوها؛ لأنه محتاج إلى إرساله بالليل للحفظ دون النهار، فيجب حفظه بربطه في النهار، فإن جنى نهارا ضمنت جنايته ولو غير عقور، حيث لا يعتاد إرساله بالنهار.
[الفائدة الثالثة والثلاثون والمائة: في ضمان الراعي ما أكلت
الغنم في مرعاها]
ويضمن الراعي ما أكلت الغنم في مرعاها؛ إذ عليه حفظها، فإن أبعدها عن الزرائع وغفل يسيرا، فتعدت لم يضمن؛ إذ يعذرون في اليسير مع إبعادها، ولو رعاها ليلا فدخلت بساتين ذات حيطان وأبواب، فلا ضمان؛ إذ التفريط بفتخ الأبواب بخلاف الزروع التي بلا حيطان. ذكر ذلك في البحر.
فإن ضربها صاحب الزرع فقتلها ضمنها إجماعا، أو أرشها، وهو ما نقص من قيمتها، فإن حبسها ليلة فتلفت فإن أمكن ردها في الليل، ولم يردها ضمن؛ لتعديه بالحبس مع إمكان الرد.
[الفائدة الرابعة والثلاثون والمائة: في الفرس الشموس]
ولو كان الفرس شموسا لا يركب إلا في الصحراء فركب في الشارع، ضمن ما جنت؛ لتعديه ولتفريطه، وإن فلتت من الإصطبل أو من العقال، وقد حفظها حفظ مثلها،لم يضمن؛ إذ لا تقصير، وكذا لو جنت العقور في المرعى وقد عقلها أو ربطها.
[الفائدة الخامسة والثلاثون والمائة: من وضع حية في مكان ضمن
ما جنت]
ومن وضع حية ضمن ما جنت حتى تنتقل، ولا ضمان بعده؛ إذ هو بمجرد اختيارها.
[الفائدة السادسة والثلاثون والمائة: وعلى متولي الحفظ جناية
العقور]
وعلى متولي الحفظ ضمان جناية العقور من كلب أو غيره إن فرط في حفظه حفظ مثله، وسواء جنى في المرعى أو غيره ليلا أم نهارا، لما مر من قضاء علي عليه السلام بالضمان في بقرة قتلت حمارا، ولو كانت جناية العقور على الداخل في ملك صاحبه إن كان دخوله بإذنه لفظا؛ إذ هو مع الإذن غار له إن لم يخبره بان العقور موجود، فإن كان جاهلا وجوده أو كونه عقورا أو دخل بغير إذنه لم يضمن إذ لا تغرير.
d: ولو دخل لعرف أو لتجويز الرضى لم يضمن أيضا، إذ يقدر أنه لم يأذن بالدخول للعرف، وجواز الرضى إلا لمن حفظ نفسه، أو بشرط براءته، والأصل عدم الضمان.
d: وإنما تضمن جناية العقور في غير الكلب، فلا تضمن جنايته ليلا، لما مر؛ ولقول علي عليه السلام: يضمن صاحب الكلب إذا عقر نهارا، ولا يضمن إذا عقر ليلا، وأمره صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الكلاب منسوخ إذ رآها بعد ذلك، فلم يأمر بقتلها فكان نسخا.
[الفائدة السابعة والثلاثون والمائة: فيمن طرد دابة من زرعه
فأفسدت زرع غيره]
ومن طرد دابة من زرعه فأفسدت رزع غيره، لم يضمن إلا أن يكون متصلا بزرعه محيطا به؛ إذ هي معه أمانة مالم تتراخ عقيب الإخراج، أو يجري عرف بالتسييب بعد الإخراج، فلا يضمن؛ إذ لا تفريط في الحفظ المعتاد، ومن زاحم بهيمة في طريق فمزقت ثوبه فلا ضمان إلا أن يكون غافلا، ولم ينبهه سائقها ضمن لتفريطه.
[الفائدة الثامنة والثلاثون والمائة: متى يحل قتل الهر؟]
ويحل قتل الهر إذا أكل الدجاج أو بال على الثياب، أو المأكولات أو أكل الحمام أو نحو ذلك؛ لضرره، وكذا إذا خشي منه ذلك في المستقبل.
[الفائدة التاسعة والثلاثون والمائة: في بعير ونحوه إذا صال
على إنسان]
وإذا صال على إنسان بعير أو ثور ولم يحفظه مالكه، وخشي على نفسه جاز قتله، إن لم يندفع إلا بالقتل؛ إذ للمرء قتل ما صال عليه من آدمي أو بهيمة، ولم يندفع إلا بالقتل إجماعا، لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم }[البقرة: 195] وقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم }[البقرة: 194].
d: ولا يضمن تعديه كقتله نفسه.
d: ولا يجب الهرب من الصائل؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من قتل دون دينه فهو شهيد ...)) الخبر، إذ ليس متعديا بالدفع ولا يجوز الاستسلام له، ولو مسلما، بل تجب المدافعة لما مر، وإذ قد أبطل حرمته بصولته فأشبه الذمي، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((كن عبد الله المقتول ...)) الخبر، محمول على بذل النفس في الفتنة بالمقتل بقتال أهلها.
d: ولو سقط على رأس إنسان زق فانخرق لم يضمن كالصائل، ولو سدت بهيمة باب بيت جاز للمضطر قتلها، إن لم تندفع إلا به، ولا ضمان كالصائل.
d: ولمن خشي التلف جوعا أو عطشا إيثار غيره، ذكره في البحر؛ لقوله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم } [الحشر: 9]ولقصة بعض قتلى أحد.
[الفائدة الأربعون والمائة: وللمرء القتل والقتال على المحترم]
وللمرء القتل والقتال على المحترم، وإن قل؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من قتل دون ماله فهو شهيد )) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((حرمة مال المسلم كدمه )) ويجب الدفع عن الغير؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((انصر أخاك ...)) الخبر، وعن الفواحش كالنهي عن المنكر مع كمال الشروط.
d: ويقدم في الإنكار الأخف فالأخف، فإن عدل إلى الأشد، وهو يمكن الأخف ضمن فيقدم الصياح على البهيمة والآدمي الأعزل ولو بالاستعانة بالغير، ثم الضرب باليد، ثم بالسوط، ثم بالعصا، ثم بالسلاح، فإن عدل إلى رتبة مع إمكان الدفع بدونها ضمن حتى لو ضربه، وهو صائل ضربة ثم ضربة أخرى، وقد اندفع ولا يؤمل عوده، فالثانية مضمونة فإن مات بهما فنصف الدية، فإن كان يندفع بالعصا وليس عنده إلا السيف، ونحوه، فله الدفع به للضرورة، فإن التحم القتال بينهما سقطت مراعاة الترتيب؛ لخروج الأمر عن الضبط.
[الفائدة الإحدى والأربعون والمائة: ويحل اقتناء الهر]
ويحل اقتناء الهر لخبر المرأة التي حبست الهرة حتى ماتت، وفيه: ((فلا هي أطعمتها )) ولا يضمن مالك الهرة ما جنته ليلا ولا نهارا، إذ لا يعتاد حبسها، ولا ربطها نهارا.
[الفائدة الثانية والأربعون والمائة: متى يصير العقور عقورا؟]
وإنما يثبت العقور عقورا بعد عقره مرة واحدة، أو حمله ولو مرة ليعقر، فيضمن مالكه الثانية إن علم بذلك، وفرط في حفظه إذ عرف عدوه بالأولى فكفت.
d: وإنما يكون عقورا إن ضر فيما لا يعتاد إطعامه منه، فلا تكون البهيمة عقورا بأكل الزرع، والهرة بأكل اللحم والطعام، ونحو ذلك؛ لأن ذلك من طبعها، ولا يضمن المالك إلا حيث جرى عرف بالحفظ.
قال في التاج: بخلاف ما إذا عرفت بالضرر بأي وجه من عضة أو نفخة، أو نطحة أو لعص ثياب أو حملها ولو لم تعقر، ونحو ذلك ولو مرة واحدة فإنه يثبت بذلك؛ كونها عقورا، وهذا في غير الكلب، وأما الكلب فلا يكون عقورا إلا حيث لا ترده الحجر والعصا، أو يكون ختولا يعدو على حين غفلة، ويجب على مالك العقور حفظه أو قتله، فإن لم يفعل جاز لغيره قتله.
[الفائدة الثالثة والأربعون والمائة: في العمل بالخط والكتابة]
العمل بالكتابة ثابت عقلا لإطباق العقلاء من الموحد والملحد، على الفزع إليها عند إرادة التوثق في معاملتهم وعقودهم وعهودهم وهدنهم، وفي الروابط المعقودة بينهم، والرجوع إلى العمل بما تضمنته عند اختلافهم، وهذا معلوم بالضرورة، وسمعا لتعظيم الله سبحانه القلم بالقسم، وبه الامتنان بتعليمه حتى قرنه بأصل من أصول النعم، وهو خلق الإنسان من علق.
وفي المجموع وغيره: أنه أول مخلوق خلقه الله، ثم خلق الدواة، ثم أمره بكتابة الكائنات، وذلك دليل على علو شأنه، واعتباره والعمل به في حفظ العلوم والحقوق، وغيرها، وإقامة الحجة بالكتابة على العباد، وإرشاد لهم إلى ذلك، ولهذا امره الله بكتابة الكائنات، مع أنه يعلم السر وأخفى، لا يخفى على الله شيء، ومن ذلك: قصة سليمان عليه السلام؛ لأنه طلب إسلام بلقيس وقومها، وامتثالهم مجرد كتابه إليها، ونحوه.
مدح الذين يتبعون الرسول الأمي صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ ظاهره أنهم في ابتداء امرهم اتبعوه بمجرد كونهم وجدوه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعلية، ومن ذلك قوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ...}[البقرة: 282] الآية.
فإنه يدل على جواز العمل بالكتابة أو وجوبه، ودلالته على الوجوب أظهر، والآية واردة في كل معاملة فيها مداينة مؤجلة، إذ الدين يتناول القرض والسلم، والبيع إلى أجل، ونحوها وبيان دلالتها من وجوه:
أحدها: أن الله تعالى أمر بكتابة الدين المؤجل أمرا مجملا، والأمر ظاهر في الوجوب، والأمر بها يستلزم وجوب العمل بها، وإلا لم يكن له فائدة، وكون الأمر في الآية للوجوب، قد قال به بعض المحققين: وهو الذي يقتضيه ما مر.
الثاني: أنه لما أمر بها إجمالا أكد الأمر بها ثانيا، مقرونا ببيان حال من يتولاها، فقال: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل }[البقرة: 282] أي كاتب عادل؛ لأن الكتابة لا تكون ضمانا تاما لحفظ الحقوق إلا إذا كان الكاتب عدلا لا غرض له إلا بيان الحق؛ لأن غير العدل، لا تؤمن منه المحاباة والزيادة والنقصان، وتعمد تضييع حق أحد المتعاملين.
الثالث: أنه لما أكد الأمر بها صريحا، عقبه بالنهي عن الأباء منها، المستلزم للأمر بها، ثم قرنه بتذكيره بنعمة تعليمه الكتابة؛ ليعلم أنه لا ينبغي له أن يبخل بنفع الناس بها، كما نفعه الله تعالى بتعليمه إياها، فهو مثل:{وأحسن كما أحسن الله إليك } [القصص: 77]ويؤخذ من الآيتين أن العالم بما فيه نفع ومصلحة للناس، يجب عليه القيام بذلك إذا دعي إليه مع تمكنه، كما علمه الله، وأحسن إليه بتعليمه وتمكينه.
الرابع: تكرار الأمر، بقوله: {فليكتب}[البقرة: 282] تأكيدا لما مر.
الخامس: أمر من عليه الحق أن يلقي على الكاتب ما عليه من حق، فقال: {وليملل الذي عليه الحق } [البقرة: 282]وذلك ليكون إملاله حجة عليه تبينها الكتابة، وتحفظها، وفي ذلك دليل على العمل بها، لا سيما مع أمره بتقوى الله ربه بإملائه على الكاتب، وأن لا يبخس منه شيئا، فلولا أنه يرجع في إثبات الحق إلى ما كتبه الكاتب لأمره بتأدية ما عليه كاملا دون إملائه على الكاتب.
السادس: أنه تعالى بعد تكرار الأمر بالكتابة، وتأكيده أردفه بالنهي عن السأمة عنها، فقال: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا }[البقرة: 282].
قال بعض العلماء: وهذا دليل على وجوب الكتابة في القليل والكثير، ولهذا قدم الصغير الذي يتهاون به الناس، ودليل أيضا على وجوب العمل بها عند استيفاء شرائطها، يؤيده إتيانه بعدها ببيان الحكمة في الأمر بها، في قوله تعالى: {ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا }[البقرة: 282] والإشارة إلى جميع ما تقدم ومنها الكتابة أو إلى الكتابة فقط، كما قيل: وقد بين وجه الحكمة من وجوه:
أحدها: أن ذلك أقسط عند الله، أي أحرى بإقامة العدل بين المتعاملين.
الثاني: أنه أقوم للشهادة؛ لأن الشاهد إذ رجع إلى الكتابة أفادته ذكرها، وأداءها على وجهها، وفيه دليل للمذهب على أن للشاهد أن يرجع إلى الخط لتفصيل ما ذكر جملته.
الثالث: أن ذلك أقرب إلى نفي الريبة، والمعنى أن الاحتياط بكتابة الحقوق يمنع كل ريبة، وكل ما يترتب على الارتياب من المفاسد من ضياع الحقوق وغيرها.
الرابع: ما في رفع الجناح عن كتابة التجارة الحاضرة من الدلالة على أن كتابتها أولى، وأن تركها رخصة، والترخيص فيها يقتضي أن كتابة المؤجلة عزيمة ولما اشتملت عليه هذه الآية الكريمة من الأوامر المتكررة والتأكيدات المقررة، والحكم الظاهرة، فلا ينبغي أن يرتاب في جواز العمل بالخط المستوفي لشرائط العمل أو وجوبه، لا سيما والآية وردت في المعاملات مع عموم الخطاب، بقوله تعالى: {وأدنى ألا ترتابوا } [البقرة: 282]إذ يتناول الشاهد والكاتب والحاكم وغيرهم ممن يرجع إليه في استخراج الحق الثابت بالكتابة، وفيه دليل على أنه يكفي الظن بصحة ما تضمنته الكتابة؛ إذ القرب إلى نفي الريبة يحصل بالظن؛ لأن الريب الشك وهو استواء التجويزين، فإذا انتفي جاز العمل، وهو ينتفي بظن الصحة؛ لأن الظن تجويز راجح، هذا مع ما علم من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبلغ الشرائع بالكتابة إلى الغائبين، كما يبلغ بالخطاب إلى الحاضرين مع إيجاب العمل بكل ذلك بلا فرق، وكذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الهادون وسائر علماء الإسلام، من فقهاء ومحدثين ومفتين ومؤرخين، وأطباقهم على التأليف لقصد العمل بما في المؤلفات وبالكتابة حفظت الشريعة المطهرة عن الضياع، مع قلة الحفاظ، وكلام أئمة الأصول في العمل بالوجادة معروف، حتى قال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام: إن العمل بها هو الذي أجمعت عليه العترة عليهم السلام.
وبالجملة إن العمل بالكتابة في العلوم الدينية، والوثائق المالية والروابط الإنسانية ظاهر لا يدفع، ومكشوف لا يتقنع، فلا حاجة بنا إلى نقل ما وقع، ولا يدخل نقله تحت مقدورنا، وأهل المذهب الشريف قد اعتبروا الكتابة في مواضع فجعلوها كناية طلاق، وصححوا انعقاد البيع والنكاح بها، وكذلك في كتاب حاكم إلى مثله، وأجازوا للشاهد الاستناد إليها فيما عرف جملته، ونسي تفصيله، وعدم اعتبارها في بعض المواضع، فهو إما لوجود مانع، أو عدم شرط عندهم، فمن وجود المانع، قولهم: لا يشهد لمعرفة خطه إلا إذ ذكر جملته لاحتمال التزوير، فينتفي اليقين لكنه يقال: الاحتمال لا يدفع الظهور، ويلزمكم أن لا تشهد على التفصيل، وإن ذكر الجملة لبقاء الاحتمال فيه على أنه قد جوز الشهادة، وإن لم يذكر الجملة الهادي في المنتخب، ومالك، وأبو يوسف، ومحمد، وقواه، والفقيه حسن إذا علم من نفسه أنه لا يضع خطه إلا على ما قد تحققه، وأراد الشهادة عليه للاضطرار، ويدل عليه ما مر من الأدلة على اعتبار الخط والعمل به، ولا ملجأ لتأويل كلام المنتخب، ومن ذلك قولهم: لا يستند الحاكم في حكمه إلى ما وجد في ديوانه؛ لاحتمال التزوير؟ وجوابه: ما مر، وأما عدم اعتبارهم الخط لعدم شرط، فمنه قولهم: من وجد خطا لغيره بحق عليه وأنكره لم تجز الشهادة عليه بذلك الحق، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بالخط ولا خلاف فيه.
قلنا: أما الشهادة فمسلم لعدم اليقين وللإجماع على المنع؛ إذ قوله ولا خلاف فيه قيد فيها لا في عدم جواز الحكم، كما في حواشي التذكرة، ولخلاف مالك فإنه جوز الاستناد في الحكم على الغير إلى خطه، وهو مقتضى كلام المنتخب، وعلى كل حال فمنع الشهادة استنادا إلى الخط لا يستلزم عدم جواز الاستناد إليه في الحكم للفرق بينهما؛ إذ الشهادة يشترط استنادها إلى اليقين غالبا، والحكم يكفي في مستنده الظن أو حصول سبب جوازه، وإن لم يحصل ظن ولم يحصر على سبب مخصوص، بل ما تبين به الحق صح جعله مستندا للحكم؛ لأن البينة في الأصل ما به يتبين الحق، ويتضح أعم من أن تكون هي الشاهدين أو غيرهما، ولهذا اعتبر شاهد ويمين وعدلة فيما يتعلق بعورات النساء، وعلم الحاكم وتحقيق القول في المسألة: أن الحكم بالشهادة ليس أمرا تعبديا حتى لا يجوز العدول إلى الحكم بغيرها، وإنما هي أحد الأسباب التي يتوصل بها الحاكم إلى معرفة المحق من المبطل غير مقصودة لذاتها، بل لأمر آخر هو حصول ما يحصل للحاكم بها من علم أو ظن، فكان ذكرها في نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((شاهداك أو يمينه )) إنما هو لكونها طريقة لتحصيل ما هو المعتبر في جواز الحكم، وهو العلم أو الظن بثبوت الحق على المدعى عليه، لا لقصر الحكم بها فقط، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يشاركها كل ما قام مقامها في تحصيل أيهما، إذ لا مانع، والفرق تحكم لا يقال فيلزم أن يحكم بالشاهد الواحد؛ إذ قد يحصل عن شهادته الظن؛ لأنا نقول إن القضاء إذا كان بأحد الأسباب المشروعة وجب التوقف فيه على ما ورد، وهو الشاهدان أو PageV160P006 الشاهد واليمين، وحديث ذي الشهادتين يقوي ذلك، ولا نزاع فيه، إنما النزاع فيما إذ جاء سبب آخر معتبر في الشرع هو أولى بالقبول من الشهادة كحكم الحاكم، أو مساو لها في تحصيل الظن كالخط المعتبر، فهذا لا ينبغي الشك في جواز الاستناد في الحكم إليه، لا سيما والظاهر أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((على المدعي البينة )) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم للكندي: ((ألك بينة)) يتناوله، وبيانه كما ذكره بعض المحققين هو: أن البينة في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة أعم منها في اصطلاح الفقهاء، حيث خصوها بالشاهدين أو الشاهد واليمين، فهي اسم لكل ما يبين الحق، كما في قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، بالبينات}[النحل: 43] وقوله تعالى: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة}[البينة: 4]... وعليه حمل ما جاء في السنة وكلام الصحابة، إذ لا مانع، ولا دليل على قصرها على الشاهدين، وعلى هذا فيقال في حديث الكندي: ألك ما يبين الحق من شهود أو دلالة؟ إذ الشارع يقصد ظهور الحق، وبيانه بما أمكن من البينات التي هي دلالة عليه؛ لئلا تضيع حقوق الله وعباده، ولا يقف ظهور الحق على أمر معين مع مساواة غيره له في ظهور الحق به دليله تنوع الأدلة على كثير من المسائل، فإن منها ما يستدل عليها بادلة متنوعة من كتاب الله، وسنة رسول الله، مع إجماع أو قياس، والدليل والبينة بمعنى إذ المقصود بيان الحق ولو بقرينة مقرونة بما يقويها؛ إذ بعض القرائن قد ترجح في ظهور PageV160P007 الحق في الأحكام والأموال.
ألا ترى أنه لو وجد رجل على رأسه عمامة، وفي يده أخرى، وبعده آخر يعدو أثره مكشوف الرأس، ولا عادة له بكشف رأسه، فإن قرينة الحال تفيد صدق المدعي أضعاف ما تفيده اليد عند كل أحد، والشارع لا يهمل مثل هذه البينة.
ومن هنا اختار الإمام المتوكل على الله يحيى بن محمد: أنه إذا تضارب اثنان فصاعدا، وانجلت الفتنة عن جنايات في بعضهم، فإنه يحكم بها على الآخر، وإن لم تقم لدى الحاكم شهادة على أنها من خصمه، اعتبارا بالقرائن والأمارات التي ورد الشرع باعتبارها حفظا للحقوق؛ إذ لو لم نعتبرها لهدرت الدماء، وهتكت الأعراض.
والحاصل أن الشرع جعل الطريق التي يحكم بها أعم من التي يتوثق بها في حفظ الأموال، وإن كانت داخلة في مفهومها، وبين الحكم والتحفظ فرق ظاهر، فكل ما يبين الحكم الحق يصح الحكم بمقتضاه، دليله الحكم بشهادة الكفار على الوصية في السفر، وبشاهد ويمين، وبشهادة القابلة على الولادة، والاستهلال، ورتب على شهادتها أحكاما، وأمر بفراق الزوجة؛ لقول امرأة أنها أرضعتها، وزوجها إلى غير ذلك، وبمجموعها يظهر قوة القول بأن الطرق التي يحكم بها الحاكم أوسع من الطرق التي تحفظ بها الأموال، وأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((على المدعي البينة )) يتناول أي طريق يتبين بها الحق، وأن الظن كاف في جواز الحكم، وأما قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم }[الإسراء: 36] فيحتمل وجوها:
أحدها: أن يكون واردا فيما المطلوب فيه اليقين كالعقائد، فيكون من العموم الذي أريد به الخصوص.
الثاني: أنه مخصص بأدلة وجوب العمل بالظن في الفرعيات.
الثالث: أن يبقى على ظاهره، ويقال: ما دل الدليل المعلوم على العمل به لم يكن العامل به مقتفيا ما ليس له علم.
ألا ترى أنه يجب العمل بالشاهدين، وبرجل وامرأتين، وبأخبار الآحاد والقياس الظني، ولم يفد شيء منها العلم لكن دليل العمل بها قطعي، وكذلك يقال في العمل بالكتابة؛ إذ دليلها ودليل العمل بالشهادة في رتبة واحدة، والأمر بالكتابة مكرر مؤكد دون الشهادة.
الرابع: أن المراد بالعلم في الآية معناه: الأعم، وهو ما يشمل الظن، كما في قوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات }[الممتحنة: 10] وليس إلا الظن الغالب، وعليه فلا إشكال، وبما تقرر عقلا ونقلا، يعلم أن العمل بالخط معتبر في المداينة والمعاملة، وغيرهما، وقد قال به من أئمتنا المتأخرين: الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي، والإمام المتوكل يحيى بن محمد، والإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي رضي الله عنهم، ومن كلام الإمام الحسن أن المعتبر حصول الظن بصحته، وقال به أيضا العلامة الشوكاني، والسيد العلامة محمد بن الحسن الوادعي رحمه الله، وعليه العمل في ما تأخر من الزمن، إلا أن الكاتب والشهود معه إن كانوا أحياء فلهم حكم الشهود في التحقيق والنقل، والجرح والتعديل، وإن كانوا أمواتا فمن المعلوم أنها لم توضع الوثائق إلا لئلا تضيع ما تضمنته من الحقوق، وقد شرطوا في جواز العمل بها معرفة الكاتب وعدالته وخطه؛ لأن الخط إذا لم يكن معروفا لم يجز العمل به بلا خلاف، وعدم معرفة الكاتب تستلزم عدم معرفة عدالته، والجهل بالعدالة مسقط للرواية والشهادة، فضلا عن الكتابة، وإذا اجتمعت هذه الشروط تعين العمل بالخط، وإلا ذهبت فائدة الأدلة السابقة سدا، فإذا تضمن إثبات دين أو بيع أو نحوهما وجب العمل بمقتضاه، حيث لم يأت من هو عليه بحجة واحتمال تغير مضمونه بناقل من بيع، أو هبة، أو إيفاء أو إسقاط، أو تجويز تزوير كل ذلك احتمال مرجوح لا يقوى على مقاومة الظاهر، ويؤيده بأن المحتمل، والمجوز خلاف الأصل، والظاهر لأن الأصل عدم النقل، والظاهر PageV160P010 مع المتمسك بالرقم والأصل، والظاهر هما القنطرة التي تجري عليهما غالب الأحكام الشرعية، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفداء من العباس استنادا إلى خروجه مع المشركين لقتال المسلمين بعد أن قال: ((إنما خرجت مكرها)) وهذا ما لم يعارض الرقم ثبوت يد الآخر على ما تضمنه الرقم، فهذا محل إشكال يحتاج إلى دقة نظر أهل الكمال؛ لأن الخط المعتبر شرعا الذي مات كاتبه وشهوده وإن كان داخلا في عموم البينة الشرعية، فليس في رتبة الشهود الأحياء الأثبات؛ لأنه يدخله من الاحتمالات ما لا يدخل شهادتهم، وما كثرت فيه الاحتمالات، وإن كانت لا تدفع ظهوره مرجوحا بالنظر إلى ما قلت فيه كما في الخبر الأحادي والقياس، وطرق الراوية؛ إذ طرق الحكم بالنظر إلى الحاكم، كطرق الأدلة بالنظر إلى المجتهد، وحينئذ فلا بد من مرجح ما للخط على ما يقتضيه ظاهر اليد، وإلا حكم باليد، وقد ذكروا صورا يستدل بها على غيرها، منها:
أن يكون ثابت اليد ممن يجوز منه الاغتصاب، ولا مستند له إلا الثبوت، فهذه قرينة يرجح بها الخط، ومنها طول الزمان وقصره، فإذا كانت قد طالت مدة الثبوت كانت مر جحة له، وإن قصرت، ولا ناقل كانت مرجحة للرقم ومنها الغيبة، والحضور، فإذا كان المتمسك بالرقم غائبا عن البلد الذي الموضع المتنازع عليه فيه رجح الرقم، وإن كان حاضرا فيها رجح الثبوت، ومنها تأجير الثبوت عن تاريخ الرقم فإذا تأخر قوى جانب الثبوت، وإن كان تاريخ الرقم هو المتأخر قوي جانبه؛ لأنه ناقل.
ومنها: أن يكون الخصمان في أرض تجري فيها الأحكام الشرعية، وينتصف فيها للمظلوم، فهذا مرجح، والعكس فالعكس، ومنها غلبة الظن بصحة الخط بأن تقضي الأمارات المأخوذة من ألفاظه، وملاحظة شروط الصحة فيه أنه من خطوط العلماء، وعليه أسماؤهم وشهادتهم، وإن لم يعرف خطهم، بل ولولم يعرفوا كما في دروج الأوقاف، وهذا أفتى به الإمام الحسن بن يحيى القاسمي رحمه الله، فإنه سئل عما وضعه الأوائل الكرام في الدروج من الموقفات لبعض المساجد، وذو اليد يدعيه ملكا؟
فأجاب: أن العبرة في الدروج بظن الصحة، ولا حامل لواضعها على التدليس، ولا معارض لها أقوى منها، فإذا كان الأمر كذلك فما كان مبينا فيها عمل الحاكم به، وقد ذكر الإمام المهدي محمد بن القاسم عليه السلام: أن غلبة الظن بصحة المكتوب أمر لا بد منه، ومنها:
أن يتضمن الرقم نصيب وارث من أبيه، وقد مات الوارث، وكان ما تضمنه الرقم من الأموال قد ثبت عليه آخر، إلا أنها مشهورة بأنها من أموال والد الوارث الذي قد مات، فهذه طريق لترجيح الرقم على الثبوت.
ومنها: فيما يرجع إلى إثبات الأنساب، فإن الإمام المهدي محمد بن القاسم قال: إذا كانت قد ثبتت القرابة إجمالا بالشهادة أو الشهرة، أو علم الحاكم، نحو أن يثبت أن مدعي الإرث والمورث بيت واحد أو لحمة واحدة، فإنه يعمل بالخطوط الصحيحة كاملة الشروط في إثبات التدريج، إلى غير ذلك من المرجحات ومعيارها: حصول الظن بصحة الخط، وما تضمنه، وعدم المعارض؛ لأن فرض المسألة أن لا يكون للثابت مستندا إلا مجرد الثبوت، أو مع قرينة لا تقوى على معارضة الظن الحاصل عن الخط؛ لأن مقابل الظن إنما هو الوهم أو الشك، ولا يجوز الحكم بأيهما، والحاكم المعتبر إذا صلحت سريرته، وخلصت نيته، وحسنت سياسته، لا بد أن يوفقه الله لطريق شرعية يستند في الحكم إليها.
كما قيل: الحاكم المباشر يظهر له من شواهد الأحوال والقرائن ما لا يظهر للغائب، وسياسة الحاكم أهم من علمه، هذا وقد رد بعض العلماء نسبة القول بأن ثبوت اليد في أعلى مراتب القوة للدلالة على الملك للمذهب، بأن كتبهم تأباه وإنما هو من كلام الناظري، ولو كان ذلك مصححا لهم لما منعوا جواز الشهادة على الملك بظاهر اليد، وقالوا: لا يجوز إلا مع النسبة والتصرف، وعدم المنازع؛ لأن هذه دليل الملك، واليد قد تكون لغير مالك كالغاصب والمرتهن، ونحوهما، ومنعوا ثبوت الحق باليد، وما ذلك إلا لضعفها عندهم، سلمنا فالمعتبر الدليل، وقد ثبت اعتبار الخط الجامع لشروط العمل بما لا مزيد عليه. والله الموفق والهادي.
[الفائدة الأربعة والأربعون والمائة: في الفرق بين الشهادة
والرواية]
ولكون مرتبة الشهادة كما قال السيد العلامة الحسين بن القاسم عليه السلام في شرح الغاية: أخلق بالاحتياط لقوة البواعث عليها، من الطمع والاعتناء بأمر الخصومات، ولكثرة المساهلة فيها دون الرواية، اعتبر فيها ما لا يعتبر في الرواية اتفاقا في بعض، ومع الخلاف في بعض.
[الفائدة الخامسة والأربعون والمائة: في شهادة العبد]
لا تصح شهادة العبد لسيده إجماعا؛ لقوة التهمة ولملكه منافعه، وأما لغيره فتصح عند (هق، وم بالله، وط )؛ لعموم الدليل، ولم يرد ما يمنع من قبول شهادته من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع.
وعن أنس: ما علمت أحدا رد شهادة العبد.
وعن (ق): لا تصح؛ إذ منزلته دنيئة، والشهادة رفيعة، فلم تصح كساقط المروءة.
(المهدي): سقوط المرؤة إنما تضعف الثقة بالورع لا الرق فافترقا.
وعن (علي، وق): تقبل على العبد إلا الحر لسقوط مرتبته كالكافر على المسلم.
(المهدي): شارك في شرف الإسلام فافترقا.
[الفائدة السادسة والأربعون والمائة: في صحة رواية الأقارب]
عدم القرابة غير معتبر في الرواية، فتجوز رواية الولد عن والده والعكس؛ لاجماع الصحابة على ذلك، كما تجوز رواية الخبر الذي يثبت حكما لقريب؛ لان حكم الرواية عام لايختص بواحد بخلاف الشهادة، ولذلك اختلف في قبول شهادة الولد لوالده والعكس، فذهبت(العترة) إلى قبولها إذلم يفصل قوله ذوي عدل منكم ومنع منه (زيد بن علي وم بالله وي)؛ لأنه متهم، وقد نهي عن قبول شهادة المتهم وأجيب بأنه غير صريح، ولعله أراد المتهم لخلل في العدالة أو دفع أو نفع.
قلت: الدليل الصريح الصحيح على عدم القبول، قول علي عليه السلام: (لا تقبل شهادة والد لولده إلا الحسن والحسين) فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد لهما بالجنة، وتأويله بأنه أراد الشهادة بالنجاة من العذاب تعسف، إلا أن في الحديث إشارة إلى أن العلة قوة التهمة، فإذا اقترنت الشهادة بما ينفي التهمة أو يضعفها فتقبل. والله أعلم.
وأما شهادة سائر الأقارب بعضهم لبعض فتقبل عند العترة؛ لعموم الدليل، ولم أقف على خلافه لأحد من أهل البيت عليهم السلام.
[الفائدة السابعة والأربعون والمائة: في عدم اشتراط الذكورة في
الرواية]
لم يشترط في الرواية الذكورة؛ لعموم حكمها، وإنما اشترط فيها ما يكون به غلبة الظن بصدق المخبر من العدالة والضبط، وهما معتبران في الشهادة أيضا، وكذا لا تعتبر الذكورة في الشهادة، بل تقبل شهادة المرأة إلا في الشهادة على الزنا فلا تقبل شهادة النساء عند الأكثر، ولم ينقل فيه خلاف عن أحد من العترة عليهم السلام للآية، إذ تقتضي التذكير، ولقول الزهري: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والخليفتين بعده: أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود والقصاص.
وقول علي عليه السلام: (لا تجوز شهادة النساء في نكاح ولا طلاق، ولا حد ولا قصاص). رواه في المجموع.
قيل: ولا خلاف في عدم قبول شهادتهن في القصاص إلا عن الثوري والأوزاعي في القصاص.
وروي عن الثوري خلاف ذلك قال في أصول الأحكام: والأصل الخبر والإجماع والقياس على الحدود، وقد ثبت بالنص عدم قبول شهادتهن في الحدود.
قالت الهدوية: وسواء كان حقا لله تعالى كحد الشارب، أو مشوبا بحق آدمي كحد القاذف، والسارق، وزاد في البحر: حد الردة والمحاربة؛ إذ لم يفصل الدليل وذلك رحمة من الله لعباده في درء الحدود، كما ورد الأمر بذلك، وأما فيما عدا ذلك فتقبل شهادتهن.
(المهدي): للآية في الدين، وبالقياس في غيره إلا أنهن لما كن ناقصات عقل ودين انتقصت شهادتهن، فلأحدهما لم يقبلن منفردات، بل مع رجل وللآخر قويت بأخرى، كما في الآية احتياطا لما هي مظنته من السهو والغلط: {فتذكر إحداهما الأخرى }[البقرة: 282] إلا فيما يتعلق بعورات النساء.
فقال الإمام أحمد بن سليمان: لا خلاف في قبول شهادة النساء وحدهن، فيما لا يطلع عليه الرجال، إلا ما يحكى عن (زفر)، والإجماع يحجه وذلك للحرج.
قالت العترة: وتكفي عدلة، لما روي عن علي عليه السلام أنه قبل شهادة امرأة واحدة فيما لا يطلع عليه الرجال.
وعن علي عليه السلام: أنه قضى بشهادة امرأة واحدة، وكانت قابلة على الولادة، وصلى عليه بشاهدتها وورثه بشهادتها. رواه في المجموع.
[الفائدة الثامنة والأربعون والمائة: فيما يترتب على الفرق بين
الرواية والشهادة]
واعلم: أنه يترتب على الفرق بين الرواية والشهادة الخلاف في أمور، هل هي من باب الرواية أو من باب الشهادة؟
منها: الإخبار عن رؤية هلال رمضان فإن الخلاف في الاكتفاء فيه بواحد؛ إذ لا يخرج على كونه رواية لعموم المكلفين فهو كالأذان، ومن اشترط العدد ألحقه بالشهادة لا يعم الأعصار، بل يخص تلك السنة، ولا الأمصار على قول، وقد اختلف في ذلك أئمتنا فظاهر ما في البحر عن (م بالله): أنه يكفي خبر الواحد؛ لأنه احتج له بما روى ابن عمر في الشفاء: أن الناس تراءوا هلال رمضان، قال: فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أني رأيته فصام، وأمر الناس بصيامه.
ولخبر ابن عباس في الشفاء: أن أعرابيا أخبر أنه رأى الهلال فامتحنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشهادتين، ثم أمر الناس فصاموا، ولاعتبار الظن في العبادات.
والقول: بأنه يحتمل أنه قد شهد غيرهما قبلهما غير وارد على الظاهر، وإلا لزم مثله في كل دليل لكثرة الاحتمالات.
وقال (صا وقم): يقبل الواحد في الغيم لاحتمال خفائه على غيره، إلا الصحو فجماعة لبعد خفائه، وهو في الشفاء (عن زيد بن علي و(م بالله).
وروي أن (م بالله) رجع عنه، ورد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسأل الأعرابيين هل كانت السماء مصحية أو لا؟ بل عمل بخبرهما ولم يسأل عن أحد الوجهين وهو في مقام البيان.
وأما أهل المذهب فاعتبروا خبر عدلين أو رجل وامرأتين أو شهادتهما؛ لأن فيه شائبة الخبر والشهادة.
قال (م بالله): في تقرير مذهب الهادي، وقولنا: شهادة عدلين المراد به خبرهما قال: إذ ليس بخبر ولا شهادة على التحقيق، بل فيه شبهة بالشهادة؛ لأنه يعتبر فيه العدد، يعني قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا شهد ذوا عدل)) ونحوه وشبه بالخبر؛ لأنه لم يعتبر فيه لفظ الشهادة، يعني كما في خبر ابن عمر ونحوه.
قال: فثبت أنه لا بد من شهادة عدلين أو خبرهما برؤية الهلال.
قال في الشفاء: وهو مذهب الهادي، ورواه في الكافي (عن زيد بن علي وق ون) ومنها: إثبات النسب بالقافة، وهي الشبه عند من يعتبرها في ثبوته، فمن جعله حكما خاصا ألحقه بالشهادة، أو حكما عاما، ألحقه بالخبر، والصواب الأول على أصلهم، لكن أصحابنا لم يثبتوا بها نسبا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((الولد للفراش )) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم للذي قال: إن امرأتي أتت بولد أسود: ((عسى أن يكون عرق نزعه)) فلم يعتبر الشبه، وقوله في امراة هلال: ((إن أتت به أصيهب أثيبج فهو لزوجها...)) الخبر.
وذكر حجة الخصم وهي: أنه خلق من ماء من أشبهه وإن لم يثبت نسبه شرعا.
(ي): أو كان قبل نسخ العمل بالقافة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((الولد للفراش )).
قال في الشفاء: على أن ما ذهبنا إليه قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقوله حجة، وفي شرح مرغم أنه إجماع أهل البيت عليهم السلام، وقال إن ما احتج به المخالف مخالف للأصول، فلا يقبل، ولعل استبشاره صلى الله عليه وآله وسلم بقول المدلجي في زيد وأسامة كان لموافقته الحق، لا يكون ذلك حجة، وفعل عمر ليس بحجة.
ومنها الجرح والتعديل للشاهد والمحدث، فمن جعله خبرا اكتفى فيه بعدل أو عدلة، كإخبار الديانات، وهم: (م بالله وط وي والمهدي والإمام شرف الدين) وقواه المفتي، فلا يعتبر لفظ الشهادة، فيصح بلفظه وبالرسالة والكتابة، وفي غير وجه الخصم.
قال في البحر: إجماعا، وقبل التخاصم، واحتج لهذا القول في البحر بهذه الفوائد المرتبة على كونه خبرا، حيث قال بدليل اعتبار عدم اعتبار لفظها... إلخ، وهو احتجاج بمحل النزاع.
وقال (ه ون) بل، هما شهادة فلا بد من لفظها، وعدلين أو رجل وامرأتين أو شاهد، ويمين المدعي كالشهادة، وهذا هو المقرر للمذهب، واحتج له في شرح الإبانة بأن حكم الحاكم يتعلق بالتزكية؛ لأن شهادة الشاهدين إنما تثبت بالتزكية فتكون شهادة كالشهادة على الشهادة.
ومنها في الترجمة عن العجمي، قال في الفتح وشرحه: وتصح الشهادة بترجمة عدل عن عجمي لعربي والعكس.
قلت: المذهب خلافه كما في البحر والتاج، وأنه لا بد من عدلين، قال في البحر: وإن عبر عربيان عدلان عن عجمي جازت الشهادة عليه بما عبرا به، وإن استندت إلى الظن.
(المهدي): إن لم يكن على وجه الادعاء ففيه نظر.
قلت: لأن الشهادة لا تكون إلا عن يقين، ويمكن أن يقال خصته الضرورة.
وأما التعبير عن الفتوى فالظاهر أنه يكفي عدل؛ لأنها رواية لا شهادة، وأما الترجمة عن الخط فذكر (أهل المذهب): أنه يكفي في الشهادة على كتاب الوصية، وأوراق المعاملات، وكتاب حاكم إلى مثله، قراءة الفاعل لذلك على الشهود، وأمرهم بالشهادة عليه، وهذا يدل على أنه يكفي ترجمة الفاعل لذلك.
ومنها تقويم السلع فيما يجب فيه التقويم، فلا يثبت إلا بشهادة عدلين بصيرين؛ لأن الله تعالى قد أوجب الرجوع إلى حكم العدلين في جزاء الصيد دفعا للاختلاف في المماثلة، فوجب الرجوع إليهما فيما أشبهه، ولا فرق عند الهادوية في التقويم للقسمة أو غيرها.
قال (ي): يكفي تقويم واحد في القسمة وكأنه شبهه بالقسمة، فإنه يكفي فيها قسام واحد في تعيين الأنصبه؛ فيقول: هذا إلى هذا، وهذا يناسب هذا، أما فيما لا يفتقر إلى التقويم فهو أجماع، وأما فيما يفتقر إليه فلخبر عبدالله بن رواحة في قسمة ثمار خيبر، سولأنه لم يكن لعلي عليه السلام إلا قسام واحد.
d: فإن اختلف العدلان في التقويم عمل بالأقل، حيث لم يوجد غيرهما فإن وجد كمل.
[الفائدة التاسعة والأربعون والمائة: في تحريم قبول القاضي
الهدايا]
في شرح التجريد في باب القضاء، قال أي الهادي عليه السلام: ولا يجوز له أي القاضي أن يقبل الهدايا من الناس، فإن قبل كانت لبيت مال المسلمين، وهذا قد بينا ما ورد فيه في كتاب الزكاة من الآثار، ولأنه متهم، وجار مجرى الرشوة.
وعن علي عليه السلام من طريق زيد بن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: ((يا علي لا تقبل هدية مخاصم ولا تضيفه دون خصمه ))، وروي: ((هدايا الأمراء غلول )).
قال أبو العباس الحسني: يجيء على مذهبه أن من كان يهاديه قبل القضاء يجوز أن يقبل هديته بعد القضاء، وكذلك هدية ذي الرحم؛ لأنه منع قبولها إذا كانت الهدية لمكان الولاية والتهمة، والذي ذكرناه لا مسرح فيه لهذه العلة.
وقال في كتاب الإجارة: قال القاسم عليه السلام: ولو أن رجلا كلم رجلا في حاجة لرجل فأهدى إليه شيئا جاز له ذلك، وإنما يجوز ما قاله إذا لم يكن مشروطا للنهي الوراد فيه، فإما إذا لم يكن مشروطا فهو جائز؛ لأن ذلك مقابلة الإحسان ومكافأة على الإحسان، وقد قال الله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان }[الرحمن: 60]، وقال: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها }[النساء: 86]، وفيه أيضا قال: والرشا على الحكم حرام لا خلاف في كونه حراما بين المسلمين؛ لأن المرتشي آثم؛ لأنه أخذ العوض على ما لزمه ووجب عليه.
فإن قيل: إنكم تجوزون أن يأخذ القاضي رزقا من الإمام؟
وروى أن أمير المؤمنين عليه السلام أعطى شريحا، قيل له: هذا ليس بارتشاء؛ لأن الارتشاء هو: أن يأخذ أحد الخصمين إما ليظلم أو لينصف، وعلى كلا الوجهين هو حرام، وما يأخذ القاضي من الإمام ليس على هذا الوجه؛ لأنه يجري مجرى ما يأخذه الإمام لنفسه من بيت مال المسلمين ليستعين به على ما هو فيه من تحري مصالح المسلمين.
وقال ابن حزم: من أعطى شيئا من غير مسألة ففرض عليه قبوله، واحتج بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ما أتاك من هذا المال غير مسألة ولا إشراف نفس فاقبله )) أخرجه البزار من حديث عمر، وأخرجه من حديثه أيضا مسلم.
وروى ابن حزم بإسناده إلى خالد بن عدي الجهني: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من جاءه من أخيه معروف فليقبله ولا يرده ، فإنما هو رزق ساقه الله إليه)) قال: وأخذ بذلك من الصحابة ابن عمر، وروى نحوه بأسانيده عن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وإبراهيم النخعي، وقد ذكر ألفاظهم في كتابه المحلى.
قلت: ومما يدل على ما ذهب إليه ابن حزم ما رواه الإمام الموفق بالله عليه السلام في السلوة بسنده إلى علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بالأداء أو العفو له يغفر زلته...)) الخبر وفيه ((ويجيب دعوته ويقبل هديته)) وفي آخره سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له عليه)).
[الفائدة الخمسون والمائة: في عدم صحة العفو عن الجناية قبلها]
ولما كانت الجناية هي السبب في استحقاق القصاص لم يصح العفو عنه قبله. ذكره في البحر، ولو بعد خروج الرمية؛ لأن ذلك يتضمن الإباحة للقتل، وذلك لا يجوز؛ لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }[البقرة: 195] ونحوها، فأما بعد الجناية فيصح من المجني عليه العفو عنه.
قال في التذكرة: ويسقط القود والدية.
قال في الحاشية: يعني إذا عفا عنهما وخرجت الدية من الثلث، فإن مات ولم يعف فالقصاص حق للورثة إجماعا، ولهم إسقاطه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما أن يؤدي، وإما أن يقاد)).
فإن قيل: وما الدليل على أن للمجني عليه العفو عن القود؟
قيل: الإجماع علىأنه يورث عنه ولا يورث عنه ما لا يستحقه، وإذ يملك بدله وهو الدية، وإلا لما صارت من جملة تركته، ولهذا ورث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزوجة من دية زوجها، وإنما لم يكن له استيفاء القصاص لتعذره إذ لا يستقر إلا بموته.
[الفائدة الإحدى والخمسون والمائة: في صحة الوصية بالمنافع]
وتصح الوصية بالمنافع والغلات المعدومة دون الرقبة، كأن يوصي بمنافع أرضه لشخص دون رقبته، ولا خلاف فيه إلا عن ابن أبي ليلى لنا، عموم قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها } [النساء: 11]وقوله: {فمن بدله بعدما سمعه ...}[البقرة: 181]الآية. ولم يفصل بين المنافع وغيرها، والجهالة مغتفرة بدليل صحة الثلث.
d: فإن كانت موجودة انصرفت إليها، إذ هو الظاهر، ولا تدخل المستقبلة إذ القول بدخولها مخالف لظاهر اللفظ، فإن كانت معدومة استحق الموصى له المستقبلة، وإن لم تؤبد ليكون للوصية ثمرة.
d: وإنما يستحقها الموصي له إلى موته فقط، وإن قيدت بالتأييد، ولا تورث عنه، بل ترجع إلى ورثة الموصي؛ لأن الوصية والهبة بالمعدوم تكون إباحة لا تملك، ولذا خالفت النذر بالمنافع من أنه يملك ويورث كالوقف؛ لأن التمليك في الوصية حقيقي فلم تصح بالمعدوم فكانت إباحة بخلاف النذر.
وفي حواشي الأزهار: والفرق بين الوقف والوصية في كون منافع الوقف تورث دون الوصية، إن رقبة الوقف لله معدومة منفعة، والوصية الرقبة لمالكها فلا تورث منفعته، بل تعود لصاحب الرقبة، وفي البيان ومن نذر على غيره بالمنافع فالأقرب أنها تملك وتورث عنه، كما في منفعة الوقف، وفي المعيار الوصية بالمنافع إباحة كالعارية، فليس له أن يعير ولا يكري، والأجرة له على الغاصب للورثة، ولا تورث عنه أي عن الموصى له، ولا تصح لغير معين كالفقراء، كما لا تصح إعارة غير معين، وذكر أبو طالب في الوصية بالمنافع أنها إباحة لا تملك.
[الفائدة الثانية والخمسون والمائة: في أن الوارث ليس بخليفة]
الوارث ليس بخليفة، فلا يملك تركة المستغرق ماله بالدين، ولا تنتقل الديون إليه؛ لقوله تعالى: {من بعد وصية توصون بها أو دين }[النساء: 12]فشرط في انتقال الملك إليه تقديم الدين والوصية، واشتراط مؤاذنته في البيع لا تقتضي ملكه، بل أولويته وليس خليفة، حيث لا تركة إجماعا، فلا يلزم الدين، وخليفة حيث لا دين ولا وصية إجماعا.
d: ولا يجوز الشراء منه حيث باع لا لقضاء الدين لتعلق حق الغرماء بالتركة، لكن لا يبطل بيعه، بل يكون موقوفا على إيفاء الغرماء بدينهم أو برائتهم للميت لا للورثة؛ إذلم يتعلق الدين بذممهم، فإذا وقع الإيفاء أو الإبراء صح البيع؛ لأن للوارث ملكا ضعيفا، ولذا يجب مؤاذنته للبيع وإلا فلا ويلزم المشتري رده ولو أجازه الغرماء.
d: وليس للوارث الانتفاع بتركة المستغرق على وجه الاستهلاك، لما مر، ويجوز بما لا تنقص به قيمتها، كالزراعة إلا أن يكون الدين أكثر من التركة ضمن قيمة المنفعة للغرماء.
d: وإنما يكون للوارث البيع للقضاء، حيث لا وصي، أو كان وتراخى، وإلا لم يصح بيعه، إذ الولاية في ذلك إلى الوصي.
[الفائدة الثالثة والخمسون والمائة: في حكم التصرف بالمال
الزائد على الدين قبل إخراج الدين]
إذا كانت التركة زائدة على الدين فالوارث خليفة في الزائد ، لكن لا ينفذ تصرفه فيه إلا بعد قضاء الدين؛ لتعلق حق الغرماء بجملة التركة.
d: أما لو لم يستغرق الدين إلا ربع التركة، فباع الوارث ربعا، ثم ربعا، ثم ربعا، ثم تلف الربع الرابع، فإنه يبطل البيع في آخر صفقة؛ لتعلق حق الغرماء بها بعد بيع الربعين الأولين، فإن التبست الأخيرة كان كالتباس الأملاك للغرماء ثلث، وللمشتري ثلثان.
[الفائدة الرابعة والخمسون والمائة: حكم من مات وعليه دين ثم
أبرئ وقد مات أحد ورثته]
لو مات من عليه الدين عن ابنين، ثم مات أحدهما عن ابن، ثم إن من له الدين أبرأ كان الإبراء للميت، وتكون التركة بين الابن وابن الابن نصفين؛ لأن للابن الميت ملكا ضعيفا، كما مر، فاستحقه وارثه، ومن أدلة الملك الضعيف للوارث أن الغاصب يبرأ بالرد إليه.
تم بعون الله تعالى نساخة هذا بعد صلاة العشاء، ليلة السبت صباح الأحد الموافق 28 شهر رجب سنة 1404ه على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام.
بقلم الفقير إلى الله أحمد بن يحيى بن علي العجري، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات آمين آمين آمين.
وهذا النقل على الأصل التي بقلم المؤلف بعنايته، رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار، ونفع المسلمين بعلومه، وجزاه الله عنا وعن جميع المسلمين خير الجزاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله.
قال المؤلف عليه السلام: (تمت القصاصة بحسب الطاقة والحمد لله).
... ... ... ... ... ... علي بن محمد العجري PageV171P001
Bilinmeyen sayfa