İlkbahar Işıkları
أنوار الربيع في أنواع البديع
واختلف في الاستعارة هل هي مجاز عقلي أو لغوي؟ فقيل: بالأول. بمعنى أن التصرف فيها أمر عقلي لا لغوي، لأنها لا تطلق على المشبه إلا بعد إدعاء دخوله في جنس المشبه به، فكان استعمالها فيما وضعت له فتكون حقيقة لغوية، ليس فيها غير نقل الاسم وحده، وليس نقل الاسم المجرد استعارة، لأنه لا بلاغة فيه، بدليل الإعلام المنقولة فلم يبق إلا أن يكون مجازًا عقليًا. وقيل بالثاني الجمهور، لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه، ولا لأعم منهما، فاسد في قولك: رأيت أسدًا يرمي، موضوع للسبع ولا للشجاع، ولا لمعنى أعم منهما كالحيوان الجريء مثلًا ليكون إطلاقه عليهما حقيقة كإطلاق الحيوان عليهما.
وأركان الاستعارة ثلاثة: مستعار منه، ومستعار له، ومستعار، وقد تقدم بيانها.
وأقسامها كثيرة باعتبارات. فتتقسم باعتبار المستعار منه، والمستعار له، والوجه الجامع لهما إلى خمسة أقسام.
أحدها، استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس، ومثاله قوله تعالى (فأخرج لهم عجلًا جسدًا له خوارٌ) فإن المستعار منه ولد البقرة، والمستعار له الحيوان الذي خلقه الله تعالى من حلي القبط التي سبكتها نار السامري، عند إلقائه فيها التربة التي أخذتها من موطئ حيزوم فرس جبرئل) ﵇ (، والوجه الجامع لهما الشكل، والجميع حسي، فشيئًا لخروج النور من المشرق عند انشقاق الفجر قليلًا قليلًا بجامع التتابع على طريق التدريج، وكل ذلك محسوس. وقول الشاعر:
وورد جني طالعتنا خدوده ... ببشرٍ ونشر يبعثان على السكرِ
فالمستعار منه الوجنات الحمر، والمستعار له ورق الورد، بجامع الحمرة والجميع محسوس.
الثاني، استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلي، وهي ألطف من الأولى، ومثاله قوله تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) فإن المستعار منه كشط الجلد وإزالته عن الشاة ونحوها، والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل، وهما حسيان، والجامع لهما ما يعقل من ترتب أمر على آخر، وحصوله عقب حصوله كترتب ظهور اللحم على الكشط، وظهور الظلمة على كشف الضوء، والترتب أمر عقلي.
الثالث استعارة معقول لمعقول بوجه عقلي. قيل: وهي ألطف الاستعارات ومثاله قوله تعالى: (من بعثنا من مرقدنا هذا) فإن المستعار منه الرقاد، والمستعار له الموت، والجامع بينهما عدم ظهور الفعل، والجميع عقلي.
الرابع استعارة محسوس لمعقول بوجه عقلي، ومثاله قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر) فإن المستعار منه صدع الزجاجة، وهو كسرها وهي حسي، والمستعار له تبليغ الرسالة وهو عقلي، والجامع لهما التأثير وهو عقلي أيضًا.
الخامس استعارة معقول لمحسوس بوجه عقلي، ومثاله قوله تعالى: (إنا لما طغى الماء) فإن المستعار له كثرة الماء وهو حسية والمستعار منه التكبر وهو عقلي، والجامع الاستعلاء المفرط وهو عقلي أيضًا.
وتنقسم باعتبار اللفظ إلى أصلية، وهي ما كان اللفظ المستعار فيها اسم جنس، كأسد وقيام وقعود، ومنه آية العجل. وتبعية، وهي ما كان اللفظ فيها غير اسم الجنس كالفعل والمشتقات، كسائر الآيات السابقة، وكالحروف نحو قوله تعالى: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا) شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب علته الغائية عليه، كالمحبة والتبني ونحو ذلك، ثم استعمل في المشبه اللام الموضوعة للمشبه به.
وتنقسم باعتبار الطرفين إلى وفاقية وعنادية، لأن اجتماع الطرفين في شيء إن كان ممكنًا سميت وفاقية نحو وأحيينا، في قوله تعالى: (أو من كان ميتًا فأحييناه) أي ضالًا فهديناه. استعير الأحياء وهو جعل الشيء حيًا للهداية التي هي الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب، والأحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء، وإن كان ممتنعًا سميت عنادية، وذلك كاستعارة المعدوم للموجود لانتفاء النفع به كما في العدوم. ولا شك أن اجتماع الوجود والعدم في شيء ممتنع، وذلك كاستعارة اسم الميت للحي الجاهل، فإن الموت والحياة ممتنع اجتماعهما.
ومن العنادية التهكمية والتمليحية، وهما ما استعمل في ضد أو نقيض نحو قوله تعالى: (فبشرهم بعذابٍ أليمٍ) أي أنذرهم. استعيرت البشارة التي هي الأخبار بما يسر، للإنذار الذي هو ضده، بإدخاله في جنسها على سبيل التهكم، وكذا قولك: رأيت أسدًا، وأنت تريد جبانًا على سبيل التمليح والطرافة.
1 / 46