فنزلوا الأحْقافَ، وأُهْلَكُوا بالرِّيح العقيم، إلا من كان ولد الخلود بن عاد، وهم هودٌ ﵇ ومن معه من ولده، وأهل بيته، فإنهم أنجاهم الله، ونزل بهم مكة إلى أن مات.
ثم نزل ابنه قَحْطَان بن هود بولده أرضَ اليَمَن، وسار عبيل بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح بولده فنزلوا موضع الجحفة، وإنما سميت لأنهم لما سكنوها جاءهم سيل فاجتحفهم إلا الشاذ منهم، فسميت الجحفة.
ونزل يَثْرِب بن قاينه بن مهليل بن إرم بن عبيل بالمدينة، فسميت يَثْرب به، فعمرها، فأخرجهم منها العَمَالِيقَ. وقال بعض ولده يرثيه:
يا عين جودي على عبيل وهل ... يرجع مافات فيضُها بالسجام
عمروا يَثْرِبًا وليس بها سَفْر ... ولا صارخ ولاذو سلام
غرسوا لينها بمجرى معين ... ثم حَفُوا الغَسِيل بالأكمام
وولد جائر بن عاد ثَمُود وجديس ابني جاثر بن إرم بن سام بن نوح، فنزلوا اليَّمامَة، وأهْلِكُوا بالرَّجْفَةِ يوم صالح، فمن ولد عاد هود نبي الله بن عبيد الله بن رباح بن أخلود بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.
وولد لاوذ عِمْلاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، وهم العماليق، نزلوا الحَرَم واكْنَافَه، فأهْلِكُوا، ولحق بعضُ أولاده بالشام، فمنهم كانت العماليق الذين قاتلهم موسى ببني إسرائيل، ومنهم فراعنة مصر، ومنهم فرعون يوسف وأسمه الرَّيَّان بن الوليد بن ثروان بن أراشاهُ ابن قاران بن عمرو بن عِمَلاَق بن لاوذ بن إرَم بن سام بن نوح ومنهم قابوس بن مُصْعَب بن معاوية بن سير بن السلواس بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح. وكلاهما كانا في أيام يَوسُف. ومن ولد الريان آسية بنت مزاحم بن عبيد امرأة فِرْعَون مُوسى. ومنهم معاوية بن بكر بن شييم بن شكر بن هليل بن عنز بن عملاق. وهو صاحب الجَرَادَتين، وكان من حديثه أن عادًا لما كذَّبُوا هودًا تَوَالَت عليهم ثلاث سنين تَهُبُّ عليهم الريحُ بلا مطر ولا سَحَاب، فجمعوا مِنْ قَوْمهم سَبْعِيَنَ رَجُلاَ وبعثوا بهم إلى مكة ليستسقوا لهم، وكان سُكّان مَكّة في ذلك الوقت العماليق، وعليهم معاوية بن بكر فَرَأَسُّوا على السبعين الذين وجهوهم للاستسقاء، قَيْلَ بن عير بن عاد الأصغر بن عاديا بن عَوْص بن إرم ابن سام بن نوح ولُقَيْمَ بن هُزَال ومرثد بن سعد بن عُفَير - وكان مسلما يكتم إسلامه. وجلهم بن الخبيري ولقمان بن عاد الأصغر بن عاديا.
وكانت العرب إذا أصابها جهد جاءت إلى بيت الله الحرام فسألت الله فيعطيهم مسألَتَهُم ما لم يسألوا فَسَادًا، فلما قدم وفدُ عاد نَزَلوا على معاوية بن بكر، وكان سيد العماليق يومئذ بمكة، لأنهم كانوا أخواله وأصهاره، فأقاموا عنده شهرا يُكْرمُهم بغاية الكرامة، وكانت عنده جَارِيَتَان يُقالُ لهما الجَرَادَتَان يغنيانهم فلهوا عن قومهم شهرا، فلما رأى معاويةُ ذلك من طول مقامهم شَقَّ عليه وقال: هلك أخوالي وأصهاري، مالعاد الآن أشأم مني، وإن قلتُ لهم شيئا وأنكرتُ عليهم أمرهم تَوَهَّمُوا أنَّ هذا بُخْلٌ مني، فقال شِعْرًا ورَفَعَه إلى الجَرَدَتَيِن يُغَنَّياهُم به وهو ما يقولاه. فقال:
ألاَ يَاقَيْلُ قُمّ فِينا فَهَيْنَمِ ... لَعَلَّ الله يُصْحبنا غَمَامَا
وقد تقدم ذكر هؤلاء الأبيات في صدر الكتاب، فلما غَنَّتهم الجَرَادَتَان بهؤلاء الأبيات قال بعضهُم لبعض، إنما بعثكم قومُكم لتستسقوا لهم، فقاموا يدعون الله. وقال مَرْثد بن سَعْد بن عفير وأظهر إيمانه:
عصت عادٌ رسولَهُمُ فأمْسَوْا ... عِطَاشًا ما تَبَلُّهُمُ السماءُ
1 / 46