وعن السدى: وذلك ان عادا لما كفروا وطغوا أتاهم الله هود فوعظهم، وذكرهم بما قص الله في القرآن. فكذبوه وكفروا، وسألوا أن يأتيهم بلآ آية؟ فقال» إنما العلم عند الله وابلغكم ما ارسلت به «وإن عاد أصابهم حين كفروا قحط من المطر وجهد حتى جهدوا لذلك جهدًا شديدًا، وذلك أن هودًا دعا عليهم فخرجت عليهم الريح العقيم من موضع قدر عسقة خاتم، وهي الريح العقيم التي لا تلقح الشجر، فلما نظروا إليها قالوا: هذا عارض ممطرنا، فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والارض. وتقطعهم الجبال، فلما رأوها تبادروا إلى البيوت. فلما دخلوا البيوت دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم اخرجتهم من البيوت وأصابتهم» في يوم نحس مستمر «والنحس هو المشئوم ومستمر: استمر عليهم العذاب» سبع ليال وثمانية ايام حسوما «حسمت كل شئ مرت به.
فذلك قوله تعالى» كأنهم أعجاز نخل منعقر «وقال في موضع آخر» كأنهم أعجاز نخل خاوية «أي خوت فسقطت، فلما اهلكهم الله ارسل عليهم طيرًا أسود فنقلهم إلى البحر فألقاهم فيه. ولم ترخج الريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ، فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالهان فذلك قوله تعالى» فأهلكوا بريح صرصر عاتية «والصرصر ذات الصوت الشديد.
وكان وهب بن منبه يقول: إن عادًا لما عذبهم الله بالريح التي عذبوا بها كانت تقلع الشجرة العظيمة بعروقها، وتهدم عليهم بيوتهم، ومن لم يكن في بيت هبت به الريح حتى تقطعه بالجبال، فهلكوا بذلك كلهم.
وقيل في قوله تعالى» ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات المعاد التي لم يخلق مثلها في البلاد «. قال قوم: أراد قوم عاد بن أرم بن سام بن نوح فنسبهم إلى ارم. وقال بعضهم: إرم اسم مدينتهم والله اعلم.
وكانت عاد اثني عشر قبيلة، كلهم هلكوا الا بني الخلود، وهم الفخذ الذين منهم هود ﵇ وكان هود ﵇ قد اعتزلهم ومن معه من المؤمنين في حظيرة فأنجاهم الله من العذابز وقال المهلهل بن جبيل شعرًا في ذلك:
لو أن عادًا سمعت من هود ... واتبعت طريقة الرشيد
وقد دعا بالوعد والوعيد ... عاد بالتقريب والبعيد
ما اصبحت عاثرة الجدود ... ولهى على الانوف والخدود
ساقطة الاجساد بالوصيد ... ماذا جنى الوفد من الوفود
أحدوثة للابد الابيد.
وقال مرثد بن سعد:
دعاهم خيفة للرشد هود ... فما تقع التذير ولا أجابوا
فلما أن أبوا إلا عتوا ... أصابهم ببغيهم العذاب
فلما أهلك الله قوم هود ﵇، وهم قوم عاد. أقام هود بحضرموت مع أصحابه في خصب وخفض عيش، وتوفي بحضرموت وقال بعض: لحق هود ومن آمن معه بمكة، ولم يزالوا بها حتى ماتوا والله اعلم.
وكان قحطان بن هود ممن آمن بأبيه هود ﵇: وهو أبو اليمن كلها، وهو أول من نزل بأرض اليمن بولده وملكها بعد قوم عاد، فسموا ولده اليمن حين تيامنوا إليها ونزلوها، وكان قحطان من المؤمنين. وقال في ذلك تبع الاسعد وهو أبو كرب الحميري:
جدنا قحطان الهدى ... وأبو قحطان هود ذو الحقف
ثمت المهدى نوح جدنا ... نسبة معروفة لا تختلف
وكان هود رجلا أدما، كثير الشعرن حسن الوجه، وكان عمره مائة وخمسين سنة.
ذكر وفد عاد
رجعنا إلى ذكر الوفد الذين بعثهم قومهم يستسقون لهم حين بلغهم ما نزل بقومهم من العذاب، وما كان من أمرهم. قال: وخرج وفد عاد الذين بعثهم قومهم يستسقون لهم من مكة حتى مروا بمعاوية بن بكر العليقمي وابنه، فنزلوا عليه، فبينما هم عنده إذ اقبل راكب على ناقة في ليلة مقمرة مساء ثالثة من مصاب عاد فأخبرهم الخبر، فقالوا: أين فارقت هودًا وأصحابه؟ فقال: فارقتهم بساحل البحرن فكأنهم شكوا فيما حدثهم به. فقالت لهم هزيلة بنت بكر، صدق صدق ورب الكعبة، ومثوب بن يعفر ابن اخي معاوية بن بكر معهم.
وقد كان قيل. فيما يزعمون والله اعلم. لمرثد بن سعد ولقمان بن عاد - وقيل بن عنز - حين دعوا بمكة: قد اعطيتم مناكم، فأختاروا لأنفسكم، إلا انه لا سبيل إلى الخلدن فإنه لابد من الموت. فقال مرثد بن سعد: يا رب أعطني برًا وصدقًازفأعطي ذلك.
1 / 32