50

الفصل الثالث

(1) قلمي

من ذكريات المدرسة التي أستعيدها الآن لمناسبتها، حادث شجار عنيف بين تلميذين على قلمين من أقلام الكتابة العربية، يدعي كلاهما أن أحد القلمين قلمه، ويرد الآخر إلى صاحبه.

أكان النزاع على القلم المطلوب من أجل قيمته الغالية؟ ...

كلا ... فإن قيمة القلمين معا لم تكن تزيد على ثلاثة مليمات أو أربعة؛ لأنهما من أقلام البوص التي كانت توجد يومئذ في جميع الأسواق.

فلم يكن النزاع بين الزميلين لغلو الثمن، وإنما كان لنفاسة أخرى غير نفاسة المال، وهي أن القلم الذي تنازعا عليه كان من الأقلام التي براها الأستاذ وقطها بيديه، فهو صالح لتجويد الخط، وضمان بعض الدرجات في الامتحان!

كان ذلك يوم كان القلم ثمرة من ثمرات الطبيعة، وكان لكل قلم شخصية ممتازة بما يكتبه من نوع الخط، ثلثا كان، أو نسخا، أو رقعة، أو حرفا من الحروف الديوانية أو الفارسية ... ويوم كانت لكل قلم شخصية ممتازة يستمدها ممن براه، وقطه، وهيأه للكتابة، وقلما يحسن ذلك غير أستاذ خبير بالأقلام، وبما تخطه الأقلام.

كان ذلك على التقريب شأن كل قلم في المدرسة، وفي غير المدرسة، فكان قلم البوص هو القلم المعتمد بين التلاميذ، وبين الموظفين، وبين الكتبة في كل مكان.

أما اليوم فلا «شخصية» للأقلام؛ لأنها جميعا من صنع «الفابريكة» التي تخرج مصنوعاتها بالألوف، وعشرات الألوف!

إنها «نمر» مرصوصة في صناديق، وكل قلم فيها ككل قلم بلا اختلاف في غير علامة «الفابريكة» أو قدم القلم وجدته ... وفيما عدا ذلك فالأقلام جميعا سواء! •••

Bilinmeyen sayfa