واختلف في الصر فقيل: البرد الشديد (٣٠٤) وقيل: النار (٣٠٥) قاله ابن عباس، وقال الأنباري (٣٠٦): وإنما وصفت النار أنها صر لتصريتها عند الالتهاب، وقيل: الصر (٣٠٧) الصوت الذي يصحب الريح من شدة هبوبها (٣٠٨)، والأقوال الثلاثة متلازمة فهو برد شديد محرق بيبسه للحرث كما تحرق النار وفيه صوت شديد وفي قوله: (أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ) تنبيه على أن سبب إصابتها لحرثهم هو ظلمهم فهو الذي سلط عليهم الريح المذكورة حتى أهلكت زرعهم وأيبسته، فظلمهم هو الريح التي أهلكت أعمالهم ونفقاتهم وأتلفتها.
فصل: ومنها قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠٩) هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد، فالمشرك بمنزلة عبد تملكه جماعة (٣١٠) مشتركين في خدمته لا يمكنه رضاهم أجمعين، والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد رجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده (وعرف الطريق) (٣١١) إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه بل هو سالم لمالكه من غير منازع فيه مع رأفة مالكه به ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليته بمصالحه (٣١٢) فهل يستوي هذان العبدان، وهذا
_________
(٣٠٤) مجاز القرآن ١٠٢ والطبري ٤ / ٥٩ والبغوى ١ / ٤٠٨.
(٣٠٥) انظر لسان العرب مادة (صر) وابن كثير ١ / ٣٩٧.
(٣٠٦) هو القاسم بن محمد بن بشار الانباري أبو محمد له اهتمام بالادب والاخبار راجع مفتاح السعادة ١ / ١٤٦ وزاد المسير ١ / ٤٤٥.
(٣٠٧) انظر تفسير الكشاف ١ / ٤٥٦، ٤٥٧.
(٣٠٨) انظر تفسير القرطبى ٣٤ / ١٧٨ وفتح القدير ١ / ٣٧٤.
(٣٠٩) سورة الزمر: ٢٩ انظر ابن كثير ٢ / ١٥٨ والكشاف ٣ / ٣٩٧.
(٣١٠) في م (جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون والرجال المتشاكس: الصنيق الخلق) .
(٣١١) زيادة من م، ع.
(٣١٢) في ع، م (توليد مصالحه) .
(*)
1 / 54