كالكلب إن كان رابضا لهث وإن طرد لهث، وقال الحسن: (١٤٠) (وهو المنافق لا يثبت على الحق دعي أو لم يدع وعظ أم لم يوعظ كالكلب يلهث طرد أو ترك، وقال عطاء (١٤١): ينبح إن حملت عليه أو لم تحمل عليه، وقال محمد بن قتيبة (١٤٢): (كل شئ يلهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال أو حال الراحة وحال الصحة وحال المرض والعطش فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته)، وقال ابن عطية (إن وعظته فهو ضال وإن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لهث وإن تركته على حاله لهث، ونظيره قوله تعالى: (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ) (١٤ ٣) .
وتأمل ما في هذا المثل من الحكم والمعنى فمنها قوله: (وآتيناه آيَاتِنَا» فأخبر سبحانه أنه هو الذي آتاه آياته فإنها نعمة، والله هو الذي أنعم بها عليه فأضافها إلى نفسه ثم قال: (فَانْسَلَخَ مِنْهَا) أي خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها وفارقها فراق الجلد ينسلخ عن اللحم، ولم يقل فسلخناه منها لأنه هو الذي تسبب إلى انسلاخه منها باتباع هواه، ومنها قوله سبحانه: (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ) أي لحقه وأدركه كما قال تعالى في قوم فرعون: (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (١٤٤» فكان محفوظا محروسا بآيات الله محمي الجانب بها من الشيطان لا ينال منه شيئا إلا غلى غرة وخطفة فلما انسلخ من آيات الله ظفر به الشيطان ظفر الأسد بفريسته فكان من الغاوين العاملين بخلاف علمهم الذين يعرفون الحق ويعملون
_________
(١٤٠) الطبري ٩ / ١٢٩ وابن كثير ٢ / ٢٦٧.
(١٤١) الكشف والبيان: ١٣١.
(١٤٢) انظر تاريخ بغداد ح ٢ توفى سنة ٣٨٩ هـ انظر تأويل مشكل القرآن ٣٦٥ والقرطبى / ٣٢٢، البغوي ٢ / ٣١٦.
(١٤٣) تفسير البغوي ٢ / ٣١٦.
(١٤٤) الشعراء: ٦٠.
(*)
1 / 29