Himmetli Prenses
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Türler
ومن هنا توزع القتال على أكثر من جبهة؛ مما أطال من عمر الحرب، وشدد من عزم تحالف الأعداء، وأوهن من ساعد الدلهمة وفيالقها المحاربة.
فاستحالت في أيامها الأخيرة إلى شبح عظمي يفيض بالعصبية والسخط على كل ما يحدث ويجري، وما تخلفه الأيام والليالي على كاهلها، فحتى ابنها البكر أصبحت لا تقوى على رؤيته، ولو لتعيد إلى النفس بعض صفائها كأي أم بدوية، ولتبثه أحزانها وأشجانها الدفينة حين تبكي معه على وسادتهما الواحدة.
لكنها ها هي تعيش وحدتها القاتلة محاطة بأخبار ما يتواتر إليها كل يوم من تلفيقات، تؤدي نتائجها بأجساد الآلاف المؤلفة من جند المسلمين وبسطاء الناس العاديين الذين لا حول لهم ولا قوة فيما يحدث من حرب قارية تجري برا وبحرا، وتمتد رحاها على طول الأرض والبحر، بدءا من بلاد الرافدين؛ حيث مقر الخلافة، حتى مالطة وعمورية والأندلس وتخوم القسطنطينية عاصمة تحالف الأروام البيزنطيين.
حرب ضروس أنهكت الأجيال إثر الأجيال منذ جدها الصحصاح حتى اليوم وغدا، وفيها وعبرها تستخدم كل أسلحة الفتك والدمار التي يجريها الأعداء من الإفرنج في الأجساد العربية وجسدها هي ذاته، الذي أصبح في الأيام الأخيرة واهنا مغطى بمختلف الكدمات والخدوش والجراح الغائرة.
وليت أسلحة الأعداء هذه المرة اقتصرت على المتعارف عليه، بل هم تمرسوا وتفننوا في التوصل إلى مختلف أسلحة الفتك والدمار التي كانت تعصف عصفا بسفن المسلمين وصفوفهم ومضاربهم؛ حيث لم يعد ينفع أمامها لا سيف ولا مقلاع ولا منجنيق.
أسلحة جديدة للحصد الجماعي، توصل إليها الأعداء وأتقنوا استعمالها وتجريبها في الأجساد العربية، لتمزقها أشلاء إثر أشلاء على مرأى من ذات الهمة وأركان قيادتها، ومنهم الأمير عبد الله بن سليم الذي لم يملك سوى الكتابة بتفاصيل ما يحدث من إجهاد للمسلمين لأمير المؤمنين، وشيوخ عرب الجزيرة، مستنجدا بالكتائب الإسلامية الجديدة التي تصل إلى ساحات المعارك لتعاود نيران الأعداء الإغريقية حصدهم أفواجا إثر أفواج.
ولم يجد الأمير بصائب تبصره نتيجة للتغير الذي حدث داخل الدلهمة عقب الأحداث الأخيرة، وما عصف بسمعتها وولادتها لعبد الوهاب مهربا سوى مفاتحتها بالأمر، والوقوف منها على أسباب اندحار جيش المسلمين على هذا النحو، الذي أصبح لا ينبئ أبدا ولا يشير إلى أي انتصار، أو حتى مخرج للقوات العربية.
بل إن القوات البحرية البيزنطية المطبقة على جزيرتهم لا تترك لهم منفذا، تساندها فيالق وإمدادات بلاد الغال التي لا ينقطع لها تواصل، والتي تعالت دون استمرار الصمود العربي شهرا بعد شهر، وأسبوعا إثر آخر.
يضاف إلى ذلك الهجوم الانتقامي الذي تصدر قيادته الملك ليون الأيزوري بنفسه، معلنا في كل يوم تحديه للعرب وكل قيادات المشرق، والذي كان يجيء مدججا بالجديد من أسلحة الفتك التي قوامها النيران المستعرة، والانفجارات التي كانت تصل إلى معسكراتهم ليل نهار وكأن السماء تسقط حممها على رءوس جند المسلمين.
كان ذلك الخطر المطوق للفيالق والكتائب العربية لم يوقف لهيب الفتن والمؤامرات الداخلية، من جانب الأمير ظالم وابنه ضد ذات الهمة ووليدها عبد الوهاب، على هذا النحو جاء تفكير أمير أمراء الحملة عبد الله بن سليم في كيفية الوصول إلى أيسر الطرق لرأب الصدع، قبل استفحال الأمر وتزايد الخطر المتربص، ذاكرا لذات الهمة حين انتقل إلى مضاربها أن الجميع هنا يستقلون موكبا موحدا تحت راياتها التي لم يسبق لها العودة منتكسة، وتساءل: ماذا حدث؟
Bilinmeyen sayfa