بخور :
الدنيا قائمة قاعدة هناك. الأعضاء في مجلس النواب يسألون الوزارة مائة سؤال كل يوم، والقسوس يعظون في الكنائس ويحرضون الناس على الدولة، والنتيجة طيبة على كل حال؛ لأنهم يجمعون الأموال ويرسلونها إلى هنا، هذه خلاصة آخر مكتوب وصلني اليوم.
يوسف :
الله يصرفها على سلامة، أقول لك مال الدنيا يبقى في الدنيا، وأنا قلبي رقيق فإني حينما أرى هؤلاء الأرامل والأطفال يتفتت قلبي، وأتذكر الأيام التي كان يصير فيها بنا مثل ذلك، وأخاف أن ينقلب الدهر، والدهر دولاب فيصيبنا كما أصابهم، إله إسرائيل حي لا يموت، الله ينجينا من أولاد الحرام.
بخور :
الحق معك، مال الدنيا يبقى في الدنيا، هذا سلمون مات، وماذا أخذ معه؟! ولكن الله أوصانا أن نجمع مال الأمم، ألا تتذكر ماذا قال لنا لما أمرنا بالخروج من مصر، والمال قوة كما يقول الإنكليز.
ودخل ثالث فانقطع الكلام في هذا الموضوع.
الفصل الخامس والعشرون
توقع القضاء
كانت البيوت في حي مارمتر، أحد أحياء بيروت، قليلة صغيرة متفرقة بين بساتين التوت، وقد لجأ إليها كثيرون من النصارى الذين سلموا من المذابح، فكنت ترى البيت الذي فيه أربع غرف تسكنه أربع عيال، ولم يكد يستقر بهم المقام حتى أخذ الرجال منهم يفتشون عن أعمال يعملونها، وشارك النساء نساء الحي في تسليك الحرير وكبه، فاكتسبن ما ساعدن به رجالهن على نفقات بيوتهم، ولم يترك الأولاد يلعبون في الشوارع، بل أرسلوا إلى المدارس؛ لأن أهالي سورية يحسبون تعليم أولادهم من الضروريات التي لا بد منها، فترى الرجل يقتصد في نفقاته لأجل تعليم أولاده، والمرأة تبيع حلاها وتعلم أولادها ولا يكتفون بتعليم الصبيان، بل يعلمون البنات أيضا.
Bilinmeyen sayfa