فأثر قوله في نفسها وتذكرت مصائبها فوقفت وغطت عينيها بكفيها وأطلقت لنفسها عنان البكاء.
فرق لها قلبه وسكت وقد كاد يختنق، ووقع في حيرة وهو يتجلد في كتمان إحساسه وقال: «كنت تريدين أن تقولي شيئا؛ فما هو؟»
فظلت واقفة وهي تغالب عواطفها وتحاول كتمان هيامها ولا تجد إلى ذلك سبيلا، وشعرت بأنها مغلوبة على أمرها فاصطكت ركبتاها ولم تعد تستطيع الوقوف، فقعدت وهي تتشاغل بمسح عينيها بطرف كمها، ثم نظرت إلى عينيه فرأت فيهما شيئا يكاد ينطق بمكنونات قلبه، فهمت بأن تصرح بما ترجوه منه فغلب عليها الحياء، فإذا هو يبتسم لها وعيناه تبرقان وجدا وهياما فبقيت ساكتة.
أما هو فاستأنف الكلام قائلا: «قولي يا ميمونة ... قولي.»
واختنق صوته، فنظرت إليه وقد احمرت عيناها وذبلت أجفانها فازدادتا سحرا وفتنة وقالت: «أراك تبالغ في المجاملة، كفى يا سيدي، كفى استخفافا بي. قل إنك لا يهمك أمري وهذا يكفيك مئونة الاهتمام بي!»
فقال: «بل أمرك يهمني كثيرا؛ ألا يشعر قلبك بذلك؟ أراك تتجاهلين أكثر من تجاهلي أم أنت لا قلب لك؟» واخشوشن صوته.
فأبرقت أسرتها وحدقت في عينيه كأنها تستطلع حقيقة ما يعنيه، ثم ابتسمت والدمع يجول في عينيها، وتجلدت والحياء يغالبها وقالت: «أيهمك أمري كثيرا؟ إذن قل إنك ...» وسكتت ففهم مرادها وتظاهر بأنه لم يفهم فقال: «ماذا أقول يا ميمونة؟ قولي أنت أولا!»
فقالت: «وهل تحتاج حالي إلى قول وهذه دموعي تقول عني، فقل أنت، قل بالله إنك تحبني، أو دعني وشأني!» قالت ذلك وحولت وجهها عنه وهي تكاد تختنق من تضارب الحب والخجل وخوف الفشل.
فلم يعد بهزاد يستطيع إمساك هواه ولكنه فكر فيما هو فيه من مهام الأمور، فخاف أن يحول التصريح دون مشروعه فقال: «إن ذلك لا يحتاج إلى تصريح؛ نعم إني أحبك!»
فلما سمعت تصريحه غلب عليها السرور حتى كادت تضحك فغصت بالضحك كما كانت تغص بالبكاء، وتساقطت دموعها ولم تتمالك أن صاحت: «أنت تحبني يا بهزاد؟ تحبني؟ أحقيقة ما أسمعه أم وهم؟ وهل أنا في يقظة أم في منام؟ حبيبي بهزاد أنت تحبني؟»
Bilinmeyen sayfa