فكانت آمنة تحدث عن نفسها، وتقول: أتاني آت حين مر بي من حملي ستة أشهر وكزني في المنام برجله، وقال: يا آمنة إنك حملت بخير العالمين طرا، فإذا ولدته فسميه محمدا -صلى الله عليه وآله وسلم-، واكتمي شأنك، فكانت تحدث عن نفسها، وتقول: لقد أخذني ما يأخذ النساء، ولا يعلم بي أحد من قومي ذكر ولا أنثى، وإني لوحيدة في المنزل، وعبدالمطلب قالت: فسمعت وجبة عظيمة وأمرا شديدا فهالني، وذلك يوم الإثنين، فرأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي، فذهب عني الرعب وكل وجع كنت أجده، ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عاطشة، فتناولتها، فشربتها فأضاء مني نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهن من بنات عبد مناف، يجدفن بي وأنا أعجب وأقول: واغوثاه من أين علمن بي هؤلاء، فاشتد بي الأمر وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأكبر وأهول إذ أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض، وإذا قائل يقول: خذوه عن أعين الناس، قالت: ورأيت رجالا قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة وإناء يرشح مني عرقا كالجمان أطيب ريحا من المسك الأذفر، وأنا أقول: ليت عبد المطلب قد دخل علي، وعبد المطلب عني نائي، قالت: فرأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر، حتى غطت حجرتي، مناقيرها من الزمرد، وأجنحتها من الياقوت، فكشف الله لي عن بصري، فأبصرت من ساعتي تلك مشارق الأرض ومغاربها، فرأيت ثلاثة أعلام مضروبات: علما في المشرق، وعلما في المغرب، وعلما على ظهر الكعبة، وأخذني المخاض واشتد بي الأمر جدا، وكأني مسندة إلى أركان النساء، وكثرن علي، حتى كأن الأيدي معي في البيت ولا أرى شيئا فولدت محمدا -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه، فإذا به ساجد قد رفع أصبعه إلى السماء كالمتضرع المبتهل.
ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت تنزل من السماء حتى غشيته فغيب عن وجهي، فسمعت مناديا ينادي ويقول: طوفوا بمحمد-صلى الله عليه وآله وسلم- شرق الأرض وغربها، وأدخلوه إلى البحار كلها، ليعرفوه باسمه وصفته وصورته، ويعلمون أنه سمي فيه الماح الذي لا يبقي شيئا من الشرك إلا محي به في زمانه، ثم تجلت عنه في أسرع من طرف العين، فإذا أنا به مدرج في ثوب أبيض أشد بياضا من اللبن وتحت حريرة خضراء قد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض، وإذا قائل يقول: قبض محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- على مفاتيح النصرة، ومفاتيح الريح، ومفاتيح النبوة.
Sayfa 35