قَسَمًا ومَا أُدلي إِليكَ بحجَّةٍ ... إِلاَّ التضرُّعَ من مُحبٍ خاشعِ
ما إِن عَصَيُتَك والغواةُ تَمُدُّني ... أَسبابُها إِلاَّ بِنيَّةِ طائعِ
حتى إِذا علقَتْ حبائِل شِقْوتي ... بِرِدَىً على حُفَر المهالِك هائعِ
لم أَدرَ أَنّ لمثل ذَنبي غافِرًا ... فأَقْمتُ أَرقُبُ أَيَّ حتفٍ صارعي
رَدَّ الحياةَ إِليَّ بعد ذَهابها ... ورَعُ الإِمام القاهرِ المتواضعِ
أَحياكَ مَنْ ولاّكَ أَطول مُدَّةٍ ... ورَمى عدُوَّكَ في الوتين بقاطعِ
إِنّ الذين قسم الفضائل حازها ... في صلب آدم للإِمام السابعِ
كم مِن يدٍ لكَ لا تحدّثني بها ... نفسي إِذا آلتْ إِليَّ مطامعيِ
أَسْدِيْتَها عفوًا إِليَّ هَنِيئَةً ... فشكرتُ مُصْطَنَعًا لأكرم صانعِ
وَرَحِمْتَ أَطفالًا كأَفراخ القطا ... وعويلَ عانسةٍ كقوسِ النازعِ
وَعَفَوْتَ عَمَّنْ لم يكنْ عن مثلِهِ ... عفوٌ ولم يشْفَعْ إِليك بشافعِ
إِلاَّ العلوَّ عن العقوبةِ بعدما ... ظفرَت يَداكَ بمسكتينٍ خاضعِ
قال: فبكى المأمون، ثم قال: عليَّ به، فأتي به فخلع عليه، وحمله، وأمر له بخمسة آلاف دينار، ودعا بالفرَّاش فقال له: إذا رأيت عمّي مقبلا فاطرح له تُكَأَةً، فكان ينادمه، ولا ينكر عليه شيئًا.
وزاد في رواية الصولي: وله في عفوه أشعار كثيرة، منها قصيدة أولها " من البسيط ":
أَعينكَ يا خيرَ من تعنى بمؤتلفِ ... من الثناءِ ائتلافَ الدُّرِّ في النَّظم
أَثني عليكَ بما جدَّدت من نعمٍ ... وما شكرتك إِذ لم أُثن بالنِّعَمِ
وفيها:
رددتَ مالي ولم تمنن عليَّ به ... وقبل ردِّك مالي ما حقنتَ دمي
فَنُؤْتُ منه وما كافأتُها بيدٍ ... هي الحياتان من موتٍ ومن عَدَمِ
البرُّ لي منكَ وطءُ العذر عندك لي ... فيما أَتيتُ فلم تعذُل ولم تَلُمِ
وقام عِلمكَ بي فاحتجً عندك لي ... مقام شاهدِ عَدْلٍ غير مُتَّهِمِ
تعفو بعدلٍ وتسطو إن سطوتَ بهِ ... فلا فقدانكَ من عافٍ ومنتقمِ
" الجمَّاز "
وروى يموت بن المزرَّع لخاله عمرو بن بحر الجاحظ في الجمَّاز يهجوه " من مجزوء الرمل ":
نَسَبُ الجمَّازِ مق ... صورٌ إِليه منتهاهُ
تنتهي الأحساب بال ... نَّحاس ولا تعدو قفاهُ
يتحاجى مَن أَبو ال ... جمَّاز فيه كاتباهُ
ليسَ يدري من أَبو ال ... جمَّازِ إِلاَّ مَن يراهُ
حدثنا يموت قال: كان أبي والجمَّاز يمشيان وأنا خلفهما بالعَشيِّ، فمررنا بإمام وهو ينتظر من يمرُّ عليه فيصلِّي معه، فلما رآنا أقام الصَّلاة مبادرًا، فقال له الجمَّاز: دع عنك هذا فإن رسول الله ﷺ قد نهى أن يُتَلَّقى الجلب.
حدثنا محمد بن يحيى الصُّولي، حدثنا يموت بن المزرَّع، قال: جلس الجمَّاز يأكل على مائدةٍ بين يدي جعفر بن القاسم، وجعفر يأكل على مائدةٍ أخرى، وكانت القصعة ترفع من بين يدي جعفر فتوضع بين يدي الجمَّاز، فربما كان عليها قليل، وربما لم يكن شيء.
فقال الجمَّاز: أصلح الله الأمير، ما نحن إِلاَّ عصبة، فربما فضل بعض المال، وربما أخذه أهل السهام، ولا يبقى لنا شيء.
حدَّث يموت بن المزرَّع، قال: هجا خالي أبو عثمان الجاحظ الجمَّازَ بأبيات منها " من مجزوء الرمل ":
نسبُ الجمَّازِ مقصو ... رٌ إِليهِ منتهاهُ
تنتهي الأحساب بالنَّاسِ ... ولا تعدو قفاهُ
فكتب إليه الجمَّاز " من مجزوء الرمل ":
يا فتى نفسُهُ إِلى ال ... كُفرِ بالله تائقَهْ
لكَ في الفضلِ والتَّزهْ ... دِ والنُّسكِ سابقَهْ
ومن هجاء الجمَّاز للجاحظ قوله " من مجزوء الخفيف ":
قال عمروٌ مفاخرًا ... نحن قومٌ من العربْ
1 / 8