مُغيِّريَّةٌ كالبدرِ سُنَّةُ وجهها ... مُطَهَّرةُ الثوابِ والعرضُ وافرُ
لها حسبٌ زاكٍ وعِرضٌ مُهذَّبٌ ... وعن كلِّ مكروهٍ من الأمرِ زاجرُ
من الخفراتِ البيضِ لم تلقَ ريبةً ... ولم يَسْتَمِلْها عن تُقى الله شاعرُ
فقال له سالم: زدني، فغنّاه:
ألَمَّتْ بنا والليلُ داجٍ كأنهُ ... جناحُ غرابٍ عنه قد نَفَضَ القطرا
فقلتُ: أعطَّارٌ ثوى في رحالنا ... وما احتملت ليلى سوى طيبها عِطرا
فقال له سالم: والله لولا أن تتداوله الرواة لأجزلتُ جائزتك، فإنك من هذا الأمر بمكان.
أنبأنا أبو محمد بن صابر، أنا سهل بن بشر، أنا علي بن بقاء الورَّاق إجازة، أنا المبارك بن سالم، أنا الحسن بن رشيق، نا يموت بن المزرَّع، نا أبو شراعة عبد الله بن شراعة القيسي، نا محمد بن القاسم بن محمد بن شراعة، عن مشيخة الحي، قال: كان عبد الله بن يزيد الأسيدي ثم التميمي يكثر التعبُّث بعبد الله بن الجارود العبدي، وكان عبد الله بن الجارود عاملًا على البصرة من قبل سليمان ابن عبد الملك، فدسَّ عبد الله بن الجارود رجالًا من عبد القيس فشهدوا على عبد الله بن يزيد بشرب الخمر، فقبض عليه وضربه الحدَّ ضرب التَّلف. فأخذ عبد الله بن يزيد يقول: ما هكذا تُقام الحدود. ثم أمر به إلى السجن، ودسَّ إليه غلامًا له فدقَّ عنقه في الحبس، وادَّعى عليه أنه مصَّ خاتمًا كان في يده تحت فصِّه سمٌّ، فأنشأ الفرزدق يقول " من البسيط ":
يالَ تميمٍ ألا لله أُمُّكُمُ ... لقد رُميتُم بإحدى المُصْمَئِلاَّتِ
في أبيات له، فوجَّه عبد الله بن الجارود مَن لَبَّب الفرزدق، وقاده إلى السجن، فلما أن كان على باب السجن قال: أيها المسلمون، أشهدكم أنه ليس في إصبعي خاتم! ونُمي الخبر إلى سليمان فعزل ابن الجارود وأشخصه إليه، فلما دخل عليه سلَّم بالخلافة، فقال له سليمان: لا سلَّم الله عليك، قتلتَ من كان خيرًا منك أبًا وأمًا. فقال ابن الجارود: يا أمير المؤمنين، ولَّيتمونا بلدًا، ودفعتم إلينًا سيفًا وسوطًا وأمرتمونا بإقامة الحدود، فإن تهلك نفس فمن وراء الجهد. وأما قولك يا أمير المؤمنين إنه كان خيرًا مني أبًا وأُمًا، فأما أبي فهو الجارود بن المعلَّى الذي قال له رسول الله ﷺ: أسلم يا جارود، قال: اضمن لي الجنة يا رسول الله، وهو الذي قال فيه عمر: لو أدركتُ سالمًا مولى أبي حذيفة لم يخالجني فيه الشك، ولو أدركتُ أُعيمش عبد القيس لسلَّمتها إليه، وأمَّا أُمِّي فابنة الذي أجار أباك على علي بن أبي طالب يوم الجمل. وكان جدُّه لأمه مِسمَع بن مالك أبو مالك مِسمَع، وكان أجار مروان يوم الجمل على عليّ بن أبي طالب.
أخبرنا أبو القاسم عليّ بن إبراهيم أبو الحسن عليّ بن الحسن، قالا: نا وأبو منصور بن زُريق، أنا أبو بكر الخطيب، أنا محمد بن علي بن هشام، أنا أبي قراءة عليه وأنا أسمع سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، حدثني يموت بن المزرَّع، حدثني نصر بن علي، قال: أردت الخروج إلى مكة فودعت أبي، فلما كنتُ بالمنجشانيَّة سمعتُ شحيج بغلنا فعرفته فتشوَّفت فإذا أبي.. فوثبتُ إليه. فقال: يا بُنيّ أردت إذكارك، إذا دخلت مكة سالمًا إن شاء الله فلقيتَ ابن عُيينة فسله عن حديث زياد بن سعيد، عن هلال بن أبي ميمونة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ خيَّر غلامًا بين أبيه وأمه ... وسله عن حديث عمرو، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ الحرب خَدعة. ذكره بفتح الخاء. فلقيتُ سفيان وتعرَّفتُ إليه فأكرمني إلى أن قال لي يومًا من أيامه: مَن مشايخ البصرة اليوم؟ قلتُ يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي اللاَّل. قال: فما فعل عبد الله بن داود الخريبي؟ قلت: حيٌّ يُرزق. قال: ذاك شيخنا القديم.
قال ابن خلكان في ترجمة يموت بن المزرَّع:
1 / 14