وحدث يوما أن جاءته نفيسة دعشوش زوجة سعد الله جابر، أو التي كانت زوجته، وقالت لأبي سريع: يا حاج يعمر بيتك. - خيرا يا نفيسة أنا تحت أمرك. - لقد طلقني سعد الله بالأمس. - أعوذ بالله. - بل قل الحمد لله، فقد كانت العيشة معه - بعيد عنك - سوداء، وكانت أيامه كلها سبا وشتما. - هكذا بلا مناسبة؟ - يعيرني أني عاقر. - يا ستي هذه الأمور أصبح الطب يحسمها بمنتهى البساطة، ألم تذهبي إلى طبيب؟ - العيب فيه هو. - إنه حقا رجل ظالم. - هو يدعي أنه كان يسيء إلي إلى حد الضرب لأني عاقر، وهو يعلم كل العلم أن السبب في ذلك هو وليس أنا، ولكن الحقيقة يا حاج أنه طلقني لسبب آخر. - أي سبب؟ - وفاة كامل الشنواني. - وما شأن وفاة كامل بطلاقك؟ - ترك لزوجته فدانين من الأرض. - وما شأن طلاقك بهذا؟ - حط سعد الله عينه على حبيبة أم عرابي أرملة كامل، فما أن أوفت العدة حتى تقدم إليها، وقالت له: لا أتزوج على ضرة. - الآن فهمت ووضحت الأمور، وماذا تريدينني أن أفعل؟ - أنا انتقلت إلى بيت أبي منذ أمس. - طبعا. - أنت تعرف أبي. - هل أحد في البلد لا يعرف الشيخ زكي دعشوش، إنه أبخل من جلدة. - إنه لم يقل لي شيئا حتى الآن، ولكنه لا شك يطمع في المؤخر الذي أخذته؟ - طبعا. - مع أنه سيحصل على نفقتي. - ألا تكفيه النفقة! - ولهذا جئت إليك. - أنا تحت أمرك. - المؤخر الذي قبضته ثلاثمائة جنيه، أريد أن أحتفظ به للزمن. - طبعا لك حق. - إن أبقيتها معي استولى عليها أبي بطريقة أو أخرى. - مؤكد. - خذ هاك الثلاثمائة جنيه أمانة معك. - أكتب لك إيصالا، فهذا حق الله. - يا حاج، وهل تراني أعرف القراءة حتى أعلم ماذا تكتب في الإيصال؟ أنا واثقة في ذمتك.
وهكذا كانت هذه الواقعة بابا جديدا فتح على مصراعيه لأبي سريع، وتدفقت عليه الأمانات وأجمع القاصدون إليه ألا يأخذوا منه ما يدل على أنهم استودعوه أموالهم.
وكثرت الأمانات لديه، ولم يكن يخشى أن يغتاله أحد في هذه الأموال، فابنه في القاهرة يبحث عن عمل، وقد بيت في نفسه أن يجد له هذا العمل، وكان يدري وسيلته إلى ذلك.
وزوجته سلمى لا يعنيها المال في شيء، فما دامت تجد لقمتها وهدمتها فليس لها مطمع بعد ذاك.
قال أبو سريع لوجدي: أراك تخدم الناس جميعا وتنسي المقربين إليك. - هل تأخرت عنك في شيء؟ - ألا تعرف أنك أهملت أمري كل الإهمال؟ - فيم؟ - ابني لطفي. - ما له؟ - ألا تعرف أنه حصل على التجارة العليا؟ - وهنأته. - نعم، وأتحفته بمائة جنيه أبى أن يعطيني منها مليما واحدا. - إذن؟ - ألا تدري؟ ما فائدة الشهادة إذا لم يتوظف بها؟ - آه والله، أنت محق، ولكنك لم تطلب مني شيئا. - وهل يحتاج الأمر إلى طلب؟ - ظننت أنك تريد له وظيفة معينة يعينك عليها أصدقاؤك الكثيرون، فأنت صراف قديم، ولك أصدقاء وجهاء في كل مكان. - لا أحد منهم في مثل وجاهتك. - أنا تحت أمرك. - سعادتك تتعامل مع بنك الوفاء الاقتصادي منذ نشأة البنك. - ولي أسهم فيه أيضا. - أعلم ذاك، أنسيت أني مطلع على كل حساباتك؟ - فليكن ما تقول.
وتم فعلا تعيين لطفي أبو سريع علوان بقسم الائتمان ببنك الوفاء الاقتصادي.
الفصل الثاني
على مقربة يسيرة من قرية أبي سريع ووجدي الدلجمونة قرية أخرى تسمى الولجة، أشهر من فيها عيدروس النمر، وهو رجل غليظ الجسم بصورة متضخمة، ولكن غلظة جسمه تعتبر نحافة وضمورا إذا قورنت بغلطة فؤاده. مات أبوه وهدان النمر، وترك ولدين وبنتين وكان أربعتهم قد بلغ سن الرشد، ولكن عيدروس كان قد كون عصابة قبل أن يموت أبوه عملها السرقة، واغتصاب الأرض والقتل بسبب يتعلق بعيدروس أو لغير ذلك من أسباب كأن يطلب منه صاحب مصلحة في زوال شخص ما أن يقتله. وطبعا لم تكن الصداقة وحدها تكفي عيدروس لينفذ قتل خصم القاصد إليه، بل كان يتقاضى مبالغ ضخمة يقدرها هو حسب مقدار الثروة التي يملكها طالب القتل.
وحين ألف عيدروس عصابته كان أبوه ما زال على قيد الحياة، هذا إذا اعتبرنا أن تردد الأنفاس حياة، فقد كان في الموهن الأخير من عمره لا يكاد يعقل ما يسمع، وقد رفق به المولى سبحانه، فلم يطل الأمد الذي كان يتنفس فيه بلا حياة.
فحين مات لم يكن يعلم عن ولده عيدروس إجرامه وجبروته، ولو كان قد علم لما صنع شيئا؛ فقد كان رجلا سلما من هؤلاء الذين يمرون بالحياة، أو تمر بهم، وكأنهم من هوان الشأن ما وجدوا.
Bilinmeyen sayfa