قلت: ركبة أخرى ثم نكف يا أماه ...
ولما ركبنا في صبح اليوم التالي، رحت أقول له برنة أسف وحزن ونحن عاطفان بجوادينا نحو المتنزه: هذه هي ركبتنا الأخيرة.
فضحك قائلا: نعم يا آنسة، ولكنها غدا متكررة للعروس.
فهممت بأن أجيب ولكن وقع في تلك اللحظة ذلك الحادث الذي غير وجه حياتي، حادث بسيط ولكنه ترك في العيش أثرا لا تمحوه الأيام، إذ هبت أنفاس الريح العاصف فأطارت غطاء رأس رجل من السابلة في وجه جوادي، فكر ثم فر، وتوثب مجفلا، وفي لحظة رعب وهول وجدتني أسقط عن صهوته، وما لبث أن غام الكون كله في عيني، ورحت لا أعي شيئا ...!
وبعد ساعات ثبت إلى نفسي فإذا أنا في ألم شديد والوجوه منحنية علي، والأصوات تتهامس حولي، ولم أدر ماذا جرى ولا أدركت إلى أين جيء بي، ولا حفلت بالبحث، بل كل ما كنت في حاجة إليه هو النوم ... النوم العميق ونسيان الألم الذي يفت في سائر أجزاء بدني.
ومضت أسابيع لست أستطيع اليوم على وصفها جلدا، فحسبي أن أقول إنني لبثت في المستشفى حتى ختام الشتاء، فلما خرجت مبلة مما أصابني، كان أصحاب المصنع قد ألحوا عليه في الرجوع، فانتظر حتى زال عني الخطر واطمأن، فلم يجد مفرا من العود فعاد، ولكنه كان على وشك الرجوع إلينا وكنت في لهفة على لقائه.
ففي ذات صبح ونحن جالستان أنا وأمي في حجرتنا نشتغل بتطريز ثوب جديد مضيت أقول لها: يا عجبا يا أم، كأنما كنت تتكلمين بلسان القدر، وها هو ذا الأمر سيقع كما كنت تريدين.
فنظرت إلي أمي حائرة وقالت: ماذا تعنين؟
قلت: أعني العرس ولا ريب، ولقد أردت أن يكون أوان ربيع، وها هو ذا القدر قد أرجأه إلى الربيع، فماذا تقولين؟
وإذا بي أرى الدمع يترقرق في عينيها، وانثنت تقول - ملقية الثوب من يدها ومطوقتي بذراعيها -: أي فتاتي العزيزة، لم يهن علي حتى الساعة أن أحدثك بما جرى، لأنك كنت واهية القوى، إنني أخشى أنك ستضطرين إلى ترك فكرة الزواج جملة واحدة، أو على الأقل لا ينبغي التفكير فيه حتى تكاشفي خطيبك بكل شيء.
Bilinmeyen sayfa