وجاءت صديقتي تنعاه إلينا فقالت: إن الغلام قد ترك لأبويه كتابا يقول إنه سئم الحياة ويسألهما المغفرة.
ولكني كنت عليمة وحدي بسر يأسه وسوء خاتمته. فلم يأخذني أحد بجريرة ولا حملت إصر نكبته، وأدركت رويدا أنني استخدمته لإشباع غروري ومسرة نفسي ... فقتلته!
وكان والده هو الذي بصرني بأثرتي المجرمة التي أودت بولده. له الله ذلك الوالد، لقد كان رجلا كريما رفيع الذهن روحانيا، لو أن غلامه عاش لمضى على سنته، نعم إن الرجل من أهل الدين ويرى أن المرأة المتزوجة ينبغي أن تكون فاضلة، وأن فضيلتها يجب أن تكون عندها مطالع خصالها، ومن بعدها تأتي الرحمة والوفاء والحكمة وحسن الأدب.
ولا تكون المرأة امرأة خير حتى تجتمع أولئك لها، وكذلك مضى يعظني وهو يتحدث إلي عن آماله الكبار التي كان يعقدها على فلذة كبده، فقال: لقد كان ولدي سهل القياد ، سريع التأثر، بحاجة إلى الناصح المعين.
وسكت قليلا ليغيب السكين إلى مقبضه في صميم فؤادي، ثم مضى يقول: ولشد ما سرني أن علمت من كتبه في ذلك الحين ورسائله مبلغ إعجابه بك، فلا شيء في العالم هو أعظم سلطانا على نفس الغلام من صداقته لامرأة كريمة أكبر منه سنا، وكنت أرجو أن يجد عندك العون الذي كان بحاجة إليه ...
ولكني بدلا من أن أعين ذلك الغلام ... قتلته ...!
رهان على الحب
مضى «ت» إلى بارئه منذ ليلتين، وجئت اليوم منفذا وصيته أقص على الناس قصة حياته كما سمعتها من شفتيه قبل أن تتخرمه المنون منذ بضعة أيام.
وإني لأذكر الساعة كلمة حكيمة صادقة كنت قد قرأتها فيما قرأت عن الحب، وهي أن الحب ليبلغ بامرئ أبعد آفاق الهناءة والنعيم، أو يهوي بامرئ إلى أسحق وهدات الشقاء والبؤس، وكذلك كان نصيب «ت» من بؤس الحب وحرمانه من هناءته ونعماه، وهو فتى في مقتبل الشباب، يكاد يكون غلاما في طراءة الحداثة، وقد لبث قرابة عام يتجرع غصص الحب ويسقى من صابه، ويعاني من ألمه وعذابه، حتى ذهب آخر مطاف الأسى ومدار الحزن ... في الهالكين الغابرين.
وكنت قد عرفت من قصته طرفا، قبل أن يكاشفني بها، فمضى يحدثني بطرفها الآخر ونحن جالسان في ذات ليلة عاصفة نجد على النار دفئا وبهجة ضياء.
Bilinmeyen sayfa