التفسير والمفسرون في غرب أفريقيا
التفسير والمفسرون في غرب أفريقيا
Yayıncı
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٦ هـ
Yayın Yeri
المملكة العربية السعودية
Türler
التفسير والمفسرون في غرب أفريقيا
تأليف
د. محمد بن رزق بن طرهوني
«الجزء الأول»
دار ابن الجوزي
Bilinmeyen sayfa
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (١).
إن نعم الله ﷾ على عباده لا تحصى، وإن آلاءه وأفضاله لا تعد، قال تعالى ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار﴾ (٢) وإن من نعم الله سبحانه على العبد بعد هدايته للإسلام أن يوفقه إلى سلوك سبيل أهل العلم العاملين به، فذلك والله لهو الخير العميم والفضل العظيم قال تعالى ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾ (٣).
وإن مما أنعم الله علي: حبي للعلم وأهله، ورغبتي الجامحة في الانخراط في طلابه وخطابه، فكان أن أكرمني بإنهاء رسالة الماجستير في تخصص التفسير وعلوم القرآن، وتشوفت لإكمال المسيرة العلمية بالتقدم لإتمام الدكتوراه. وكغيري من طلبة العلم في تلك المرحلة تجاذبني موضوعات شتى، رغبت نفسي في البحث فيها فتقدمت ببعضها إلى قسم التفسير بجامعتنا
_________
(١) هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله ﷺ يعلمها أصحابه في النكاح وغيره كما في الحديث الذي أخرجه أحمد ١/ ٣٩٣، ٤٣٢، والترمذي - كتاب النكاح - باب ماجاء في خطبة النكاح ٣/ ٤٠٤، والحاكم ٢/ ١٨٢ وغيرهم من حديث ابن مسعود وقد صححه الترمذي والحاكم.
(٢) إبراهيم: ٣٤.
(٣) يونس: ٥٨.
1 / 5
الكريمة إلا أنها لم تحظ بموافقة القسم عليها، وبعد مداولات ومشاورات مع أهل الخبرة والاختصاص؛ أشار علي أحد الفضلاء من أهل العلم بموضوع رسالتي الحالية وهو:
(التفسير والمفسرون في غرب إفريقية)
ولأول وهلة شعرت بأن الموضوع فيه شيء من الصعوبة بسبب قلة المصادر المغربية لدى المشارقة، وكذا وجود شيء من البعد بين المدرستين، بالإضافة للظروف المحيطة بالغرب الإفريقي مثل دخول الإسلام إليه مؤخرا، ثم تمكن الروافض منه فترة طويلة، ثم سقوط الدولة الإسلامية عدة مرات، ثم الاحتلال الذي أتى على الأخضر واليابس، إلا أنني وجدت خيوطا كثيرة لجمع مادته الغزيرة، وشعرت بأهميته التي تتمثل فيما يلي:
أهمية البحث:
أولا: أنه يتعلق بأشرف العلوم ألا وهو علم التفسير وسوف يأتي الحديث عن ذلك خلال التمهيد.
ثانيا: عدم وجود بحث جامع للمفسرين في تلك المنطقة على الرغم من كثرتهم الكاثرة، وإنما الذي وقفت عليه بحوث مقتضبة أو مختلطة تتعلق بالمفسرين جملة، وفي ذات الوقت لم يحظ المغاربة فيها بالاستقصاء والتتبع ففات من تراجمهم الكثير، وسوف يأتي بيان ذلك في المدخل إلى الباب الأول.
ثالثا: حاجة المكتبة الإسلامية لدراسة المزيد من مناهج المفسرين ولاسيما أصحاب الكتب المفقودة أو المخطوطة أو المطبوعة التي لم تحظ بعد بدراسة عن مناهجها.
رابعا: وجود كم هائل من نتاج التفسير في تلك المدرسة العريقة تناثر ذكره في منوعات الكتب، ولم يحظ بجمع مستقل فيما أعلم مع الحاجة إلى ذلك لباحثي التفسير وغيرهم، لاسيما عند بيان مواضع مخطوطات تلك التفاسير.
1 / 6
فنما في نفسي الرغبة في خوض ذلكم البحث وذلك لعدة أسباب أذكر منها:
أسباب اختيار الموضوع:
أولا: طبيعة نفسي المتأصل فيها حب الإقدام على الصعوبات والمعضلات، فإن الوصول إلى المأمول بعد خوضها له لذة وأي لذة.
ثانيا: معلوماتي الضحلة عن تلك المنطقة تاريخيا وعلميا، والشغف بالعلم بالمجهول هو غاية طالب العلم ومنتهى أمله.
ثالثا: ارتباط هذا البحث بعلمين قد تعلق قلبي بهما وهما: علم التفسير وكفى به شرفا، وأي شرف لعلم يسمو عليه وهو العلم الذي يجلي لنا مراد الله منا ويكشف لنا عن رسالة ربنا إلينا؟ ثم علم تراجم العلماء وهو العلم الذي يوضح لنا نحن طلبة العلم المنهج التربوي الذي ينبغي أن نسلكه في حياتنا، فهم قدوتنا وأسوتنا بعد نبينا ﷺ وهم النبراس الذي يضيء لنا طريقنا فلا غرو أن الاشتغال بسيرتهم من ألزم ما يلزم طالب العلم.
رابعا: أن عملي في رسالة الماجستير كان متعلقا بجانب مختلف عن هذا الجانب وهو دراسة التفسير بالمأثور، فالتنوع في الدراسات التفسيرية يثري الملكة العلمية لدى طالب العلم الذي ينشد التخصص في ذلك الفن وهو مقصد أساسي لديه.
خامسا: شعوري بحاجة المشارقة بله المغاربة لهذا البحث وافتقار المكتبة الإسلامية إليه، مع أهميته وعظم فائدته لطلاب العلم على وجه الخصوص كما سبق أن قدمت، وكفى بسد ثغرة كهذه حافزا ودافعا.
فشمرت عن ساعد الجد، ووضعت له خطة وتصورا بعد أن استشرت ذوي الخبرة، وتنقلت بين أفنان بعض الكتب المعنية، وتقدمت بذلك للقسم فحظي الموضوع بالقبول فتنفست الصعداء وبدأت البحث بعزم ونشاط وفق الخطة التالية:
1 / 7
خطة البحث:
وتشتمل على مقدمة وتمهيد وبابين وخاتمة
أما المقدمة فتشتمل على:
- أهمية البحث.
- أسباب اختيار الموضوع.
- منهج البحث.
- ثم شكر وتقدير.
وأما التمهيد فيشتمل على:
أ - نبذة عن علم التفسير وأهميته.
ب - جغرافية هذه البلاد وتحديد أمكنتها.
جـ - وصول الإسلام إلى هذه البلاد.
د - اهتمام أهل هذه البلاد وتأثرهم بالعلوم الإسلامية.
* ملحق بالخرائط.
الباب الأول:
المفسرون في غرب إفريقيا
وفيه فصلان:
الفصل الأول: تراجم المفسرين في غرب إفريقيا من أهل المنطقة.
الفصل الثاني: تراجم المفسرين الذين وفدوا على المنطقة.
الباب الثاني:
التفسير في غرب إفريقية
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: دراسة عن التفسير في هذه البلاد وفيه مباحث:
الأول: نبذة عن علم التفسير ونشأته في هذه البلاد.
الثاني: تأثر التفسير في المنطقة بمدرسة المشرق.
الثالث: تأثر التفسير في المنطقة بالتفسير عند أهل الأندلس وغيرها من الدول المجاورة.
1 / 8
الرابع: الفقه المالكي والظاهري وأثره في التفسير بالمنطقة.
الخامس: القراءات وأثرها في التفسير بالمنطقة.
الفصل الثاني: دراسة أمثلة لكتب التفسير بالمأثور في غرب إفريقية.
الفصل الثالث: دراسة أمثلة لكتب التفسير بالرأي في غرب إفريقية:
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أمثلة الرأي المحمود.
المبحث الثاني: أمثلة الرأي المذموم.
الخاتمة:
وتشتمل على أهم نتائج البحث.
وقد حاولت في هذه الخطة الالتزام بمنهج محدد، فبذلت كل ما في وسعي لاختصار المراحل التاريخية التي مرت بها المنطقة مع ضخامة معلوماتها وكثرة التقلبات السياسية بها، وعمق تأثيرها على النتاج الفكري بها، وذلك من خلال أمهات المراجع التاريخية الخاصة بالمنطقة وغيرها، لكي لا أطيل على القارئ فيما ليس من صلب البحث.
كما حرصت على إرفاق بعض الخرائط الجغرافية والسياسية للمنطقة لتساعد على تصور ماتم ذكره في التمهيد ومواقع بعض البلدان التي ينتمي إليها المفسرون.
أما بالنسبة للمفسرين من أهل المنطقة ثم من الوافدين عليها فقمت بالتوطئة للحديث عنهم بمدخل بينت فيه بعض الضوابط التي التزمتها في سوق تراجمهم، ثم طفقت أجمع تراجمهم من أمهات كتب تراجم المفسرين على وجه الخصوص ثم كتب الأعلام جملة وكتب تراجم علماء المنطقة مثل كتب تراجم علماء تونس خاصة مثل العمر وتراجم المؤلفين التونسيين والحلل السندسية وغيرها، وكتب تراجم علماء الجزائر خاصة مثل معجم أعلام الجزائر والبستان وغيرهما، وكتب تراجم علماء المغرب مثل موسوعة أعلام المغرب وجذوة الاقتباس وسلوة الأنفاس وغيرها، وكتب تراجم علماء موريتانيا مثل فتح الشكور والوسيط وغيرهما، وكان عمدة الكتب في ترجمة المفسر طبقات المفسرين للداوودي فإذا وجدت الترجمة فيه جعلتها أصلا فاختصرت مايلزم اختصاره وزدت ماتلزم زيادته، ورجعت
1 / 9
كل معلومة مقتبسة لمصدرها، ثم ذكرت في الحاشية كل ماوقفت عليه من مصادر قد ترجمت لذلك المفسر، فإن لم توجد الترجمة في طبقات الداوودي كان المرجع التالي له كأصل كتاب العمر لحسن حسني عبد الوهاب وإلا فالأعلام للزركلي وإلا فمعجم المؤلفين لكحالة وإلا فمعجم المفسرين لنويهض، وإلا فنيل الابتهاج للتنبكتي أو شجرة النور لمخلوف، وإلا فأقوم أنا بصياغة ترجمة له ابتداء من خلال المصادر الأخرى.
وقد تطلب البحث مني تصفح كتب بأكملها للبحث عن تراجم المفسرين بها أذكر منها على سبيل المثال سوى الكتب المعنية بتراجم المفسرين: الأعلام، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء تكرور، إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين، علماء ومفكرون عرفتهم، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، العمر، رياض النفوس، الفهرس الشامل، كشف الظنون، السلفية في موريتانيا، سلوة الأنفاس فيمن قبر من العلماء والصالحين بمدينة فاس وغير ذلك، وهذا الأخير لم أقف عليه مطبوعا في بداية البحث فتصفحت مخطوطته الواقعة في مجلدين كبيرين.
كما لم أستطع الحصول على معلومات لجماعة من المعاصرين إلا بعد محاولات كثيرة تمكنت بعدها من الاتصال بهم شخصيا.
والتزمت في ذكر مصادر الترجمة الابتداء بالمصادر المتخصصة في المفسرين كطبقات المفسرين للسيوطي والداوودي والأدنوي ومعجم المفسرين والتفسير والمفسرون ونيل السائرين والمدرسة القرآنية ونحوها ثم ذكرت غيرها بدون التزام بنسق معين.
وكان منهجي في كل ترجمة ذكر الاسم كاملا والكنية واللقب والنسبة، والتنبيه على كونه من المفسرين بتسويد مايدل على ذلك في الترجمة وتكبير الحرف، مع الاهتمام بمايدل على كونه من أهل المنطقة أو الوافدين عليها، وتحديد تاريخ ولادته وتاريخ وفاته وختم الترجمة بمؤلفاته مبتدئا بالتفاسير ومايتعلق بها - إن وجدت - مع تسويدها وتكبير خطها وبيان المخطوط منها وأماكن وجود نسخه في الحاشية ثم مثنيا بجملة من مؤلفاته الأخرى، كما اهتممت بأن تتضمن الترجمة ثناء العلماء عليه ونبذا من أخباره في طلب العلم وشيئا عن رحلاته وأعماله إن أمكن ذلك.
1 / 10
كما أنني التزمت بذكر الشيوخ والتلاميذ للمفسرين من أهل المنطقة لتأثير ذلك في بيان التطور المرحلي للتفسير فيها بخلاف غيرهم من الوافدين عليها.
وربما ذكرت شيئا من أقواله المتعلقة بالتفسير أو من مقدمة تفسيره أو نقلت إحدى النقول منه، لإعطاء تصور عنه.
وقد توخيت ضبط الأنساب وتحريرها ما أمكن، والتعريف بالمناطق التي ينتمي إليها المفسرون، وضبط أسمائها بقدر الاستطاعة، لصعوبة ذلك كما بينت في مدخل الباب الأول.
واعتبرت الترتيب الهجائي الألف بائي في سوق التراجم في اسم المترجم وأبيه وجده وهكذا بحيث يكون محمد بن أحمد بن علي سابقا لمحمد بن أحمد بن محمد مثلا، وجعلت الكنى وتراجم النساء في الأخير ليحصل من ذلك فهرسة ضمنية للتراجم، تغني عن إعادة ذلك في الفهارس الآتي ذكرها.
كما قمت بترقيم التراجم ترقيما تسلسليا فكانت حصيلة المفسرين من أهل المنطقة: ٢٥٥ ترجمة، ومن الوافدين عليها: ١٠٥ ترجمة، فأصبح مجموع المفسرين المترجم لهم على هذا النحو ٣٦٠ مفسرا مما يعتبر رسالة مستقلة.
وأما بالنسبة للتفاسير المدروسة كنماذج لتفاسير المنطقة فحرصت على أن تستوعب المناهج الفكرية التي سادت فيها فذكرت أمثلة للتفسير بالمأثور وللتفسير بالرأي المحمود كالتفسير الفقهي واللغوي والبياني، وللتفسير بالرأي المذموم كتفسير الشيعة الإسماعيلية والخوارج والصوفية الإشارية والصوفية الاتحادية، كما حرصت على أن يكون ضمن النماذج ماهو مفقود وماهو موجود، وماهو مخطوط وماهو مطبوع وماهو من تفاسير المتقدمين وماهو من تفاسير المتأخرين، وماهو من تفاسير أبناء المنطقة وماهو من تفاسير الوافدين عليها، كما توخيت جمع المادة التفسيرية للمفسر من كتابه في التفسير ومن غيره - إن أمكن - ليساعد ذلك على استيعاب منهجه، وذلك كله حرصا على بيان معطيات تلك المدرسة في شتى صورها.
وقد شملت دراسة كل تفسير التقديم بنبذة عن المدرسة التابع لها إن اقتضى الأمر وذلك في الخوارج والشيعة والصوفية، ثم التعريف بمؤلفه والإحالة على ترجمته، ثم التعريف بالكتاب وبيان هل هو مطبوع أم مخطوط،
1 / 11
ثم إعطاء نبذة عن الباعث على تأليف ذلك التفسير إن وجد، وذكر شيء من مقدمته إن أمكن، ثم بيان المنهج العام للمؤلف في ذلك التفسير ثم المنهج التفصيلي له ويتضمن اهتمامه بأسماء السور وعد الآي وأماكن الوقوف وبيان المناسبات بين السور وبين الآيات ثم محاولة دراسة موقفه من النقاط التالية حسب الاستطاعة:
١ - موقفه من العقيدة.
٢ - موقفه من تفسير القرآن بالقرآن.
٣ - موقفه من تفسير القرآن بالسنة (ويتضمن ذلك موقفه من فضائل السور والآيات ومن أسباب النزول ومن الروايات الضعيفة والموضوعة).
٤ - موقفه من تفسير القرآن بأقوال السلف.
٥ - موقفه من تفسير القرآن بروايات السيرة والتاريخ.
٦ - موقفه من الإسرائليات.
٧ - موقفه من اللغة (ويتضمن الشعر والمسائل النحوية والبيان والمعاني وإعجاز القرآن).
٨ - موقفه من القراءات (ويتضمن القراءة المعتمدة في تفسيره إن أمكن ثم ذكره للقراءات المتواترة وغيرها وتوجيهها).
٩ - موقفه من الفقه وأصوله.
١٠ - موقفه من العلوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية.
١١ - موقفه من المواعظ والآداب والتوجيه الاجتماعي.
وتتخلف بعض تلك النقاط ويظهر غيرها في دراسة التفاسير المنحرفة كتفاسير الخوارج والشيعة والصوفية كما سوف يتبين في موضعه إن شاء الله.
وقد حاولت إبراز إيجابيات وسلبيات كل تفسير من خلال تلك النقاط، بطريقة مقتضبة خشية الإطالة والملال وترسما لخطى من سبقني بدراسة مناهج المفسرين (١)، وربما ناقشت المفسر في بعض القضايا، وقمت بعزو الآيات
_________
(١) أمثال الدكتور الذهبي في التفسير والمفسرون والكنوني في المدرسة القرآنية في المغرب وفهد الرومي في اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر وفضيلة الأستاذ المشرف الدكتور عبدالغفور في مدارس ومناهج في تفسير القرآن الكريم وغيرهم.
1 / 12
وتخريج ما تيسر من الأحاديث المذكورة في الدراسة باختصار يليق بالمقام.
وقد كان في النفس القيام برحلة إلى المنطقة تساعد على صقل الموضوع وإبرازه في صورة أكمل، إلا أنه حال دون ذلك عوائق عدة أهمها الأحوال السياسية التي تمر بها المنطقة فقد علمت عن طريق الثقات من طلاب العلم الذين حاولوا دخول تونس بعد أن وصلوا حدودها أنه لم يسمح لهم بذلك ورجعوا بخفي حنين، وأما الجزائر فأخبارها لا تخفى على أحد، وتسلط الخوارج على كثير من المناطق ومايحدثونه من إرهاب غدا واضحا للجميع، وأما المغرب فمع بعدها الشاسع فقد تمكنت من تطويق معظم ماأريده بالرحلة عن طريق الزملاء المغاربة وفهارس المخطوطات والموسوعات الصادرة عنها، وأما موريتانيا فلم تنضج الحركة العلمية فيها كما ينبغي بحيث يمكن الاستفادة من الرحلة إليها بالقدر المطلوب، وقد تمكنت عن طريق طلاب العلم والمشايخ الموريتانيين من الحصول على جل مرادي والحمد لله.
هذا مع ما تتطلبه الرحلة من مبالغ ضخمة وتفرغ كامل لوقت طويل، ونشاط جسماني أليق بمرحلة الشباب، حال دون ذلك الأسرة الكبيرة وإرهاق العمل وتقدم السن، مع عدم وجود تسهيلات في السفر من الجهات المعنية التي غلب عليها مايسمى بالروتين القاتل. إلى غير ذلك من الموانع ولكنني أرجو من الله أن أكون قد وفقت في بحثي وربما ظهر مابذل فيه من مجهود إذا قورن بأعمال أهل المنطقة أنفسهم في بعض جزئياته وسوف يأتي الإشارة لشيء من ذلك في المدخل للباب الأول.
وقد ذيلت البحث بعدة فهارس تسهل الاستفادة منه وهي كالتالي:
١ - فهرس الآيات الكريمة.
٢ - فهرس الأحاديث الشريفة.
٣ - فهرس المفسرين المترجمين رتبته حسب الطبقات والوفيات، حيث إنني قد رتبت المفسرين في سوق تراجمهم ترتيبا هجائيا أغنى عن الفهرس
1 / 13
الهجائي، وهو قسمان قسم لمفسري المنطقة وآخر للوافدين عليها.
٤ - فهرس كتب التفسير ومايتعلق به الواردة في تراجم المفسرين.
٥ - فهرس البلدان والأنساب والكلمات الغريبة المعرّف بها.
٦ - فهرس الشعر.
٧ - فهرس المصادر والمراجع.
٨ - فهرس مواضيع الكتاب.
مصطلحات
ت: توفي
هـ: هجرية
م: ميلادية
ق: ورقة
ص: صفحة
وربما ذكرت كلمة من اسم المرجع إشارة للاسم كاملًا من باب الاختصار مثل:
الشجرة: شجرة النور.
المعالم: معالم الإيمان.
السير: سير أعلام النبلاء.
الجذوة: جذوة الاقتباس.
المدارك: ترتيب المدارك. وهكذا
1 / 14
شكر وتقدير
وفي ختام تلك المقدمة الموجزة واتباعا لقوله ﷺ: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" (١) لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر وجزيل الامتنان إلى كل من كان له يد علي في إنهاء تلك المرحلة، وأخص منهم بالذكر جامعة الأزهر متمثلة في إدارتها وكلية أصول الدين وقسم التفسير وعلوم القرآن حيث أتاحت لي هذه الفرصة الغالية لكي أنهل من العلم تحت رعايتها وفي كنفها.
ثم أتقدم بالشكر لأساتذتي الفضلاء ومشايخي الأجلاء وفي مقدمتهم أستاذي وشيخي الأستاذ الدكتور عبد الغفور محمود مصطفى الذي لمست منه روح الأبوة ووجدت منه كل تعاون وتقدير لظروفي، وبذل لي من وقته وجهده وإرشاداته وتوجيهاته ما الله به عليم، فلا أملك له إلا الدعاء كما قال رسول الله ﷺ: " من صنع إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه " (٢). فجزاه الله خير الجزاء عني وعن إخواني من طلبة العلم الذين أفادوا منه ونهلوا من علمه.
كما أشكر الأستاذين الفاضلين والعلمين الجليلين:
فضيلة الأستاذ الدكتور: جمعة علي عبد القادر
فضيلة الأستاذ الدكتور: إبراهيم توفيق الديب
على تفضلهما بقراءة الرسالة ومناقشتها وبذلهما الوقت والجهد في تقويمها وتوجيهها، جعل الله ذلك في ميزان أعمالهما الصالحة.
_________
(١) أخرجه أحمد (٢/ ٢٩٥، ٣٠٢، ٣٨٨، ٤٩٢)، والترمذي - كتاب البر والصلة - باب ماجاء في الشكر (٤/ ٣٣٩) من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة ١/ ١٥٨).
(٢) أخرجه أحمد ٢/ ٦٨، وأبو داود - كتاب الزكاة - باب عطية من سأل بالله ٢/ ١٢٨ وحسنه الألباني (صحيح سنن النسائي ٢٦٧٥).
1 / 15
كما أتقدم بالشكر لأهل العلم الذين أمدوني بالفوائد العلمية والمراجع التي كنت في أمس الحاجة إليها وأخص منهم بالذكر:
فضيلة الأستاذ الدكتور حكمت بشير ياسين الموصلي والدكتور صالح الرفاعي اليماني والشيخ هاني أحمد فقيه المدني والإخوة الفضلاء المشايخ: سي العلوي حسن من المغرب والدكتور حسين شواط من تونس، وكل من أفدت منه من أهل شنقيط والجزائر، بارك الله فيهم وفي علمهم ونفع بهم الإسلام والمسلمين.
ولا يفوتني أن أشكر والدتي الحنون التي لم تفتأ تغمرني بدعواتها المباركة التي هي سبب أساسي في كل توفيق لي في حياتي، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزل لها العطاء بالمكيال الأوفى بغير حساب، وليس بأقل منها خالتي التي هي أمي الثانية حيث بذلت معي جهدا كبيرا في تلك المرحلة بعد مابذلته معي في مرحلة الماجستير فهي جندي مجهول تعب كثيرا لأجلي فلها مني مثل ما لأمي.
وأخيرا أشكر أهل بيتي الذين تحملوا مني الكثير وصبروا على التضييق في جل أمور حياتهم بسبب تفرغي لهذا العمل العلمي، وساعدوني بما يملكون لإنجازه فجزاهم الله خيرا وجمعني وإياهم في روضات جناته وأدخلنا برحمته في أهل قوله سبحانه ﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء﴾ (١).
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
_________
(١) الطور: ٢١.
1 / 16
التمهيد
ويشتمل على:
- نبذة عن علم التفسير وأهميته.
- جغرافية هذه البلاد وتحديد أمكنتها.
- وصول الإسلام إلى هذه البلاد.
- اهتمام أهل هذه البلاد وتأثرهم بالعلوم الإسلامية.
- ملحق الخرائط.
1 / 17
المبحث الأول: نبذة عن علم التفسير وأهميته
المطلب الأول: التفسير لغة واصطلاحا:
التفسير لغة: الإيضاح والتبيين من الفسر وهو الإبانة وكشف المغطى (١).
وقيل: هو مقلوب السفر يقال: أسفر الصبح إذا أضاء إضاءة لا شبهة فيه، وسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفت نقابها ولهذا سمي: السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.
وقيل: مأخوذ من التفسرة وهو اسم لما يعرف به الطبيب المرض وبني على التفعيل للمبالغة ذكرهما الكافييجي (٢)
وقال أبو حيان: يطلق التفسير أيضا على التعرية للانطلاق قال ثعلب: تقول فسرت الفرس: عريته لينطلق في حصره وهو راجع لمعنى الكشف فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري (٣).
والتفسير اصطلاحا: علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد ﷺ وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه، وهو تعريف الزركشي له (٤).
وقال الكافييجي: هو كشف معاني القرآن وبيان المراد (٥).
وقيل: هو علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها والإشارات النازلة فيها، ثم ترتيب مكيها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها
_________
(١) انظر القاموس المحيط ٢/ ١١٠.
(٢) التيسير في قواعد علم التفسير ص: ١٢٣ - ١٢٤.
(٣) البحر المحيط١/ ١٣.
(٤) البرهان ٢/ ١٤٧.
(٥) التيسير ص: ١٢٤.
1 / 18
ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وزاد بعضهم: حلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها (١).
وعرفه بعض المتأخرين بأنه علم يبحث عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالته،
على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية (٢).
والتعريف الأول شامل لمابعده، وسوق أنواع علوم القرآن في تعريف التفسير إطالة في محل الإيجاز، والتعريف يشمل في مضمونه علم القراءات والرسم لارتباط بيان المعنى بهما وقد نص على ذلك أبو حيان حيث عرف التفسير بقوله: علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك (٣).
هذا؛ ويكثر في كلام المفسرين التعبير بلفظ التأويل قاصدين به التفسير أو مايقاربه (٤).
والتأويل في اللغة مأخوذ من الأول وهو: الرجوع، يقال: أول الكلام وتأوله: دبره وقدره، وأوله وتأوله: فسره (٥).
وقيل: مأخوذ من الإيالة وهي السياسة، فكأن المؤول يسوس الكلام ويضعه في موضعه (٦).
والتأويل اصطلاحا عند السلف مرادف للتفسير في الأغلب وبه قال أبو عبيدة وغيره وقد فرق بينهما جماعة، وعرفه المتأخرون بتعريفات عديدة منها:
قول الكافييجي: صرف اللفظ إلى بعض الوجوه ليكون ذلك موافقا للأصول (٧).
والفروق التي فرق بينهما بها كثيرة (٨) وأقرب الفروق هو ماقيل: إن التفسير إنما هو كشف المعنى بحسب الطاقة البشرية، وأما التأويل فهو معرفة مايؤول إليه المعنى على وجه الحقيقة ومراد الله وهذا الفرق يدل عليه الأدلة من الكتاب والسنة، التي استخدمت فيها مادة التأويل. والله أعلم (٩).
_________
(١) البرهان ٢/ ١٤٨.
(٢) منهج الفرقان ٢/ ٦.
(٣) البحر المحيط ١/ ١٣، وانظر أيضا التفسير والمفسرون ١/ ١٥.
(٤) انظر كمثال تفسير الطبري ١/ ٦٥ وغيرها.
(٥) لسان العرب ١/ ٣٣.
(٦) التفسير والمفسرون ١/ ١٦ وانظر أساس البلاغة ص: ١٢.
(٧) التيسير ص: ١٢٥.
(٨) انظر لها التيسير ص: ١٣٢ - ١٣٣، ١٥٠، التفسير والمفسرون ١/ ١٩ - ٢١.
(٩) ينظر لذلك المطلب أيضا: لسان العرب ٦/ ٣٦١، الإتقان ٢/ ٢٢١، معجم مقاييس
اللغة ٣/ ٨، تاج العروس ٣/ ٤٧٠، مقدمتان في علوم القرآن ص: ١٧٣، بصائر ذوي التمييز ١/ ٧٩، الصحاح ٢/ ٦٨٦، زاد المسير ١/ ٤، الإكليل في المتشابه والتأويل ٢/ ١٥.
1 / 19
المطلب الثاني: نشأة التفسير ومدارسه:
انطلاقا من قول الله جل في علاه:
﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم﴾ (١)
كانت نشأة التفسير على يد معلم البشرية محمد ﷺ الذي لاينطق عن الهوى، وقد انقسم التفسير المروي عنه ﷺ إلى قسمين:
الأول: عبارة عن تفسير لبعض المفردات، أو الألفاظ المجملة وهذا قليل لكون القرآن نزل بلسان عربي مبين في قوم سليقتهم العربية فلم يكن ثم حاجة ماسة للإغراق في مثل هذا النوع من التفسير عن رسول الله ﷺ (٢)
الثاني: التفسير الإجمالي والموضوعي لجميع مقاصد القرآن، وهذا في الحقيقة قد بينه النبي ﷺ أيما بيان فالمتأمل لكتاب الله يجد أنه تكلم عن العقيدة في الله والملائكة والأنبياء والكتب المنزلة واليوم الآخر والقدر، وهذه المباحث قد أخذت جانبا عظيما من أحاديث النبي ﷺ القولية والفعلية مفسرة لمضمونها وشارحة لمقصودها، كما تحدثت آيات أخرى عن العبادات: من صلاة وزكاة وصوم وحج ونذر وغير ذلك، وهذه جل الأحاديث النبوية تفسرها وتوضح مجملها، وتحدثت آيات القرآن عن أحكام شرعية في المعاملات وغيرها: من نكاح وطلاق وبيع وشراء وطعام وشراب وقصاص وحدود وميراث ونحو ذلك، وهذه أيضا أخذت جانبا كبيرا من السنة النبوية التي لم تدعها إلا واضحة جلية، ولم يبق إلا آيات تتعلق بسيرة النبي ﷺ ومغازيه وعلاقاته بالمشركين والكتابيين، وهذه لا مفسر لها إلا ماأثر عنه ﷺ من تلك الأحوال، وآيات تتعلق بقصص الأنبياء السابقين، وهذه تلاوتها تغني عن تفسيرها، وبعض مااحتيج فيه إلى تفسير بينه النبي ﷺ، وماكان فضلا تركه ﷺ ورخص في الحديث عن بني إسرائيل.
_________
(١) النحل: ٤٤.
(٢) انظر مقدمة ابن خلدون ص: ٤٨٩، التفسير والمفسرون ١/ ٤٥، ٤٦.
1 / 20
وبناء على ماتقدم فجل القرآن الكريم قد فسره النبي ﷺ، ومن خالف ذلك فقد أتي من قبل نظرته للنوع الأول من التفسير المروي عنه ﷺ فقط، ولم يتنبه للنوع الثاني
والله أعلم.
وقد قال ابن تيمية ﵀: يجب أن يعلم أن النبي ﷺ بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه (١).
وعن رسول الله ﷺ أخذ التفسير أصحابه الكرام.
قال أبو عبد الله الحاكم: إن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند، يعني به ما كان من سبب نزول ونحوه (٢).
وقد اعتمد الصحابة في تفسيرهم على أربعة مصادر: القرآن الكريم، النبي ﷺ، الاجتهاد بمالديهم من لغة عربية وفهم ثاقب، أهل الكتاب، ولكل مجاله (٣).
وعن طريق الصحابة ﵃: انتشر التفسير وظهرت مدرسة التفسير بالمأثور متمثلة أظهر ماتكون في حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، ثم غيره من مفسري الصحابة، مثل: عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وبقية الخلفاء الأربعة، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم (٤).
وتطورت مدرسة التفسير في عصر التابعين، فتولد منها مدارس حسب انتشار الصحابة في البلدان، فأشهر مدارس التفسير بالمأثور مدرسة التفسير بمكة، لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وطاووس، وسعيد ابن جبير، ثم مدرسة التفسير بالمدينة، وقد أخذ أصحابها عن أبي بن كعب، واشتهر منهم أبو العالية، ومحمد بن كعب القرظي، وقد أخذ الأول عن أبي مباشرة، والثاني بواسطة، واشتهر من مفسري المدينة أيضا: زيد بن أسلم العدوي مولى عمر بن الخطاب، ومدرسة التفسير بالعراق، وقد أخذ أصحابها عن ابن مسعود، واشتهر منهم: علقمة بن قيس، ومسروق، ومرة الهمداني، والشعبي، وقد أخذ الأخير عنه بواسطة، واشتهر منهم أيضا: الحسن البصري، وقتادة (٥).
_________
(١) مقدمة في أصول التفسير ص: ٣٥.
(٢) انظر: معرفة علوم الحديث ص: ٢٠، الباعث الحثيث ص: ٣٩، تدريب الراوي ١/ ١٩٢ - ١٩٣.
(٣) انظر: التفسير والمفسرون ١/ ٣٧ - ٦٢.
(٤) انظر: مقدمة في أصول التفسير ص: ٩٣ - ٩٦، تفسير القرآن العظيم ١/ ١٢ - ١٣.
(٥) مقدمة في أصول التفسير ص: ١٥، الإتقان ٢/ ١٨٧ - ١٨٩، التفسير والمفسرون ١/ ١٠١ - ١٢٧.
1 / 21
وأما مدرسة التفسير بالمأثور في المغرب، فهي تابعة للمدارس الأنف ذكرها كما سيأتي بيانه في الباب الثاني عند الحديث عن نشأة التفسير في المنطقة المدروسة. وبالله التوفيق.
ثم ظهرت بعد ذلك مدرسة التفسير بالرأي والمراد به تفسير القرآن بالاجتهاد، بعد اكتمال المفسر للأدوات التي يحتاج إليها في ذلك، واختلف في جوازه فطائفة تحرمه وطائفة تجيزه ولكل أدلته وإن كانت أدلة المانعين أكثر وأوضح وقد جزم الحافظ ابن كثير تبعا لشيخ الإسلام ابن تيمية بتحريم تفسير القرآن بمجرد الرأي ولاشك في جوازه عند الحاجة إليه (١).
وممن ذهب إلى المنع من المغاربة يحيى بن سلام حيث قال: سمعت أبا قلابة يقول لأيوب: ياأيوب، احفظ مني ثلاثا: لاتقاعد أهل الأهواء، ولا تستمع منهم، ولاتفسرن القرآن برأيك، فإنك لست من ذلك في شيء (٢).
وبين ابن عطية الأندلسي الرأي الممنوع الذي جاء الوعيد لصاحبه في الحديث، بأن يتبوأ مقعده من النار بقوله: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله ﷿، فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قاله العلماء، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول، وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه (٣).
وقد انقسمت مدرسة التفسير بالرأي بدورها إلى مدرستين، تمثلان وجهتي النظر في التحليل والتحريم:
الأولى: مدرسة التفسير بالرأي المحمود والمراد به التفسير الموافق لكلام العرب مع موافقة الكتاب والسنة، ومراعاة الشروط التي يجب توافرها للمفسر ومنها: علوم اللغة والنحو، والصرف والاشتقاق، والبلاغة والقراءات، والتوحيد والعقيدة، وأصول الفقه وأسباب النزول، والقصص، والناسخ والمنسوخ، والأحاديث المبينة للمجمل والمبهم، وغير ذلك وقد
_________
(١) انظر مقدمة في أصول التفسير ص: ١٠٥، تفسير القرآن العظيم ١/ ١٥.
(٢) التفسير ق: ٣٤٦.
(٣) المحرر الوجيز ١/ ٤١.
1 / 22
انتشرت هذه المدرسة وكثرت التفاسير المبنية عليها، من تفاسير لغوية وتفاسير فقهية ونحوها، وقد وقع أصحابها في مزالق ليس هذا مجال تفصيلها، إلا أنه من خلال تلكم الدراسة لتفاسير المغاربة سوف يتضح الكثير من ذلك إن شاء الله تعالى.
الثانية: مدرسة التفسير بالرأي المذموم، وقد تولى كبرها طوائف متعددة من المبتدعة والمتزندقة، مثل: الحلولية والشيعة، والخوارج والمعتزلة ونحوهم، من الفرق الضالة، التي حرفت كتاب الله وخرجت به عن مقاييس اللغة، فضلا عن تفسير السلف الصالح، بل عن العقل جملة في كثير من الأحيان، وسوف يتضح كثير من ذلك بإذن الله تعالى عند الحديث، عن التفاسير التي سلكت هذا السبيل في منطقتنا المدروسة، في أمثلة تفاسير الشيعة والخوارج، وغيرها (١).
المطلب الثالث: أهمية علم التفسير:
إن علم التفسير من الأهمية بمكان، ولذا قال إياس بن معاوية: مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لايعلم؛ مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلهم لمجيء الكتاب روعة لايدرون مافيه، فإذا جاءهم المصباح عرفوا مافيه (٢).
وقال السيوطي: وأما شرفه فلايخفى قال تعالى: ﴿يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا﴾ (٣) وأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: يؤت الحكمة قال: المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
_________
(١) انظر مقدمة في أصول التفسير ص: ٦١، تفسير القرآن العظيم ١/ ١٤ - ١٥، التيسير في علم التفسير ص: ١٣٥ - ١٤٧، البرهان ٢/ ١٥٦ - ١٦٢، الإتقان ٢/ ٢٢٥، التفسير والمفسرون ١/ ١٥٢، ٢٥٥ - ٢٦٩ وما بعدها.
(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير هكذا معلقا ٤/ ١.
(٣) البقرة: ٢٦٩.
1 / 23