فإذا رأس جزورٍ مشوي عندهم، وزق من خمر. قال: فأكلت وشربت معهم قال: فذكرت الأنصار والمهاجرون عندهم. فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به فجرح بأنفي. فأتيت رسول اللَّه ﷺ فأخبرته، فأنزل اللَّه ﷿ فيَّ - يعني نفسه - شأن الخمر: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ).
فهذا السبب أصح من حديث ابن عبَّاسٍ ﵄ في سبب النزول.
٥ - أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ ﵄ قال: قالت قريش ليهود أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه فنزلت: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)، قالوا: أُوتينا علمًا كثيرًا، أوتينا التوراة، ومن أُوتي التوراة فقد أُوتي خيرًا كثيرًا قال فأنزل الله ﷿: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي).
فهذا الحديث يخالف ما روى البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: كنت مع النبي ﷺ في حرث بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم: سلوه عن الروح وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يسمعكم ما تكرهون، فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح، فقام ساعة ينظر، فعرفت أنه يُوحى إليه، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي ثم قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).
فهذا الحديث أصح سندًا ومتنًا من حديث ابن عبَّاسٍ ﵄.
وبهذا يتبين أن كثيرًا من الأخطاء في روايات أسباب النزول ناتج من عدم النظر في أسانيدها من حيث صحتها وضعفها، وشذوذها وحفظها. واللَّه أعلم.