Nazi Almanyası: Çağdaş Avrupa Tarihi Üzerine Bir Çalışma (1939-1945)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Türler
ولم يكن البولنديون وحدهم في هذا المساء هم الذين أنصتوا إلى الإذاعة البريطانية؛ فقد سمع هذا الخبر أيضا البورتغاليون، نقله إليهم الراديو بلغتهم البورتغالية، ولم يكن على البورتغاليين من حرج إذا استمعوا إلى إذاعة المحطة الإنجليزية؛ ولذلك لم يكد يشرق صباح اليوم التالي «5 نوفمبر» حتى كان الخبر قد انتشر في أرجاء أوروبا النازية. ولم يكن الراديو وحده صاحب الفضل في ذيوع خبر الهزيمة المنكرة الفاصلة؛ بل خرجت على أهل البلاد المقهورة في صباح اليوم نفسه «الصحف السرية» تحمل هذا النبأ العظيم إلى قرائها في بولندة والنرويج وهولندة وبلجيكا وفرنسا وغيرها، وكانت الصحف السرية من أعظم وسائل الدعاوة المضادة شأنا ومن أشدها خطرا على سلطان النازيين في أوروبا. •••
وهكذا بدا كأن إله الحرب قد أخذ ينصرف عن تأييد النازيين، وبدأت من ثم تنزل الهزائم بقواتهم بعد ذلك في كل ميدان تقريبا. ثم تفاقمت حوادث التخريب والتدمير في قلب قلعة هتلر الأوروبية. وقد مر بنا كيف أرغم النازيون على خوض غمار الحرب مع العصابات والجيوش اليوغوسلافية واليونانية وغيرها في البلقان، كأنما الحرب قد استؤنفت من جديد من أجل أن يفتح النازيون هذه البلدان مرة ثانية. وفي العام التالي «1943» انهزم «روميل» نهائيا في أفريقيا الشمالية والغربية، واستسلم «فون باولوس» قائد الجيش السادس الألماني مع هيئة أركان حربه أمام ستالينجراد، ثم غزا الحلفاء صقلية وإيطاليا وتوالت هزائم النازيين في الروسيا. وكان من حوادث هذا العام أيضا اجتماع أقطاب الديموقراطيات العظيمة في سلسلة من المؤتمرات في موسكو والقاهرة وطهران؛ لتوحيد الجهد من أجل إحراز النصر النهائي في الحرب ضد ألمانيا واليابان وإيطاليا، وتخليص الإنسانية من شرور النازية المستطيرة، ودعم الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها عالم المستقبل على قواعد «الحريات الأربع» ومبادئ ميثاق الأطلنطي. •••
تلك إذن كانت العوامل التي أدت إلى ظهور الدعاوة المضادة في أوروبا النازية وسببت ذيوعها وانتشارها. وإنه يحق لنا الآن أن نتساءل عن أغراض هذه الدعاية الخفية، ثم ننتقل من ذلك إلى بحث الوسائل التي استخدمتها في دعاوتها ضد الطغيان النازي في أوروبا.
كان للدعاوة المضادة من أول الأمر غرض واحد؛ هو المساهمة في الجهد الذي تتطلبه زحزحة كابوس النازيين الجاثم على صدور أهل البلدان المقهورة، ومن أول الأمر أيضا، عرف الأهلون الذين حز في نفوسهم ما شهدوه من وقوع أوطانهم فريسة في أيدي الطغاة الباغين أنه كان من المستحيل عليهم أن يطردوا هؤلاء الغزاة الفاتحين من غير سلاح يشحذونه في وجوههم، ولم يكن هناك من سبيل إلى الحصول على الأسلحة أو إعداد الجيوش المنظمة في عدد كبير من هذه البلدان المغلوبة على أمرها ما دام النازيون أصحاب الحكم والسيطرة، وما دام النصر حليفهم، وما دام سواد الشعب - في المراحل الأولى من الحرب - ينظر إليهم كأنصاف آلهة خلقوا من غير طينة البشر وقدت قلوبهم من الصخر لا يلينون ولا يرحمون. بيد أنه من جهة أخرى، لم يلبث أن تبدد الذهول الأول رويدا رويدا، وسرعان ما صار طبيعيا أن يتساءل القوم عن خير الطرق المؤدية إلى جمع الشمل وتوحيد الكلمة وتوجيه الرأي لتدبير المقاومة ضد السادة النازيين وإضعاف شوكتهم. ومن ثم ظهرت أغراض الدعاوة المضادة أو الدعاية الخفية منذ اللحظة الأولى ذات معالم معينة واضحة يمكن تلخيصها في أن أصحابها صار دأبهم الآن إحياء الآمال في صدور مواطنيهم، وانتشالهم من الوهدة التي أرداهم فيها النصر الألماني، وإقناعهم بأن ساعة الخلاص لا بد آتية إذا هم أيقنوا أنه يستحيل على الغزاة مهما أوتوا من قوة وسلطان، أن يمحوا من عالم الوجود تقاليد الأمم وأمانيها وآمالها، وأن صاحب الإيمان في قدسية قضيته وعدالتها لا بد منتصر في النهاية. ثم كان من مقتضيات إحياء هذا الأمل في النفوس أن يسترد الأهلون الثقة، وأن تزول من أذهانهم الصورة التي رسمتها انتصارات النازيين الخاطفة، وأن يقوى الشعور بأنه ليس من العسير قط هزيمة أنصاف الآلهة هؤلاء.
ولذلك عنيت الدعاية الخفية عقب الاحتلال النازي في أوروبا بعدة أمور: أولها؛ نشر الأخبار المحلية التي منعت الرقابة النازية نشرها، وأكثر هذه الأخبار متعلق بموقف كبار الشخصيات حيال سلطات الاحتلال الألماني وعدم إذعان بعض هذه الشخصيات لأوامر النازيين الضارة بمصلحة الوطن، وكذلك حرصت الدعاوة المضادة على إذاعة أنباء المقاومة وحوادث التخريب والتدمير والمظاهرات في أرجاء البلاد، والغرض من ذلك كله إقامة البرهان على أن عرق الحياة ما زال ينبض في جثمان الأمة، وأن هناك من يرفض التسليم، وأن من الخير ألا يقنع الأهلون بالعيش الذليل في ظل الاحتلال الألماني.
أما الأمر الثاني: فهو أن الدعاية الخفية اتبعت أسلوب السخر بالسادة الألمان، وكان ذلك من السهولة بمكان، بسبب ما كانوا يبذلون من محاولات خادعة لكسب محبة الشعوب المقهورة وصداقتها، الأمر الذي جعلهم يتغالون في التودد إلى الأفراد وإظهار العطف على الأطفال وحديثي السن. هذا في وقت كانت أداة الحرب النازية تجد في سلب محصولات البلاد وأموالها وثرواتها، وتسخر الأهلين في الإنتاج المرهق لمصلحة الريخ، وتنقل النفائس التاريخية والتحف والكنوز، وتحرم الأهلين من الأقوات ووقود الدفء، وتستولي على الماشية، وتصدر الألبان ومنتجاتها إلى ألمانيا، وتترك أطفال الأمم المقهورة جوعى لا يجدون من الغذاء ما يسد الرمق ويقيم الأود، ثم لا تتهاون أخيرا في القبض على المئات والألوف من الرجال والنساء وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال، ولا تحجم عن إعدام الرهائن زرافات ووحدانا، بعد أن ترغم هؤلاء التعساء على حفر قبورهم بأيديهم!
أما الأمر الثالث: فهو أن الدعاوة كانت تعمد دائما إلى نشر أخبار العمليات العسكرية التي يقوم بها البريطانيون وحلفاؤهم، كما كانت تحرص على إذاعة أنباء الهزائم الألمانية بكل وسيلة، ولو أن هذه الهزائم كانت قليلة ومتباعدة في بداية تلك الحرب الطاحنة، وكان غرض الدعاية الخفية من ذلك إقامة الدليل على أن السادة النازيين لم يكسبوا المعركة الأخيرة بعد، وأن أمما ما تزال تناضل من أجل الحرية، وأن الألمان ما دام النضام قائما لا يستطيعون الادعاء بأن في قبضتهم تقرير مصير الشعوب نهائيا، وأن الإيمان بالنصر الأخير والثقة الكاملة هما أداة الشعوب العزلاء، وأن المستضعف وحده هو الذي يرضى بالعيش الذليل.
لذلك لم تكد تمضي مدة طويلة على استقرار الاحتلال الألماني في أوروبا النازية، وظهور جماعة الكويسلنجيين الذين دبروا مع النازيين منذ أمد طويل هزيمة أوطانهم، ثم أقبلوا يؤيدون الحكم الجديد ويتعاونون مع الطغاة، حتى اضطلعت الدعاوة المضادة بمهمة أخطر شأنا من غيرها، هي كشف القناع عن حقيقة ذلك النظام الجديد الذي فرضه السادة النازيون على أوروبا فرضا، وتحذير الأهلين مغبة التعاون مع الغزاة الفاتحين. لذلك نشطت الدعاية الخفية في إظهار أكاذيب الألمان وادعاءاتهم، وعكفت على تفسير القواعد التي بنى عليها هؤلاء نظامهم الجديد بأمثلة مستمدة مما كان يفعله الألمانيون كل يوم في البلدان المحتلة. ولما كان الاستقرار ضروريا لدعم أركان النظام الجديد، وكان من أهم عوامل هذا الاستقرار إقبال الأهلين على التعاون مع الفاتحين، فقد أثارت الدعاية الخفية حربا شعواء ضد الكويسلنجيين الذين أجرموا في حق الوطن بتيسير السبل على الألمان حتى يقيموا نظامهم الجديد على أنقاض الحريات القديمة والمثل العليا الإنسانية التي كسبها البشر بعد نضال قرون عدة. ولذلك أذاعت الدعاية الخفية أسماء «المتعاونين» ووجهت لهم النصح تارة والوعيد تارة أخرى، وحذرت الأهلين أن يثقوا بهم أو يركنوا إليهم أو ينسجوا على منوالهم. ومما يجدر ذكره أنه كثيرا ما حدث من جراء إذاعة شخصية بعض الكويسلنجيين المتسترين - وكانوا أشد خطرا من بقية المتعاونين مع السادة الألمان؛ لأنهم يعملون في كثير من الأحايين كعيون لقوات الجستابو على مواطنيهم - أن كان نصيب هؤلاء الموت في ظروف مريبة، وكانت الوفاة دائما على أيدي الجستابو نفسه تخلصا منهم، حتى لا يحملهم الشعور بالخزي والعار بعد افتضاح أمرهم على السعي للتكفير عن خطاياهم بكشف الستار عن كويسلنجيين آخرين ما يزال سواد الشعب يجهل وجودهم، وحتى لا يبوحوا بشيء مما قد يعرفونه عن نظام الجستابو الخفي في بلادهم.
وفي المدة الأخيرة، وعلى الخصوص بعد ذيوع خبر «ميثاق الأطلنطي» الذي سبق الكلام عنه والحديث عن أثره في أرجاء أوروبا النازية، صارت الدعاية الخفية تعنى بجمع كلمة الشعوب المقهورة على النظام الذي يصح لها اختياره من أجل العيش في ظل حياة هادئة مستقرة عند زوال دولة الصليب المعقوف من القارة الأوروبية، مثال ذلك ما فعلته هذه الدعاية في فرنسا ووضع مبادئ الميثاق الأطلنطي الفرنسي، في عام 1942، وما نشر في موسكو في يناير 1944 عن البرنامج الذي تحدثت عنه جريدة «وولنا بولسكا»، وهي صحيفة اتحاد الوطنيين البولنديين؛ إذ قالت إن البرنامج يتضمن عدة مسائل: منها مد حدود بولندة المحاربة غربا، وتسوية جميع الخلافات القائمة بين بولندة والاتحاد السوفيتي، وإنشاء نظام ديموقراطي برلماني في البلاد، وإخراج جميع العناصر الرجعية من بولندة، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، والتوحيد بين البولنديين من غير نظر إلى عقائدهم السياسية، مع استثناء العناصر الرجعية في الخارج. كما ذكرت أن مهمة البدء بتغيير مركز بولندة في العالم، وإدخال التغييرات المنتظرة في بولندة نفسها يجب أن يكون من شأن البولنديين أنفسهم، ولا بد للديموقراطية البولندية من أن تبحث لها عن مخرج مما هي فيه وأن تجد هذا المخرج، وينبغي لها أن تبعث الوحدة الوطنية وتثبت أركانها في أثناء مناضلة المغير ومكافحته. •••
هذا، وقد تنوعت وسائل هذه الدعاية وتعددت، ومع هذا فإنه لم يكن قط من السهل على أصحابها - وهم جميع الوطنيين في كل أمة منهزمة ما عدا تلك الفئة القليلة التي قبلت التعاون مع الألمان - أن يوحدوا جهود دعاوتهم المضادة، أو ينشئوا بعض الصلة بينهم جميعا حتى يعرف فريق منهم ما يفعله الفريق الآخر، أو تبذل جماعة مساعدة قيمة قد تكون جماعة أخرى في حاجة إليها، إلى غير ذلك، بل إن من أبرز مظاهر هذه الدعاية الخفية استقلال «خلاياها» في العمل، فكانت كل منها منفصلة عن الأخرى، وبلغ من إمعان أصحابها في المحافظة على سرية هذا النشاط حدا جعل توزيع العمل ضروريا على الأفراد متفرقين حتى لا يعرف فرد ما يقوم به فرد آخر من نفس الجماعة الواحدة، وسبب ذلك، الخوف الشديد من بطش سلطات الاحتلال الألمانية في البلدان المقهورة، والخوف من الوقوع في مخالب رجال الجستابو المنتشرين في كل بلد وقرية، ثم الحذر من أن يقف أنصار النظام الجديد من الأهلين على حقيقة ما يفعله أصحاب هذه الدعاية الخفية، فيبلغون ما يعرفون إلى النازي، ويكون نصيب الوطنيين التشريد في معسكرات الاعتقال أو الإعدام، أو الاقتصاص الصارم من ذويهم.
Bilinmeyen sayfa