Nazi Almanyası: Çağdaş Avrupa Tarihi Üzerine Bir Çalışma (1939-1945)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Türler
وصارت الدعاية النازية تذيع هذه الأغنية في برامجها، وأصبحت الأغنية المفضلة أيضا من الجند النازيين في كل مناسبة، وكان الغرض من إذاعة هذه الأغنية وترديدها إخماد أي أمل لدى الشعوب المقهورة في إمكان الاعتماد على بريطانيا في نجدتهم. ولذلك لم يكد يظهر فشل النازيين وعجزهم، وتعرف حكاية الطائرات الثلاثة والأربعين وقصة البقرة ذات الحظ السيئ حتى زالت هيبة الألمانيين إلى حد كبير من النفوس، كما تزعزع الاعتقاد في أن النصر لا بد أن يكون دائما من نصيب السادة الألمان. ثم اتخذ السخر بالنازيين في هولندة وبلجيكا والدانمرك وفرنسا خصوصا أشكالا منوعة، منها أن أهل الموانئ في هذه البلدان المفتوحة صاروا ينقبون عن الإعلانات القديمة وجداول مواعيد قيام السفن في القنال الإنجليزي، حتى إذا عثروا على عدد من هذه الجداول أو الإعلانات، أعادوا لصقها على جدران ثكنات الجند الألمان، والبنايات العسكرية الألمانية، ثم كتبوا في ذيلها يستفهمون: «وما موعد قيام المركب التالية إلى إنجلترا؟» وفضلا عن ذلك فإن كثيرين من أهل هذه الموانئ صاروا يعترضون الجند الألمان في الطريق حتى يسألوهم إذا كانوا يعرفون أن الهر هتلر قد ابتاع حديثا أقوى جهاز للراديو في العالم! فإذا لم يكن الجندي لبقا متيقظا وسأل بدوره ولماذا يشتري الهر هتلر هذا الجهاز، أجابوه على الفور: «لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تأتيه بإنجلترا!» ولعله كان من نتائج إخفاق الألمان في مشروع غزو إنجلترا اختفاء «الأغنية» السابقة، ثم ظهور أغنية أخرى سماها أصحاب «الدعاوة المضادة» بأنشودة «عدم الوصول قط إلى هناك - أي إنجلترا
Niegelungenlied .» •••
وكان من أسباب نمو «الدعاوة المضادة» قيام الحرب بين ألمانيا النازية والروسيا في يونية 1941. صحيح أن النصر ظل حليف الألمانيين في المعارك الأولى من هذه الحرب، واقتطع النازيون من دولة السوفييت أقاليم شاسعة، وكان من المنتظر أن يضعف إيمان الشعوب المقهورة من جراء هذا الانتصار السريع في بداية الحملة الروسية، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، لعدة أسباب: منها أن اشتباك النازيين في حرب مع الروسيا التي لا تعرف الجماهير عنها سوى أنها من الأقطار السحيقة ذات الموارد التي لا تنضب من الرجال الصالحين لحمل السلاح، لا بد وأن يخلق لأداة الحرب النازية مشاكل عويصة، لا يكفي النصر السريع لتذليلها ما دام هذا النصر غير حاسم، وما دامت الجيوش الروسية الجرارة تتخذ خطة المراوغة والاستدراج، وتفوت على النازيين كل فرصة للالتحام مع أعدائهم في معركة فاصلة ترغم الروس على التسليم وطلب الهدنة ثم الصلح مع ألمانيا. وقد أصابت الشعوب المغلوبة كبد الحقيقة في تفكيرها هذا، وسرعان ما وضح على الرغم من الانتصارات الأولى، أن النازيين لا يستطيعون شن الحرب الخاطفة في أملاك الاتحاد السوفيتي ذات الأطراف المترامية ومناطق الإنتاج الكثيرة المتباينة؛ ولذلك فإنه بدلا من أن يكون النصر النازي المبكر في هذه الحرب سببا في إخماد «الدعاوة المضادة»، أصبح على العكس من ذلك من أسباب ازدياد «الدعاية الخفية» وانتشارها.
أضف إلى هذا أن الحملة الروسية - على نحو ما سبقت الإشارة - اقتضت إرسال مئات الألوف من الألمان المجندين إلى جبهة القتال، هذا إلى جانب الفرق المتعددة من أبناء الدول البلقانية الضالعة مع النازيين خصوصا، ونشأت عن هذه الحال معضلة جديدة في الريخ الثالث، هي تزويد المصانع المشتغلة في إنتاج عتاد الحرب الألماني بالأيدي العاملة، وعمد النازيون إلى تذليل هذه الصعوبة بنقل العمال الأجانب للعمل بالمصانع والمناجم الألمانية، ثم تنظيم إنتاج المصانع والمناجم في البلدان المحتلة تحت إشراف سلطات الاحتلال ورجال الجستابو. وقد تقدم بحث مشكلة العمال الأجانب في الريخ عند الكلام عن «الاقتصاد النازي» في أوروبا؛ ولذلك كانت تعبئة الأيدي العاملة وتسخير الأهلين في الإنتاج الألماني من أهم أسباب نمو حركة «الدعاوة المضادة»، ثم إمعان أهل هذه البلدان المغلوبة في اتباع خطة المقاومة بنوعيها معا: السلبي والإيجابي.
وزيادة على ذلك فإنه سرعان ما ظهر أن الحملة الروسية قد كلفت النازيين أثمانا باهظة في العتاد والرجال، وأن تقهقر الروس أمام الجحافل النازية الزاحفة عليهم، كان يجري وفق خطة موضوعة إلى حد كبير؛ لأن الروس علمتهم تجارب الحروب الماضية منذ أكثر من مائة عام - وبخاصة إبان حملة نابليون المشهورة على بلادهم في عام 1812 - أنه كلما أوغل العدو في أرضهم الشاسعة وبعد عن مراكز تموينه، سهل على عصابات المقاتلين الروس قطع خطوط مواصلاته وإرهاق مؤخرته، مما يجعل النصر بعيدا عن متناول يده والغلبة في نهاية الأمر لهم. ومن المعروف أن الروس اتبعوا في حملة نابليون خطة «الأرض المحروقة»، واتبعوا في الحرب الهتلرية الماضية خطة إحراق الأرض بما عليها، وتدمير المرافق وأنابيب المياه وتخريب المساكن وإقفار القرى والدساكر من أهلها، ونقل مخزونها من المؤن والأغذية؛ وذلك حتى لا يجد الفاتح مأوى أو مأكلا أو موضعا لراحة أو استجمام، وقد ظهرت نتائج ذلك كله عندما اعترف النازيون بأن الحرب الروسية سوف يطول أمدها، وأن الشتاء سوف ينزل عليهم ببرده القارس وهم في الميدان الشرقي المتعب، وأن أساليب الحرب الخاطفة والوحدات الميكانيكية السريعة، لا تفيد شيئا في كسب نصر سريع، على غير ما كان جمهور القادة وسواد الشعب الألماني يتوقع. وهناك أدلة كثيرة على أن النازيين ما كانوا ينتظرون أن يمتد أجل الحرب إلى شتاء العام التالي (1941-1942). وقد أحدثت هذه الخيبة المرة أثرا عميقا في نفوس النازيين، كما أحيت آمالا عريضة في صدور الشعوب المقهورة. وفي الفصول التالية سوف نتحدث عن أثر هذه الخيبة في داخل ألمانيا ذاتها. •••
وفي نهاية العام نفسه (ديسمبر 1941)، جد عامل آخر كان ذا أثر بعيد في نمو الدعاية الخفية، وانتشار الدعاوة المضادة في أوروبا النازية: هذا العامل هو دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد النازيين وأحلافهم. وجاء دخول الولايات المتحدة الحرب - إلى جانب اعتبارات أخرى قيمة - بمثابة الهزيمة الشنيعة لأداة الدعاية النازية. فقد كان انضمام هذه الديموقراطية العظيمة إلى جانب البريطانيين والأمم المتحدة معهم في الصراع ضد طغمة النازيين نذيرا بأن الحملة الروسية المشئومة على السادة النازيين سوف تزداد شؤما عليهم بمرور الأيام والشهور، وأن الحرب سوف تجد ميادين جديدة خارج القارة الأوروبية تنتقل إليها، ولا يكون للنازيين أمل الانتصار فيها أو الاحتفاظ بالقدرة على السبق في العمليات العسكرية دائما، وأن الحلفاء الجدد عاملون - ولا شك - على إيجاد جبهات للقتال ثانية وثالثة، توزع جهد النازيين وتشتت قوى إنتاجهم، وأن عتاد الحرب من مؤن وأغذية وخامات وذخائر وأسلحة وعقاقير وأدوية، وأيد عاملة ورجال، سوف يتدفق تدفقا على روسيا المحاربة الصامدة، وأن أي أمل لدى النازيين في النصر لا بد وأن ينقضي ويزول عاجلا، وأن فرصة التحرر من سلطان النظام النازي الجديد لا بد آتية، وأن العاملين من أجل الحرية في جميع البلدان المغلوبة على أمرها سوف يظفرون بالخلاص قريبا إذا هم ساهموا من جانبهم بنصيب في إلحاق الهزيمة الماحقة بالنازيين وبأذنابهم من الكويسلنجيين والمتعاونين معهم في أوروبا النازية.
والواقع أن انحياز الديمقراطية الأمريكية إلى المبادئ التي ناضل البريطانيون وحلفاؤهم من أجل تعزيزها كان حدثا عظيما، لا في تاريخ هذه الحرب الضروس وحدها، بل وفي تاريخ الحضارة الإنسانية كذلك. فمن المعروف أن النازيين ظلوا ينشرون دعاوتهم في جميع أرجاء العالم المتمدين - ومنها الأمريكتان: الشمالية والجنوبية - منذ اللحظة التي وصلوا فيها إلى مراكز الحكم في ألمانيا 1933. وقصة الطابور الخامس ونشاط أعضاء هذا الطابور من الموضوعات التي صار لا يجهلها إنسان منذ أن خلعت ألمانيا النازية القناع وامتشقت حسام الغزو والفتح في وجه الديمقراطيات «المتداعية». ولم تتورع دولة الريخ الثالث لنشر دعاوتها عن استخدام سفاراتها وقنصلياتها في الدول الأجنبية، كخلايا ومراكز لجمع شتات رعاياها فيما وراء البحار، وتنظيمهم في شكل جماعات تأتمر بأمر «الفوهرر» وتذعن لمشيئة الزعيم ورغباته، حتى تألفت من بين الألمان، وأقارب الجرمان، والذين ينحدرون من أصل ألماني ولكنهم تجنسوا بجنسيات غير ألمانية، جماعة ضخمة صارت بمثابة الأداة التي يعتمد عليها الريخ في إضعاف الروح المعنوية لدى الشعوب غير الجرمانية، وبذر بذور الانقسام بين الأهلين، واستمالة الأنصار وهلم جرا. ثم ظهرت من بين أعضاء الطابور الخامس الكبير طائفة من المخربين والمدمرين الذين كانت مهمتهم إضعاف أداة الإنتاج الاقتصادي وتعطيلها في الدول التي شعر النازيون بالخوف من ضخامة مواردها. ولذلك حرصت الدعاية النازية، كما حرص وكلاء النازي في الولايات المتحدة الأمريكية على أن يكثر إنشاء الخلايا النازية بحيث تكون شبكة عريضة تمتد في أرجاء هذه الديموقراطية العظيمة، وكان الغرض من هذا التنظيم نشر الدعاوة القوية ضد دخول الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحرب الطاحنة بأي حال من الأحوال، مستندين فيما يبثونه من آراء وينشرونه من كتابات ويروجونه من أقوال، إلى رغبة سواد الشعب الأمريكي في التمسك بخطة الحياد التقليدية وعدم الاشتباك في حروب قد يخرج منها صفر اليدين إلى جانب ما تكلفه هذه الحرب عادة من ضحايا جسيمة في الأموال والأرواح كما حدث في الحرب العالمية الأولى ... أو كما قال النازيون وصنائعهم!
ومع هذا فإن تمسك الولايات المتحدة بخطة الحياد حيال ذلك الصراع العالمي لم يكن كل ما رغبه النازيون، بل كان من أهدافهم القريبة تنظيم مقاومة فعالة تقف في وجه كل محاولة ترمي بها الدولة إلى تحديد أسلحتها وزيادتها وتقوية استحكامات الدفاع بما يقتضيه هذا الدفاع من بناء السفن الحربية وتجهيز أدوات الحرب الحديثة وما إليها، حتى إذا جد الجد وحدث ما لم يكن في الحسبان، شعرت هذه الديموقراطية العظيمة بنقص استعدادها العسكري ، وخشيت لذلك دخول الحرب، فإذا لم يمنعها هذا الخوف، لحقت بها الهزيمة سريعا، أو ظلت عاملا ثانويا لا يقدم ولا يؤخر في سير الحرب ولا يغير شيئا من نتائجها الحاسمة.
وقد أصاب النازيون بعض النجاح فيما أرادوا، وتأخر بالفعل دخول الولايات المتحدة الحرب مدة، وظلت الشعوب المقهورة تردد أثناء ذلك هذا السؤال: هل تخوض هذه الجمهورية العظيمة غمار الحرب إلى جانب «الديموقراطية» وتساهم في تحرير الأمم وخلاصها؟ ومتى تنحاز الولايات المتحدة إلى جانب البريطانيين وأحلافهم؟ ولا شك في أن انضمام هذه الجمهورية إلى جانب الأمم المتحدة كان غنما كبيرا يقدر أهل البلدان المغلوبة قيمته، كما كان النازيون يدركون خطر الآثار المترتبة عليه. وقد شمرت الدعاية النازية عن ساعدها في شهور الحرب الأولى حتى تمنع نزول هذه الكارثة ... وكانت المهمة شاقة متعبة؛ لأنه لم يكن من واجبها تعزيز رغبة الحياد في داخل الولايات المتحدة فحسب، بل كان عليها أيضا أن تدخل الطمأنينة إلى قلوب الشعب الألماني نفسه في دولة الريخ الثالث؛ لأن الألمان كانوا ما يزالون يذكرون ما أحدثه اشتباك الولايات المتحدة الأمريكية من رجحان كفة الحلفاء السابقين في الحرب العالمية الأولى، ثم هزيمة القيصرية وانتشار الفوضى والاضطراب في البلاد سنوات عدة، حتى وصل النازيون من جراء ذلك كله إلى الحكم والسلطان على أنقاض جمهورية ويمار البائسة. ولعبت الدعاية النازية في هذه المسألة الشائكة دورا غريبا. فبينما كان وكلاؤها وعمالها يبذلون كل جهد في العالم الجديد لاستمالة الرأي العام الأمريكي إليهم وإلى قبول مبادئهم، وكسب صداقة الأمريكيين وعطفهم على «مطالبهم»، والتمتع بثقتهم، كانوا من ناحية أخرى في داخل ألمانيا ذاتها يحطون من قدر الأمريكيين، ويعتبرونهم من بين الأمم المنحلة التي يسيطر اليهود على شئونها وينفثون سمومهم القاتلة في كيانها.
بيد أنه سرعان ما تبين أن الدعاية النازية في الولايات المتحدة كانت فاشلة، فلم يكد يمضي عام واحد على بداية اعتداء النازيين على أوروبا حتى أصدر رئيسها «فرانكلين ديلانو روزفلت» تصريح «الحريات الأربع» المشهور في 7 يولية 1940 الذي قال فيه:
Bilinmeyen sayfa