Nazi Almanyası: Çağdaş Avrupa Tarihi Üzerine Bir Çalışma (1939-1945)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Türler
Korrespondenz Nationals tische » تقول في أحد أعداد نوفمبر إنه يجب أن يكون لدى الشعب الألماني «معدة سياسية»؛ ولذلك نصحت الجريدة بضرورة الإقلال من الدهنيات واللحوم والإكثار بدلا من ذلك من الأسماك والخضراوات، ونصحت بتفضيل الخبز الأسود على الأبيض، كما نصحت بإجادة المضغ للتأكد من استخلاص المواد المغذية في الطعام. وادعى النازيون أن الإكثار من الأكل خيانة للوطن! ولم يكن في استطاعة الفرد إذا أراد أن يسد رمقه أن يجد حاجته في المطاعم العامة؛ لأنها صارت لا تقدم سوى صحاف معدودة، وقد حدث هذا كله قبل نشوب الحرب الهتلرية بمدة طويلة.
ولما كان توزيع الأغذية جميعها قائما على نظام البطاقات، فقد تحتم على المرأة أن تقف في طوابير أمام الحوانيت في أوقات توزيع هذه الأغذية وبيعها، وكثيرا ما كان يحدث أن تعود المرأة إلى بيتها دون قضاء حاجتها بسبب نفاد ما تريده، وأدرك النازيون ما يسببه ذلك من تذمر السيدات وغضبهن فأعدوا طائفة من النساء مهمتهن ملاحظة «المشتريات» والتجسس عليهن؛ حتى لا تتفوه إحداهن بشيء يهين سمعة السلطات الحكومية.
ثم سوغ النازيون هذا النظام بقولهم: «إن كثيرا من ربات البيوت يتسلط عليهن الخوف الشديد إذا توقعن العجز عن شراء حاجاتهن، وهذا الخوف لا سبيل إلى الخلاص منه؛ لأنهن لا يثقن بأن هناك شيئا اسمه الغد يحصلون فيه على ما يردن، بل إنك لتجدهن منتظرات خارج الحوانيت قبل أن تفتح أبوابها، فيسببن بهذا المسلك الشقاء والتعب لا لأشخاصهن فحسب بل وللباعة والتجار كذلك.» على أن تسلح المرأة بالبطاقة التي بيدها كان لا يعني أنها تستطيع دائما الحصول على المقدار المدون بهذه البطاقة، فقد حدث في شتاء 1941-1942 مثلا أن اختفت البطاطس من الأسواق، وبلغ عدد الحوانيت التي أرغمت على إغلاق أبوابها من جراء نقص الأغذية وعدم وجودها حتى 15 مارس 1943 حوالي المائة ألف في مختلف أنحاء الريخ، وسبب ذلك زيادة متاعب المرأة الألمانية واضطرها إلى الشراء من «السوق السوداء»، ثم الالتجاء إلى «المقايضة». ولما كانت السلطات الحكومية لا ترى غضاضة كبيرة في ذيوع هذه الوسائل غير القانونية للبيع والشراء ، فقد زاد عدد الأسواق السوداء زيادة عظيمة، وأقبل الأهلون على نظام المقايضة بشغف كبير.
ولم يكن منشأ صعوبات المرأة في عالم النازية نقص الأغذية وعدم وجودها فحسب، بل إن النازيين كانوا قد بدءوا منذ مدة طويلة حملة واسعة حتى يقتصد الناس في استعمال الصابون، ومع قلة هذا الصنف كان النوع الموجود منه من المعوضات
Ersatz
مصنوعا من المواد الرديئة ويؤدي استعماله إلى بلاء الملابس، مما خلق صعوبات جديدة للمرأة الألمانية؛ لأن الحصول على ملابس جديدة كان قد أصبح من أشق الأمور وأبعدها منالا في دولة الريخ الثالث، وكان للنازيين في هذه المسألة أفكار عجيبة، فإنهم كما كانوا يعتبرون الإكثار من الأكل خيانة للوطن، فقد أعلنوا كذلك أن «ارتداء الملابس الجيدة ذات المنظر الحسن خيانة»، وفضلا عن ذلك فإنه لم يفتهم إصدار القرارات الصارمة لتنظيم استهلاك الملابس أو شراء الجديد منها.
مثال ذلك أنهم كانوا يحددون ما يجب أن يبلغه طول قمصان الرجال وعدد الجيوب في بذلاتهم، وحرموا الأكمام أو الذيول الطويلة إلى غير ذلك. وفي 18 مايو 1937 كتب عمدة بلدة «بيرماسنس
Birmasens »: «من الملاحظ أن الأموات كثيرا ما يهيئون للدفن في أردية ثمينة وزينات عظيمة، ومن واجبي أن أسترعي انتباهكم لأمر من واجب كل مواطن أن يعطيه ما يستحقه من عناية كبيرة، ذلك أنه لا ينبغي دفن الموتى متدثرين بملابس أو أردية ثمينة وغالية!» وفي أول يناير 1943 صدرت بطاقة جديدة للملابس يسري العمل بها مدة ثمانية عشر شهرا أنقصت مقدار المنسوجات المرخص بإعطائها في أثناء هذه المدة، وفضلا عن ذلك فإن أحدا ما كان في وسعه الانتفاع بهذه البطاقة إلا إذا أثبت حاجته الملحة إلى الملابس، وأقام الدليل على أن ما يوجد لديه منها قد بات من المتعذر رتق فتوقها أو حياكة ما بلي من أجزائها، وقد أعطى النازيون عمالهم الحق في فحص خزانات الملابس في البيوت للتأكد من أن المرأة لا تخفي في مكان ما ثيابا أخرى لم يتطرق إليها البلى، وزادت محنة الملابس هذه عند نشوب الحرب مع روسيا، ذلك أن الهتلريين أرغموا ربات البيوت على التبرع بالمعاطف والأردية الثقيلة والأغطية الصوفية «البطاطين» للجند المقاتلين في الجبهة الروسية، وذلك علاوة على ما كانت المرأة ترغم على التبرع به عادة كل شتاء «لصندوق إعانة الشتاء».
وقديما أكثرت الدعاية النازية من بذل الوعود لاستمالة المرأة الألمانية، وكان من أهم هذه الوعود تهيئة البيوت الصحية الحديثة ذات الحدائق الصغيرة، ولكنه لم يمر عام واحد على وصولهم إلى الحكم حتى كان قد أوقف بناء المنازل الجديدة. ومنذ عامي 1935 و1936 قرر النازيون قصر جهودهم على الإنتاج الحربي، فسبب ذلك زوال حلم آخر من الأحلام اللذيذة التي كانت المرأة الألمانية تمني النفس بتحقيقها، وكان من الأسباب القوية التي دفعتها إلى تأييد الحزب النازي في الانتخابات الأولى للريخستاج ثم لرياسة دولة الريخ ذاتها. وزادت محنة المرأة في ألمانيا عندما كثرت الإغارات الليلية والنهارية على المدن وهدمت قذائف الأعداء بيوتا عدة لا سبيل إلى إعادة بنائها، ناهيك عن التفكير في بناء غيرها، فنجم عن ذلك أن ارتفعت الإيجارات ارتفاعا فاحشا حتى إن إيجار الشقة التي كانت مؤلفة من ثلاث غرف بلغ في برلين خمسة عشر جنيها إنجليزيا في الشهر الواحد. على أن مشكلة السكنى هذه كانت مرتبطة بمشكلة أخرى لا تقل عنها خطرا نجمت عن تعذر العثور على الخادمات والمربيات والمرضعات، وكان سبب ذلك «تعبئة» النساء جميعا في خدمة الحرب، ثم صرامة النظام الذي تحتم على ربة البيت أن تتبعه إذا قدر لها العثور على خادمة من بين أولئك البولنديات اللواتي انتزعهن النازيون الفاتحون من أوطانهن وأرسلوهن في عربات البهائم للخدمة في البيوت أو العمل في مواخير الدعارة الرسمية؛ إذ كان يتحتم على ربة البيت الألمانية ألا تسمح لخادمتها البولندية بالراحة من عملها أو تظهر نحوها شيئا من العطف والشفقة، حتى إذا عرف عنها لين الجانب وحسن المعاملة حرمت في التو والساعة من خادمتها.
ولكن ماذا كانت الوسيلة التي استطاعت بها المرأة الألمانية، وهي التي حتم عليها النظام النازي أن تعيش في شبه عزلة، ثم أقصاها عن جميع الوظائف أن تعبر بها عما شعرت به من حزن وألم وبأس، علاوة على عجزها عن إدراك ما كانت تتطلبه الحرب من تضحيات لا غنى عنها في عرف النازيين من أجل إحراز السيطرة العالمية؟ وجدت المرأة الألمانية المتذمرة الحزينة المتألمة اليائسة وسيلة مؤاتية لإظهار ما كانت تكنه من شعور في إصرارها على نعي زوجها أو ولدها أو شقيقها أو أي عزيز لديها عقب ورود الأخبار منبئة بسقوطه في ساحة الوغى بعيدا عن أهله وعشيرته، فقد انقضى الزمن الذي كانت تجد فيه المرأة الألمانية عزاء وسلوى، بل فخرا ومجدا في موت عزيزها من أجل شخص «الفوهرر» العظيم أو قضية الوطنية الاشتراكية المقدسة بعدما امتد أجل الحرب وطالت الحملة الروسية على وجه الخصوص وتحطمت آمالها في النصر السريع الخاطف وزاد عيشها سوءا في داخل الريخ، وعبثا صارت تحاول السلطات الحكومية إرغام الزوجات والأمهات على اتباع صيغة معينة عند النعي تنص على «سقوط المقاتل في الميدان من أجل الفوهرر والوطن»، وكانت الصحف عند بداية الحرب تنشر قوائم النعي على هذه الصورة، ولكنها ما لبثت عند اشتداد سخط الزوجات والأمهات حتى أفسحت أعمدتها لأنباء النعي تصوغها المرأة كما تريد وتشتهي، فتذكر كيف أن عزيزها «قد عاد إلى الميدان بعد فترة وجيزة أمضاها بين أهله وعشيرته، فلم ينقض يومان على عودته حتى قتل في أرض أجنبية في بلاد روسيا النائية الموحشة!» وهكذا تضمنت أنباء النعي إشارة صريحة إلى مقدار ما كانت تعانيه الأمهات والزوجات من آلام مبرحة ويأس عظيم لا يمكن أن يخفف من حدته القول بأن أبناءهن وأزواجهن إنما ضحوا بأنفسهم في سبيل الزعيم العظيم أو قضية الوطنية الاشتراكية المقدسة أو من أجل الوطن العزيز!
Bilinmeyen sayfa