Allah, Kâinat ve İnsan: Dini Fikirler Tarihine Bakışlar
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Türler
هذا صحيح. لقد قلت سابقا إن النص الديني المتسلح بالأسطورة لا يتوجه بخطابه إلى عقل السامع أو القارئ بقدر ما يتوجه إلى عواطفه وملكاته النفسية؛ ولذلك فإنه لا يحفل بالبرهان ولا يتطلع إليه، ولا يقدم لك وسائل تسمح لك بإثباته أو دحضه. لننظر على سبيل المثال إلى ما ورد في مطلع أسطورة التكوين التوراتية: «في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر (أي المحيط المائي البدئي) ظلمة، وروح الله يرفرف فوق المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور، ورأى الله النور أنه حسن، وفصل الله بين النور والظلمة، ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا. وكان مساء وكان صباح يوما واحدا.» والآن، إذا نحن تلقينا هذا النص الأسطوري النموذجي وفق المنطق الفلسفي أو المنطق العلمي لرفضناه جملة وتفصيلا، فكيف يكون هناك نور قبل أن يكون هناك مصدر للنور وقبل خلق الأجرام السماوية؟ وكيف يمكن الفصل بين النور والظلام وولادة اليوم الأول إذا لم يكن هناك شمس تشرق وتغيب؟ ولكن الأسطورة تصدر عن عقل قبل فلسفي، إنها حدس بالكليات يموضع معرفته الكلية غير المجزأة في صور ومشاهد وشخصيات مفعمة برموز ذات دلالات بعضها يتصل بعالم الشعور وبعضها يتصل باللاشعور؛ ومن هنا فإنها لا تشكل معرفة بالمعنى الدقيق للكلمة؛ ولذلك فنحن إذا ما تلقينا هذه الأسطورة بعد إزاحة عقلنا التحليلي، كما كان القدماء يفعلون، لشعرنا بقوتها وسطوتها، وبما تحاول أن تودعه فينا.
ومن ناحية أخرى فإن المنطق الأسطوري ينظر إلى البرهان كشأن متضمن في عملية البيان؛ ولذلك فهو يستخدم لغة شعرية تستفيد من الظلال السحرية للكلمات أكثر من دلالاتها المباشرة، على ما قلته سابقا. لننظر على سبيل المثال إلى مطلع سورة العاديات في القرآن الكريم الذي يعبر أفضل تعبير عما أقوله هنا:
والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا * فوسطن به جمعا * إن الإنسان لربه لكنود (العاديات: 1-6). إن قارئ هذه السورة في رأيي لا يحتاج إلى كتب التفسير ولا إلى القواميس لكي يعرف معنى الكلمات الواردة فيها، لأن هذه الكلمات لم تكن مقصودة لدلالاتها المباشرة، وإنما لظلالها السحرية. وفي الحقيقة لو أنك وجدت المعاني في القواميس، ثم قرأت هذه السورة لغمض عليك المعنى، وإذا أهملت المعاني وتركت النص يتسلسل إليك دون واسطة لأدركت الرسالة. (س):
هل بقي للأسطورة دور تلعبه في حضارة اليوم، أم أن زمنها قد ولى إلى غير رجعة؟ (ج):
لم يعد للأسطورة كما حددتها وعرفتها دور تلعبه في حياة المجتمعات الحديثة، وذلك لأكثر من سبب؛ فأولا: لقد نجحت الفلسفة ثم العلوم الطبيعية والإنسانية بالاستيلاء على معظم ميادينها. وثانيا: لأن نبع الأساطير القديمة قد نضب بعد أن استولت الأديان الكبرى على 90٪ من مساحة الكرة الأرضية، وحالت دون استمرار ذلك التوالد التلقائي القديم للأساطير، بعد أن اكتفى كل منها بعدد محدود منها لم يتغير ولم يتبدل على مر القرون؛ الأمر الذي أفقد الأسطورة الكثير من قوتها الإيحائية. وثالثا: لأن الفلسفة والعلم قد غيرا من آلية تفكير الإنسان الحديث وحولاه من تفكير حدسي إلى تفكير خطي ينطلق من المقدمات إلى نتائجها خلو من قفزات الخيال وفعاليات الحواس الخفية، ولكن غياب الأسطورة لا يعني اختفاء ذلك النزوع الأسطوري المتجذر في السيكولوجيا الفردية والجمعية، والذي جعل الأسطورة ممكنة من حيث المبدأ، فهذا النزوع باق في أعماق النفس ويعمل خلف آليات التفكير الحديث. (س):
وما هي آليات عمل هذا النزوع الأسطوري؟ (ج):
يعمل النزوع الأسطوري على خلق بدائل للأسطورة تقوم ببعض أدوارها؛ مثل الشعر والفن التشكيلي، اللذين يعيدان إلينا ذلك الحدس الخلاق والإدراك الباطني للمدهش والرائع والفائق و... والقدسي. وهناك الرواية التي ورثت عن الأسطورة فن القص وراحت تقدم لقرائها فرصا لاختبار حياة جديدة تفوق حياتهم اليومية العادية جمالا ومعنى. وهناك الدراما التي ترافقت نهضتها في أوروبا مع الثورتين العلمية والصناعية، وما أحدثتاه من فراغ ميثولوجي داخلي وجد بديله على خشبة المسرح. أما السينما فلعلها أكثر الفنون صدورا عن النزوع الأسطوري في النفس الإنسانية، حتى يمكننا اعتبارها الصانع الرئيسي لأساطير العصر الحديث. إن فيلم حرب النجوم الذي اختتم القرن العشرين، قرن السينما، بأسطورة فضائية رائعة، شوهد على مدى عدة سنوات في كل صالة سينما حول العالم، ومن قبل كل كبير وصغير، وكل عالم وجاهل، حتى إن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان دعا مشروع الدرع الصاروخي الذي يحمي الولايات المتحدة من أي هجوم نووي، دعاه باسم حرب النجوم.
ولكن هذا النزوع الأسطوري يجعل في الوقت نفسه جماهير دولة العلم سواء في الشرق أم في الغرب أكثر انقيادا للخرافات. ولا أدل على ذلك من أن أي خبر ينتشر عن ظهور طيف السيدة العذراء في مكان ما، يدفع حتى العلماء إلى ترك مخابرهم والتوجه إلى ذلك المكان. لقد زالت الأسطورة حقا ولكنها تعمل في السر، وتتخفى خلف هذا القناع أو ذاك، ونحن نستطيع الركون إليها كميل ونزوع يعمل كخميرة لأشكال التعبير الفني، ويزودنا بمنظار ملون يعيد البهجة والمعنى للحياة، ولكن علينا في الوقت نفسه أن نحذر مما تقود إليه الطبيعة غير العقلانية لهذا النزوع.
المحور الرابع
الديانات التوحيدية
Bilinmeyen sayfa