الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Yayıncı
دار القلم
Baskı
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Yayın Yeri
بيروت - لبنان
Türler
٢ ومنها: أن منة الله على أبينا هي منة علينا في الحقيقة؛ لأن كل إنسان يشعر بأن الله إذا منَّ على أحد أجداده كان مانًّا عليه.
٣ ومنها: أن قول الإنسان: "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" سبب لقبول توبة الله على عبده؛ لأنها اعتراف بالذنب؛ وفي قول الإنسان: "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" أربعة أنواع من التوسل؛ الأول: التوسل بالربوبية؛ الثاني: التوسل بحال العبد: ﴿ظلمنا أنفسنا﴾؛ الثالث: تفويض الأمر إلى الله؛ لقوله: ﴿وإن لم تغفر لنا ..﴾ إلخ؛ الرابع: ذكر حال العبد إذا لم تحصل له مغفرة الله ورحمته؛ لقوله تعالى: ﴿لنكونن من الخاسرين﴾، وهي تشبه التوسل بحال العبد؛ بل هي توسل بحال العبد؛ وعليه فيكون توسل العبد بحاله توسلًا بحاله قبل الدعاء، وبحاله بعد الدعاء إذا لم يحصل مقصوده.
٤ ومن فوائد الآية: أن الله تعالى يتكلم بصوت مسموع؛ وجه ذلك أن آدم تلقى منه كلمات؛ وتلقي الكلمات لا يكون إلا بسماع الصوت؛ وهذا الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام بصوت مسموع، وحروف مرتبة.
٥ ومنها: منة الله ﷿ على آدم بقبول التوبة؛ فيكون في ذلك منَّتان؛ الأولى: التوفيق للتوبة، حيث تلقَّى الكلمات من الله؛ والثانية: قبول التوبة، حيث قال تعالى: ﴿فتاب عليه﴾.
واعلم أن لله تعالى على عبده توبتين؛ التوبة الأولى قبل توبة العبد؛ وهي التوفيق للتوبة؛ والتوبة الثانية بعد توبة العبد؛ وهي قبول التوبة؛ وكلاهما في القرآن؛ قال الله. ﵎: ﴿وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا﴾ [التوبة: ١١٨]: فقوله تعالى: ﴿ثم تاب عليهم﴾ أي وفقهم للتوبة، وقوله تعالى: ﴿ليتوبوا﴾ أي يقوموا بالتوبة إلى الله؛ وأما توبة القبول ففي قوله تعالى: ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات﴾ (الشورى: ٢٥)
٦ ومن فوائد الآية: أن الإنسان إذا صدق في تفويض الأمر إلى الله، ورجوعه إلى طاعة الله فإن الله تعالى يتوب عليه؛ وهذا له شواهد كثيرة أن الله أكرم من عبده؛ من تقرب إليه ذراعًا تقرب الله إليه باعًا، ومن أتاه يمشي أتاه الله هرولة؛ فكرم الله ﷿ أعلى، وأبلغ من كرم الإنسان.
٧ ومنها: إثبات هذين الاسمين الكريمين: ﴿التواب﴾، و﴿الرحيم﴾؛ وما تضمناه من صفة، وفعل.
٨ ومنها: اختصاص الله بالتوبة، والرحمة؛ بدليل ضمير الفصل؛ ولكن المراد اختصاصه بالتوبة التي لا يقدر عليها غيره؛ لأن الإنسان قد يتوب على ابنه، وأخيه، وصاحبه، وما أشبه ذلك؛ لكن التوبة التي لا يقدر عليها إلا الله. وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿ومن يغفر الذنوب إلا الله﴾ [آل عمران: ١٣٥]. هذه خاصة بالله.
كذلك الرحمة المراد بها الرحمة التي لا تكون إلا لله؛ أما رحمة الخلق بعضهم لبعض فهذا ثابت. لا يختص بالله ﷿؛ ولهذا قال النبي ﷺ: "الراحمون يرحمهم الرحمن" (١).
القرآن
﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)﴾ [البقرة: ٣٨]
التفسير:
قال الله لهم: اهبطوا من الجنة جميعًا، وسيأتيكم أنتم وذرياتكم المتعاقبة ما فيه هدايتكم إلى الحق، فمن عمل بها فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا.
قوله تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٣٨]، أي: قال الله لهم " اهبطوا من الجنة إلى الأرض" (٢).
(١) أخرجه أحمد ٢/ ١٦٠، حديث رقم ٦٤٩٤؛ وأخرجه أبو داود ص ١٥٨٥، كتاب الأدب، باب ٥٨: في الرحمة، حديث ٤٩٤١؛ وأخرجه الترمذي ص ١٨٤٦، كتاب البر والصلة، باب ١٦: ما جاء في رحمة الناس، حديث رقم ١٩٢٤، وفي الحديث: أبو قابوس لم يوثقه غير ابن حبان، قال الألباني: حديث صحيح بالشواهد والمتابعات [السلسلة الصحيحة ٢/ ٦٣٠ – ٦٣١، حديث رقم ٩٢٥]،
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٤٤.
2 / 202