أما عن الظروف التي أحاطت بدعوة بقية التلاميذ المباشرين الذين جعلهم يسوع رسلا فغير واضحة عند مرقس، ولكننا في الإصحاح الثالث نجد عددهم قد بلغ اثني عشر: «ثم صعد إلى الجبل ودعا الذين أرادهم فذهبوا إليه، وأقام اثني عشر ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا ويكون لهم سلطان على شفاء الأمراض. وجعل لسمعان اسم بطرس، ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه، وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرعد، وأندراوس، وفيلبس، وبرثولماوس، ومتى، وتوما، ويعقوب بن حلفي، وتداوس، وسمعان القانوي، ويهوذا الإسخريوطي» (مرقس، 3: 13-19). ونلاحظ في هذه القائمة أن مرقس لم يذكر اسم لاوي بن حلفي العشار الذي جعله في الإصحاح الأول خامس التلاميذ الذي تبعوا يسوع منذ البداية.
يسير متى على خطى مرقس في قصة دعوة التلاميذ الأربعة الأوائل: «ولما سمع يسوع أن يوحنا أسلم انصرف إلى الجليل، وترك الناصرة وأتى فسكن في كفر ناحوم ... وإذ كان يسوع ماشيا عند بحر الجليل أبصر الأخوين: سمعان الذي يقال له بطرس، وأندراوس أخاه، يلقيان شباكا في البحر لأنهما كانا صيادين، فقال لهما هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس، فللوقت تركا الشباك وتبعاه، ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين، يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما، فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه » (متى، 4: 13-22). أما عن دعوة التلميذ الخامس الذي أطلق عليه مرقس اسم لاوي بن حلفي، فلمتى فيه رواية أخرى: «وفيما هو مجتاز من هناك رأى إنسانا جالسا عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: اتبعني. فقام وتبعه» (متى، 9: 9). وعلى هذا يكون التلميذ الخامس الذي يعمل عشارا هو متى لا لاوي بن حلفي كما هو الحال عند مرقس. فيما يتعلق بهذه النقطة يقول المفسرون الكنسيون بأن متى هو اسم آخر للاوي بن حلفي. ولكن لو كان الأمر كذلك لكان من السهل على مؤلف إنجيل متى أن يقول: «وفيما هو مجتاز من هناك رأى إنسانا جالسا عند مكان الجباية اسمه متى الذي هو لاوي بن حلفي» لا سيما إذا كان متى العشار هذا هو نفسه مؤلف إنجيل متى، وهو أدرى الناس باسمه وبلقبه الآخر إذا كان له مثل هذا اللقب أو الاسم البديل. وفي الحقيقة فقد كان مرقس واضحا عندما دعا التلميذ الخامس لاوي ثم أضاف إليه اسم أبيه حلفي على سبيل توكيد هويته، وذلك على عكس معظم بقية أسماء قائمته؛ حيث اكتفى بالاسم الأول، فقال: فيلبس، برثلماوس، توما ... إلخ. والتفسير الأقرب إلى المنطق هو أن كلا من متى ومرقس قد تلقى خبرا مخالفا للخبر الذي تلقاه زميله، وأن الغموض يحيط بهوية رسل يسوع، وحتى بعددهم كما سنرى لاحقا.
وكما هو الحال عند مرقس فإن الظروف المحيطة بدعوة بقية التلاميذ غير واضحة أيضا عند متى. وهو في الإصحاح العاشر يعطينا قائمة بأسمائهم بعد أن بلغ عددهم اثني عشر: «ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا يطردون به الأرواح النجسة ويشفون الناس من كل مرض وعلة. وهذه أسماؤهم: أولهم سمعان الذي يقال له بطرس (= صخر)، وأندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه. فيلبس وبرثلماوس. توما ومتى العشار. يعقوب بن حلفي ولباوس الملقب تداوس. سمعان القانوي ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه. هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: ... اشفوا مرضى، طهروا برصا، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين. مجانا أخذتم مجانا أعطوا. لا تقتنوا ذهبا ولا نحاسا في مناطقكم، ولا مزودا للطريق، ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا، لأن العامل يستحق طعامه» (متى، 10: 1-10). وكما نلاحظ من قراءة هذه القائمة فإن متى قد أعطى للتلميذ العاشر اسمين عندما قال «لباوس الملقب تداوس». وهذا يعني أن متى قد تلقى خبرين متناقضين بخصوص هذا التلميذ؛ الأول تلقاه من مرقس الذي دعاه في قائمته تداوس، والثاني جاءه من مصدر آخر دعاه لباوس. هذا الغموض الذي يحيط بالتلميذ العاشر يزداد عندما نرى أن لوقا قد دعاه في قائمته باسم ثالث هو يهوذا بن يعقوب.
في رواية لوقا لدعوة التلاميذ هنالك بعض الاضطراب. فبعد الظهور العلني الأول ليسوع عندما دخل المجمع في الناصرة وما جرى هنالك من جدال بينه وبين اليهود، نجده دون مقدمات يأتي إلى بيت بطرس الذي لم يكن بعد تلميذا: «ولما قام من المجمع دخل بيت سمعان (= بطرس)، وكانت حماة سمعان قد أخذتها حمى شديدة فسألوه من أجلها، فوقف عند رأسها وانتهر الحمى فتركتها، وفي الحال قامت وصارت تخدمهم» (لوقا، 4: 38-39). في الإصحاح التالي ينتقل المؤلف إلى رواية دعوة التلاميذ. فقد خرج يسوع ووقف عند بحيرة جنيسارت (= طبريا) فازدحمت حوله الجموع لتسمع منه. فدخل سفينة راسية هناك كانت لبطرس وصار يعلم الجموع من السفينة، ولما فرغ من الكلام قال لبطرس أن يبعد سفينته إلى العمق ويلقي مع النوتية شباكهم للصيد، فأمسكوا سمكا كثيرا حتى صارت شباكهم تتمزق، فدعوا شركاءهم في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم فملئوا السفينتين. فلما رأى بطرس هذه المعجزة: «خر عند ركبتي يسوع قائلا: أخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ. إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه، وكذلك أيضا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان (بطرس). فقال يسوع لسمعان: لا تخف، من الآن تكون تصطاد الناس. ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيء وتبعوه» (لوقا، 5: 1-11).
إلى جانب اختلاف تفاصيل رواية لوقا عن رواية متى ومرقس، والذي يعزى إلى تفرد كل منهما بأسلوب أدبي خاص استعمله في صياغة الخبر، فإن ما يلفت نظرنا في هذه الرواية هو انفرادها بمعجزة تكثير السمك، إضافة إلى غياب اسم أندراوس أخي بطرس عن مسرح الحدث. ولولا الشهادة السابقة لمرقس ومتى لما كان باستطاعتنا أن نعرف بوجود صلة الأخوة بين بطرس وأندراوس الذي يرد اسمه لاحقا في قائمة الرسل.
وكما هو الحال عند مرقس ومتى فإن دعوة التلميذ الخامس تتأخر قليلا عند لوقا، وهو يتبع مرقس في تسميته ولكنه يدعوه لاوي فقط بدلا من لاوي بن حلفي: «وخرج بعد ذلك فأبصر عشارا اسمه لاوي جالسا في بيت الجباية، فقال له اتبعني، فترك كل شيء وقام فتبعه. وأقام له لاوي مأدبة عظيمة في داره. وكان على المائدة معهم جماعة كبيرة من العشارين وغيرهم، فقال الفريسيون وكتبتهم لتلاميذه متذمرين: لماذا تؤاكلون وتشاربون العشارين والخاطئين؟ فأجاب يسوع: ليس الأصحاء بمحتاجين إلى طبيب بل المرضى. ما جئت لأدعو الأبرار إلى التوبة بل الخاطئين» (لوقا، 5: 27-32).
ثم إن المسألة تنعقد أكثر عندما يورد لنا لوقا بعد ذلك قصة مشابهة بطلها أيضا عشار اختار يسوع أن يضيف عنده عندما دخل أريحا في طريقه إلى أورشليم: «ودخل يسوع أريحا وراح يجتازها. فإذا رجل من رؤساء العشارين غني اسمه زكا قد جاء طالبا أن يرى يسوع، فلم يستطع لكثرة الزحام لأنه كان قصيرا. فأسرع إلى جميزة فصعدها ليراه. فلما وصل يسوع إلى ذلك المكان رفع بصره وقال له: يا زكا، انزل على عجل لأني سأقيم اليوم في بيتك. فنزل على عجل وأضافه مسرورا. فلما رأوا ذلك قالوا كلهم متذمرين: دخل بيت رجل خاطئ ليقيم عنده. فوقف زكا فقال: سيدي، سأتصدق على الفقراء بنصف أموالي، وإذا كنت قد ظلمت أحدا شيئا أرده عليه أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم نال الخلاص هذا البيت. لأن ابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالك فيخلصه» (لوقا، 19: 1-10).
بعد دعوة لاوي نجد عدد التلاميذ قد تكاثر، فدعاهم يسوع واختار منهم اثني عشر سماهم رسلا، وهم: «سمعان ودعاه صخرا (= أي بطرس باليونانية) وأندراوس أخوه، ويعقوب، ويوحنا، وفيلبس، وبرتلماوس، ومتى، وتوما، ويعقوب بن حلفي ، وسمعان الملقب بالغيور، ويهوذا بن يعقوب، ويهوذا الإسخريوطي» (لوقا، 6: 14-16). ونلاحظ في هذه القائمة أن لوقا قد دعا التلميذ المدعو تداوس (عند مرقس) ولباوس (عند متى) بالاسم يهوذا بن يعقوب. كما أنه سار على خطى مرقس عندما أسقط من قائمته اسم لاوي الذي جعله في الإصحاح السابق خامس التلاميذ.
ولننظر الآن إلى قوائم أسماء الرسل لدى الإزائيين الثلاثة في سياق مقارن:
قائمة مرقس 3: 16-19
Bilinmeyen sayfa