من هؤلاء المؤلفين على سبيل المثال يرد ذكر فيلون الإسكندري، وهو فيلسوف يهودي أفلاطوني (ت54م)، وبلوترخ (40-120م)، وتاسيتوس (54-109م). وبلينوس الأصغر (61-113م)، وسويتونيوس (75-؟)، وسينيكا (ت65م)، وجوفينال (45-130م)، وبلينوس الأكبر (23-79م). ومن المنطقة الفلسطينية نفسها لدينا من طبريا المؤرخ جوستوس الذي أنجز كتابا عن تاريخ ملوك اليهود حتى منتصف القرن الأول الميلادي، والمؤرخ اليهودي الشهير يوسيفوس الذي أمضى القسم الأخير من حياته في روما وأنجز خلال الربع الأخير من القرن الأول الميلادي كتابين عن تاريخ اليهود، الأول بعنوان عاديات اليهود
Jewish Antiquities ، والثاني بعنوان الحروب اليهودية
Jewish Wars . ومن هذين الأخيرين يمكن أن نتوقع إشارات إلى يسوع وحركته الدينية. ولكن جوستوس الذي قدم لنا معلومات غزيرة عن الملك هيرود أنتيباس حاكم الجليل في عصر يسوع، لم يتعرض ولو بإشارة عابرة إلى يسوع، أما يوسيفوس فإن المقطع الوحيد الذي ذكر فيه يسوع، ما زال حتى الآن موضع جدل بين الباحثين، وجلهم يؤكد بأنه إضافة مسيحية على النص الأصلي.
1
في الرد على هذه الطروحات التي تبدو منطقية وجذابة للوهلة الأولى، تقول بأن يسوع وحركته الدينية ما كان لهما أن يلفتا نظر السلطات الرومانية ولا المؤلفين المعروفين في ذلك الوقت. فحياة يسوع التبشيرية لم تدم أكثر من سنة وفق الأناجيل الإزائية أو سنتين وفق إنجيل يوحنا. وخلال هذه الفترة القصيرة لم يفلح يسوع في خلق حركة دينية قوية يمكن أن تشغل بال السلطات اليهودية في أورشليم، أو حركة معارضة سياسية يمكن أن تشغل بال السلطات الرومانية. إن قراءة ما وراء السطور في الأناجيل تقودنا إلى الاستنتاج بأن حركة يسوع لم تفلح خلال حياته في التسرب إلى نسيج المجتمع الجليلي أو المجتمع اليهودي، وعندما مات لم يترك وراءه أكثر من مائة تابع على أكثر تقدير. أما دخول يسوع إلى أورشليم الذي صوره بعض الإنجيليين بطريقة فخمة وجعلوا أهل المدينة يخرجون لاستقباله شيبا وشبانا، وهم يبسطون أرديتهم تحت حوافر حماره ويهتفون بأعلى أصواتهم تحية له، فإن إنجيل لوقا يقدم لنا الصورة الأقرب إلى الواقع عندما يقول: «فجاء التلميذان بالجحش إلى يسوع ورصفا رداءيهما عليه وأركبا يسوع. وفيما هو سائر فرشوا ثيابهم في الطريق. ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم قائلين: مبارك الملك الآتي باسم الرب، سلام في السماء ومجد في الأعالي» (لوقا، 19: 35-39).
فإذا كان الأمر كذلك، فإن إعدام يسوع لم يكن بالشأن الكبير الذي يمكن أن ينتشر خبره في أرجاء الإمبراطورية ويلفت نظر المؤرخين. فقد كان العشرات من القوميين اليهود يصلبون في تلك الأيام على يد السلطات الرومانية بتهمة الشغب السياسي والتحريض ضد روما، كما كان المجلس اليهودي (السنهدرين) يحكم بالموت رجما بالحجارة على من تثبت عليه تهمة التجديف أو ازدراء الشريعة. وكان استفانوس وهو أحد أعمدة كنيسة أورشليم بعد وفاة يسوع واحدا من هؤلاء، على ما يخبرنا به سفر أعمال الرسل. فقد ادعى عليه بعض اليهود قائلين: إنا سمعناه يكفر بموسى وبالله، ويقول إن يسوع الناصري يبدل ما أورثنا به من سنن. فحكم عليه المجلس بالرجم (أعمال، 7: 8-53). وكانت العادة أن يعلق المرجوم بعد موته على عمود خشبي. وفي الحقيقة فإن جوهر تهمة يسوع لم يختلف كثيرا عن تهمة استفانوس على الرغم من تقديمها إلى بيلاطس في قالب سياسي.
ويعطينا سفر أعمال الرسل معلومة دقيقة عن عدد أتباع يسوع. فعندما اجتمع كل التلاميذ بعد أن ظهر يسوع لهم للمرة الأخيرة كان تعدادهم نحو مائة وعشرين (أعمال، 1: 15). وهؤلاء كانوا يواظبون على الصلاة في الهيكل اليهودي (3: 1) ربما بداعي التقية، ولم يكن بالإمكان تمييزهم عن بقية اليهود، لا سيما وأنهم لم يطلقوا على أنفسهم في البداية اسم المسيحيين، وإنما استخدموا تسمية عامة ودعوا أنفسهم بالإيبونيين (إيبونيم) التي تعني بالعبرية الفقراء. أما اسم المسيحيين فلم يطلق على أتباع يسوع إلا نحو عام 50م وكان ذلك في مدينة أنطاكية. ومما لا شك فيه أن يسوع قد استطاع استمالة عدد من اليهود المتكلمين باليونانية ممن كانوا يأتون لزيارة أورشليم بمناسبة الفصح اليهودي، وكانت له معهم حوارات (يوحنا، 12: 20). وعندما عاد هؤلاء إلى مواطنهم خارج فلسطين شكلوا بؤرا مسيحية متفرقة دون أن يلحظهم أحد لأنه لم يكن بإمكان الغريب عنهم التمييز بينهم وبين اليهود الآخرين. ولمثل هؤلاء وجه بولس الرسول خطابه أولا، سواء عن طريق زيارتهم أم عن طريق توجيه رسائله إليهم.
وقد ساهم نشاط بولس التبشيري المحموم في زيادة عدد البؤر المسيحية داخل الجماعات اليهودية وخارجها، ولكن المجتمع الروماني بقي على عدم تمييزه لهؤلاء عن بقية اليهود وبقوا على حالة الكمون التي يعيشونها. ولكن شيئا ما حدث في روما نحو عام 50م نقله إلينا مؤرخ القصر الإمبراطوري سويتونيوس نحو عام 115م في كتابه «حياة الأباطرة الاثنا عشر»؛ حيث أورد خبرا مقتضبا وغامضا بعض الشيء، فقال: إن الإمبراطور كلاوديوس (41-54م) طرد من روما اليهود الذين أثاروا فتنة بتحريض من المسيح (=
Christus
باليونانية).
Bilinmeyen sayfa