الهراطقة الذين يعتمدون على إنجيل مرقس السري من أجل تبرير ممارساتهم الخليعة، أن ننكر تحت القسم أن مرقس هو كاتب هذا الإنجيل.
وإليكم النص الكامل للرسالة وهو من ترجمتي عن مورتون سميث: «لقد فعلت حسنا بردك على تعاليم الكاربوكريتيين النجسة. فهؤلاء هم الكواكب التائهة ممن أشارت إليهم نبوءات الكتاب المقدس، الذين يصدون عن الطريق الضيق للوصايا، ويولون وجوههم نحو الغور السحيق للخطايا الجسدية الشهوانية. إنهم بافتخارهم بامتلاك المعرفة، التي ليست إلا معرفة بسبل الشيطان، إنما يلقون بأنفسهم إلى التهلكة في عالم الظلمة السفلي. وهم في ادعائهم الوصول إلى الحرية إنما يقعون عبيدا لرغباتهم وشهواتهم. مثل هؤلاء الناس ينبغي مقاومتهم بكل الوسائل الممكنة. وحتى حين يقولون شيئا صحيحا فإن على من يحب الحقيقة ألا يوافقهم، لأنه ليس كل الأشياء الحقيقية هي حقيقة، ولا ينبغي على الحقيقة وفق ما تراها الآراء الإنسانية أن تكون مفضلة على الحقيقة بحسب الإيمان.
وفيما يتعلق بالأشياء التي يروونها بخصوص إنجيل مرقس الذي دون بإلهام إلهي، فإن بعضها مزور جملة وتفصيلا، وبعضها الآخر يحتوي على جزء من الحقيقة ولكنه منقول بشكل محرف؛ لأن الأشياء الحقيقية عندما تمتزج بالاختلاقات فإنها تتحرف. وعلى ما يقول المثل، فإنه حتى الملح يفقد طعمه.
خلال مرافقة مرقس لبطرس الرسول عندما كان مقيما في روما، قام بكتابة نص عن أعمال يسوع ولكنه لم يذكرها جميعا، مثلما لم يشر أيضا إلى تعاليمه السرية، وإنما اختار منها ما رآه مناسبا لتدعيم إيمان من هم في طور التعلم. وعندما استشهد بطرس جاء مرقس إلى الإسكندرية جالبا معه نوطاته الخاصة وتلك التي لبطرس، ومنها نقل إلى كتابه السابق ما وجده مناسبا للتمعن في المعرفة، ووضع إنجيلا روحانيا من أجل الساعين إلى كمالهم في الدين، ولكنه مع ذلك لم يكشف عن الأشياء التي لا يجب النطق بها، ولم يدون التعاليم التأويلية للسيد، وإنما أضاف قصصا جديدة إلى تلك التي أوردها سابقا. وذكر أقوالا يعرف مدلولاتها باعتباره متضلعا في أسرار الدين، والتي من شأنها أن تأخذ بيد مستمعها إلى قدس أقداس الحقيقة المخفية وراء حجب سبعة. وعندما حضرته المنية أودع مؤلفه هذا لدى كنيسة الإسكندرية حيث بقي في حرز حريز لا يطلع عليه إلا أولئك الذين جرى تقديمهم إلى الأسرار الكبرى.
ولكن بما أن الشياطين الحمقى يبتكرون دوما وسائل من أجل تدمير الجنس البشري؛ فقد زينوا للكاربوكريتيين أن يستميلوا أحد قسس كنيسة الإسكندرية من أجل العمل معهم، فحصل لهم على نسخة من الإنجيل السري وفسره لهم وفق آرائه التجديفية والشهوانية، كما وأنه مزج الكلمات الطاهرة فيه بأكاذيب نجسة. ومن هذا المزيج استمد الكاربوكريتيون تعاليمهم.
من هنا، وكما ألمحت سابقا، على المرء أن يصمد أمامهم عندما يعرضون تحريفاتهم، وينكر أن إنجيل مرقس السري هو من تأليف مرقس ولو كان ذلك تحت القسم. ذلك أن الأشياء الحقيقية يجب ألا تقال لكل الناس. ولهذا قالت حكمة الرب من خلال سليمان: «أجب الأحمق من خلال حماقته»، أي إن نور الحقيقة يجب ألا يعرض للعميان. وقالت أيضا: «يؤخذ من الذي ليس عنده.» و«دع الأحمق يعمه في الظلام». ولكننا نحن أبناء النور، استنرنا من الأعالي بفجر روح الرب، وحيثما روح الرب هنالك الحرية، وكل الأشياء طاهرة بالنسبة للطاهر.
ولذلك فإنني لن أتردد في إجابتك على أسئلتك التي توجهت بها إلي، داحضا بذلك الافتراءات من خلال كلمات إنجيل مرقس السري نفسها. فبعد قوله (في الإنجيل الذي بين يديك، الإصحاح 10 الآية 32): «وكانوا في الطريق صعودا إلى أورشليم» إلى نهاية قوله: «وفي اليوم الثالث يقوم» (الآية 34)، فإن الإنجيل السري يضيف المادة التالية التي أوردها لك كلمة فكلمة: «ثم جاءوا إلى بيت عنيا، فحضرت إليه امرأة هناك مات أخوها وسجدت أمامه قائلة: يا ابن داود ارحمني. فانتهرها التلاميذ، ولكن يسوع غضب ومضى معها إلى البستان حيث القبر الذي دفن فيه. ولدى اقترابه ندت من داخل القبر صيحة عظيمة. فدنا يسوع ودحرج الحجر عن مدخل القبر ودخل لفوره إلى حيث كان الفتى فمد ذراعه إليه وأقامه ممسكا بيده. ولما رآه الفتى أحبه وتوسل إليه البقاء معه. وبعد خروجهما من القبر توجهوا إلى بيت الفتى لأنه كان غنيا. وبعد ستة أيام لقنه يسوع ما يتوجب عليه فعله. وفي المساء جاء إليه الفتى وهو يرتدي مئزرا من الكتان على جسده العاري وبقي معه في تلك الليلة، لأن يسوع كان يعلمه أسرار ملكوت الله. وعندما قام عاد إلى الجهة الأخرى من الأردن.»
بعد هذا المقطع، يتابع النص (المعروف لديكم، الآية 35): وتقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي ... وذلك إلى آخر المقطع (في الآية 45). ولكن جملة: «رجل عار إلى رجل عار» وكل الأشياء التي كتبت إلي بخصوصها، غير موجودة. وبعد قوله (في الآية 46): وجاءوا إلى أريحا، يضيف إنجيل مرقس السري هذه الكلمات فقط: وكانت أخت الفتى الذي أحبه يسوع، وأمه، وسالومة، موجودين هناك ولكن يسوع لم يجتمع بهم. أما بقية الأشياء التي كتبت لي بشأنها فهي من قبيل التزوير. هذا هو الشرح الحقيقي الذي ينسجم مع الفلسفة الحقة.»
3
من مقارنة نص قصة إحياء يسوع للفتى في إنجيل مرقس السري وإنجيل يوحنا، نجد عددا من نقاط الاختلاف بين القصتين. فالإنجيل السري لا يذكر لنا اسم الفتى بينما يسميه إنجيل يوحنا لعازر. والإنجيل السري يتحدث عن أخت واحدة دون أن يسميها، بينما يتحدث إنجيل يوحنا عن أختين إحداهما مرثا والأخرى مريم. تدعو الأخت يسوع في الإنجيل السري ب «يا ابن داود»، وهذا اللقب ينسجم مع لاهوت إنجيل مرقس وبقية الأناجيل الإزائية، بينما تدعوه الأختان في إنجيل يوحنا ب «يا سيد». في الإنجيل السري يتقدم يسوع ويدحرج الحجر بنفسه عن مدخل القبر، أما في إنجيل يوحنا فيطلب ممن حوله دحرجة الحجر. في الإنجيل السري يكون لاقتراب يسوع من القبر فعل المعجزة لأن الفتى يصحو وتصدر عنه صيحة عالية، ثم يدخل يسوع ويمد يده للفتى وينهضه؛ أما في إنجيل يوحنا فإن يسوع يقف خارجا ويهتف بصوت عال: لعازر هلم. فيخرج الفتى وهو مربوط بالأقمطة. ولكن على الرغم من هذه الاختلافات فإننا أمام قصة واحدة رويت من خلال تنويعين. ففي كلا الروايتين نجد أن مسرح الحدث هو قرية بيت عنيا التي وصل إليها يسوع قادما من نهر الأردن، وهنالك امرأة مات أخوها جاءت ورجت يسوع أن يحييه، ثم ينتهي الحدث بانبعاث الفتى من القبر.
Bilinmeyen sayfa