ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة وجوده لا معرفة مقداره ولا زمانه ولا مكانه، مثل قولنا هل. فإنه متى قلنا هل الشيء فإنما نطلب معرفة وجوده فقط. وهذا الحرف يقرن أكثر ذلك باللفظ المركب، مثل قولنا هل زيد منطلق وهل عمرو راحل وهل سقراط في الدار. وقد يقرن أحيانا بالاسم فقط. وليس يقرن به وحده أو يضمر معه شيء آخر سوى ما يدل عليه ذلك الإسم فقط. فإننا متى قلنا هل زيد، ولم يضمر معه موجود أو في الدار أو منطلق أو ما أشبه ذلك، كان القول باطلا. فإذن إنما يقرن هذا الحرف أبدا يلفظ مركب قد أطهرت أجزاؤه بأسرها أو بمركب قد اضمر بعض أجزائه. فإن إنما يقرن بالمركب أبدا. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أن المطلوب من الشيء تصور ذات الشيء فقط، لا معرفة وجوده ولا معرفة شيء آخر سوى ذاته، لا مقداره ولا زمانه ولا مكانه. وذلك مثل قولنا ما وما هو. فإنا متى قلنا ما الشيء أو ما هو الشيء، فإنما نطلب بهذا الحرف تصور معرفة ذات الشيء لا غير. والدليل على أن هذا الحرف ليس يدل على أن الشيء مطلوب وجوده أنه لو قرنا قولنا موجود بقولنا ما الشيء لصار القول غير مفهوم، بمنزلة قولنا ما هو الشيء موجود. فإن هذا القول باطل متى استملنا قولنا ما هو حرف طلبه. فإن هذا الحرف ربما استعمل مكان قولنا ليس، فحينئذ يكون قولنا ما الشيء موجود مفهوم المعنى. ومتى استعمل حرف طلب كان باطلا. ونحن فلم نأخذه في هذا المكان دالا على ما دل عليه قولنا ليس، لكن إنما أخذناه حرف طلب. ومتى أخذ حرف طلب فقيل ما هو الشيء موجود، كان القول باطلا. ومسألتنا ما هو الشيء إذا طلب منها معرفة ذات الشيء فإنما يصلح أن يكون بعد المعرفة بوجود الشيء. والدليل على ذلك أنا لو قلنا فيما لا نراه ولا نعلم وجوده ما ذاك الشيء، وما هو الشيء، لكان القول باطلا. وقد يطلب به فهم معنى الإسم، وذلك قد لا يمتنع أن يكون قبل المعرفة بوجود الشيء. وكذلك طلب مقدار الشيء وزمانه ومكانه إنما يكون بعد المعرفة بوجود الشيء. فإنا إذا قلنا أين فلان ونحن لا ندري هل هو موجود في العالم أم لا، كان القول باطلا. وكذلك إذا قلنا متى جاء فلان ونحن لا نعلم هل جاء أم لا، كان القول باطلا.
وحرف ما الذي يدل به على أن الشيء مطلوب معرفة ذاته إنما يقرن أبدا بالإسم المفرد أو ما كان بمنزلة المفرد. مثال ذلك قولنا ما الإنسان وما هي الشمس وما هو القمر وما الحركة وما السكون وما كسوف القمر، فإن هذه مركب يجري مجرى المفرد. ولو قرناه بالمركب الذي ليس يجري مجرى المفرد لكان القول غير مفهوم، بمنزلة ما لو قلنا ما الإنسان حيوان وما القمر ينكسف وما أشبه ذلك، فإن هذه أقاويل غير مفهومة. وكل مسألة كما قلنا فإنها توجب على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به معرفة المطلوب بالمسألة. والأمر الذي يستعمل في إفادة ما يتعرف بمسألة ما هو الشيء هو أحد أمرين، إما أمر يدل عليه بلفظ مفرد أو أمر يدل عليه بلفظ مركب. مثال ذلك قول القائل ما هذا الشيء - فلننزل أن المسؤول عنه كانت نخلة - فإن المجيب متى قال هذا الشيء هو نخلة فقد استعمل في إفادته أمرا يدل عليه باسم مفرد، ومتى قال هذه شجرة تثمر الرطب فقط استعمل في الجواب أمرا يدل عليه بقول مركب. وبأي هذين أجاب المجيب به فقد وفى السائل مطلوبه، إلا أن أحد الأمرين يدل على النخلة باسم مفرد والثاني يدل عليه يلفظ مركب. فالأمر الذي ينبغي أن يستعمل في جواب ما هو الشيء إذا كان يدل عليه بلفظ مركب فإنه يسمى ما هية الشيء، ويسمى أيضا القول الدال على ما هو الشيء أو على جوهر الشيء أو على إنية الشيء أو طبيعة الشيء، ويسمى قول جوهر الشيء أيضا.
Sayfa 3