وأما عدد أجزاء الصناعة فهو على عدد أصناف انقياد الذهن وعلى عدد الأشياء التي شأنها أن تتقدم تلك الأمور. وأصناف تلك الأمور فهي خمسة على ما بين، والأشياء التي تتقدمها ثلاثة، ونحن نعلم ذلك مما قيل، فأجزاء صناعة المنطق ثمانية. فالجزء الأول هو الذي يشتمل على المعقولات المفردة، والكتاب الذي فيه هذا الجزء يسمى كتاب المقولات. والجزء الثاني هو الذي يشتمل على المقدمات، والكتاب الذي فيه هذا لجزء يسمى كتاب باري مينياس، ومعناه العبارات. والجزء الثالث يشتمل على تبيين أمر القياس المطلق، والكتاب الذي فيه هذا الجزء يسمى كتاب أنالوطيقا الأولى، ومعناه كتاب التحليلات بالعكس. والجزء الرابع يشتمل على تبيين أمور البراهين وعلى التي بها تلتئم البراهين وعلى ما هي مضافة إلى البراهين، والكتاب الذي فيه هذا الجزء يسمى أنولوطيقا الثانية والأخيرة. والجزء الخامس يشتمل على الأشياء الجدلية، والكتاب الذي فيه هذا الجزء يسمى طوبيقا، ومعناه المواضع، ويعني الأمكنة التي بها يتطرق في حل مسألة إلى انتزاع الحجج في إثباتها وإبطالها. والجزء السادس يشتمل على الأمور المغالطية والأشياء المضافة إليها، والكتاب الذي فيه هذا الجزء يسمى سوفسطيقا، ومعناه المغالطات التي قصد مستعملوها أن يظن بها علما أو فلسفة من غير أن يكونوا كذلك. فإن سوفسطس معناه حكمة مموهة وعلم مموه أو مظنون بها أنها حكمة وليست ذلك. وكل من اقتنى القدرة على استعمال ما يظن به بسبب ذلك أنه ذو حكمة وذو علم من غير أن يكون كذلك بالحقيقة فهو يسمى السوفسطاي. وكثير ممن لا يعرف معنى هذا الاسم فيظن أن سوفسطاي لقب رجل أنشأ مذهبا ما ونسب من ذهب ذلك المذهب إليه. وظن آخرون أن هذه النسبة إنما تلحق من جحد إمكان المعارف. وليس واحد من هذين الظنين حقا، بل معنى السوفسطاي ما قلناه، وسبب غلطهم هو جهلهم بما تدل عليه هذه اللفظة باليونانية. غير أنه مع ذلك قد عرض لكثير ممن اقتنى هذه القوة أن جحد المعارف، لكن التسمية لم تلحقهم بسبب جحودهم المعارف لكن إنما لحقتهم بسبب القوة التي اقتنوها. وهذه القوة إنما تحصل بأن يكون للإنسان القدرة على التمويه بالقول وعلى مغالطة السامع بالأمور التي توهم أن الذي يسمعه حق أو بحيث لا يمكنه دفعه. ولما كانت المغالطة والأمور التي بها تلتئم المغالطة خاصة من له هذه القوة، سمي الكتاب الذي فيه هذا الجزء بأمر مأخوذ عن اسم من له هذه القوة فقيل كتاب سوفسطيقا. والجزء السابع يشتمل على ما به تلتئم الأشياء التي تسوق الذهن إلى التصديقات الخطبية، والكتاب الذي فيه هذا الجزء يسمى كتاب ريطوريقا، ومعناه الخطبيات والبلاغيات. والجزء الثامن يشتمل على الأشياء التي بها يلتئم انقياد الذهن إلى الشعرية، والكتاب الذي فيه هذا الجزء يسمى أبوبطيقا، ومعناه الشعريات. وأرسطاطاليس كثيرا ما يعد كتاب القياس وكتاب البرهان جميعا كتابا واحدا. ويسمى مجموعها الكتاب الثالث. فلذلك كثيرا ما يسمى كتاب سوفسطيقا الكتاب الخامس وكتاب طوبيقا الكتاب الرابع، وذلك لاشتراك كتاب القياس وكتاب البرهان في اسم واحد. فمتى جعل أجزاء المنطق بحسب أسامي الكتب التي تشتمل على أجزائها جعل أجزاء المنطق سبعة. فأما متى قسمة بحسب ما يشتمل عليه غرض غرض على ما قسمناه نحن فإنها لا محالة ثمانية. وأما السبب في أن أرسطاطاليس يسمي الكتابين جميعا باسم واحد فسيبين فيما بعد. فهذه أجزاء صناعة المنطقة وأجزاء الكتاب المشتمل عليها.
Sayfa 26