والمقاييس بالجملة هي أشياء ترتب في الذه ترتيبا ما متى رتبت ذلك الترتيب أشرف بها الذهن لا محالة على شيء آخر ق كان يجهله من قبل فيعلمه الآن، ويحصل حينئذ للذهن انقياد لما أشرف عليه أنه كما علمه. وبين أن الأشياء التي ترتب فيشرف بها الذه على شيء كان يجهله قبل ذلك فيعلمه ليست هي ألفاظا ترتب، إذ كان ما يشرف به الذهن بهذا الترتيب هو ترتيب أشياء في الذهن، والألفاظ إنما ترتب على اللسان فقط. وأيضا فإن الألفاظ لو أمكو أن ترتب في النفس هذا الترتيب لكان الذي إليه يتخطى الذهن عما رتب هذا الترتيب فيعرفه هو أيضا لفظ ما لا معنى معقول، إذ كان ما يتخطى إليه الذهن عن الذي رتب هذا الترتيب له تعلق بالأشياء التي رتبت، وليس يجوز متى رتبت ألفاظ وحدها بلا معنى يعتقد منها أن يتعلق بها على التوالي واضطرار معنى معقول أصلا. وإذا كان ما يتخطى إليه الذهن عن الأشياء التي رتبت معاني معقولة، وكانت هذه اليس يمكن أن يتخطى إليها بألفاظ فقط يسبق ترتيبها، فبالضرورة يلزم أن تكون الأشياء المرتبة السابقة ليست ألفاظا. وأيضا فإن الذهن لما كان إشرافه على اكل شيء كان يجهله من قبل ذلك إنما يكون عن أشياء سبقت معرفتنا بها، والأشياء التي سبقت معرفتنا بها هي الأشياء التي تقدمت خيالاتها في النفس واتقد فيها أنها حق، والتي سبقت خيالاتها في النفس هي المعقولات عن الألفاظ لا الألفاظ، والتي ترتب فيشرف منها الذهن هي بهذه الحال، فبين أن الأشياء التي ترتبت في الذهن ليست هي الألفاظ لكن معاني معقولة. وأيضا فإن الأشياء التي شأنها أن تعلم هي الأشياء التي شأنها أن تكون واحدة عند الجميع، والألفاظ الدالة ليست واحدة بأعيانها عند الجميع، فبين أن المقصود معرفته من الأشياء ليست هي الألفاظ الدالة عليها. فإذن ولا ما يتخطى عنه الذهن هي أيضا ألفاظ مرتبة، إذ كانت تلك أيضا يجب أن تكون قد علمت من قبل. وأيضا فإن الأشياء التي شأنها أن ترتب هذا الترتيب هي الأشياء التي شأنها أن تؤخذ في الذهن بالطبع والضرورة، والألفاظ الدالة هي باصطلاح، فإذن لا شيء مما يرتب هذا الترتيب هو اللفظ الدال على الشيء . وأيضا فليست الأشياء التي ترتب في الذهن هذا الترتيب حتى يكون عن ترتيبها قياس هي معان مقرونة بها ألفاظها الدالة عليها، من قبل أنه لا فرق بين أن يقال ذلك وبين أن يقال إنها معان مقرونة بها الخطوط الدالة عليها. وإذ كان قد تستعمل الإشارات والتصفيق وأشباه ذلك دالة على المعاني المعقولة، فلا فرق بين أن يقال في التي ترتب إنها معان مقرونة بالألفاظ الدالة عليها وبين أن يقال إنها معان معقولة مقرونة بالخطوط الدالة عليها أو بالإشارات الدالة عليها. فإن كانت الألفاظ الدالة تصير متى رتبت مقاييس، لزم أن يكون ترتيب الإشارات أيضا مقاييس لذلك السبب بعينه، أو تكون الخطوط كذلك. وكل ذلك ضحكة وهزؤ، وقد تبين هذا أيضا بأشياء أخر كثيرة صحيحة يقينية، غير أن الموضع لا يحتملها إذ كان كثير منها يغمض على السامعين اللذين هم في هذه المرتبة من الصنعة. وبعد ذلك فما حاجتنا إلى التطويل في ذلك وأرسطاطاليس نفسه يقول في كتاب البرهان هذا القول: والبراهين ليست تكون عن النطق الخارج لكن عن النطق الداخل، وكذلك المقاييس. ولما كانت عادة أرسطاطاليس في كثير مما يعرفه في أوائل هذه الصناعة أن يستعمل فيه نحو التعليم الذي يسمى إبدال الألفاظ، غلط لذلك جل من تكلف تفسير كتابه، فظنوا أن المقاييس وأجزاءها هي الألفاظ التي أبدلها أرطاطاليس في التعليم مكان المعقولات، إذ لم يكن أكثر المتعلمين في وسعهم تخيل المعقولات ولا كيف ترتب في الذهن، فأخذ ألفاظها الدالة عليها بدلها إلى أن يقوى ذهن المتعلم فينتقل منها إلى المعقولات. فقد تبين مما قيل أن المقاييس هي معقولات ترتب في النفس متى ترتبت ذلك الترتيب أشرف الذهن بها على شيء آخر قد ان يجهله من قبل فيعلمه الآن.
Sayfa 24