133

لقد وصفهم في سوره الأولى بأنهم فراعنة، ووعدهم بالأخذ الوبيل ، فقال للنبي صلى الله عليه وآله : ( واصبر على مايقولون واهجرهم هجرا جميلا. وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا . إن لدينا أنكالا وجحيما . وطعاما ذا غصة وعذابا أليما. يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا. إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا . فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) . (سورة المزمل: 10 16) نعم ، لقد أجبر محمد زعماء بطون قريش وجنودهم على خلع سلاحهم والتسليم ! لكنه لم يعلن اتخاذهم عبيدا أرقاء ، ولم يسب نساءهم ويوزعها على المسلمين ، بل قال لهم: إذهبوا فأنتم فعلا طلقاء !

ثم فتح الباب أمامهم أن يكون لهم ماللمسلمين وعليهم ما عليهم ! ودعاهم مباشرة لأن يخرجوا معه ويقاتلوا هوازن أي تحالف قائل نجد الذين تجمعوا في حنين ! فخرجوا معه بألفين من جنودهم إلى حنين ، وهم حيارى ماذا يفعلون ، سكارى مما حدث لهم !

ثم ذهبت السكرة من زعماء قريش وجاءت الفكرة.. يجب أن نرث سلطان محمد ونقصي بني هاشم ! وسرعان ما تصرفوا فأزاحوا عن قيادتهم أبا سفيان ابن عم بني هاشم ، ونصبوا سهيل بن عمر الداهية وأحد الفراعنة الذين كان يلعنهم النبي صلى الله عليه وآله في قنوته !

وبعد معركة حنين ورحيل النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة أمسك سهيل بمكة وتوابعها ، حتى صار (أسيد بن عتاب الأموي) الحاكم المعين من قبل النبي حاكما بالإسم ، والحاكم الحقيقي سهيل بن عمر السهمي !

ولايتسع المجال لبيان نشاطات قريش في السنتين من حياة النبي صلى الله عليه وآله بعد فتح مكة ، لكن غرضنا منها نظريتها التي روجت لها بأن آباء النبي صلى الله عليه وآله كفار وعمه أبا طالب كافر ، وإنما مثله في بني هاشم (كمثل نخلة نبتت في كبا ) أي مزبلة !! وبالتالي فلا شرعية لعشيرته وأسرته لكي تدعي وراثته وإنما هو من قريش ، وقريش أولى بسلطان ابنها ، وخلافته يجب أن تدور في بطون قبائلها !

وهكذا استطاعت قريش أن تخترع حصارا جديدا لبني هاشم وبني عبد المطلب ، أحكمته هذه المرة أكثر من حصارها لهم في شعب أبي طالب ، فألبسته ثوبا من الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله ، فنجح الحصار وطال قرونا أجيالا ، إلا من رحم ربك من أصحاب البصائر !

Sayfa 134