Binbir Gece Masalları Üzerine Bir İnceleme
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Türler
ومن أشهر من تأثر بهذا الأسلوب من الحكايات المتداخلة في قالب إطار روائي واحد، ميجيل دي سرفانتس في روايته الشهيرة دون كيشوت. فبالإضافة إلى الدلالات العديدة على التأثير العربي في هذه الرواية والإشارات إلى موضوعات معينة فيها تأثرت بالروايات الشفوية العربية، تمتلئ الرواية بالحكايات والقصص التي تتفرع من الحادثة الرئيسية، وهي خروج دون كيشوت فارسا جوالا بحثا عن المغامرات ودفاعا عن الضعفاء والمساكين وتحقيقا للعدالة ورفع الظلم. ففي وسط الأحداث التي يمر بها دون كيشوت، يصادف بعض الرعاة، ويقص أحدهم عن مقتل صبي يدعى خريسوستو بيد حبيبته مرزيلا. وهنا يطلب دون كيشوت من الراعي - واسمه بودو - أن يقص عليهم حكاية هذين العاشقين، وهو ما استغرق فصلا كاملا من الرواية، تبعه بعد ذلك فصلان آخران عن دفن الحبيب وتلاوة القصيدة التي كتبها عن غرامه، ثم دفاع حبيبته مرزيلا التي اتهمت بقتله.
وهناك أيضا قصة «كردونيو» الفارس الذي جن هياما بلوسيندا، ولكن أحد أصدقائه ويدعى فرناندو خانه وطلبها لنفسه من أبيها، فيهيم كردونيو على وجهه في قفار جبال الشارات (سييرا مورينا)، ولا يعلم أن لوسيندا أعلنت في حفل خطبتها لفرناندو أنها تحب كردونيو ولذلك لا تستطيع إتمام الزواج بفرناندو. وترتبط هذه القصة بقصة الفتاة التي خدعها فرناندو وسلبها عفافها ثم هجرها إلى لوسيندا، فتهيم هي الأخرى على وجهها في جبال الشارات. وهناك تلتقي بكردونيو، ويعرفان أحدهما من الآخر ما حدث لفرناندو ولوسيندا، وأن بوسع الجميع الآن أن يضعوا خاتمة سعيدة لغرامهم.
وتأتي بعد ذلك قصة منفصلة وجدوها مخطوطة لدى صاحب الفندق الذي نزلت الجماعة فيه، ويقرؤها عليهم القسيس، وهي تدور حول زوج يدعى أنسلمو يصر على اختبار عفة وإخلاص زوجته كاميلا دون أن يكون هناك أي داع لذلك؛ فيوعز إلى أحد أصدقائه - لوتريو - بأن يحاول إغواء الزوجة. ورغم اعتراض الصديق على ذلك، فإنه يخضع بعد إلحاح الزوج عليه. وحين يقوم الصديق بتمثيل دور العاشق، يقع في حب الزوجة بالفعل، وتستجيب الزوجة له بدافع حرارة حبه لها. وحين يكتشف الزوج الأمر، يدبر العاشقان تمثيلية أمام الزوج تقنعه ببراءة زوجته. بيد أن الأمر ينتهي بفاجعة حين تخشى الزوجة من افتضاح سرها آخر المطاف، فتهرب مع لوتريو حاملة معها كل أموال الزوج، الذي يشعر أخيرا بالندم والأسف على الرغبة الحمقاء التي تملكته والتي أدت إلى هدم بيته وسعادته. وهذه القصة تقع أحداثها في فلورنسا بإيطاليا، وحبكتها تماثل حبكة قصص الديكاميرون وحكايات مكر النساء، وهي كلها من أصل قصص عربية كانت متداولة في إسبانيا وجنوب فرنسا في بدايات القرون الوسطى، وتظهر في حكايات ألف ليلة بصور متعددة.
وهكذا تتوالى القصص المتداخلة في رواية سرفانتس الخالدة. وجدير بالذكر أن تلك القصص تختلف عن قصص المغامرات العجيبة التي يصادفها دون كيشوت في ترحالاته، ويقوم هو فيها بالأحداث، والتي تشكل جزءا من عقدة الرواية الأصلية، وتدخل في صلب المغامرات التي يتعرض لها مع تابعه سانشو بانزا. وتلك القصص داخل القصة الأصلية غالبا ما تأتي عن طريق الحكي أو التلاوة. فإذا كان ثمة شك في تأثر سرفانتس بالحكايات العربية التي كانت شائعة في زمانه - سواء شفوية أو مكتوبة باللغات المحلية - فلنذكر أنه قد قضى خمس سنوات طوال في الجزائر، أسيرا لدى العرب إلى أن افتدته جمعية خيرية دينية في إسبانيا. وفي تلك السنوات الخمس، نعلم أنه كان يمضي وقته في تعليم الجزائريين العرب العلوم والحساب، بينما كانوا هم يعلمونه اللغة العربية؛ ولا بد أنهم كانوا يقصون عليه الكثير من حكاياهم ونوادرهم وأساطيرهم، فقد كان هؤلاء الجزائريون يتقنون العربية والتركية والقشتالية (الإسبانية) من جراء احتكاكهم بمن يلقونه بالقرب من سواحلهم ومن واقعهم كأمة عربية وولاية تابعة لتركيا. ومن النقاد من يذهب إلى أن سرفانتس قد جاءته أفكار الكثير من قصصه ورواياته ومسرحياته إبان سنوات أسره الطويلة المليئة بالفراغ والضجر، وأحد أدلة ذلك أنه في خلال السنة الأولى لتحرره من الأسر، قدم عدة مسرحيات وقصص دفعة واحدة، ولا يمكن أن يكون قد كتبها كلها في هذه الفترة القصيرة. كذلك تزخر روايته الأساسية دون كيشوت بالإشارات والإيحاءات العربية، ويكفي ذكر أنه أرجع الكتاب كله إلى مخطوطة من تأليف أحد العرب.
وهناك رواية أخرى لم تنل من الشهرة ما هي جديرة به في هذا المجال من الكتابات المتأثرة بالخيال العربي، وعنوانها الحرفي «المخطوط الذي عثر عليه في سرقسطة» (مخطوط سرقسطة) من تأليف البولندي «جان بوتوكي» الذي كتبها بالفرنسية. وقصة حياة المؤلف تصلح بذاتها أن تكون رواية غريبة، فقد ولد في بولندا عام 1761م من عائلة أرستقراطية، وتلقى تعليمه في جنيف ولوزان بسويسرا، حيث أتقن اللغة الفرنسية. وكان طوال حياته رحالة لا يكل من السفر، فزار بلدان الشرق الأوسط والبلقان والقوزاق والصين. وكان عالما بالآثار المصرية القديمة، ورائدا في علم السلالات، وخدم في الجيش مرتين. وقد تزوج مرتين، وأنجب خمسة أطفال، وأحاطت بزيجتيه شائعات وفضائح غريبة. وقد استقر في ضيعته في بولندا عام 1812م من جراء تدهور صحته، وأصيب بالاكتئاب واليأس، مما دفعه إلى الانتحار عام 1815م. ويقال إنه أطلق على رأسه رصاصة صنعها بنفسه من آنية أثرية من الفضة!
وروايته «مخطوط سرقسطة» أشبه بليالي ألف ليلة وليلة من حيث موضوعاتها وتقسيماتها وطريقة سردها. فهي تبدأ على لسان ضابط فرنسي ضمن الحملة التي جردها نابليون بونابرت لغزو إسبانيا، يجد نفسه في مدينة سرقسطة بعد سقوطها في يد الفرنسيين، ويرى منزلا كبيرا مهجورا فيدخله حيث يعثر على مخطوط قديم مكتوب بالإسبانية. ورغم أنه لا يعرف اللغة الإسبانية، فإنه يدرك من الرسوم الغريبة التي يراها بالمخطوط أنه يحكي عن عصابات وأشباح وأسرار دينية، مما أثار اهتمامه فحمل المخطوط معه. ويضطر الجيش الفرنسي إلى الخروج من سرقسطة، ويقع الضابط أسيرا في يد القوات الأهلية الإسبانية، وحينها يطلب من القائد الإسباني أن يسمح له بالاحتفاظ بالمخطوط، فيقلب ذاك في المخطوط ويشكر الضابط الفرنسي لاكتشافه المخطوط إذ إنه يحكي عن أسلاف القائد الإسباني القدماء. ويبقي القائد الإسباني الضابط الفرنسي في معيته، ويطلب الأخير من الأول أن يترجم له ما في المخطوط إلى الفرنسية، وطفق يكتب ما يمليه عليه القائد الإسباني، وهو ما يشكل صلب الرواية ذاتها، التي تنقسم إلى «أيام»، من اليوم الأول حتى اليوم السادس والستين، تتبعها خاتمة للرواية من نفس المخطوط؛ إذ لا يسمع القارئ بعد ذلك شيئا عن الضابط الفرنسي الراوي ولا عن القائد الإسباني الذي أسره.
وتقص الرواية - المخطوط - عن ضابط إسباني يدعى «ألفونس» يعمل في خدمة ملك إسبانيا فيليب الخامس (1700-1746م)، حين كان عائدا من مهمة في جنوب البلاد - الأندلس - إلى العاصمة مدريد. ويصادف هذا الضابط مغامرات غريبة كثيرة في رحلته تلك، أغرب من مغامرات عوليس أو السندباد. وتبدأ هذه السلسلة من المغامرات القصصية - إن صح هذا التعبير - حين يتوجه في رحلته إلى فندق - يدعى فندق كيمادا - فيجده مهجورا إلا من فتاتين مسلمتين - أمينة وزبيدة - وخدمهما. وتخبره الفتاتان أنهما من أسرة «جوميليز» الغرناطية المسلمة التي بقيت في إسبانيا بعد ضم الإسبان لغرناطة عام 1492م وأخفت حقيقة دينها الأصلي، وهي أصلا من سلالة «بنو سراج» المشهورين. وتقص عليه أمينة وزبيدة قصة حياتهما، وكيف أنهما كانتا بانتظاره حيث إنه ينتمي إلى أسرتهما، إذ هو ابن عم لهما دون أن يدري بذلك. ويقضي ألفونس ليلته محاطا بالرعاية وحسن الضيافة وألوان الطعام والشراب، ولكنه يستيقظ ليجد نفسه في البرية إلى جوار جثتي قاطعي طريق - الأخوان زوتو - معلقين في المشنقة والطيور الجارحة تنهش فيهما. وسوف يتكرر هذا المشهد كثيرا طوال الرواية، حيث يصحو ألفونس بعد ليلة من لياليه المريحة ليجد نفسه في البرية إلى جوار المشنقة، في نفس المكان الذي بدأ فيه رحلته إلى مدريد. ويتضمن اليوم التالي من الرواية، قصة داخل القصة، حين يلتقي ألفونس بناسك في دير صغير أشبه بالصومعة، يقوم على خدمته شاب مشوه الوجه يدعى «باتشيكو»، الذي يقوم بحكاية قصته على مسامع ألفونس. ثم يقص ألفونس ذاته حكايته للناسك؛ وما إن يحاول مواصلة رحلته بعد ذلك حتى يلتقي برجال محاكم التفتيش الذين يلقون القبض عليه بتهمة علاقته بالفتاتين المسلمتين اللتين اعتقلتا أيضا. ويهجم الأخوان زوتو (والمفروض أنهما قد شنقا) مع جماعتهما على رجال محاكم التفتيش وينقذون ألفونس وأمينة وزبيدة منهم. ويجيء الدور على زوتو ليحكي قصة حياته، فنعرف أنه إيطالي الأصل، وأنه وشقيقه في خدمة أسرة جوميليز. ويقضي ألفونس ليلته مع الأختين كأنهما زوجتاه، ويفاجئهما الشيخ جوميليز نفسه فيعنف ألفونس ويضطره إلى تناول قدح من الشراب يغيب بعده عن الوعي. وحين يستيقظ يجد نفسه - كالعادة - وسط الأخوين زوتو المعلقين في المشنقة وسط البرية التي بدأ منها رحلته. وحين ينهض، يقابل أحد معتنقي «الكابالا»، وهي نوع من الصوفية اليهودية، ويعود معه مضطرا إلى خان «كيمادا».
وهكذا تمضي الرواية، قصة تقود إلى أخرى، وقصاص يحكي عن قصاص آخر عن قصاص ثالث، في جو فانتازي مليء بالسحر والأرواح والخوارق، وسط شخصيات من كل البلدان واللغات والأديان، وفتيات جميلات يغرمن بالبطل ألفونس، وكتب بمختلف اللغات، وقصص إغريقية ومسيحية وإسلامية ويهودية، وجماعة من الغجر تعمل أيضا في خدمة الشيخ جوميليز المسلم. وكما في ألف ليلة وليلة، تمتد قصة إحدى الشخصيات أحيانا لتغطي أكثر من فصل في الرواية، الذي يسمى «يوما» بدلا من فصل، ويختتم كل «يوم» بشيء يقطع على الراوي قصته، كيما يكملها في بداية اليوم التالي. وتتقاطع حكايات الرواية بعضها مع بعض، فرئيس الغجر يقص حكايته حينا، ثم يأتي «اليهودي التائه» ليقص قصته، لنعود مرة أخرى مع رئيس الغجر، ثم بدرو دي فيلاسكيز، ثم اليهودي التائه ثانية، وهكذا. ويرفد كل هذه القصص شخصية ألفونس ورحلته الطويلة العجيبة إلى مدريد. ويظهر المؤلف معرفة شاملة بالشرق وبمصر القديمة وديانتها، والمؤلفات العديدة التي ظهرت أيامه فيما يتعلق بتلك البلدان والموضوعات. وهو بلا شك كان يضع كتاب ألف ليلة وليلة وحكاياتها في ذهنه وهو يكتب روايته هذه، وحاول أن يخرج بكتاب يضاهيها في قصصها وخيالها وتشويقها. وينتهي كتاب مخطوط سرقسطة بحكاية الشيخ المسلم جوميليز الذي يفسر أحداث الرواية، وكيف بذلت قبيلته المسلمة جهودا جبارة للإبقاء على الإسلام في إسبانيا بعد سقوط غرناطة، وأن هدف الشيخ المسلم كان زواج ألفونس بأمينة وزبيدة، وقد أنجب منهما ولدا وبنتا. (وقد خانت بوتوكي معلوماته الدينية في موضوع زواج ألفونس من أختين، وغاب عنه أن الإسلام يحرم الجمع بين الأختين). ويعود ألفونس إلى مدريد حيث يعمل في خدمة الملك الجديد، الذي يعينه حاكما لسرقسطة، التي يودع فيها مخطوطه الذي يشكل قصة الكتاب.
وقد أصبحت تقنية «القصة داخل القصة » من الأساليب السردية المألوفة، منذ بداية عصر الرواية بشكلها الحديث، حتى عصرنا الحالي. وقد تناول الكاتب الفرنسي «تودوروف» موضوع ألف ليلة وليلة وتقنية القصص المتداخلة في كتابه «نظريات النثر»، حيث أطلق على تلك التقنية اسم «التعشيق» وهي ترجمتي لمصطلح
EMBEDDING ، وأعني به تعشيق قصة في داخل قصة في داخل قصة ثالثة، وهكذا. وهو يمتدح ذلك الأسلوب في قصص ألف ليلة، لأن كل قصة فرعية إنما يتم تقديمها لدعم وجهة نظر معينة، فمثلا، في حكاية الصياد والعفريت، يبرر الصياد قسوته على العفريت بقصة الحكيم دوبان، وفي قصة الحكيم دوبان ذاتها، يبرر الملك موقفه من دوبان بقصة الزوج الغيور والببغاء (الدرة)، بينما يبرر الوزير الحسود موقفه بقصة الأمير والغول. وهكذا لا تجيء القصص الداخلية اعتباطا، بل لها دور في صلب القصة الأساسية. ويضرب تودوروف مثلا على القصص داخل القصص بعبارة ألمانية تقول «كل من يرشد عن الشخص الذي اقتلع العمود الموضوع على الجسر المؤدي إلى بلدة «ورمز» له مكافأة.» فهنا، يعتمد موضوع كل جملة على شيء آخر، ومثاله في ألف ليلة وليلة كالآتي:
Bilinmeyen sayfa