Binbir Gece Masalları Üzerine Bir İnceleme
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Türler
ومن العجيب أن هذه الروايات الإنسكلوبيدية الثلاث قد لاقت من الرقابة نفس المصير. فقد تجاهل الأدب العربي الرصين «كتاب ألف ليلة وليلة» طوال قرون بوصفه عملا شعبيا عاميا وضع لتسلية الجماهير، وذلك حتى اكتشفت أوروبا قصص الكتاب تدريجيا ووضعته في المكان اللائق به. وحتى بعد ذلك، طالبت بعض الأصوات في مصر في عام 1985م بمصادرة كتاب ألف ليلة وليلة بزعم إباحيته، بل وجرت مصادرة بعض نسخه بالفعل، قبل أن ينصت القوم لرأي الأدباء والمثقفين الذين دافعوا عن الكتاب بوصفه تراثا أدبيا. وكان مصير الترجمات الكاملة الأولى لألف ليلة وليلة - كترجمة «بين» و«يرتون» - نفس المصير في أواخر القرن التاسع عشر في إنجلترا؛ فقد اضطر بيرتون إلى انتحال اسم دار نشر هندية كيما يمرر ترجمته الجامعة للكتاب، وهي في 17 جزءا، وخصصها للمشتركين فقط وذلك تهربا من قانون المطبوعات الصارم الذي كان سائدا هناك أيامها.
وقد لقي الديكاميرون مصيرا أكثر ظلاما، إذ تم إدراجه عند ظهوره في قائمة الكتب المحرمة من قبل الفاتيكان عام 1559م إبان بابوية بول الرابع، بسبب تصويره بعض القساوسة والرهبان تصويرا ماجنا. ولم يتم نشر الكتاب إلا في طبعات منقحة حذفت منها أي إشارة تستهجن رجال الدين وكل عبارة إباحية. وقد استمرت المكتبات في إنجلترا وأمريكا في استبعاد الكتاب الكامل من مجموعاتها حتى بدايات القرن العشرين.
وبالنسبة لكتاب «حكايات كانتربري» لتشوسر، عمد الناشرون في الولايات المتحدة إلى إصدار طبعات «مهذبة» منه حتى لا يصدموا القراء بما احتواه من مواقف إباحية وعبارات فاحشة. ومن الطريف أن الرقابة على هذا الكتاب قد ظهرت ثانية في الثمانينيات من القرن العشرين، حين أقام أحد رجال الدين في ولاية فلوريدا دعوى قضائية أمام المحاكم ضد المدرسة التي تتلقى ابنته تعليمها فيها، لأن أحد المقررات الدراسية كان يتضمن «قصة الطحان» من «حكايات كانتربري». وأوردت القضية اعتراض الأب على القصة بسبب «صراحتها الجنسية» و«لغتها المبتذلة» و«ترويجها لحرية المرأة». ولما حكمت المحكمة ضد رجل الدين، حمل الأخير قضيته إلى المحكمة الفيدرالية العليا. بيد أن خطأ إجرائيا حال دون وصول القضية إلى المحكمة العليا، وانتهت المسألة عند هذا الحد.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن السينما قد جمعت بين هذه الكتب القصصية الثلاثة أيضا، حين اختار المخرج الإيطالي المشهور «بيير باولو بازوليني» أن يصوغ فيلما فنيا من كل منها، وجمع النقاد الأفلام الثلاثة تحت عنوان «ثلاثية الحياة». ولما كان بازوليني من أصحاب المذاهب الحديثة في الفن السينمائي وقتها، فقد جاءت أفلامه غريبة وعجيبة، تماثل في ذلك طبيعة القصص التي تضمها تلك الكتب، وإن أجمع النقاد على تميزها الفني.
ولم يقتصر تأثير تقنية قصة الإطار في ألف ليلة وليلة على هذين الكتابين، بل ظهرت روايات كثيرة اتخذت هذا الشكل في بنيتها، وإن كان ذلك في أساليب كثيرة متباينة. فرواية «دون كيشوت» لسرفانتس ورواية «مخطوط سرقسطة» للبولندي «بوتوكي»، يمكن اعتبارهما من روايات قصص الإطار، وسنتحدث عنهما في الفصل الخاص بالقصة داخل القصة، وفي أبواب أخرى أيضا من هذا الكتاب. ومن الأعمال الإطارية القصصية الشعرية المتأثرة بألف ليلة وليلة «لا لا روخ» (1812م) من تأليف الكاتب الأيرلندي المشهور توماس مور (1779-1852م)، وهي ملحمة شعرية تسبقها قصة إطارية نثرية عن الملك أورانجزيب الذي يرسل ابنته من دلهي إلى كشمير للزواج هناك من ابن ملك بخارى. وفي الطريق، يسليها أحد الشعراء الشبان ويدعى «فيرامورز» بقصص متتالية على نسق ألف ليلة وليلة. وتتسبب تلك القصص في وقوع الأميرة في غرام الشاعر، الذي يتضح - عند الوصول إلى بخارى - أنه هو نفسه الأمير الذي ستتزوجه. وتضم القصص المتضمنة في القصة الإطارية عناوين حكايات مثل «رسول خراسان المقنع» و«الفردوس والحورية» و«نور الحرم» وهكذا. وكانت هذه الملحمة من الكتب التي تأثر بها الروائي الأمريكي هرمان ملفيل - الذي استخدم هو الآخر أسلوب القصة الإطار في بعض رواياته - في كتاباته ذات الطابع الشرقي.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن نتناول هنا التقنية السردية التي ذكرتها الباحثة الألمانية «ميا جيرهارت» في كتابها الهام «فن رواية القصص: دراسة أدبية لألف ليلة وليلة»، وهي التقنية التي أسمتها «العرض غير المباشر»
OBLIQUE NARRATION ، حيث يتم تقديم قصة من القصص تقديما «غير مباشر» عن طريق إحدى الشخصيات الأخرى فيها، وتعطى تلك الشخصية وظيفة «الشاهد» على الأحداث بغرض توثيقها وتأكيدها. غير أن ذلك الشاهد يمكن في بعض الأحوال أن يتطور إلى أكثر من مجرد راو أو موثق للقصة. وتعطى جيرهارت مثالا على ذلك بقصة «عاشقان من بني عذرة» في ألف ليلة وليلة، وفيها يقص جميل بن معمر العذري على الخليفة هارون الرشيد ما حدث له يوما حين أراد التوجه إلى محبوبته فلقي في الطريق ابن عم له يهوى ابنة عمه التي زوجها أبوها من غيره، وكانا يتلاقيان كل ليلة للحديث وبث الجوى ونيران الهوى، إلى أن افترسها أسد ذات ليلة عند مسيرها لملاقاة حبيبها، فقتل ابن العم الأسد وأمضه الحزن وأبلى بدنه حتى مات أسفا بعد أن أوصى جميلا أن يقوم بدفنه إلى جوار عظام محبوبته. وهذه القصة من أمتع قصص ألف ليلة سردا وشكلا لا مضمونا، فالحكاية معروفة، ولكنها تصبح أكثر تشويقا حين تروى بعيني جميل الذي شهد أحداثها بل وشارك في صنع تلك الأحداث، ويقصها مقرونة بتعليقاته عليها. فالمشاركة العاطفية للراوي مع شخصيات القصة تجعل من القصة لا مجرد حكاية العاشقين فحسب بل وأيضا حكاية العاشقين «كما خبرها الراوي». ومثل هذا العرض غير المباشر عن طريق راو شارك في الأحداث قد ظهر في عدد من روايات «جوزيف كونراد» و«ه. ج. ويلز»، وهما مثالان فقط لا للحصر. وقد كتب «روبرت هامبسون» ما يؤكد تأثر كونراد وويلز بألف ليلة وحكاياتها؛ ففي العصر الذي عاش فيه هذان الكاتبان، بلغ رواج ذلك الكتاب العربي الأصل مدى واسعا، إذ يتضمن كتالوج المكتبة البريطانية ثلاثين طبعة مختلفة لألف ليلة وليلة نشرت ما بين عامي 1850م و1890م، وبالتالي قدمت للروائيين الإنجليز في ذلك الوقت نبعا لا ينضب من الصور والموضوعات ومجمعا هائلا من التقنيات السردية المتنوعة.
فجوزيف كونراد قد استخدم أسلوب القصة الإطار وأسلوب العرض غير المباشر في كثير من رواياته مثل «الشباب» و«لورد جيم» و«قلب الظلمات» و«الصدفة». ففي روايته القصيرة «الشباب»، يراوح المؤلف بين حياة شخصيته الرئيسية المتكررة «مارلو» إبان شبابه وفي فترة منتصف العمر، كيما يقارن بين فكرة الشباب والكهولة وكي يصور مدى الحنين إلى أيام الشباب. وهو يبدأ في هذه الرواية التفاعل بين القصة الإطار وبين الإطار ذاته. ففي النهاية، يسأل مارلو مستمعيه عما إذا لم تكن فترة شبابهم التي قضوها في البحر هي أفضل سنوات حياتهم، فيرد جميعهم بإيماءة الموافقة.
وفي رواية «قلب الظلمات»، نتعرف على خمسة من الأصدقاء وقد اجتمعوا على ظهر السفينة «نيللي» الراسية على نهر التيمز بلندن، حيث يقوم الراوي بوصف اللقاء وظروفه، ممهدا الطريق للشخصية الرئيسية «مارلو» كي يقص ما جرى له في رحلة عمل عبر فيها نهر الكونغو في ظروف قاسية مخيفة. وبهذا تتحدد صفات العرض غير المباشر للأحداث التي وقعت لمارلو في قلب الظلمات، كما يرويها هو شاهدا عليها، وبوصفه واحدا ممن شاركوا فيها. وتنتقل الرواية ما بين نهر الكونغو ومارلو يروي ما حدث له هناك، وبين لندن على نهر التيمز حيث جماعة الأصدقاء يستمعون إلى مارلو، بينما الراوي يعلق بعبارات قصيرة هنا وهناك بين الفينة والفينة. قارن هذا بما يحدث في ألف ليلة وليلة، حين تتراجع جميع أحداث القصص والحكايات المثيرة كيما تعود إلى قصر الملك شهريار حين يطلع النهار على شهرزاد فتسكت عن الكلام المباح، لتواصله في الليلة التالية، بينما أختها دنيازاد تعلق متعجبة مما ذكرته من حكايات. ولا أدل على وجود ألف ليلة وليلة في ذهن كونراد وهو يكتب «قلب الظلمات» من أنه كتب إلى صديقه «فورد مادوكس فورد» في أثناء كتابته الرواية، واصفا إياها بأنها تنمو «كالجني الذي خرج من القمقم».
أما ه. ج. ويلز فقد استخدم القصة الإطار في روايته المشهورة «آلة الزمن». وهي - مثلها مثل «قلب الظلمات» - تبدأ براو مجهول الاسم، يمكن أن يكون المؤلف كما نعرف في النهاية، يحكي عن مجموعة من الأشخاص اجتمعوا في منزل صديق لهم تطلق عليه الرواية اسم «المسافر عبر الزمن» أو «عابر الزمن». ويخبر عابر الزمن ذاك أصدقاءه أنه قد اخترع آلة يمكنها السفر زمنيا إلى الماضي وإلى المستقبل. وفي لقاء بعد ذلك، يحكي عابر الزمن مغامرته مع الآلة التي اخترعها بينما أصدقاؤه يستمعون إلى ما يقول. ومعظم الرواية هي على لسان عابر الزمن، وقليلا ما كان الراوي الأصلي يتدخل بتعليق. وفي النهاية، يعود الراوي ليقص كيف انتهى الأمر بعابر الزمن إلى تكرار رحلته التي لم يعد منها هذه المرة. ونعرف من السياق أن هذه الأحداث التي يقصها الراوي قد حدثت منذ سبع سنوات.
Bilinmeyen sayfa