وعترس في الأرض فجررناه بالقوة، ومشى معنا والغيظ يخنقه، ثم تمتم وقال: المنصورة بعيدة يا ولاد وح نتوه.
قلنا: ملكشي دعوة.
قال: ذنبكم على جنبكم.
قلنا: على جنبنا.
ومشينا صامتين وقد تكهرب الجو، ولكن الصمت لم يدم طويلا. تكلمنا وقلنا نغني. ولم نكن نحفظ أية أغنيات؛ البنات وحدهن هن من يحفظن الأغاني، ولهن في هذا باع ومقدرة، كنا لا نحفظ إلا مطلع موال: أقوم من النوم أقول يا رب عدلها. غناه واحد ، فخرج صوته قبيحا فأسكتناه، ومضى كل منا يغنيه كما يحلو له.
وهللنا مرة هللولة كبيرة، وتضارينا وتعانقنا وعفرنا بعضنا بعضا بالتراب، وخلع واحد جلبابه ورماه، ثم عاد وارتداه، وتبادلنا حدف الطوب؛ فقد بدت في الأفق أضواء صغيرة منتشرة كعيون الجراد حين تلمع في النور.
كانت أضواء المنصورة.
كانت المسافة بيننا وبين الأضواء تبدو قصيرة جدا، مشوار صغير ونصبح في قلب المنصورة، ولكنا ظللنا نجري ونرغم محمد على الجري حتى لهثنا. وبدأنا نمشي، ومشينا حتى لم يعد في استطاعتنا المشي، ومع هذا لم تقترب الأضواء إلا مسافة قليلة، وكأننا كلما اقتربنا غارت في الظلام وابتعدت.
وقال محمد: يا ولاد نرجع.
فأنفجر فيه: اخرس.
Bilinmeyen sayfa