حضرت وعمل لها اللازم، وتحتاج لإجازة من المراقبة قدرها عشرة أيام.
وخطت ناحيته متمايلة في ضعف، والتقطت البقية الباقية من سيجارته الثالثة التي كانت ترقد على الأرض، وأخذت نفسا ثم أخرجت دخانا كثيرا عاليا، ورنت منها ضحكة خافتة وهي تقول: مش برضه عشرة أيام يا دكتور؟
وكان أمامه رد واحد؛ أن يصفعها، ولكنه خجل؛ فليس هناك سبب واحد معقول يتيح له صفعها، وسكت، وقالت وهي تأتي على الأنفاس الأخيرة من السيجارة: والنبي لطلع فاطمة دكتورة حلوة زيك كده، والنبي.
وكادت تسترسل لولا النظرات النارية التي تفجرت من عينيه، فقالت: سبتك بعافية بقى.
وفي هدوء بطيء ذهبت إلى الركن، وأخذت منه صرة ملابسها، وخرجت منحنية على نفسها وبقايا السيجارة تحرق أصابعها الجافة، وذرات الدخان تشيعها.
وخبط العسكري الذي يحرسها قدميه في سلام صاخب، وأخذ الأوراق ومضى.
وجلس الدكتور مازن صامتا، وقد توقف تفكيره، وثمة غيظ يخنقه وإحساس بالخوف؛ خوف ميت بليد يزحف عليه من حيث لا يدري ولا يعلم. وتحسس بلا وعي سماعته وزرر البالطو، ثم خبط المكتب فجأة بقبضة يده حتى قفز قلمه وسقط على الأرض، وانقصفت سنه.
وجاءت التمورجية العجوز على الخبطة، ولم يكد يراها حتى انفجر وراح يعيد توبيخها لقذارة المقبض والبصاق العالق بالحائط. ولم يكتف بهذا، بل أقسم أنه سيكتب مذكرة للمدير لخصم ثلاثة أيام من مرتبها.
المحفظة
من الساعة الثامنة وسامي يجلس على ذلك الكرسي الصغير في ركن الحجرة، وأمامه المنضدة والكتب والواجبات والجداول، وأمامه فوق هاته جميعا المشكلة الكبيرة الضخمة التي كان قد حدد ليلتها بالذات ليحلها.
Bilinmeyen sayfa