لقد شردت بي الأفكار عما كنت فيه؛ فإن السلطان أرادني على أن أكون وزيرا، فكدت أضحك لولا أن تماسكت قسرا، وأطرقت صامتا حتى أعاد علي قوله، فاشتدت حيرتي ولم أجد من الأمر مخرجا إلا أن استأذنته أن أتريث في جوابي. وعدت إلى داري في أشد الحيرة أقلب صور الناس في ذهني، وأتصور ما يكون حالي إذا قبلت أن أكون وزيرا.
أأقيم الحجاب على بابي، أم آذن للناس ولا أقيم حجابا؟ وهل أغير لهم صورتي التي ألفوها فأعبس وأشمخ وأنقبض، أم أفيض عليهم بما في قلبي وأفتح لهم أبواب صدري وأضحك وأخلط أحيانا في حديثي؟
ولم تطل بي الحيرة؛ فإني عزمت على أن أرسل إلى السلطان معتذرا.
ولكني ما كدت أخرج من حيرتي حتى طلعت علي حيرة أشد ظلاما؛ فقد طرق الباب رسول آخر جاء يشتد في أثري. فلما استقر به المجلس همس في أذني: أبشر بالعلا والمجد يا جحا.
فعجبت ماذا يكون هذا المجد الذي جاء يحمله إلي، وحسبت أنه قد جاءني يطلب عملا منذ سمع أن السلطان يريد أن يتخذني وزيرا. فهذا ما تعودته من الناس، لا يكادون يسمعون أن سوط الحكم صار إلى يد رجل حتى يسارعوا إليه ليستمدوا منه أسواطا. نعم، فما هي إلا أسواط يستمدونها ليلهبوا بها الخلق، أو كما يقولون ليحكموا الناس بها.
ونظرت إلى الرجل لحظة، وكدت أصيح ضاحكا في وجهه لولا أنه كان في بيتي، ولم يمهلني الرجل، فأعاد هامسا: «إن السلطان يريد أن يقربك.»
فقلت له: بارك الله في مولاي، إنه يبالغ في تقريبي.
فقال باسما في خبث: سوف تكون صهر السلطان يا جحا.
ففتحت عيني من الدهشة وحسبت الرجل يعبث بي أو يسخر مني.
فلما رأى دهشتي قال جادا: لقد أرسلني مولاي إليك لأعرض عليك الزواج من ابنته.
Bilinmeyen sayfa