الزواجر عن اقتراف الكبائر

İbn Hacer Heytemi d. 974 AH
67

الزواجر عن اقتراف الكبائر

الزواجر عن اقتراف الكبائر

Yayıncı

دار الفكر

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

يَزِيدُ عَلَى قَصْدِك - بِعِبَادَةِ رَبِّك - مِثْلَك عَاجِزًا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَضْلًا عَنْك، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَصْدُك إيَّاهُ مُتَبَرِّعًا بِعِبَادَتِك يُنْبِئُ عَنْ اعْتِقَادِك فِيهِ أَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى تَحْصِيلِ أَغْرَاضِك مِنْ اللَّهِ فَرَفَعْتَ الْعَبْدَ الضَّعِيفَ الْعَاجِزَ عَلَى مَوْلَاك الْقَوِيِّ الْقَادِرِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الرِّيَاءُ مِنْ كَبَائِرِ الْكَبَائِرِ الْمُهْلِكَةِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ ". وَفِيهِ أَيْضًا تَلْبِيسٌ عَلَى الْخَلْقِ لِإِيهَامِهِ لَهُمْ أَنَّهُ مُخْلِصٌ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ بَلْ التَّلْبِيسُ فِي الدُّنْيَا حَرَامٌ أَيْضًا حَتَّى لَوْ قَضَى دَيْنَ إنْسَانٍ لِيُخَيِّلَ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ حَتَّى يَعْتَقِدُوا سَخَاوَتَهُ أَثِمَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّلْبِيسِ وَتَمَلُّكِ الْقُلُوبِ بِالْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَرَّرَ وَجْهُ كَوْنِ الرِّيَاءِ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ، فَمَا وَجْهُ افْتِرَاقِهِ مِنْ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ؟ قُلْت: يَتَّضِحُ ذَلِكَ بِمِثَالٍ هُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: إنَّهُ صَالِحٌ مَثَلًا يَكُونُ رِيَاؤُهُ سَبَبًا بَاعِثًا لَهُ عَلَى الْعَمَلِ، لَكِنَّهُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ الْعَمَلِ تَارَةً يَقْصِدُ بِهِ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَارَةً لَا يَقْصِدُ بِهِ شَيْئًا، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مُكَفِّرٌ بِخِلَافِ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِي هَذَا إلَّا إذَا قَصَدَ بِالسُّجُودِ مَثَلًا تَعْظِيمَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَائِيَ إنَّمَا نَشَأَ لَهُ ذَلِكَ الشِّرْكُ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ عَظُمَ قَدْرُ الْمَخْلُوقِ عِنْدَهُ حَتَّى حَمَلَهُ ذَلِكَ التَّعْظِيمُ عَلَى أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ هُوَ الْمُعَظَّمُ بِالسُّجُودِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ لَا الْجَلِيِّ وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ خَدَعَهُ الشَّيْطَانُ وَأَوْهَمَ عِنْدَهُ أَنَّ الْعَبْدَ الضَّعِيفَ الْعَاجِزَ يَمْلِكُ مِنْ مَعَايِشِهِ وَمَنَافِعِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلِذَلِكَ عَدَلَ بِوَجْهِهِ وَقَصْدِهِ إلَيْهِمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَقْبَلَ يَسْتَمِيلُ قَلْبَهُمْ فَيَكِلُهُ - تَعَالَى - إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ: «اذْهَبُوا إلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فَاطْلُبُوا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ»، وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا سِيَّمَا فِي الْآخِرَةِ: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ﴾ [الشعراء: ٨٨] ﴿إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٩] ﴿يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] . وَقَدْ يُطْلَقُ الرِّيَاءُ عَلَى أَمْرٍ مُبَاحٍ وَهُوَ طَلَبُ نَحْوِ الْجَاهِ وَالتَّوْقِيرِ بِغَيْرِ عِبَادَةٍ كَأَنْ يَقْصِدَ بِزِينَةِ لِبَاسِهِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِالنَّظَافَةِ وَالْجَمَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ

1 / 71