التحرير في شرح مسلم

Soruşturmacı

إبراهيم أيت باخة

Yayıncı

دار أسفار

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

1442 AH

Yayın Yeri

الكويت

أسفار

لنشر نفائس الكتب والرسائل العلمية
دولة الكويت

التحرير

في شرح مسلم

قطعة تمثل النصف الثاني من الكتاب

تأليف

قوام السنة الأصبهايي
أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي الشافعي
(ت ٥٣٥ هـ)

تحقيق

إبراهيم أيت باخة

طبع بتمويل

سعد منصور يوسف الخليفي
غفر الله له ولوالديه

1

لِنَشْرِ نَفِيسِ الكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ العِلْمِيَّةِ

دَوْلَةُ الْكُوَيْت

التَّحْرِيرُ في شَرْحِ مُسْلِم

قِطْعَةٌ تُمثِّلُ النّصْفَ الثَّانِيَ مِنَ الْكِتَاب

تَأْلِيفُ

قِوَامِ السُّنَّةِ الأَصْبَهَانِيّ

أَبِي القَاسِم إِسْمَاعِيل بْن مُحمَّد السَّيِّر الشَّافِعِيّ

(ت ٥٣٥ هـ)

تَحْقِيقُ

إبراهيم أيت باخة

طبع بتمويل

سَعْدٍ مَنْصُورٍ يُوسُفَ الخِلَيْفِيّ

غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ

2

حُقُوقُ الطَّبْعِ مَحْفُوظَة

الطَّبْعَةُ الأُولَى

١٤٤٢هـ - ٢٠٢١م

أَسْفَار

لِنَشْرِ نَفِيسِ الكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ العِلْمِيَّةِ

دَوْلَةُ الكُوَيْت

E-mail: s.faar16@gmail.com

Twitter: @sfaar16

مَكْتَبَةُ الأَرْضِ الذَّهَبِيَّةِ لِلنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ

* الفرع الرئيسي : حولي - شارع المثنى - مجمع البدري

ت: ٢٢٦٥٧٨٠٦ فاكس: ٢٢٦١٢٠٠٤

* فرع حولي : حولي - شارع الحسن البصري ت: ٢٢٦١٥٠٤٦

* فرع المصاحف : حولي - مجمع البدري ت: ٢٢٦٢٩٠٧٨

* فرع الفحيحيل : البرج الأخضر - شارع الدبوس ت: ٢٥٤٥٦٠٦٩ - ٩٥٥٥٨٦٠٧

* فرع الجهراء : الناصر مول - ت: ٩٥٥٥٨٦٠٨

* فرع الرياض : المملكة العربية السعودية - التراث الذهبي: ٥٥٧٧٦٥١٣٨ ٠٠٩٦٦

ص.ب: ٠١٠٧٥ الرمز البريدي ٣٢٠١١ الكويت

الساخن: ت: ٩٤٤٠٥٥٥٩ ٠٠٩٦٥

E-mail: z.zahby74@yahoo.com

imamzahby

4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

7

بسم الله الرحمن الرحيم

يسرُّ (مشروع أسفار) أنْ يقدِّمَ للقارئ الكريم الإصدارَ الحادي والأربعين من إصدارات المشروع: (التَّحرير في شَرحِ مُسلِم)، لشيخِ الإسلام قِوام السنَّة إسماعيل الَّيميِّ الأصبهانيِّ (ت ٥٣٥).

كتابُنا؛ دُرَّةٌ من بحورِ السنَّة النبوية، وجدناها بعدَ طُولٍ غياب، واستَخرَجناها عن الاحتجاب، من عُيونِ شُروحٍ صحيحٍ (الإمام مُسلِم بنِ الحَجَّاجِ القُشيريِ) أملاُهُ (إمامُ وقتهِ، وأستاذُ علماءِ عَصره، وَقدوةُ أهَلِ السنَّةِ في زمانهِ) قوامُ السنَّة من (جهابذةِ الحديثِ ونَقَّادِهِم) و (المسؤول عن الغَوامضِ والمشكلات)، كان مشاركاً في العلوم؛ نحوًّا، مفسِّراً، محدِّثاً، فقيهاً، عالماً بالتَّوحيد ومقالات الفِرَق، قال الحافظ ابن كثير: (ورَحَلَ وطوَّف، وجَالَ وصنَّف)، انقطع للتَّدريس أكثر من ستينَ سنةً حتى تخرَّج به العلماء وصدروا عنه، و كان منهم ابنه الإمام محمد بن إسماعيل.

فمن خَبَرِ الكتاب: أنَّ هذه الإملاءة تتميمٌ لما كتبه الإمامُ أبو عبدالله محمّد بنُ إسماعيلَ (قوامِ السنَّة)، فقد شرَعَ في شرح مسلم وكتبَ حظًّا صالحاً من مبادئه، غير أنَّه قَضَى رحمه الله ولم يتمَّه فأكمله أبوه، وقد اشْتَهَر محمَّد بن إسماعيل بـ (شارحِ مُسلِم) بين المترجمين والنَّاقلين نظراً لعنايتهِ به، لكن لم نقف عليه بعد، (فالجزء الأوَّل من الشَّرح) في حكم المفقود، وعليهِ تمخَّضَت هذه النُّسخة الخطيّة التي ننشرها لقِوام السُّنةِ وحدَهُ؛ فهي القسم الثَّاني من الكتاب: تبدأ بـ(كتاب الزّكاة) وتنتهي بـ(باب ذكرِ الدجّال)، وقد كان شيخُ الإسلام الأصبهانيُّ رحمه الله حفيًّا بشرحِ الكتاب وتكميله، فأولاهُ عنايتَهُ واهتمامه، وقصدَ نفعَ ولدهِ بإتمامه.

ومِن مزايا (كتاب التَّحرير) ومَسلكِهِ: أنَّه يُعتبر من الشُّروح الأولى لصَحِيحِ مُسلم، فهو الثَّالث بعد شرحَيْ الإمامين: المازَري وعبد الغافر الفارسيِّ، ويُعدُّ من بواكيرِ عناية علماءِ المشرق بصَحيح الإمامِ مُسلِم، ومن أهميته: كثرةُ إفادة الأئمة منه؛ كابن تيميَّة والفاكهاني وابن الملقن والعراقي وابن حجر العسقلاني وغيرهم من شرَّاح السنَّة، واعتمدهُ الإمامُ النَّووي ضمن مصادره العلميَّة في شرحه مسلماً وبلغت الإحالات عليه

5

((خمساً وخمسين)) موضعاً، وأمَّا مسالكهُ: فبيانُ غريب الحديث والاستشهادُ على لغته، ولم يستوعب جميعَ الأحاديث بالشَّرح وإنما كان ينتقي المحتاج منها للبيان ويراعي الاختصار، وأيضاً استنباطُ الأحكام والفقهيَّات والفوائد والمعاني من الحديث، مع إعمالهِ القواعدَ الأصوليّة، ولا يورد ألفاظَ الأحاديثِ كاملة بل يقتصر على موطن الشَّاهد منها، أو يكتفي بالأطراف أو ما يدلُّ على القصَّة كـ(حديث أمِّ زَرع) أو الراوي، ويورد الرِّوايات المختلفة للصَّحيح ويقارن بينها، ويستعينُ بذكر الشَّواهد من السنَّة النبويَّة إما لبيانِ المشكل أو دفع التَّعارض أو الاستشهادِ على فقهِ الحديثِ ولُغتِهِ، ولم تمنع رتابةُ الاختصَارِ المؤلّفَ منَ الاستطرادِ في إيراد الفوائد المتنوِّعة حتى يستوفيَ القولَ فيها، كما لم يخل من النُّكت الحديثية المستجادة كإسنادِهِ بعضَ الأحاديثِ المشروحةِ عن شيوخه، وقد يذكر الحديث متأخّراً عن محلُّه على وجه التَّدارك، ومن مسلكهِ أيضاً: تقريرهُ لعقيدة أئمة السَّلفِ الرَّاسِخينَ في العلمِ ودفاعهُ عنها، وربما دَمَجَ بين الكتب أحياناً: كـ(الإمارة والجهاد) و ((والذِّكر والثَّوبة والفَتَن ضمن كتاب العلم)).

وقد بذل المحقّقُ الفاضل جهداً مشكوراً في قراءةِ المخطوط وتحقيقهِ، على رغمِ معوِّقاتِ النُّسخة الخطيّة؛ فقد نالتْ منها العوادي والآفاتُ من بللِ وسقوطِ بعضِ أوراقها، واختلافِ ترتيبها تقديماً وتأخيراً بعد إعادةٍ ترميمها، فجزاه الله خيراً، ومن مقاديرِ اللهِ سبحانه أنْ تكون نسختُنا من شرح مسلم (ذات الخطُّ المغربيِّ) مرتحلةً إلى بلاد المشرقِ مستقرَّةً بالشَّام، وأنَّ نسخةَ شرحَ البخاريِّ للأصبهاني (ذات الخطُّ المشرقيِّ) حطَّت رحالها في ((خزانة الجامع الكبير بمكناس))، وألقَتْ عَصَا تَطوافها بالمغرب.

وفي الختام: نشكرُ فضيلة الدكتور: ((مولاي بوجمعة أمدجار)) على جهوده الكريمة وتعاونه البنَّاء مع (أسفار) جزاه الله الجنَّة، ونسألُ الله تعالى المغفرة والرَّحمة والرِّضوان للعاملين بهذا المشروع ولمؤلِّف الكتاب ومحقِّقه، ولمن تحمَّل تمويل نشرِهِ: (سعد منصور يوسف الخليفي) أجزلَ الأجرِ والثَّواب، اللَّهم اجزهم خيراً، وأسبلَ عليهم برکتك، والحمد لله ربِّ العالمين.

أسفار

لِنَشْرِ نَفِيْسِ الكُتُب وَالرَّسَائِل العِلْمِيَّةِ
دَوْلَةُ الْكُويَتْ

6

مُقَدّمَّة

الحمد لله المحمود بآلائه، الممدوح علی نعمائه، المشکور بجزیل عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولي النعم كلها دون سواه، أحمده أبلغ حمد وأزكاه، وأشمله وأنماه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده الذي ارتضاه، ونبيه الذي اختاره واجتباه، ورسوله الذي ائتمنه واصطفاه، ورفعه وأعلاه، وخصه بختم النبوة وحباه، وأبانه بأعلى منازل الفضل على كل آدمي عداه، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الغر الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد:

فمما لا شك فيه ولا مرية أن دواوين السنّة، من أعظم ما يَصرف لها العقلاء الأكياس عزيز الأوقات، وغُرر الأنفاس، وذلك لمسيس حاجة العلماء وطلبة العلم إليها، ولعظيم منزلتها السنية العلية في بناء العلوم الشرعية وتأسيسها، إذ الحَدِيثُ بِمَنْزِلَةِ الأَسَاسِ الَّذِي هُوَ الأَصلُ، وَالفِقْهُ بِمَنزِلَةِ البِنَاءِ الَّذِي هُوَ لَهُ كَالفَرِعِ، وَكُلَّ بِنَاءٍ لَم يُوضَع عَلَى قَاعِدَةٍ وَأَسَاسٍ فَهُوَ مُنْهَارٌ، وَكُلَّ أَسَاسٍ خَلَا عَن بِنَاءٍ وَعِمَارَةٍ فَهُوَ قَفْرٌ وَخَرَابٌ(١).

وقد صرف الأسلاف هممهم لهذه الدواوين، وجعلوا النهل من رياضها

(١) معالم السنن، للإمام الخطابي (٣/١).

7

ديدنهم وهِجِّيرَاهُم، فقضوا منها بدقيق النظر نَهمتهم، واتخذوا قَفوَ شواردها القلائد، وفوائدها الفرائد بغيتهم.

وكان من جملة تلكم الدواوين الجليلة، والمصادر الأصيلة الأثيلة، التي ضرب العلماء إلى أحاديثها أكباد الإبل، وحج الناس من كل صقع إلى مجالسها؛ صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، نجم الأسانيد والرواية، وصاحب القدح المعلى في الدراية، الذي ذاع صيته وانتشر، وطَبَّقت شهرته أهل المدر والوبر، فكان كتابه لحملة الآثار وطلبة الفقه والعلم قبلة وشعلة؛ أقبلوا عليه إقبالا عز نظيره في الدواوين قبله، فلا تسل كم من شارح له ومنتصر، ومدرس له ومختصر...

ومن أجَلِّ لبنات هذه الجهود المباركة التي رامت خدمة هذا السفر العظيم، كتاب الإمام العلامة شيخ الإسلام وقِوام السنة والدين أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي الأصبهاني الشافعي، الموسوم بـ (التَّحرِير فِي شَرحٍ مُسلِم).

وقد رام بمرقومه أن يكون مرجعا للمعتنين بصحيح مسلم في جانبي الفقه والغريب، من خلال تتبع ألفاظ الحديث، وضبطها واستيفاء الكلام عنها، بما يفتح مُغلَقها ويزيل مشكلها، وييسّر مدارك النظر في معانيها فقها واستنباطا.

فكان سِفْراً عظيما من نفيس الكتب الخادمة لصحيح مسلم، أطبق جهابذة العلماء بعده على النقل منه والرجوع إليه، كالإمام النووي؛ وابن تيمية؛ وشرف الدين الطيبي؛ والكِرماني؛ وابن المُلقِّن؛ وابن حجر، وأضراب هؤلاء من أساطين العلم وأعلام الأمة الكبار.

وقد وفق الله تعالى مركز أسفار لطباعة نفيس الكتب، لإخراج هذا العمل،

8

وإثراء المكتبة الإسلامية التراثية بهذا السفر النفيس، الذي يعد إخراجه إلى الوجود إحياء بعد موات، وأملا بعد قنوط، وصلة الرحم العلم بعد قطيعة استمرت لعقود.

ومع أن الذي وصلنا من الكتاب هو نصفه فقط، أو أكثر من النصف بقليل، إلا أنه غزير الفائدة، كثير العائدة، حافل بالنوادر اللغوية، والنكت العلمية، واللطائف المعرفية، والأحكام الفقهية، ولا عجب؛ فالإمام الأصبهاني قد آتاه الله تعالى قدرة فائقة على الفهم واستنباط المعاني الخفية، التي غالبا ما تحجبها ظواهر النصوص، وتخفيها المعاني الجلية الواضحة، فجمع من الخواطر والتأملات والإشارات ما لم يسبق إليه.

وليتضح هذا أكثر، فقد قدمت بين يدي التحقيق بهذه المقدمة الدراسية، التي حاولت من خلالها أن أنبذ إلى القارئ نبذة عن الكتاب وصاحبه، وفيها:

الفصل الأول: التعريف بكتاب التحرير وصاحبيه.

المبحث الأول: التعريف بصاحبي الكتاب.

المطلب الأول: التعريف بالأصبهاني الأب.

المطلب الثاني: التعريف بالأصبهاني الابن.

* المبحث الثاني: اسم الكتاب.

* المبحث الثالث: نسبة الكتاب إلى مؤلفه.

* المبحث الرابع: تحديد القدر الذي أملاه الابن.

9

* المبحث الخامس: القيمة العلمية للكتاب.

المطلب الأول: مكانة مؤلفه.

المطلب الثاني: زمان تأليفه.

المطلب الثالث: نقل العلماء عنه ورجوعهم إليه.

المطلب الرابع: مناقشة العلماء لاجتهاداته وتعقيبهم عليه.

* المبحث السادس: موضوعه وسياقه التاريخي.

الفصل الثاني: منهج الإمام الأصبهاني في التحرير

* المبحث الأول: التبويب والترتيب وعدد الأحاديث.

المطلب الأول: تبويبه وترتيبه.

المطلب الثاني: عدد أحاديثه.

* المبحث الثاني: منهجه في شرح الحديث.

* المبحث الثالث: تقريراته العلمية في الكتاب.

المطلب الأول: تقريراته اللغوية.

المطلب الثاني: تقريراته الفقهية.

المطلب الثالث: تقريراته العقدية.

* المبحث الرابع: مصادر المؤلف في الكتاب.

المطلب الأول: مصادره السمعية.

10

المطلب الثاني: المصادر النقلية التي صرح بها أو بأصحابها.

المطلب الثالث: المصادر النقلية التي لم يصرح بها، ويغلب على الظن نقله عنها.

* المبحث الخامس: مقارنة بين كتاب التحرير ونظرائه.

الفصل الثالث: وصف المخطوط ومنهج التحقيق

* المبحث الأول: وصف المخطوط وتقدير سقطه.

المطلب الأول: وصف المخطوط.

المطلب الثاني: تقدير ما وقع في المخطوط من السقط.

* المبحث الثاني: منهج التحقيق وإخراج الكتاب.

خاتمة ونتائج.

11

-

Bilinmeyen sayfa

الفصل الأول

التعريف بكتاب التحرير وصاحبه

* المبحث الأول: التعريف بصاحبي الكتاب.

* المبحث الثاني: اسم الكتاب.

* المبحث الثالث: نسبة الكتاب إلى مؤلفه.

* المبحث الرابع: تحديد القدر الذي أملاه الابن.

* المبحث الخامس: القيمة العلمية للكتاب.

* المبحث السادس: موضوعه وسياقه التاريخي.

16

-

Bilinmeyen sayfa

المبحث الأول

التعريف بصاحبي الكتاب

المطلب الأول

التعريف بالأصبهاني الأب

هو: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد بن طاهر الطلحي التيمي الأصبهاني(١)، يكنى بأبي القاسم، ويلقب بشيخ الإسلام(٢)، وبقوام السنة(٣) وبها اشتهر كثيراً.

كما لقب بالجُوزِي - بضم الجيم والواو الساكنة وفي آخرها الزاي - وهو الطير الصغير بلسان أهل أصبهان، ويقال بمَرْوٍ للفروج الصغير: چوزه بالعجمية(٤).

وقد كان يكره هذا اللقب ولا يحبه رغم اشتهاره به، قال تلميذه الإمام أبو سعد السمعاني رحمه الله: (وَسَمِعتُ أَنَّهُ كَانَ يَكرَهُ هَذِهِ النِّسَبَةَ ... وَكَانَ أَهلُ أَصْبَهَانَ

(١) تنظر ترجمته في: الأنساب للسمعاني (٤٠٧/٣)، والتدوين في أخبار قزوين (٣٠٢/٢)، وتاريخ الإسلام (٦٢٣/١١)، وسير أعلام النبلاء (٨٠/٢٠)، تذكرة الحفاظ (٥٠/٤)، ومجمع الآداب في معجم الألقاب (٤٨١/٣)، والوافي بالوفيات (١٢٥/٩)، وغيرها.

(٢) سير أعلام النبلاء (٨٠/٢٠).

(٣) ينظر: تاريخ الإسلام ت بشار (٦٢٣/١١)، ومجمع الآداب في معجم الألقاب (٤٨١/٣).

(٤) ينظر: الأنساب للسمعاني (٤٠٨/٣).

15

يَقُولُونَ شَيخ إِسمَاعِيل جُوزِي يُعرَفُ بِذَلِكَ، وَلَولَا شُهِرَتُهُ بَيْنَ أَهلِ بَلَدِهِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ مَا ذَكَرْتُهَا)(١).

وهو قرشي النسب والحسب، من ذرية طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أحد المبشرين بالجنة(٢).

ولد بأصبهان وإليها نُسِب، وذلك سنة ٤٥٧ هـ على قول أكثر المترجمين له، وقيل سنة: ٤٥٨ هـ(٣)، وذكر الإمام الذهبي أن ولادته كانت تحديدا في التاسع من شهر شوالَ سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة(٤).

عاش ونشأ في أسرة مشهورة بالعلم والصلاح، فوالده أبو جعفر محمد بن الفضل؛ كان آية في الزهد والأمانة والورع، قال عنه أبو زكرياء يحيى بن منده: (أَبُو جَعَفَرَ عَفِيفٌ، دَيِّنٌ، لَم نَرَ مِثلَهُ فِي الدّيَانَةِ وَالأَمَانَةِ فِي وَقْتِنَا)(٥)، وقال عنه أبو موسى المديني: (الشَّيخُ الصَّالِحُ حَقِيقَةً)(٦).

ووالدته من ذرية طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وهي بنت محمد بن مصعب(٧)، وزوجه هي أم الضياء عاشوراء بنت الأديب أبي الحسين محمد بن الحسن الوَركاني(٨).

(١) المصدر السابق (٤٠٨/٣).

(٢) ينظر: التدوين في أخبار قزوين (٣٠٢/٢).

(٣) ينظر: التدوين في أخبار قزوين (٣٠٢/٢).

(٤) تاريخ الإسلام ت بشار (٦٢٣/١١).

(٥) تاريخ الإسلام ت بشار (٦٢٤/١١).

(٦) تاريخ الإسلام ت بشار (٦٢٤/١١).

(٧) تاريخ الإسلام ت بشار (٦٢٤/١١)، وسير أعلام النبلاء ط الرسالة (٨١/٢٠).

(٨) ينظر: اللباب في تهذيب الأنساب (٣٦٢/٣).

16

وابنه العالم الشابُّ أبو عبد الله، نتحدث عنه لاحقا، وله ابنة تسمى سِتَّة، لها رواية، حدثت بالإجازة عن ظفر بن دَاعِي بن مهدي العمريّ العلوي(١).

وكان أبوه أبو جعفر حريصا على تربية ولده تربية صالحة، فصرفه إلى مجالس العلم والسماع وهو حدث صغير لم يتجاوز عمره أربع سنين(٢)، فأخذ عن مشايخ بلده كعائشة بنت الحسن الوركانية(٣)، وأبي القاسم عليٍّ بن عبد الرحمن المشهور بابن عُلَيِّك النيسابوري(٤).

ثم رحل لطلب العلم - على عادة العلماء - إلى بلاد كثيرة، فرحل إلى بغداد ونيسابور ومكة المكرمة، وغيرها، حتى نال رياسة العلم، وإمامة الدين، قال عبد الجليل بن محمد كُوتَاه: (سَمِعْتُ أَئِمَّةَ بَغدَادَ يَقُولُونَ: مَا رَحَلَ إِلَى بَغدَادَ بَعدَ الإِمَامِ أحمَدَ أَفْضَلُ وَأَحْفَظُ مِنَ الإِمَامِ إِسمَاعِيل)(٥).

وبعد حياةٍ حافلةٍ بالعلم والتعليم، مات الحافظ أبو القاسم الأصبهاني عن عمْرٍ يناهز ثمانيةً وسبعين عاماً، سنة ٥٣٥ هـ.

نقل الإمام الذهبي عن أبي موسى المديني قولَه: (أُصْمِتَ فِي صَفَرٍ سَنَةً أَرَبَعِ وَثَلاثِينَ وَخَمسِ مِائَةٍ، ثُمَّ فُلِجَ بَعدَ مُدَّةٍ، وَمَاتَ يَومَ النَّحرِ، سَنَةَ خَمسٍ وَثَلَاثِينَ، وَاجْتَمَعَ فِي جَنازَتِهِ جَمِعٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُم كثرَةً)(٦).

(١) توضیح المشتبه (٥٥/٥).

(٢) سير أعلام النبلاء ط الحديث (٤٧٠/١٤).

(٣) ينظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب: (٢٥٦/٥).

(٤) نفسه: (٢٩٢/٥).

(٥) طبقات علماء الحديث: ٥٢/٤.

(٦) المصدر السابق، (٨١/٢٠).

17

وكان من جملة كراماته بعد وفاته ما رواه محمد بن ناصر الحافظ قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن أخي إسماعيل الحافظ، حدثني أحمد الأسواري الذي تولى غسل عمي - وكان ثقةً -: أنه أراد أن يُنَحِّي عن سوأته الخِرقة لأجل الغَسل، قال: فجبذها إسماعيل بيده، وغطى فرجه، فقال الغاسل: (أحَيَاةٌ بَعدَ مَوتٍ)(١).

المطلب الثاني

التعريف بالأصبهاني الابن

هو: محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ محمدٍ بنِ الفضلِ بنِ عليٍّ بنِ أحمدَ بنِ طاهرٍ الطَّلَحِي الثَّيمِي الأصبهاني، المكنى بأبي عبد الله، كان من العلماء البارزين النابغين، إماما في اللغة وسائر العلوم، وكان أبوه يفضله على نفسه في اللغة وجريان اللسان(٢)، مات صغيرا وعمره ستّ وعشرون سنةً.

لم يحظ هذا الإمام النابغة بترجمة وافية تناسب منزلته العلمية السامقة، ولو جمع كل ما ورد عنه في كتب التراجم فلن يعدوَ صفحةً أو صفحتين يتيمتين على أقصى تقدير، فصارت أغلب تفاصيل حياته الشخصية والعلمية مجهولة، لا تسعفنا المصادر فيها بنقير ولا قطمير!!

وشُحّ المعلومات في تراجم كثير من الأعلام أمرٌ مشهورٌ معروفٌ، ونظائر هذا الإمام في تاريخنا الإسلامي كثيرة لا تحصى ولا يمكن أن تستقصى، ومرد ذلك في الغالب إلى تفريط التلاميذ والأبناء في التأريخ لمشايخهم والتعريف بهم

(١) سير أعلام النبلاء ط الرسالة (٨٤/٢٠).

(٢) ينظر: سير أعلام النبلاء ط الرسالة (٨٣/٢٠).

18

وبتراثهم، وقد كان ذلك سببا في ضياع علوم غزيرة ومصنفات عزيزة.

بل إن هذا التفريط من التلاميذ أدى إلى اندثار مذاهب ومدارس فقهية كانت قبلُ قائمة بأصولها ومناهجها ... وكلمة الشافعي في مذهب الليث ذائعة مشهورة: (١) (اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِن مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ لَمْ يَقُومُوا بِهِ).

ثم إن من الأسباب الظاهرة بخصوص ترجمة الإمام أبي عبد الله محمد الأصبهاني - إضافة إلى ما تقدم - موته المبكر وهو في ريعان شبابه فلم يصل إلى عقده الثالث.

وكان موته بهمذان، ففجع به أبوه، واشتد حزنه عليه، قال في شرح البخاري ناعياً إياه: (ذَهَبَ بِطَرَائِهِ، وَأَوْجَعَ القُلُوبَ، وَأَدْمَعَ العُيُونَ رحمه الله رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَبَلَّغَهُ دَرَجَةً عَالِيَةً فِيه)(٢)، ولبرِّه بابنه وحبه ووفائه له، أخذ على عاتقه إتمامَ ما كان شرع فيه، من إملاء شرح الصحيحين، فأتمَّ الله مراده، وبلَّغه قصدَه، ورُوِي عنه أنه كان يملي شرح مسلم عند قبر ولَدِهِ، ولما أتمَّه عمِل مأدُبة، وصنع حلاوةً كثيرةً شكرا لله على أن مد له في العمر، حتى أتم ما بدأه ولده الذي فُجع فيه(٣).

ومع صغر سنه فقد بلغ مقام العلماء الكبار، وصنَّف تصانيف كثيرة في هذا السن، وكان شديد البرِّ بأبيه، قويّ العلاقة به، فقد تتلمذ عليه، وأخذ عنه شرح الصحيحين، قال في مقدمته لشرح البخاري: (فإنَّ سيِّدنا وإمامَنا الوَالِدِ أبا القَاسِم

(١) مناقب الشافعي للبيهقي: ٥٢٤/١.

(٢) شرح صحيح البخاري لقوام السنة الأصبهاني (١١٣/٢).

(٣) تاريخ الإسلام: ٣٧٢/٣٦

19

حَرسَ الله تَعالى وآنَسَ بِبَقائِه رِبَاع العِلم نَهَنِي عَلَى صُنُوفٍ مِنَ المشكِلَاتِ، حَدَانِي ذلكَ عَلَى أَنْ أَقَرَأَ هَذَا الكِتَابَ ... وأَسْتَفِيدَ مِنْهُ فَوَائِدَه(١).

وقال: (فَزَادَ فيَّ هَذَا حِرصاً، وَحمَلَنِي عَلَى أَن أَستَأْنِفَ قِرَاءَةَ الكِتَابِ، وَأَتَفَقَّدَ ظَوَاهِرَهُ بِاسْتِقْصَاءِ مَا فِيهَا مِنَ المَعَانِي الدَّقِيقَةِ عَنِ الفَهمِ، فَفَعَلتُ حَتَّى تَمَّ لِي قِرَاءَةُ هَذَا الكِتَابِ عَلَيْهِ، فَمَا مِن حَدِيثٍ إِلَّا وَقَد أَطْلَعَنِي فِيهِ مِنَ الفَوَائِدِ عَلَى مِثْلٍ مَا ذَكَرَهُ لِي فِي المِثَالِ الَّذِي ذَكرتُه، فَأَطَالَ اللهِ بَقَاءَه، وَلَا حَرَمَ أَهلَ العِلمِ غَزِيرَ بَحرِهِ، وَلَا أَخْلَاهُمْ مِن فَوَائِدِ عِلْمِهِ، وَسَانِحِ فِكرِهِ، فَهُوَ الجَامِعُ لِأَطْرَافِ العُلُومِ، المُسَيطِرُ عَلَيْهَا، المُسَلَّطُ عَلَى بَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ المُشكِلَاتِ، المَرْجُوعُ إِلَيهِ فِيمَا يَقَعُ فِي الدِّينِ مِنَ المُعضِلَاتِ)(٢).

قال عنه القفطي: (كَانَ شاباً، وَفَاقَ فِي الفَضلِ شُيوخَ أَهلِ زَمانِه، لَكِنَّهُ استَوفَى أَنفاسَهُ وَطَوَى قِرطاسَهُ قَبْلَ أَوانِهِ، وَفُجِعَ والِدُه بِشَبابِهِ)(٣)، وذكر له شعرا:

أحقاً خليلي أنت أوّل ناكبٍ * عن العهد تجفوني وتهجر جانبي

أترضى خليلي أنَّ قلبي نُهبةً * تعاورها أيدي النوى والنوائب

یدا الدهر لا صحّت رمتني بأسهم * نسيت لها ما فوقت بالحواجب

ومنه:

هوى البيض لا يجدي على المرء طائلاً * وإدمان شرب الراح يجني الغوائلا

(١) شرح صحيح البخاري (٨/٢).

(٢) شرح صحيح البخاري (٩/٢).

(٣) المحمَّدون من الشعراء للقفطي ص١٢٨.

20