وهي في عمومها قد تشكل قرائن عند المتقدمين، ولما لم يصرحوا بها فإنها تبقى محاولة ظنية لفهم منهج المتقدمين، وإن كنّا قد بينّا أن المتقدمين يطلقون زيادة الثقة على مفهوم هو خلاف ما يطلقه جمهور المتأخرين من أهل المصطلح.
وهذه القرائن قد لا تجد لها واقعًا ملموسًا حقيقيًا إلاّ على مسودات الأوراق، أمّا في القبول والتطبيق العملي فإن المتأخرين أسرفوا في قبول الأحاديث والزيادات تحت قاعدة: " زيادة الثقة مقبولة ".
وكم من أحاديث شاذة ومعللة، عللها المتقدمون، ثم خطأهم بعض المتأخرين وقبلوا تلك الأحاديث تحت هذا المسمى (١).
ثم أين هذه القرائن في قول الإمام النووي:" الرابع: إذا روى بعض الثقات الضابطين الحديث مرسلًا، وبعضهم متصلًا أو بعضهم موقوفًا، وبعضهم مرفوعًا، أو وصله هو أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر، لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة " (٢).؟
المطلب الخامس: التوقف في قبول الزيادة، أو ردها
ومن أبرز هؤلاء الحافظ ابن كثير الدمشقي (٣) فإنه اكتفى بإيراد الأقوال، فقال:"إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخ لهم وهذا الذي يعبر عنه بزيادة الثقة فهل هي مقبولة أو لا؟ فيه خلاف مشهور فحكى الخطيب عن أكثر الفقهاء قبولها وردها أكثر المحدثين " (٤).قلت: لم يحكم ابن كثير عليه بشيء، وان كان كلامه يحتمل ترجيح الرد.
وكذا فعل السيوطي (٥)، والصنعاني (٦).
(١) انظر الفصل التطبيقي لاحقًا.
(٢) التقريب بشرحه التدريب، السيوطي ١/ ١٨٤، وللمزيد انظر شرح مسلم: (١/ ٧٤ و٣/ ١٧ و٤٥ و٤/ ١١ و٦/ ٢١٤ و٧/ ١٨ و٤١ و١٠/ ٤٣ و١٧٨ و١١/ ٢٠٤ و١٧/ ١٧٩ و١٨/ ١٣ و٢٧)، وغيرها.
(٣) انظر مختصر علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص ٥٩.
(٤) مختصر علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص٥٨.
(٥) انظر تدريب الراوي ١/ ١٨٤ - ١٨٦.
(٦) انظر توضيح الأفكار ١/ ٣٣٩ - ٣٤٦.