Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Türler
ثبات الصديق ﵁ أمام فتنة ضياع النفس
وفتنة أخرى عظيمة هائلة تعرض لها الصديق ﵁ وأرضاه وهي فتنة ضياع النفس وفتنة الإيذاء للنفس، والنفس غالية إن ذهبت فلا عود لها إلى يوم القيامة، لكن الصديق ﵁ وأرضاه كان واضح الرؤية وثاقب النظر له قواعد ثابتة تحكم حياته، من هذه القواعد: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة:٥١].
ومن هذه القواعد: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ [يونس:٤٩].
ومن هذه القواعد: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة:١١١].
ومن هذه القواعد: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج:٧٨].
إذا نظرت إلى هذه القواعد مجتمعة أدركت جانبًا لا بأس به من حياة الصديق، وتعالوا نستمتع بوقفات مع الصديق ﵁ وأرضاه لنرقب كيف خلصت نفسه من حفظ نفسه.
وقد تكلمنا قبل على ثبات الصديق في مكة ودفاعه عن رسول الله ﷺ حتى كاد أن يفقد روحه، وتعالوا نرى بعض أنواع الثبات في حياة الصديق في المدينة المنورة في قضية النفس، ففي بدر مثلًا: لما بلغ النبي ﷺ نجاة قافلة أبي سفيان وعزم زعماء مكة على قتاله استشار الصحابة في هذا الموقف الخطير، والصحابة لم يخرجوا من المدينة ليقابلوا جيشًا، بل مجرد قافلة، فليس معهم إلا السيوف، ولم تكن العدة عدة قتال، كما أن هناك أقوامًا بالمدينة كانوا يرغبون في اللقاء ولكن لم يعلموا أن رسول الله ﷺ سيقاتل.
إذًا: من الممكن أن يأتي على ذهن الصحابة أن لو أجلنا القتال لنقوم به في ظروف أفضل وعدد أكبر لكان أفضل؛ ففرصة ضياع الحياة في هذه المعركة كبيرة، والحق أن بعض الصحابة ترددوا، يصورهم ربنا في كتابه الكريم فيقول: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ [الأنفال:٥ - ٦]، فأين كان الصديق ﵁ وأرضاه في هذا الموقف؟ كان أول الرجال قيامًا يشجع النبي ﷺ على القتال؛ فقد كان دائمًا يسبق الناس حتى لو كان السبق لفقد الحياة.
قام الصديق فقال وأحسن وسر رسول الله ﷺ، وقام من بعده الرجال الواحد تلو الآخر، لكن سبق بها الصديق، وقبل القتال أراد الرسول ﷺ أن يقوم بعملية استطلاعية يستكشف فيها مواقع جيش المشركين وعدتهم، قام بالعملية رسول الله ﷺ بنفسه ومعه أبو بكر ﵁ الصاحب الأول لرسول الله ﷺ في كل المواقف والأحداث، إنها مهمة خطيرة لكن ما أقل الدنيا في عين الصديق، وتبدأ المعركة ويلتحم الجيشان ويشتد القتال ويتصاعد الغبار وتسيل الدماء أنهارًا وتتناثر الأشلاء في كل مكان فأين كان الصديق ﵁؟ كان في أخطر الأماكن على الإطلاق؛ كان أقرب الناس إلى رسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ مطلوب الرأس ولاشك في ذلك، وقد يقتل حراسه، لكن أهلًا بالموت إن كان في سبيل الله.
فما اقترب أحد من المشركين إلى رسول الله ﷺ إلا حطمه بالسيف، يلتفون حول رسول الله ﷺ ويحيطه من كل جانب؛ يشفق على رسول الله ﷺ من الشوكة يشاكها ويستعذب الألم إن كان فداءً لرسول الله ﷺ، والرسول ﷺ يرفع يديه إلى الله يستغيث به ويلوذ بحماه ويطلب عونه ويلح في الطلب ويقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا)، وما زال يجتهد في الدعاء حتى سقط رداؤه على الأرض، فأخذه الصديق ﵁ من الأرض ورده على منكبي رسول الله ﷺ وقلبه يتفطر عليه ويتقطع من أجله ويقول: يا رسول الله! كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه منجز لك ما وعدك، يقين عجيب ثم خفق النبي ﷺ خفقة يستقبل الوحي ثم انتبه وقد جاءته البشرى بالنصر، فمن أول من يبشر؟ أنه يبشر أقرب الناس إليه وأعظم الناس رغبة في نصر هذا الدين وأكثر الناس تضحية من أجل هذا الدين وهو أبو بكر، فقال له: (أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله)، انظر إلى التعبير: أتاك أنت يا صديق! قال: (أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع)، أي: الغبار.
هذا هو الصدي
5 / 9