Al-Rawd al-Basim fi Hawadith al-‘Umr wa-al-Tarajim
الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم
Araştırmacı
عمر عبد السلام تدمري
Yayıncı
المكتبة العصرية
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
٢٠١٤ م - ١٤٣٥ هـ
Yayın Yeri
بيروت - لبنان
Türler
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
وبه أستعين
كلمة المحقق
إن الحمد للَّه الخالق البارئ المصوّر ﷻ.
والصلاة والسلام على المصطَفَى محمد خاتم أنبيائه ورُسُله.
وعلى آله الطاهرين، وصَحبه الأخيار المبجَّلين.
وبعد،
فتعود صلتي بهذا الكتاب إلى أوائل السبعينيّات من القرن الماضي حين كنت أتردّد يوميًّا على "دار الكتب المصرية" عندما كانت في حيّ "باب الخلق" بالقاهرة، وأطالع وأنسخ ما في "مركز تحقيق التراث" التابع لها من مخطوطات، قبل انتقال الدار والمركز إلى شارع "كورنيش النيل" في الموقع الحالي. وكان هذا الكتاب "المخطوط" بين المصادر التي اعتمدت عليها في تأليف كتابي "تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك" عام ١٩٧٣، ثم كان بين المصادر المخطوطة التي اعتمدتها في إعداد أُطروحتي بعنوان "طرابلس الشام ونضالها في سبيل العروبة والإسلام" (من الفتح الإسلامي حتى سقوط دولة المماليك) ونلت عليها درجة "الدكتوراه" بمرتبة الشرف الأولى، عام ١٩٧٦ من قسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر.
ومنذ ذلك التاريخ كنت أتصفّح هذا المخطوط وأقلّب أوراقه، وأحلُم بأن أراه منشورًا محققًا، لِما يحتويه من معلومات نادرة وأخبار طريفة ومهمّة لم يذكرها غيره، وصاحبه كان شاهد عيان على عصره، ورحّالة طوّف البلاد ما بين آسية الصغرى (تركيا) والأندلس، وتنقّل للتجارة بين بلاد الشام ومصر وليبيا وتونس والجزائر، وأبحر بين الإسكندرية ورودس وتونس، وعبر العدوة بين المغرب والأندلس إلى غَرناطة، فأرّخ ووصف الأماكن والبلدان، والتقى بالسلاطين والوزراء والأمراء والأعيان والعلماء والأدباء، ومارس التجارة والأسفار، والتعليم والتدريس والتأليف والتصوّف، وامتهن الطبابة فبرع، وكان مؤرّخًا عملاقًا موسوعيًّا بكل معنى الكلمة، منافسًا لابن تغري بردي، صديقًا للسخاوي يتبادل وإيّاه الفوائد، أستاذًا
1 / 5
لابن آياس الذي استفاد من مصنّفاته وأفرغ غالب مادّتها في كتابه "بدائع الزهور".
وكان أشدّ ما يحفزني لتحقيق هذا المخطوط، ونفْض غبار الزمان والنسيان عنه، ونشره كون صاحبه "عبد الباسط" أقام في بلدي "طرابلس الشام" أكثر من خمس سنين، ونَهَل علومه الأولى في جامعها "المنصوري الكبير" القريب من سكني، والذي أصلّي فيه أغلب الجُمَع والأعياد. بل إن أباه المؤرّخ "خليل بن شاهين" أقام بها وبنى دارًا وزاوية وتُربة دُفن فيها نزيلًا على اثنين من أولاده، ﵏.
وكنت - ولا أزال - أعجب وأستغرب لقلّة قرّاء هذا المخطوط، إذ لم أر أحدًا يعتمده في قائمة مصادره، سواء في الكتب المحقَّقة، أو المؤلَّفة عن عصر المماليك إلّا ما ندر. ولكنّ اضطراب المخطوط والتقديم والتأخير في ترقيم المجلَّد الأول، ورداءة المجلّد الثاني بكامله تقريبًا، وصعوبة قراءة أغلب أوراقه لعدم وضوح كتابتها ومَسْحها تمامًا، فضلًا عن الحواشي الكثيرة على جوانب الصفحات وضياع بعضها مع تآكل أطراف الأوراق … كان يصرفني عن تحقيقه، تمامًا كما سبق وحصل لي مع مخطوط "المقتفي على كتاب الروضتين" للبرزالي، وهو مطموس ورديء جدًّا، وأعانني الله سبحانه على تحقيقه.
وأعتقد أن سوء نسخة "الروض الباسم"، وعدم وجود نسخة أخرى منه تساعد على المقارنة والمقابلة، وقراءة ما غمض من كلمات، وتعوّض الضائع والناقص والممسوح والمطموس، وغيره، هو السبب الذي جعل الباحثين والمحقّقين ينصرفون عن تحقيقه، نذكر منهم الدكتور "محمد محمد عامر" الذي كتب بحثًا عن مخطوط "الروض الباسم" في حوليّة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، سنة ٧٧ - ١٩٧٨ وتمنّى أن يقوم بتحقيقه بمشاركةٍ من زميله الدكتور "طاهر راغب". وها قد مرّ على الأُمنية أكثر من ثلاثين عامًا، ولما يُبصر عملهما النور!!
ولما كنت قد وُفّقت بعون الله تعالى بتحقيق مخطوط "نَيل الأمل في ذيل الدول"، ومخطوط "المجمع المُفَنَّن بالمعجم المُعَنْوَن" للمؤلّف "عبد الباسط بن خليل"، وجدت أنه لا ينبغي بقاء هذا السفْر النفيس دون عناية لا يعرفه إلّا القليل القليل من المهتمّين وعشّاق التراث.
لذلك عقدت العزم، وبادرت، بعد الإتكال على الله سبحانه والاستعانة به، إلى نسْخ المخطوط والبدء بتحقيقه في صباح يوم الأحد ٢٤ ذي القعدة ١٤٣١ هـ/ الموافق ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠ م.
1 / 6
وكتبت هذه الكلمة بعد عصر يوم الثلاثاء ١٩ من شهر رجب الخير ١٤٣٢ هـ / ٢١ حزيران (يونيه) ٢٠١١ م.
فلله المنّة، وله الحمد في الأولى والآخرة.
طالب العلم وخادمه
أبو غازي
عمر عبد السلام تدمري
طرابلس الشام المحروسة - هاتف وفاكس المنزل
٠٠٩٦١٦٦٢٩٤٣٦
1 / 7
المؤلّف وسيرته (^١)
وُلد المؤلّف بمدينة ملطية في ليلة الأحد حادي عشر رجب من سنة ٨٤٤ هـ. حين كان أبوه نائبها.
أمّه أمّ ولد سَريّة، اسمها "شُكْرباي"، تزوّج بها والده بعد عتْقها، وكانت - حسب قوله - من خيار نساء عصرنا دينًا وخيرًا - ماتت بدمشق في نفاسها سنة ٨٥٢، ومات ولدها الذي وَضَعَتْه بعدها بأيام (^٢)، وعُمُر المؤلّف ٨ سنين.
وكان له أخ من أبيه يدُعى "يوسف بن خليل"، مات في سنة ٨٤٨ هـ. وهو صغير حيث وُلد في سنة ٨٤٣ هـ، وأمّه أمّ ولد أرضعته معه، وكان المؤلّف يحبّها، ولهذا كانت أكثر إقامتها عنده لمحبّته لها، ولتقديره لمقامها، إذ كانت عنده بمقام والدته، وهي عتيقة والده، وكانت خيّرة ديّنة، كثيرة الصيام والقيام وكثيرة الذِّكر والأوراد، وهي ممن تنتمي لوالدته وبينهما محبّة أكيدة (^٣). (انظر مشجّرة الأسرة).
في طرابلس الشام:
وفي شهر جمادى الأولى سنة ٨٥٩ هـ. انتقل مع أبيه إلى طرابلس، حيث أُعطي أبوه إمرة عشرين بها، وتفرّغ للتأليف والتدريس والمطالعة، وفي أول نزولهما طرابلس نزل والده في دار عيسى التاجر الطرابلسي، أحد التجار المياسير بها، وبقي بها مدّة (^٤). ثم قام بعمارة أمكنة فوق الجبل المُطِلّ على محلّة العُوَيراتية بأطراف المدينة (^٥)، وسكن في دار تحت الجبل المذكور بالقرب من دار معبّر
_________
(^١) ستأتي ترجمة جدّه وأبيه "خليل بن شاهين" في تراجم المتوفين سنة ٨٧٣ هـ. في الجزء الرابع من الكتاب.
(^٢) الروض الباسم ١/ ورقة ١٣ أ.
(^٣) الروض الباسم ١/ ورقة ٣١ أ.
(^٤) الروض الباسم ٣/ ورقة ١٠٥ أ.
(^٥) محلة العُويراتية، هي المحلّة التي فيها حاليًّا مقابر المسلمين بطرابلس المعروفة بجبّانة باب الرمل، إلى الجنوب من المدينة، ويحدّها شرقًا الجبل المُطِلّ عليها ويُعرف الآن بأبي سمراء، ومن الغرب جامع الأمير سيف الدين طينال الأشرفي الحاجب. وهي من أقدم محلّات طرابلس المملوكية، يُرجّح أن نسبتها إلى "العُويراتية" أو "الأويراتية" وهم قوم من المغول فرّوا من قائدهم غازان إلى دولة المماليك في سنة ٦٩٥ هـ/ ١٢٩٦ م. فأنزلهم السلطان العادل كتبُغا على =
1 / 8
الأحلام محمد بن محمد بن سليمان الأوزاعي الدمشقي، المعروف بالبابا (^١).
وكان والد المؤلّف "خليل" على علاقة طيبة مع الأمير سيف الدين حاج إينال اليشبُكي (^٢)، وبينهما صحبة ومحبّة أكيدة، وكان النائب يحبّه جدًّا ويعظّمه (^٣)، وهو الذي سعى بتولية "شاذ بك الصارمي" في إمرة عشرين وحجوبية حجّاب طرابلس (^٤). وكان كثير التودّد إليه أثناء إقامته بطرابلس. كما كانت لوالده صحبة ومحبّة أكيدة مع "تمراز الإينالي الأشرفي" أمير طبلخاناه بطرابلس (^٥). وعندما تولّى نيابة السلطنة الأمير "إياس المحمدي الناصري الطويل" في سنة ٨٦٣ هـ (^٦). نشأت صداقة بينه وبين "خليل" والد المؤلّف، فكان يجتمع به ويتحاور معه في بعض
_________
= الساحل بين عتليت وقاقول، في فلسطين. ويظهر أن جماعة منهم وصلوا إلى طرابلس وأقاموا في المكان الذي نُسِب إليهم. (نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري ٣١/ ٢٩٩، نزهة الناظر لليوسفي ص ١٦٩ بالحاشية) وقد ظلّت المحلّة تحمل اسمهم وتُعرف بالعُويراتية حتى العصر العثماني، انظر: دفتر مالية لواء طرابلس، رقم ١٠١٧ من محفوظات أرشيف الوثائق العثمانية برئاسة الوزارة التركية، استانبول (المحلة رقم ٢٢) وكان يسكنها بين سنتي ٩٢٦ - ٩٤٣ هـ/ ١٥٢٠ - ١٥٣٧ م، (١٨ أسرة) كلهم من المسلمين. وورد ذِكرها في: دفتر مفصَّل لواء طرابلس رقم ٣٧٣، المحلّة ذاتها رقم ٢٢، وكان يسكنها قبل سنة ٩٦٢ هـ/ ١٥٥٥ م. (٢٨ أسرة) كلّهم من المسلمين. وذُكرت أيضًا في: دفتر إحصاء لواء طرابلس، رقم ٥١٣ لسنة ٩٧٩ هـ. المحلّة رقم ١٣ وقد انخفض سكانها إلى ١٣ أسرة. وهي مذكورة أيضًا في سجلّات المحكمة الشرعية بطرابلس. انظر: السجلّ رقم ٣ - لسنة ١٠٨٨ هـ ص ١١٢ وفيه: "محلّة العويراتية ظاهر طرابلس"، وسجلّ ٤٨ ص ١٧٣ (١٢٣٠ هـ)، وسجلّ ٤٢ ص ٦٨ وفيه: "حارة العويراتية ظاهر المحمية في جبانة باب الرمل"، وسجل ٤٣ ص ٣٩ لسنة (١٢٣٣ هـ). وبقي اسم المحلّة معروفًا حتى سنة ١٢٥٣ هـ. على الأقل حيث، ورد ذكرها في السجل ٥٥ ص ١٥٦.
ويُنسب إليها: "أوَيس بن العُوَيراتي الطرابلسي" حاجب الحجّاب بها، وهو من أعيان أهلها. وكان موجودًا سنة ٨٩٢ هـ.
قال المؤلّف: "عبد الباسط": والعويراتي غلط عن الأويراتي. نسبة إلى الأوراتية، طائفة معروفة. (المجمع المفنَّن، ورقة ٣٧٥، رقم ٨٣٥).
(^١) الروض الباسم ٣/ ورقة ١٠٦ أ.
(^٢) تولّى نيابة السلطنة بطرابلس في عهد السلطان الأشرف إينال، بين ٨٥٩ - ٨٦٣ هـ. وهو توفي سنة ٨٦٦ هـ. انظر: تاريخ طرابلس ٢/ ٥١، رقم ١٢٠؛ والمجمع المفنّن، ورقة ٣٩٦، رقم ٨٨٧.
(^٣) الروض الباسم ٢/ ورقة ٤٣ أ.
(^٤) الروض الباسم ٢/ ورقة ٦٩ أ.
(^٥) الروض الباسم ٣/ ورقة ١٣٨ أ، المجمع المفنّن، رقم (١٠٨٠).
(^٦) تولّى النيابة بطرابلس من سنة ٨٦٣ حتى سنة ٨٦٦ هـ. (تاريخ طرابلس ٢/ ٥١، رقم ١٢١)، المجمع المفنّن، رقم (٨٤٥).
1 / 9
الأمور (^١). وقد أقام المؤلّف مع أبيه بطرابلس نيّفًا وخمسة أعوام، تلقّى العلوم في أثنائها على الشيوخ الطرابلسيّين، وعلى من كان ينزل بها من شيوخ دمشق وغيرها، فضلًا عمّا يأخذه ويسمعه من والده، وممّا سمعه منه، عن شيخ أبيه أحمد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن مصلح بن أبي بكر القيسي القدسي، الديريّ (المتوفّى ٨٦٧ هـ). الأبيات التالية:
هي الدنيا الدنيّة فاحذروها … فليس لها على أحدٍ ثبات
وبأوّلها وأوسطها انقلاب … على كدرٍ وآخرها شتات
وغايتها المما (…) بهذا … إذا لم يكن إلّا الممات
ولكن (بعدها) أشياء تذهل … لغدٍ عن البنين الأُمّهات
فويل عند ذلك أي؟ … لعاصٍ أو بغتة السيئات
ويا فوز العبد بالحشر … عن النار المسعرة النجاة (^٢)
ومن شيوخه بطرابلس عالمها وخطيبها ومدرّسها تاج الدين عبد الوهاب بن محمد بن زُهرة الحِبْراصيّ (^٣) الأصل، الطرابُلُسيّ، وكان وُلد بها سنة ٨٠٦ هـ، ونشأ فيها، وأقام متصدّرًا للتدريس في جامعها المنصوريّ الكبير، والإفتاء، والخطابة، ذكره المؤلّف ﵀ في كتابه هذا "الروض الباسم" فقال: "الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن زُهرة، فقيه طرابلس الآن ومفتيها وخطيبها وابن خطيبها، وهو ممن أخذت عنه بل وقرأت عليه، وحضرت دروسه بجامع طرابلس، وكان بها في سنة ٨٦٢ وما بعدها إلى أن خرجنا منها في سنة ٨٦٥ أو قبلها بيسير" (^٤).
ومن شيوخه بطرابلس أيضًا: محمد بن محمد بن سليمان الأوزاعي، الدمشقي، الصالحي، الطرابلسي، المعروف بالبابا. قال المؤلّف: "وكنت قد لازمته كثيرًا في الفقه والتعبير، وأخذت عنه الكثير وانتفعت به فيها" (^٥).
وسمع بها من الأديب "أحمد بن العطّار المصياتي الأصل، الطرابلسي الشافعي" أحد أعيانها، وكان يملك قاعة وملْكًا حسنًا بطرابلس، ويسكن القاعة
_________
(^١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٣٣ ب.
(^٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٦٨ ب.
(^٣) الحِبْراصي: نسة إلى حِبراص، بكسر الحاء المهملة، وآخره صاد مهملة أيضًا. بلد بحوران من الشام.
(^٤) الروض الباسم ١/ ورقة ٩٧ أ.
(^٥) الروض الباسم ٣/ ورقة ٣٩، ٤٤.
1 / 10
بجوار مسجد الخشب (^١)، ويتكلّم في ديوان الإنشاء بالمدينة، وكتب إجازة لوالده نثرًا وفيها نظم، فسمع "عبد الباسط" من نظمه ونثره كثيرًا، من سنة ٨٦١ - ٨٦٥ هـ، وكان جارًا لهم بطرابلس، وقد اجتاز أخوه الأكبر منه "أبو الفضل محمد بن خليل" ببابه مرة فكتب على حائط داره شيئًا، فلما رأى الكتابة كتب تحتها:
لَعَمْري لقد أبدى ذكاءً وفطنةً … بحُسنٍ وإحسانٍ ووجهٍ جميل
فلا عَجَبًا أن يُشبه الليث شِبلُهُ … فكيف ومن نجْل الأمير "خليل" (^٢)
وفي أثناء إقامته بطرابلس مع أبيه دخلها المحدّث، التاجر، أبو إسحاق، إبراهيم بن عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي، القاهري، الحنبلي، وأقرأ فيها، فسمعه بها (^٣).
وسمع شيئًا من "الصحيحين" وغيرهما على قاضي طرابلس "أبي بكر بن محمد بن محمد بن أيوب البعلبكي، الطرابلسي الحنبلي" (^٤).
وسمع الأديب "تغري بردي بن الطرابلسي الحنفي"، وكان يكتب لوالده وهو مقيم بطرابلس عدّة كتابات، ويمدحه من شعره في سنة ٨٦٤ هـ. فجعل في أوائل كل بيت حرفًا من حروف اسمه "تغري بردي" منه:
تعطّفْ واغتنم يا حُبّ أجري … فلي دمعٌ من الأنواء أجْرَى
غرقتُ به فجُد لي حان صبري … وعاد الحلو بعد الهجر صبرا
يذوب ويضمحلّ الان (…) ولي دمع من الأنواء أثْرى
بفضلك يا عليل الفضل اقري … سلامك لي ونظمي الآن اقرا
_________
(^١) مسجد الخشب: في محلّة مسجد الخشب بطرابلس، ورد ذكره في وثائق الأرشيف العثماني، وهو قريب من جبّانة باب الرمل، نرجّح أنه كان يُصلَّى فيه على الجنائز، كان موجودًا أيام المماليك، ولا نعرف من بناه. انظر: محلّات طرابلس القديمة، مواقعها، أسماؤها، سكانها من خلال الوثائق العثمانية - من إعدادنا - في كتاب: المؤتمر الأول لتاريخ ولاية طرابلس إبّان الحقبة العثمانية - منشورات الجامعة اللبنانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الفرع الثالث - (طرابلس) أيار (مايو ١٩٩٥) ص ١٠٥، رقم ١٠، وبحث الأوقاف الإسلامية في طرابلس الشام من وثائق الأرشيف العثماني وأهميتها في رصد حركة العمران - نُشر في الكتاب الصادر عن المؤتمر الدولي السابع لتاريخ بلاد الشام - عمان ١٤٣١ هـ/ ٢٠١٠ م. المجلّد الرابع الخاص بلبنان - ص ٥٤ رقم (٣٠).
(^٢) المجمع المفنّن، رقم (٥٨٢).
(^٣) الضوء اللامع ٤/ ٢٧، رقم (٨٢)
(^٤) المجمع المفنّن، رقم (٢٠٠).
1 / 11
ومنه:
فنظمي قد أتاك كمثل قدري … وأنت أجلُّ - يا مولاي - قدرا
وعارَضَ "التّقيّ بن حجّة الحموي" بموشّح هذا أوله:
ما سَلَّ مهَنَّدًا من الأجفانِ … بالسِحر سُقي
إلّا وملا دمعي دما أجفاني … وازداد حُرَقي
قال المؤلّف عبد الباسط: "هذا ما حضرني من موشّحه. وكنت أحفظ الكثير من شعره، فإنني جالسته كثيرًا حيث كان يكتب للوالد في دارنا بطرابلس، وكتبت عنه من نظمه شيئًا كثيرًا، وأنشدني إيّاه، لكنّه شتّ الآن عنّي إلّا ما أثبتّه هاهنا، وضاع المكتوب أيضًا. لكنّه له ديوان شِعر، لو وجدته لنقلت عنه ما كان أنشدنيه … وكان عهدي به في سِنيّ أربع وستين وثمانمائة".
وقال في آخر ترجمته: "وبالجملة فكان غير مُعدَم من فضيلة بالنسبة إلى تلك البلاد، لا سيما طرابلس، فإنها غريبة عن العلم والعلماء غالبًا، لا سيما في هذه الأزمان، وبالله المستعان" (^١)!
وكان "إبراهيم بن عبد الرحمن الطرابلسي" في مرحلة الصِّبا والشباب حين تعانى الخط المنسوب، وفاق أقرانه بالكتابة بقلم النسْخ، فكان يكتبه جيّدًا، ولهذا عُرف بالناسخ، ونسخ عدّة كتب لوالد المؤلّف ولازمه مدّة وهو بطرابلس، وكتب له كثيرًا (^٢).
كذلك يؤسفنا أن كتابه: "المجمع المفنَّن بالمُعجَم المُعَنْون" لم يكتمل، بل لم يصلنا منه سوى جزء يسير يتضمّن تراجم الأعلام على أربعة حروف، من الألِف حتى الثاء، وبعض الحرف الخامس (الجيم)، من أصل ٢٨ حرفًا مجموع الحروف الأبجدية، وبذلك فاتنا الكثير من أخباره، وأخبار أبيه وأهل بيته بطرابلس.
وكل الذي عرفناه من أخبار تلك الفترة: أنه مرض سنة ٨٦٥ هـ، وكان بطرابلس طبيب غَرناطيّ من الأندلس، هو "إبراهيم بن يونس" فعالجه ونجح في علاجه (^٣).
وماتت عمّته - أخت أبيه - "صفَرْ مَلَكٌ" في العام ٨٦١ هـ.
وفي شهر شوال من السنة نفسها مات دوادار والده "تغري بردي التركماني"
_________
(^١) المجمع المفنّن، رقم (١٠٤٤).
(^٢) المجمع المفنّن، ج ١/ ص ١٩٥ رقم (٥٩).
(^٣) المجمع المفنّن، رقم (١٤٣).
1 / 12
بعد أن طال مرضه، وكان موته عند أقاربه بجبل الأقرع من أعمال طرابلس، وخلّف زوجته وبنتًا لهما في دار والد المؤلّف. وكانت زوجته إحدى أمّهات أولاد الوالد "خليل بن شاهين" (^١).
ووُلد للمؤلّف أخ بطرابلس في عام ٨٦٣ هـ. اسمه "إبراهيم"، وأمّه أمّ ولد، اسمها "بلبل"، وهي تركية، ولم يعش سوى تسع سنين، إذ مات بعد عودة أبيه من العراق إلى طرابلس في أواخر سنة ٨٧٢ هـ. فصنع له تابوتًا ودفنه في مدفنه الذي كان أعدّه لنفسه بطرابلس (^٢).
ومن المعلومات التي ذكرها وهو بطرابلس:
أن الأمير "إياس المحمدي الناصري الطويل" لما تولّى نيابة السلطنة سنة ٨٦٣ هـ. كان لدخوله إليها يوم مشهود، ولكنّه باشرها بظلم وعسف، مع التظاهر بالفسق واللواط وشُرب الخمر، وأنه صنع كأسًا من ذهب، وزنه فوق الرطلين بالشامي، ليشرب به الخمر، واستقر بطرابلس عن قلّة دين هو وولده "رجب"، وكثرة ظلم وشَرَهٍ لأخذ أموال الناس. وقال المؤلّف: "وأخبرني الوالد عنه أنه اشتمّ منه رائحة الخمر في يوم الجمعة، وهو في الصلاة بجامعها الكبير" (^٣).
وأن الأمير "إينال اليحياوي الظاهري، المعروف بالأشقر" الذي تولّى نيابة حلب، ومَلطية، وغزّة، وطرابلس، كان يجتاز في سفره إلى الجون (هو جون الإسكندرون عند آياس) في دولة الأشرف إينال بطرابلس، وأنه نزلها مرة، وهو بها مع والده، وبقي بها شهورًا ساكنًا بقاعة من باب آقطُرق (^٤)، بالقرب من مدرسة أرغون شاه (^٥).
ويحتمل أن المؤلف أنجز أول مؤلفاته وهو بطرابلس حيث وصَلَنا له: "إجابة
_________
(^١) المجمع المفنّن، رقم (١٠٥٢).
(^٢) الروض الباسم ٤/ ورقة ١٩٠ ب.
(^٣) المجمع المفنّن، رقم (٨٤٥).
(^٤) باب آق طُرق: أحد بوابات طرابلس القديمة في عصر المماليك، نسبة إلى الأمير "سيف الدين آقطرق الحاجب" صاحب المدرسة المعروفة بـ "السَقْرقيّة"، وهي على بعد نحو ٥٠ مترًا من البؤابة التي كانت عند الزاوية الجنوبية الشرقية من مدرسة أرغون شاه. (محلات طرابلس القديمة … بحث لنا سبق ذكره - ص ١١٣، رقم ١٨)، ويُعرف الآن بباب الرمل، وقد أزيل وبقيت بعض آثاره.
(^٥) مدرسة أرغون شاه، وتعرف بزاوية أرغون شاه. وحاليًا: جامع أرغون شاه. نسبة إلى الأمير "أرغون شاه الإبراهيمي المنجكي" نائب السلطنة بطرابلس (٧٩٦ - ٨٠٠ هـ). أُنظر عنه في كتابنا: تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك - طرابلس - دار البلاد ١٣٩٤ هـ/ ١٩٧٤ م. - ص ٢١٧ وما بعدها.
1 / 13
السائلين في شرح عمدة الطالبين ورغبة الراغبين"، في الفقه، وهو بخطه في سنة ٨٦٤ هـ (^١). وكان لا يزال في دمشق.
في دمشق:
وفي شهر جمادى الآخر من سنة ٨٦٥ هـ. نراه مع والده وأهله في دمشق، وفيها شهد حضور "وليّ الدين أحمد بن محمد بن محمد بن عمر بن رسلان البُلْقيني" ليتولّى القضاء الأكبر بدمشق، وخطابة جامعها الأموي، وكان لدخوله إليها يوم مشهود، وكذلك كانت أول خطبة يخطبها في الجامع من مشاهير الأيام. وقال: "حضرت في ذلك اليوم بالجامع الأموي لسماع خطبته، فشنّف الأسماع بعبارته وطِيب نغمته، لعلّي لم أسمع مثله إلى الآن في حُسن عبارته وفصاحته وشجاوة صوته ونغمته وحلاوة ذلك وطلاوته. وكان ما يخطب به من إنشائه، ثم عمل مجلسًا بعد الصلاة للوعظ هائلًا، ولم أسمع مثله قبله. ثم حضرت بعد ذلك عدّة مجالس من وعظه وخُطَبه، فكان إلى ذلك المنتهى … رأيته بدمشق يصعد المنبر وعليه الجُبّة السِّمَّور، مسبولة الطوق إلى عجزه وأسفل منه" (^٢).
ويخبرنا "عبد الباسط" أن الدار التي سكنوها بدمشق كانت دار "كمشبُغا طولوا" بالقرب من عين دار البطّيخ، والتي جدّد آثارها حاجب الحجّاب بدمشق "إبراهيم بن بَيْغوت"، وأنشأ حمّامًا بقربها (^٣).
في القاهرة:
لم تطُل إقامة "عبد الباسط" مع والده بدمشق، إذ عادا إلى القاهرة أواخر العام ٨٦٥ هـ. وسكن مع والده بدار زوجته "أصيل باي" التي تقدّم ذِكرها، فهرع أصحاب أبيه للسلام عليه، وكان الشيخ "عَلَم الدين، صالح بن عمر بن رسلان البُلْقيني" (ت ٨٦٨ هـ) ممن جاء للتهنئة، فدعا "خليل" ولدَه "عبدَ الباسط" لرؤيته وتقبيل يديه، فساعةَ وقع نظر "البُلقيني" عليه أجَلَّه واحترمه، وأخذ والده يُثني عليه، ويصفه بالعلم والذكاء. ثم اصطحبه أبوه معه إلى مجلس قاضي القضاة الحنفية "أحمد بن الدَيْري" بالمدرسة المؤيَّديّة (^٤)، فسأله عن مسألة في الفرائض، فأجابه (^٥).
_________
(^١) انظر مصنّفات المؤلّف في ما يأتي لاحقًا.
(^٢) المجمع المفنّن، ج ١/ ٥٧٢، رقم (٥٣٨).
(^٣) المجمع المفنّن، ١/ ١٦٦، رقم (٢٢).
(^٤) المدرسة المؤيَّديّة: هي المدرسة التي أنشأها السلطان المؤيَّد شيخ المحمودي بالصُةَّة تجاه القلعة. (بدائع الزهور ٢/ ٣٨، المواعظ والاعتبار، للمقريزي - تحقيق د. أيمن فؤاد سيد - لندن، مؤسسة الفرقان ١٤٢٤ هـ / ٢٠٠٣ م. - ج ٤ ق ٢/ ٦٧٢).
(^٥) الروض الباسم ٢/ ورقة ١٠ ب، ١١ أ.
1 / 14
ومن المرجح أنه تزوّج في هذه المدّة وهو في القاهرة من المدعوّة "شُكْرْباي" وسيأتي ذكرها لاحقًا.
في الصعيد:
وفي ١٥ ربيع الأول سنة ٨٦٦ هـ. خرج المؤلّف ﵀ من القاهرة إلى الصعيد، وبقي هناك نحو ثلاثة أشهر، اشترى خلالها كتّانًا برسم الإتجار به في بلاد المغرب، وأنفق في ثمنه نحو ٦٥٠ دينار (^١).
في بَنْها:
ولما كان ببَنْها قرب النُّوَيرة أُرجف بالتَّعرّض لهجوم من عربان تلك البلاد للنهْب، وخاصّة نَهْب تجّار المغرب، وهناك رأى حادثا مروِّعًا، وهو أن تمساحًا التقم امرأة وهي تغسل متاعها في النيل بالبلاد القِبلية، وأن إنسانًا من أهل تلك الناحية يُدعَى "أبو عَوكل"، معروف بصيد التماسيح قام بصيد ذلك التمساح، وخرج الناس لرؤيته، وعايَنَه هو فرآه على صفة هائلة.
كما رأى بالوجه القِبلي شخصًا له فمان وأربعة عيون وأربعة آذان وأنفان (^٢).
في بولاق:
ولما عاد من الصعيد إلى القاهرة أقام يومًا بساحل بولاق.
في الإسكندرية:
وسافر من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان يتشوّق للسفر إلى المغرب لأنه بلغه أن بها فُضلاء في علم الطب، وكان لديه نزْعة إلى ذلك، وهو أكبر الأسباب الداعية إلى توجّهه، فدخل الإسكندرية في آخر جمادى الآخر، ورأى بها جماعة من أهل الفضل وبعض المحدّثين (^٣). وفيها مرض مرضًا حادًّا في ٢١ من شهر شعبان، وعُولج حتى شُفي بعد أسبوعين (^٤). وحلّ عيد الفِطر وهو بها، فحضر صلاة العيد في الجامع السعدي، وشاهد فيه: "العزيز بن يوسف بن الأشرف بَرْسْباي"، و"المنصور عثمان بن الظاهر جقمق" وهما بخلعتين أُحضِرتا لهما من القاهرة (^٥).
وفي ميناء الإسكندرية رأى مركبًا هائلًا يملكه أحد كبار التجار من جنوة،
_________
(^١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٣٥ ب.
(^٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٣٥ ب و٣٦ ب.
(^٣) الروض الباسم ٢/ ورقة ٣٧ ب.
(^٤) الروض الباسم ٢/ ورقة ٣٨ ب.
(^٥) الروض الباسم ٢/ ورقة ٣٩ أ.
1 / 15
يُدعى "برازوز الفرنجي الجنوي" بحيث لم يقدر أن يحيط بوصفه لِعظَمه وكِبَره، وهو يحمل أربعًا وعشرين ألفًا بَتّيّة (^١). وقد صعِد إلى متنه وقال إنه: "كان أمرًا مَهُولًا" (^٢).
وفي الإسكندرية تعرّف بالتاجر "إبراهيم بن محمد الغرناطي الأندلسي" (^٣) التاجر المعروف بالرُميمي - تصغير الرومي -.
إلى رودِس:
وركب البحر في ١١ شوّال ٨٦٦ هـ (^٤). بشواني البنادقة، ومعهم جماعة من تجار المسلمين بأصناف البضائع، وأكثرها الكتّان، واضطّر المركب الذي هو فيه أن يتّجه نحو جزيرة رودس، بجنوب اليونان، طلبًا للماء وركود الريح، فوصل بُعَيد عصر السبت ١٩ شوال إلى القشتيل، فأغلق أهلها باب الحصن، فتأمّله وهو حصن منيع، مرتفع، عالٍ على جبل، وأحضر أهل المركب عِنبًا كثيرًا. ثم أقلع المركب قبل الغروب بيسير (^٥).
(وهنا توجد صفحة من المخطوط رديئة جدًا لا يُقرأ منها شيء، وضاع معها بعض أخبار رحلته (^٦)، ومنها قيام أحد الركاب بسرقة دجاجة على متن المركب، حيث نقرأ بقية هذا الخبر في الصفحة التالية، منها) أن قلفاط المركب لطم السارق، فأخرج السارق سكّينًا وضرب بها القلفاط فقتله، وبلغ الخبر "البندون الكبير" فأمر بإمساكه، ففرّ إلى مقدّمة المركب وألقى بنفسه في الخنّ الذي به المؤلّف، وكان به حِراب وسلاح فأخذ واحدة وحمى نفسه بها، والمؤلّف لا علم له بما جرى، فتلطّف به الفرنج وذكروا له أن القلفاط لم يمُت، وأن "البندون" متغيّظ وعليه الخروج للاعتذار وينتهي الأمر فعسى يقبل عذره بمساعدتهم، وعندما خرج من الخنّ قُبض عليه وأوثق من أكتافه وقُيد، وألقوا بجثّة القلفاط في البحر، ثم كتبوا محضرًا بالواقعة وحكموا على القاتل بالإعدام - ونزل "البندون" إلى قارب صغير ومعه جماعة من أعيان المركب من الفرنج، وأخذ ورقة المحضر، وتوجّه إلى إحدى الشواني الثلاث وبها رئيسهم القُبطان وأطلعوه على الأمر، فأشار
_________
(^١) البتّية: البرميل العظيم من الخشب. جمعها: بتاتي.
(^٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٤٠ أ.
(^٣) المجمع المفنّن، ١/ ٢٦١، رقم (١١٨).
(^٤) الروض الباسم ٢/ ورقة ٤٠ أ.
(^٥) هي الصفحة ٤٠ ب.
(^٦) الروض الباسم ٢/ ورقة ٤١ ب.
1 / 16
بقتل القاتل، فأتوا به إلى مركب القبطان، واجتمعت الشواني الثلاث إلى بعضها وأحضروا يهوديًّا كان ركب من الإسكندرية وأعطوه شيئًا كالسّاطور العظيم، ونصبوا وَتَدَين في حافّة المركب، ودلّوا بدن القاتل إلى البحر، وبقي عنقه بين الوتدين، ورأسه إلى المركب. فامتنع اليهوديّ من ضرب عنقه ورمى السّاطور، فما زالوا به حتى ضربه ضربة قوية ففصل رأسه عن جسده، فصار الجسد في البحر والرأس في المركب، فألقوا بها في البحر (^١).
في تونس:
ووصل إلى تونس يوم الأربعاء في ٢٢ من ذي القعدة، بعد أن بقي في البحر ٣٣ يومًا، فوجدها تشبه دمشق، حسنة، جليلة، هائلة، ونزل في فندق الركاد؟ وفيها توثّقت معرفته بالتاجر الرُمَيمي، وقام معه قيامًا تامًّا في بيع ما كان يحمله إليها من تجارة، وأغناه عن معالجة الناس (^٢). وتردّد للصلاة في جامع الزيتونة، فرحّب المدرّس به الشيخ "أبو إسحاق إبراهيم الأخدري (^٣) "، فكان يحضر مجلسه بين الظهر والعصر أحيانًا، وبين العصر إلى قرب المغرب أحيانًا أخرى، وسمع الكثير من فوائده وتحقيقاته، إذ كان - حسْب وصفه له - آيةً ورأسًا في الفتوى، لا سيما الأصلين.
وقد عيّد المؤلّف بتونس، وحضر صلاة العيد بجامع الزيتونة.
وفي يوم الأربعاء ٢٨ من ذي الحجة وصل إلى ميناء تونس مركبان للفرنج، فيهما عدّة أسرى، فركب المؤلّف قاربًا بقصد الفُرجة، فصعِد إلى المركب الأكبر، فوجد واحدًا من الأسرى من المسلمين الأتراك، من بلاد حاج ترخان من دست قبجاق التتر يعرف التركية، ولغة الفرنج، إذ بقي في أسرهم نحو ٢٥ عامًا، ولا يعرف العربية، فكلّمه بالتركية، وعرف أن اسمه "مبارك"، فاجتمع بالخواجا التاجر "أبي القاسم البنيولي أحمد" (^٤) ناظر الأندلس، وعظيم التجار بتونس ونزيلها، وأخبره بأمر هذا الأسير، فتوسّط له مع الفرنج، فافتدى "المؤلّف" الأسير منهم بأربعين دينارًا وأنزله إلى البر، واستخدمه، وبقي معه عدّة سنين (^٥)، إذ عاد معه إلى القاهرة، وأفاد منه أخبار بلاد التتر والفرنج، ومات في طاعون ٨٧٣ هـ.
_________
(^١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٤٢ ب.
(^٢) المجمع المفنّن، ١/ ٢٤١، رقم (١٢١).
(^٣) المجمع المفنّن، ٢/ ٣٢١، رقم (٢٢٦).
(^٤) الروض الباسم ٢/ ورقة ٤٢ ب.
(^٥) انظر الصفحة ٤٧ أ من الجزء الثاني.
1 / 17
(وهنا توجد صفحة أخرى سيّئة جدًّا لا تقرأ، ولهذا لا نعرف ما حملته من أخباره) (^١).
في رأس الطابية:
وفي يوم الأحد ٢٧ من ربيع الأول ٨٦٧ هـ. دُعي إلى ضيافة "البنيولي" برأس الطابية مع جماعة من أعيان التجار والحجاج من أهل الأندلس. وغيرهم، فأعجب بذلك المكان ووصفه، ثم وصف كيفيّة عمل "المجبَنَة" وهي من حلويات تلك البلاد (^٢).
وفي يوم الأربعاء ٢٦ من شهر جمادى الأول سنة ٨٦٧ هـ. وُلدت للمؤلّف ابنة من أمَتِه أمّ الشيخ شُكْرْباي، سمّاها "عائشة"، فلم تلبث أن ماتت في آخر النهار، فتأسّف عليها لاشتياقه إلى الأولاد، ودفنها في مكان يقال له "الزّلّاج"، وهو جبّانة عظيمة بتونس. وفي اليوم التالي - الخميس ٢٧ منه - خرج من باب الزّلاج إلى ظاهر تونس، مع صديق له بقصد التنزّه والترويح عن نفسه، بعد أن ضاق صدره بوفاة مولودته، ووصف صديقه بأنه الشاعر الأديب، البارع، الفاضل، الكامل، الدَّيِّن، أبو عبد الله محمد بن محمد المعروف بابن الرزين الخزرجي، الأنصاري، الأندلسيّ الأصل، التونسيّ، ورافقهما ثلاثة من الأصحاب: محمد الحديدي، وأحمد الوردوني، وشعيب البجائي، فاجتازوا بمسيرهم على زرع أخضر، فطلب المؤلّف أن ينشد كل من حضر شيئًا من الشعر على البديهة في هذا الزرع، شرْطَ الإجادة في المعنى، فابتدر ابن الرزين وأنشد ارتجالًا:
يا خليليّ قِفا واعتبِرا … كيف ماس الزرع حُسنًا واستردْ
وبدا منه غدير أخضر … صنعت فيه يدُ الريح زَرَدْ
وأحجم الباقون عن الإنشاد رغم إلحاح المؤلّف عليهم (^٣).
وفي يوم السبت ٢٩ من الشهر بعث إليه محمد المسعود بالله بن المتوكل على الله عثمان، صاحب تونس، وليّ عهد أبيه يستدعيه للحضور بين يديه، فلما مَثُل أمامه رحّب به، ورفع محلّه، وأخذ يتلطّف معه بالكلام، فأنشده هذين البيتين:
ألا يا آل حفصٍ يا ملوكًا … ويا دُرّ حلى بهم نعمت سلوكُ
ألا فُقْتُم ملوكَ الأرض طُرًّا … فما من بعدكم أحد مليكُ
فأعجباه وأجازه عليهما، وكتب له ظهيرًا بإعفائه عن المغارم واللوازم. وبعد
_________
(^١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٤٨ أ، ب.
(^٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٢ أ.
(^٣) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٢ أ، ب.
1 / 18
ذلك كان يدخل مجلسه المرّة بعد الأخرى، واجتمع به مرة عند الشيخ العالم الفاضل الكسلي، شيخ بلده، فأخذ يسأله عن الشيخ يحيى العجيسي، ثم تمادى الكلام إلى مشايخه، وما قاله بعضهم من المقصورة التي أولها:
أنتم بقلبي وأنا أشكو النوى … إن حديثي لم يتُبْ في الهوى (^١)
في جزيرة جرْبة:
وفي الثامن من شهر رمضان نزل جزيرة جرْبة (^٢) بالمراكب مع التجار، فأقام بساحلها ثمانية أيام. وأوسقوا منها زيتًا كثيرًا وأنواعًا من الأكسية.
في طرابلس الغرب:
وأقلعت المراكب إلى طرابلس الغرب، فنزل فيها نهار الخميس ١٥ من رمضان، وهيّأ له كبير التجار "عبد الحميد العوّادي" مكانًا سكَنَه، وفيها التقى بقاضيها وخطيبها ومفتيها، القاضي "منصور البنجريري القَرَوي"، وهو من قرية بنجرير بالقرب من القيروان، وكان من أهل العلم، ولديه فضيلة علمية وأدب، وله نظْم حسن، أنشده منه الكثير، وسمع منه الكثير من فوائده (^٣). وكان أثناء إقامته بطرابلس الغرب يخرج مع رفاقه من التجار للتنزّه، وشاهد الزاوية التي بناها "أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي فارس عبد العزيز" صاحب تونس (^٤)، وتنزّه بالبستان، ورأى القصر الذي فيه. ودخل الجامع الكبير بطرابلس وصعِد إلى مئذنته، وعايَنَ المكان الذي مات فيه الأطفال من جرّاء التزاحم عند التماس هلال شهر رمضان قبل دخوله المدينة بخمسة عشر يومًا (^٥).
وأصبح يوم الثلاثاء الثاني من ذي القعدة موعوكًا، فجاءه من الغد قاضي طرابلس "منصور البنجريري"، ومعه طبيب يُدعى محمد، فعاداه، ودعا له القاضي بالدعاء المأثور لعيادة المريض، فكتب له المؤلّف:
لي سيّدٌ زارَ وما زرتُهُ … فمنّي النقْصُ ومنه التمامْ
إن تحمل سهوي ففقه مضى … لا في المأموم وهو الإمامْ
وطالما زار الغَمَامُ الثَرَى … ولم يزُر قطّ الثرى للغمام (^٦)
_________
(^١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٢ أ، ب.
(^٢) جرْبة: جزيرة في بحر إفريقية، أقرب البلاد إليها قابس. (الروض المعطار في خبر الأقطار، للحِمْيَري، ص ١٥٨).
(^٣) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٤ أ.
(^٤) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٥ أ.
(^٥) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٤ ب.
(^٦) الروض الباسم ٢٦/ ورقة ٥٦ أ.
1 / 19
وكان قائد طرابلس الغرب "أبو النصر" يتولّاها من قِبَل صاحب تونس، وهو رجل ظالم، فلم يزره المؤلّف لذلك، فأراد القائد أن ينكيه، فطلب منه ثوبًا من الصوف السميك الأرجوان، فبعث إليه ثوبًا طوله ٤٠ ذراعًا، كان اشتراه من تونس بثمانية وعشرين دينارًا، فأخذه ولم يدفع ثمنه، وبقي كذلك عدة أيام، فجاءه القاضي "البنجريري" وأغلظ له في القول، وأخذ الثوب منه، وأعاده للمؤلّف، ممّا زاد من حنقه عليه (^١).
وحدث للمؤلّف أمر مُقلق وهو في طرابلس الغرب، ثم كانت له ذُيول بعد ذلك، وملخّصه أنه اشترى عشر جواري من الزنوج، وسلّمهنّ لمملوكٍ كان اشتراه بتونس، أصله من سردينية، كان أسيرًا وأسلم، فأعتقه وركن إليه، ولكن المملوك خدعه، إذ كان يتظاهر بالإسلام، وقال له: إن الرقيق في غاية الرخص في هذه البلاد، وهو غالٍ بساحل بيروت، فاشترِ لي فرسًا أتوجّه به إلى بيروت صحبة مراكب البنادقة مع التجار، فأبيع الرقيق، وأعود إليك بمالٍ طائل، فاشترى له ما أراد، وأنزله البحر مع التجار، فورد الخبر بعد مدّة أن المملوك ذهب إلى جزيرة رودس، وباع الرقيق هناك، وارتدّ عن الإسلام، وخرج إلى سردينية. فجاء من أخبر قائد طرابلس بذلك، وسنحت له الفرصة أن ينتقم من المؤلّف، فبعث خلفه، وسأله عن الجواري، فقال إنه بعث بهنّ إلى بيروت، فردّ القائد بأنك بعثت بهنّ إلى رودس، وبعْتهنّ هناك، فأقسم المؤلّف إنْ كَان فعل ذلك فعليه ألف دينار لبيت مال المسلمينَ، فسكت القائد، وانفضّ المجلس، وبعد وقت قصير أُحضر أمام القائد ثانية، وقد وصل اثنان من الأسرى المسلمين كانا برودس، فأخبرا بما فعل المملوك، ووصفاه، فالتزم بأداء الألف دينار إنْ صحّ الخبر، وأتى القائد بشاهدين، وكتب محضرًا بذلك، وأنه إنْ أتى آتٍ وأخبر بالخبر نفسه، كان عليه تنفيذ التزامه (^٢).
وفي يوم الخميس منتصف شهر محرم من سنة ٨٦٨ هـ. وصل إلى طرابلس الغرب قارب، فيه اثنان من الأسرى المسلمين، هربا من رودس، وأخبرا القائد بما فعله المملوك، فاتفق القائد معهما أن يرويا ذلك أمام المؤلّف، ولكن دون ذِكر ارتداد المملوك عن الإسلام، وطلب منه الألف دينار، وأمر بحبسه دون أن يُمهله فرصة لتدبير أمره، وبعث إلى داره بجماعة، فأخذوا جميع ما وجدوه بها من المتاع، وحملوا أمّ ولده إليه، وبات المؤلّف ليلته سجينًا، وعلم جماعة من أعيان
_________
(^١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٦ أ.
(^٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٦ ب.
1 / 20
طرابلس بالقضية، فأتوا إلى القائد مستنكرين، وكان القاضي قد بلغه ارتداد المملوك عن الإسلام، فقام بما يوجبه الشرع، وقال للقائد إنّ الشرط لا يُلزِم أداءَ المبلغ، لأنّ المملوك ارتدّ عن الإسلام، وخدع صاحبه، واحتال عليه، وذهب بماله، فوعده القائد بالإفراج عنه غدًا، وفي الليل أحضر المؤلّف من سجنه، وتوعّده وخوَّفه، وأخذ منه مالًا بالمكر والخديعة، وحلّفه أن لا يذكر شيئا مما حدث لأحدٍ من أهل طرابلس. وقد جرى كل ذلك دون أن يدري بما فعله القاضي وأعيان المدينة، كما لم يعرف بارتداد المملوك. وفي صباح اليوم التالي أُطلق سراحه، وعندما وقف على حقائق الأمور ندم على دفع المال للقائد، وسكت وهو على مَضَضٍ كبير، وزاد من أسفه أنّ القائد داهن كبير التجار بطرابلس "عبد الحميد العوّادي"، فانقلب عليه ولم يُراع صحبته، ووقف إلى جانب القائد الظالم اتقاءً لشرّه، وكان عند المؤلّف صاحب من ظرفاء سمرقند يُدعى "خليل العجمي" وقد أحاط بكل ما جرى، فتأثّر من موقف كبير التجار المتنكّر لصديقه، وكان له إلمام بالنظم، فنظم أبياتًا هجاه فيها، وكأنّها على لسان المؤلّف، وأنشدها له، فأثبت المؤلّف ما يذكره منها وهو قوله:
بني العوّادي أقوام لِئام … حلالُ الشرع عندهُم حرام
لهم فِتَن تشاعُ بكل نادٍ … عليهم لعنة المولى دوام
شويشو مشهور … إذا حلو شواش
لا عَلَمُوا منشور … بسوق الأوباش
فلا عجبًا إذا افتخروا بعرضي … فإنّ العرض عندهم مُباح
وإنْ قالوا: قليل الدين قلنا: … فطيم لا يريد سوى النكاح
وهي طويلة.
وبعد أيام ورد قارب من أسارى رودس الأروام المسلمين هاربين منها، وهم زيادة على العشرة، فأخبروا بالقضيّة على جليّتها، وأنّ ذلك المملوك باقٍ على نصرانيّته، وهو حكى لهم ما فعل بسيّده، وأنه باع الجواري بخمسمائة دينار، وأنّه لما دخل البنادقة بالشواني إلى رودس احتال على صاحب المركب الفرنجي الذي معه، أن سيّده أمره أن ينزل بالجواري برودس، ومنها يسافر إلى بلاد الروم فيبيعهنّ، لأنّ السعر هناك أغلى من ساحل الشام، وكان معه في المركب يهوديّ اتفق معه أن يشتريهنّ منه، ودفع له كراء المركب. وانخدع الفرنجي صاحب المركب بكلامه. وشاعت هذه الحكاية بطرابلس، فلما تحقّق المؤلّف منها ذهب إلى القائد، وطلب منه أن يعيد إليه ما أخذه منه، وخوّفه بأنّه سيعود إلى تونس،
1 / 21
ويشكوه إلى صاحبها "عثمان" وولده "المسعود"، ولم يخرج من عنده حتى أعاد له ماله وبيته. وخسر الجواري، وامتُحِن بالسجن (^١). ولم تمض سوى أيام قليلة حتى مات أحد أولاد قائد طرابلس في أواخر المحرم ٨٦٨ هـ. فتأسّف عليه أبوه، وكتب المؤلّف معلّقًا: "زاده الله أسفًا على أسفه" (^٢).
ثم جرت للمؤلّف حكاية أخرى، وهذه المرة مع شخص يهوديّ الأصل، من بلاد الفرنج، يُدعى "عبد الرحمن"، قدم إلى طرابلس الغرب، وتزوّج بحارة اليهود امرأة واستولدها، ثم سافر إلى القاهرة، ومنها إلى القدس، فوُجد هناك وهو يزني بمسلمة، فأسلم على كُرهٍ منه، وعاد إلى طرابلس الغرب والمؤلّف بها، وأخذ يتودّد إليه، حتى قام في خلاص ولده من امرأته اليهودية، وأخذه معه إلى بلاد المغرب الأقصى، وأحسن إليه غاية الإحسان. وكان ذلك في شهر صفر ٨٦٨ هـ (^٣) فلم يقابله اليهوديّ إلّا بالإساءة المؤدّية إلى الهلاك، كما سيأتي لاحقًا.
وفي شهر جمادى الآخر قرّر السفر إلى تونس، وعرف بذلك قائد طرابلس، فخشي أن يذكر أمره للسلطان، فأرسل إليه يستعطفه ويعتذر، حتى حَلَف له، ثم بعث إليه بهدية ليضمن ودّه، فامتنع من قبولها وتوهّم منه، ولم يزل به حتى أخذ هديّته.
في قابس:
ودخل يوم الأحد ٢٥ من جمادى الآخر مدينة قابس (^٤).
في القيروان:
ودخل بعدها القيروان يوم الأربعاء ٢٨ منه، فأنزله عالمها "أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد البلدي" الشهير بابن البكّوش، وكان مفتيها وخطيبها، بدابى إلى جانب داره، وأنس به جدًا، فأخذ المؤلّف يتردّد على مجالس دروسه، وتلقّى عنه العلم الكثير في الوقت اليسير، مع الاجتهاد وكثرة الترداد، ما بين قراءة عليه وسماع، واستفاد منه نُبَذًا جيّدة في صناعة الطب، وحصّل فوائد جمّة وجليلة للغاية، وأخذ منه الإجازة (^٥). وزار أثناء إقامته بالقيروان جبّانتها، وتجوّل بين قبور العلماء والصالحين والأولياء،
_________
(^١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٢ ب - ٧٣ ب.
(^٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٤ أ.
(^٣) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٤ ب.
(^٤) قابس: مدينة بحرية صحراوية، بينها وبين البحر ثلاثة أميال، وبينها وبين القيروان أربعة مراحل. لها وادٍ يسقي بساتينها. (الروض المعطار ٤٥٠).
(^٥) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٦ ب.
1 / 22
ووقف على أسماء الكثير منهم، ولكنه أضاع أوراق التعليق، فلم يعد يذكر ممّن زار قبورهم، سوى الإمام سَحْنون (^١)، وأبي الحسن
_________
(^١) سَحْنُون، ويقال: عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي، أبو سعيد، إمام أهل إفريقية والمغرب في عصره بلا منازع. فقيه، محدّث، قاض، مُفتٍ، حمل لواء أهل السُنّة والجماعة بتلك الربوع، وقاوم البِدَع ودوّن مذهب مالك ونشره. ولد سنة ١٦٠ وتوفّي سنة ٢٤٠ هـ. انظر عنه في: طبقات علماء إفريقية وتونس، لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم (ت ٣٣٣ هـ) - تحقيق محمد بن أبي شنب - الجزائر ١٩١٥ - ص ١٠١، وطبقات علماء إفريقية، للخشني، محمد بن حارث (٣٦١ هـ). تحقيق محمد بن أبي شنب - الجزائر ١٩١٥ م- ص ٢٢٧ - ٢٣٦، ورياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهّادهم ونسّاكهم وسِيَر من أخبارهم وفضائلهم وأوصافهم، لأبي بكر عبد الله بن محمد المالكي (ت بعد ٤٦٤) - تحقيق حسن مؤنس - مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ١٩٥١ - ج ١/ ٣٤٥، وطبقات الفقهاء، للشيرازي ٢٥ و١٤٧ و١٥٢ و١٥٣ و١٥٦ - ١٥٩ و١٦٣، وترتيب المدارك، للقاضي عياض ٢/ ٥٨٥ - ٦٢٦، والإكمال، لابن ماكولا ٤/ ٢٦٥، والثقات، لابن حزم ٣٣٥، ومعالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، للدبّاغ، عبد الرحمن بن محمد الأنصاري (ت ٦٩٦ هـ)، أكمله أبو القاسم بن عيسى بن ناجي (ت ٨٣٩ هـ) - مكتبة الخانجي، مصر، والمكتبة العتيقة، تونس - الطبعة ٢/ ١٣٨٨ هـ - ج ٢/ ٤٩، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البرّ، أبي عمر يوسف بن عبد الله (ت ٤٦٣ هـ) تحقيق جماعة من العلماء - المغرب ١٣٨٧ هـ -١٤٠١ هـ - ج ١/ ٩٦، ٩٧ و٢/ ١٤٣، وقضاة قرطبة، للخشني، محمد بن حارث القيرواني (ت ٣٦١ هـ) - الدار المصرية للتأليف والترجمة ١٩٦٦ - ص ٥٨، واللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير ١/ ٧٩، والبيان المُغرب، لابن سعيد ١/ ١٠٩، والمرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، للنباهي، علي بن عبد الله الأندلسي (كان حيًا سنة ٧٨٨ هـ) - طبعة المكتب التجاري، بيروت - ص ٢٨، والمِحَن، لأبي العرب التميمي القيرواني (ت ٣٣٣ هـ) - تحقيق يحيى الجبوري - دار الغرب الإسلامي، بيروت ١٤٠٣ هـ - ص ٤٥٤، وأعلام الموقّعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، أبي عبد الله محمد بن أبي بكر (ت ٧٥١ هـ) - طبعة دار الجيل بيروت ١٩٧٣ - ج ١/ ٢٧، ووفيات الأعيان، لابن خلّكان ٣/ ١٨٠ - ١٨٢، والحُلَل السندسية في الأخبار التونسية، للوزير الأندلسي السراج، محمد بن محمد (ت ١١٤٩ هـ) - طبعة الدار التونسية للنشر ١٩٧٠ - ج ١ ق ١/ ٢٨٥ وج ١ ق ٣/ ٧٦٩، والإرشاد في معرفة علماء الحديث، للخليلي القزويني - ج ١/ ٢٦٩، رقم ١١٢، ودول الإسلام، للذهبي ١/ ١٤٦، والعبر، له ٢/ ٣٤، وسير أعلام النبلاء، له ١٢/ ٦٣ - ٦٩، رقم ١٥، وتاريخ الإسلام، له (بتحقيقنا) - حوادث ووفيات ٢٣١ - ٢٤٠ هـ - ص ٢٤٧ - ٢٤٩، رقم ٢٤٩، ومرآة الجنان، لليافعي ٢/ ١٣١، ١٣٢، والبداية والنهاية، لابن كثير ١٠/ ٣٢٢ و٣٢٣، والديباج المذهَب، لابن فرحون ٢/ ٣٠ - ٤٠، وشجرة النور الزكية، لمخلوف ٧٠، والوفيات، لابن قنفذ ٢٦، والإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، للسخاوي ١٤٠، ولسان الميزان، لابن حجر ٣/ ٨، ومدرسة الحديث في القيروان، للحسين بن محمد شواط - الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض ١٤١١ هـ - ج ٢/ ٥٨٠ - ٦٠١، رقم ١٣ وفيه مصادر أخرى.
1 / 23
القابِسيّ (^١)، وشُقْران (^٢).
في تونس:
وفي العشرين من شوال ٨٦٨ هـ. خرج من القيروان إلى تونس فوصل إليها يوم ٢٣ في آخر النهار، فلم يمكث فيها إلّا بعض أيام قلائل.
في تِلِمسان:
ثم خرج في أواخر شوال صُحبة الركب إلى تلمسان (^٣).
في باجة:
وبعدها دخل باجة (^٤) صحبة شيخ الركب "محمد بن أبي إبراهيم الفيلالي"، وقاسى العذاب في أثناء السفر (^٥).
في قُسنْطينة:
وفي ١٧ من ذي القعدة دخل قسنطينة وأقام بها ثلاثة أيام (^٦).
في بجاية:
ثم دخل مدينة بجاية (^٧) وبادر فاجتمع بشيخها الإمام العالم "أبي القاسم محمد المشدالي"، وسمع الكثير من فوائده.
في الجزائر:
ومن بجاية انتقل إلى الجزائر، وحضر مجلس سيدي عبد الرحمن الثعلبي، وسمع شيئًا من فوائده، وسأله بعض أسئلة كانت تُشكل عليه، فأفاده عنها، ورأى تفسيره، وقرأ عليه بعض السطور من أوله، فأجازه.
ورحل عن الجزائر إلى مدينة مازونا وقلعة هوّارة والبنجا.
_________
(^١) هو الإمام، أبو الحسن علي بن محمد بن خَلَف المعافري، القَرَوي، القابسي، الفقيه المالكي، عالم أهل إفريقية. ولد سنة ٣٢٤ وتوفي سنة ٤٠٣ هـ. انظر عنه في: تاريخ الإسلام (بتحقيقنا) حوارث ووفيات ٤٠١ - ٤٢٠ هـ - ص ٨٥ - ٨٧، رقم ١١٠ وفيه حشدتُ مصادر ترجمته.
(^٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧، ب. (في شهر شعبان). وفيه: "شقرون".
(^٣) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٩ أ. وكان في الركب محمد بن أبي إبراهيم المغربي الصحراوي، وقد رافقه قبل ذلك في بعض أسفاره. (٢/ ٨٥ أ).
(^٤) باجة: مدينة كبيرة بإفريقية على جبل شديد البياض يُسمى الشمس لبياضه، وهي في وطاء من الأرض، بينها وبين طبرقة مرحلة، وهي كثيرة الأنهار والعيون (الروض المعطار ٧٥).
(^٥) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٩ ب.
(^٦) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٩ ب.
(^٧) بجايا: قاعدة الغرب الأوسط، على صفة البحر يضرب سورها. بناها ملوك صنهاجة، والبحر منها في ثلاث جهات (الروض المعطار ٨٠، ٨١).
1 / 24