يحنث في قياس قوله. قلتُ وهو الصحيح حفظاً لكلامه عن الالغاء ما أمكن، ومنها، إذا قال علّى كُر حنطة وكر شعير، الا كر حنطةٍ وقفيز شعير لم يصح استثناؤه في قفيز الشعير عنده لأنه لم يتعلق بقوله الا كر حنطة حكم فصار بمنزلة السكتة وعندهما وعند أبي عبد الله يصح استثناؤه في قفيز الشعير.
ومنها اذا قال لفلان على ألف درهم استغفر الله الا مائة لم يصح استثناؤه الا في روايةٍ عن أبي يوسف، لأن قوله استغفر الله لا يستثنى به فصار بمنزلة السكتة.
ومنها أن الرجل اذا نظر الى كوزين فقال: إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز، وفي هذا الكوز، فأمرأته طالق. فإذا وجد أحد الكوزين لا ماءً فيه، وفي الآخر ماء فإن اليمين تنعقد على الكوز الذي فيه ماء. عند أبي حنيفة ومحمد. فإن لم يشرب الكوز الآخر حتى أريق. حنث وعند أبي يوسف يتعلق الحكم بهما جميعاً حتى لو لم يشرب ما في هذا الكوز الثاني لم يحنث وكأنه لم يخلف.
ومنها اذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً أو واحدة إن شاء الله لا يصح استثناؤه عند أبي حنيفة وعندهما بخلافه(٧٠).
موقف غير الحنفية من هذا الضابط:
كنتُ قد وعدتُ أن أُبينَ موقفَ الفقهاء من غير الحنفية ممن جمع في كلامه بين ما يقبل الحكم وبين ما لا يقبله ومن خلال ذلك يظهر حكم المسائل السابقة عند بقية الفقهاء فأقول وبالله تعالى التوفيق :
إن هذا الضابط الذي سار عليه الامام أبو حنيفة رحمه الله تعالى قد أخذ به فقهاء وأئمة المذاهب الأخرى. فمذهب الشافعية والحنابلة فيمن جمع في كلامه بين ما يقبل الحكم وبين ما لا يقبله كالصور السابقة هو نفس مذهب الإمام أبي حنيفة يقول الإمام السيوطي رحمه الله بهذا الشأن ومنها لو قال لزوجته وحمار أحدكما طالق فإنها تطلق زوجته، بخلاف ما لو قال لها ولأجنبية. وقصد الأجنبية يقبل في الأصح لكون الأجنبية من حيث الجملة قابلة(٧١) أما إذا لم يقصد الأجنبية فالظاهر من كلام السيوطي أنَّ الطلاق يقع على امرأته إعمالاً لكلامه.
(٧٠) تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي ص ١٨ وص ١٩ طبعة سنة ١٩٧٢ الناشر زكريا علي يوسف.
(٧١) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٢٨. وانظر المنثور في القواعد للزركشي ج ١ ص ١٨٣ طبعة أولى.