Al-Mutlaq wa Al-Muqayyad
المطلق والمقيد
Yayıncı
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٣هـ/٢٠٠٣م
Yayın Yeri
المملكة العربية السعودية
Türler
مقدمة
...
شكر وتقدير
الحمد لله رب العالمين، الذي بيده كل عون وتوفيق، أحمده وأشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. أما بعد:
فكثيرون هم الذين أسهموا في إبراز هذه الرسالة حتى وصلت إلى المرحلة التي يشاهدها القارئ بين يديه.
وأنا - قبل القارئ - مدين لهم بالشكر والتقدير، لما أبدوه من اقتراحات مفيدة. وما بذلوه من مساعدات علمية مشكورة.
وأخص منهم بالذكر أستاذي وشيخي فضيلة الدكتور (محمد عبد الرحمن مندور) المشرف على الرسالة، الذي لم يتوان في تقديم التوجيه السديد، والملاحظة الدقيقة النافعة، مما كان له الفضل - بعد الله تعالى - في إخراج هذه الرسالة إلى حيز الوجود؛ حيث كان يرعاها ويتعهدها بتوجيهاته المفيدة، منذ كانت فكرة حتى نضجت وكملت، كما لا أنسى أن أنوه بالروح العلمية العالية التي لمستها من القائمين على شؤون الدراسات العليا، التي فتحت أمامي مجالات وآفاقًا واسعة سطرت آثارها على هذا البحث شكلًا ومضمونًا. فهذه الرسالة بحق ثمرة التجاوب والتعاون العلمي المفيد الذي وجدته من جميع أسرة الجامعة.
وهنا لا بد أن أنوه - أيضًا - بالعون العلمي والمادي الذي تبذله حكومتنا الرشيدة لطلاب العلم، ممثلة في الجامعة الإسلامية التي وفرت وما زالت توفر جميع ما من شأنه نجاح البحث العلمي النافع؛ فمكتباتها بما
1 / 5
تحويه من نفائس الكتب ونوادر المخطوطات غير محجوبة، وأبوابها دائمًا مفتوحة للطلاب المستفيدين، فالله أسأل أن يجزي الجميع عني خير الجزاء، وأن يهدينا وإياهم إلى ما يحبه ويرضاه، إنه سميع مجيب.
1 / 6
المقدمة
وتشتمل على:
١ - كلمة في نشأة علم أصول الفقه وأهميته.
٢ - أهمية الموضوع وسبب اختياره.
٣ - طريقة كتابة البحث وتخطيطه.
1 / 7
تستمد منه أحكام الفقه الإسلامي، وقد تضمنا من المبادئ والقواعد والتوجيهات العامة ما يهدي إلى سواء السبيل.
وبمجهودات الصحابة - رضوان الله عليهم - وما نقلوه عن الرسول ﷺ من شرح وتوضيح وتوجيه، ثم بمجهودات أئمة الأجيال التي أعقبت الصحابة ﵃ جاء البيان التام لمصادر الشريعة الإسلامية، واتضحت المناهج التي يمكن بها استمداد الأحكام التي تحدد مسار الخلق، وترسم لهم الطريق الذي يقودهم إلى بلوغ مصالحهم في الدنيا والآخرة.
فبهذه المجهودات المتواصلة تَكَوَّن عِلْمٌ ذو شأن عظيم، وأهمية بالغة هو: علم أصول الفقه الإسلامي.
وما دمنا بصدد الحديث عن أهمية أصول الفقه، فلعل مما يفيد في
1 / 8
هذا المقام ما أورده الأسنوي١ في كتاب التمهيد حيث يقول:
"وبعد: فإن علم أصول الفقه، علم عَظُمَ نفعه وقدره، وعلا شرفه وفخره؛ إذ هو مثار الأحكام الشرعية، ومنار الفتاوى الفرعية التي بها صلاح المكلفين معاشًا ومعادًا، ثم إنه العمدة في الاجتهاد، وأهم ما يتوقف عليه من المواد٢"٣.
وقد ظل علم أصول الفقه محط اهتمام المسلمين على مر العصور، وظل في مقدمة العلوم التي يندفع الدارسون لتلقيها وتدريسها.
_________
١ الأسنوي: هو جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي القرشي الأموي الأسنوي الشافعي، ولد سنة (٧٠٤هـ) وبرع في علوم اللغة والفقه والأصول، من أشهر مؤلفاته (نهاية السؤل شرح منهاج الوصول للبيضاوي) والتمهيد في تنزيل الفروع على الأصول، توفي ﵀ سنة (٧٧٢هـ) . طبقات الأصوليين للمراغي ٢/١٨٦-١٨٧.
٢ التمهيد ص: ٣٩، تحقيق محمد حسن هيتو، ط أولى سنة ١٤٠٠هـ، مؤسسة الرسالة بيروت، وقارن بمجلة الجامعة الإسلامية العدد (٤٦) السنة ١٢ ص٢٦٤.
٣ وقد طبق الصحابة ﵃ ومن تبعهم بإحسان عند استنباطهم الأحكام من أدلتها هذا المنهج، ومن ذلك: قول ابن عباس ﵁: "من شاء باهلته أن آية النساء القصرى نزلت بعد آية النساء الطولى، إشارة إلى قاعدة نسخ المتأخر للمتقدم، وقول أبي بكر لفاطمة ﵂ عند طلبها الإرث من فدك، لقد قال الرسول ﷺ: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" أخذًا بصيغة العموم في الحديث وغير ذلك.
1 / 9
والسبب في ذلك يعود إلى أن علم أصول الفقه يتمتع بخاصية تميزه عن سائر العلوم.
فهو غزير في مادته، يشبع نهم المقبلين عليه، ويخاطب عقولهم، ويحث فيهم جذوة التفكير - بجانب أهميته ومكانته الرفيعة، فإذا أدرك الباحث أبعاد هذا العلم يجده متصلًا بجميع العلوم الشرعية، والعربية بمواده المتنوعة، فلا يتمكن منه دارس إلاَّ وقد حصلت له ملكة استنباط الأحكام الشرعية.
فعلم الأصول على هذا ليس كما يتصوره بعضهم، علمًا محصورًا في تعريفات ومناقشات لفظية، جافًا غير آخاذ، بل هو على العكس من ذلك تمامًا، يدرك ذلك علماء الأصول الذين عايشوه دراسة وتدريسًا، ومما يدل على ذلك أيضًا أن العالم بالفقه والأصول يقدم على غيره في الوظائف المهمة؛ لخطورة وأهمية ما يحمله، فهو الذي يولّى أخطر منصب في الدولة الإسلامية، ألا وهو منصب القضاء؛ فالفقهاء الملمون بالأصول مقدمون على غيرهم في تولي هذا المنصب، ويفضل - من هؤلاء - العارفون بحياة الناس الاجتماعية وعاداتهم المرعية.
ومع هذه المكانة العالية لأصول الفقه، والجهود التي بذلت فيه على مر العصور إلا أن التأليف فيه قد جاء متسمًا بصفة العموم والإجمال في بعض النواحي والإحالات على المواضيع التي يشبه بعضها بعضًا.
أضف إلى ذلك أن أسلوب التأليف في القديم يختلفُ عنه في الوقت
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الإسلام، وأنزل القرآن على خير الأنام، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل الحكيم العلاَّم، الرسالة الخالدة، والخالية من الأخطاء والأوهام، المتصف بالتآلف والوئام.
والصلاة والسلام على خير البرية، ومعلم البشرية سيدنا محمد ﷺ، أفضل بني آدم خلقًا وسجية، بعث بالحنيفية والأخلاق المرضية، وفسر القرآن بسنته القولية والفعلية، وبيّن الأحكام الشرعية بالكلمات القدسية، وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به واتبعوا هديه المبين، وتمسكوا بدينه واعتصموا بحبله المتين، ودافعوا عن شريعته بكل غال وثمين، وشددوا النكير على النزاع والخلاف بين المؤمنين، ورفعوا راية الإسلام في المشارق والمغارب قاصدين بذلك رضا رب العالمين.
وعلى من اتبع هديه إلى يوم الدين من أمته المجتهدين المخلصين الذين صرفوا أعمارهم في خدمة الشريعة وأحكامها، فوفقوا بين نصوصها، ودفعوا التخالف عنها، وأعملوا راجحها وأولوا مرجوحها؛ فجعلوا لكل مسألة حكمها، ولكل مشكلة حلها، ولكل قضية مسارها، ولكل معارضة جمعها وتوفيقها، فبذلك كونوا ثروة فقهية عظيمة، كانت وما زالت مصدر كل باحث، ومعين كل تشريع.
1 / 12
١ - أهمية أصول الفقه:
قد يكون من نافلة القول الحديث عن مكانة وأهمية أصول الفقه - باعتباره قواعد وضوابط كلية - تبين وتفسر نصوص الأحكام من الكتاب والسنة؛ اللذين إليهما مرد الشريعة الإسلامية في مصادرها الأصلية والتبعية؛ فالكتاب وهو كلى الشريعة وأصل أصولها تناول الأحكام بطريقة يزينها طابع الإجمال والعموم في الغالب.
وتليه السنة التي كانت ترجمانه وتفصيله، وطريقة الوصول إلى هدايته وتفسيره، قال الله - تعالى -: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ١، فكان بيان ما أجمل من القرآن بطريق السنة، والكل وحي من الله - تعالى - إلى رسوله ﷺ لقوله - تعالى -: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ ٢، ولقول رسول الله ﷺ: "ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ... "٣ الحديث؛ فالقرآن الكريم والسنة المطهرة هما الأساس الذي
_________
١ سورة النحل، آية: ٤٤.
٢ سورة النجم، آية: ٤.
٣ الحديث رواه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء ٣/١٧٠ رقم الحديث: ٣٠٥٠، باب الإمارة بلفظ: "ألا وإني والله وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء، إنها لمثل القرآن أو أكثر"، وفي كتاب السنة: ٢٠٠ بمثل لفظ أحمد الآتي.
ورواه الترمذي في كتاب العلم باب ما نهى عنه أن يقال: عند حديث رسول الله ﷺ بلفظ: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به، أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه"، وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد في مسنده ٤/١٣١ بلفظ: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانًا على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، وذكر أشياء أخرى"، والحديث من رواية المقداد بن معد يكرب، أبي كريمة عن رسول الله ﷺ.
1 / 13
الحاضر، وقلما تجدُ قارئًا لا يجدُ صعوبةً في دراسةِ الأصول، وفهم الأساليب التي كتبت بها.
لهذا كله كان من الواجب على الباحثين في الدراسات الأصولية - وخاصة أصحاب رسائل الماجستير والدكتوراه - أن يهتموا بتلك النواحي التي لم تشبع بحثًا وتنقيبًا، فيختاروها مواضيع لرسائلهم، وبهذا العمل يحققون أكثر من هدف لأنهم:
أولًا: قد أكملوا تلك المواضيع التي لم يتناولها القدماء بالتفصيل.
ثانيًا: فإن كتابة رسائلهم ستكون متمشية مع أسلوب العصر، وفي ذلك تسهيل وتبسيط لفهم جانب كبير من تراثنا الإسلامي العريق.
1 / 14
٢ - أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
إن أهمية الموضوع تنبع من أهمية أصول الفقه نفسه، ومع هذا فإن مواضيع الأصول تتفاوت لمزايا خاصة بها، ولعل موضوعَ معرفة دلالة الألفاظ العربية من ناحية العموم والخصوص - ومنْ ناحية الإطلاق والتقييد من المواضيع الجديرة بالدراسة والبحث؛ لأن معظم أدلة الشرع غالبها العمومات والإطلاقات، فعلى من أراد فَهْم الأحكامِ الشَّرعية المستمَدَّة من نصوص الكتاب والسنة أن يكونَ مدركًا لأحكام الخطاب العام وعلاقته بالخاص، ولأحكام الخطاب المطلق وعلاقته بالمقيَّد، ومقاصد ذلك في اللسان العربي والعرف الشرعي.
وقد اهتم الأصوليون - قديمًا وحديثًا - بمباحث العام وتخصيصه، وأحكام كل منهما وعنوا بهما عناية فائقة تظهر بإلقاء نظرة على مؤلفاتهم في هذا الفن، كما أفرده بعضهم بمؤلفات ورسائل خاصة١.
لكن المطلق حيث كان قريب الشبه بالعام اكتفى بعض الأصوليين من الجمهور بذكره عقب العام وأحكام التخصيص، ثم أحالوا من أراد
1 / 15
معرفة أحكام المطلق وتقييده على ما ذكروه في باب التخصيص، مكتفين بقولهم: "إن كلَّ ما يخصص العام يقيد به المطلق، وكل ما لا يجوز أن يخصص به العام لا يجوز أن يقيد به المطلق".
وبالتالي لم تحظ أحكام المطلق بالتفصيل الذي حظيت به أحكام العموم.
وهذا النقص والإجمال جدير أن يكون موضوعًا لرسالة علمية؛ لأن للمطلق ماهيته التي كانت مثار نقاش طويل لدى العلماء من حيث تحديدها، والفرق بينها وبين ماهية النكرة، ثم بينها وبين ماهية العام، وهل المطلق من قبيل العام أو الخاص؟ وإذا كان من أنواع الخاص فما تفسير قول العلماء: العام المطلق والفعل المطلق؟
ثم إن للمطلق دلالتَه التي لم يتفق الأصوليون على تصنيفها، أهي قطعيةٌ أم ظنيةٌ؟ ثم ما صلة المطلق بالمقيد؟ وهل يحمل المطلق على المقيد أولًا؟ وإذا كان المطلق يحمل على المقيد فما معنى ذلك، وما سببه؟ وما شروطه؟ وفي أي الحالات يكون حمل المطلق على المقيد وفي أيها يمتنع الحمل؟ ثم ما حكم حمل المطلق على المقيد إذا ما تعدد القيد؟ وما سبب الخلاف في الحالات التي لم يتفق الأصوليون على حمل المطلق على المقيد فيها، وما علاقة اختلافهم هذا بالقول بمفهوم المخالفة، وبالزيادة على النص، وما أثر هذا الخلاف على الفروع الفقهية؟ وأخيرًا ما معني التقييد؟ وما الفرق بينه وبين التخصيص وبينه وبين النسخ؟ ثم بأي شيء يكون
1 / 16
تقييد المطلق؟
كل هذه التساؤلات وغيرها كانت سببًا مباشرًا؛ لأن يكون موضوع بحثي الذي أتقدم به لنيل درجة الماجستير في قسم أصول الفقه في الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، هو: (المطلق والمقيد وأثرهما في اختلاف الفقهاء) .
يضاف إلى ذلك سببٌ آخر شدَّني إلى الكتابة في هذا الموضوع وحملني على امتطاء عبابه، ألاَ وهو: بيان أن أدلةَ الشرعِ متآلفة لا متنافرة، متوافقة لا متعارضة، ليس بينها خلاف في نفس الأمر في المدلولات، ولا تباين في المفهومات، متى كان الدليلان متفقًا على صحتهما، وأخذ الأحكام عن طريقهما، لقوله - تعالى -: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ ١، مفهوم الآية: نفي الاختلاف عن القرآن في نفس الأمر، غير أنه في بادئ النظر قد يجد المرء أن هناك تنافيًا بين دليلين منطوقًا أو مفهومًا، وذلك راجع لنقص في علمه، أو خلل في فهمه وإدراكه للأصول والقواعد التي تنظم العلاقة بين أدلة الشريعة الإسلامية.
فمثل هذا يجب أن يبصر ويعلم؛ ولا يكون إلا بمراجعة الكتب والرسائل التي تعالج هذه المواضيع بأسلوب علمي سهل.
_________
١ سورة النساء، آية: ٨٢.
1 / 17
- وأيضًا - فإن الكتابة في تلك المواضيع ستقوم بلا شك بوظيفة تقريب شقة الخلاف بين المذاهب الإسلامية، وإزالة الشكوك التي تساور النفوس الضعيفة، فتقول: إذا كان القرآن واحدًا ونبي الإسلام واحدًا، فَلِمَ هذا الاختلاف؟ ولماذا لم تتفق كلمة الفقهاء في الفروع، وما هي أسباب تلك الخلافات؟ إلى غير ذلك من التشكيك والأسئلة التي أساسها إما الجهل، أو عدم التَّحري في النقل عن المذاهب، أو عدم الدِّقِّة في الفهم والنظر، لهذا كله استخرت الله تعالى في الكتابة في هذا الموضوع، راجيًا منه التوفيق والسداد.
1 / 18
٣ - طريقة البحث وتخطيطه:
البحث، أو الرسالة الجامعية العالية عبارة عن قسمين:
أحدهما: رئيس ويسمى (صلب الموضوع)، وتبدأ كتابته بأعلى الصفحات ويحتل في الغالب ثلث الصفحة.
والقسم الآخر: تابع للأول ومكمل له، ويسمى (بالهوامش أو التعليقات) ومكانه أسفل صفحات الرسالة، ويفصل بين القسمين خط أفقي.
وطريقة بحثي في القسم الأول: (صلب الرسالة) تتلخص في الآتي:
أولًا: عند التعريف بالمفهوم الاصطلاحي، أو القاعدة الأصولية.
إذا كان المفهوم أو القاعدة منضبطًا وقابلًا للتحديد اللغوي والاصطلاحي، فإني أبدأ أولًا بتعريفه في اللغة، ثم في الاصطلاح، وأشرح التعريف وأبيِّن محترزاته أحيانًا.
أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك فإنَّ تعريفه يكون بتصويره وتقريبه بالأمثلة التي تبين المراد منه.
ثانيًا: عند عرض آراء الفقهاء في القواعد والمسائل الأصولية:
١ - أبدأ بذكر أقوال العلماء في المسألة أو القاعدة، فإذا كانت الآراء حول القاعدة وأدلتها أو المسألة قليلة، فإني أذكر عقب كل رأي دليله ومناقشته، وإذا كان هناك ملاحظات أو إضافات أضفتها ولا
1 / 19
أؤخر ذلك كما يفعل بعضُ الباحثين؛ لأن تأخيرَه يشتِّت الفكرَ، ويحول دون تسلسله.
٢ - أما إذا كانت الآراء حول المسألة أو أدلتها كثيرة، فإني أذكر الأقوال مجملة أولًا، ثم أتبع ذلك بأدلة كل مذهب على حدة، وغالبًا ما يكون المذهب الراجح هو الأخير إلا ما صرَّحْتُ فيه بوجهة نظري.
٣ - إذا كان الدليلُ عليه اعترض، فإني أذكر الاعتراض والرد عليه عقب الدليل مباشرة ولا أؤخر ذلك خشية تشتيت الذهن وعدم ترابط الأفكار.
ثالثًا: أقارن بين الأدلة واستعرض مناقشات كل فريق لأدلة الفريق الآخر، فإذا كانت عندي ملحوظة أو إضافة فإني أذكرها، ثم أرجح ما يطمئن إليه قلبي وأعضد ذلك بوجهات نظري التي استنتجتها من الأدلة والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
رابعًا: أذكر مثالًا أو أكثر لكل مسألة أو قاعدة تعرضت لبحثها، إذا وجدت من مَثَّلَ لها، وإن لم أجد اجتهد وأمثل من عندي إلا إذا لم أتمكن فأكون معذورًا في عدم التمثيل.
وقد أشرتُ عقب كل قاعدة إلى أثر الخلاف في الفروع، ثم خصصت فصلًا كاملًا لأثر الخلاف بيَّنت فيه أثر الاختلاف في القواعد الأصولية العامة في باب المطلق والمقيد على الفروع الفقهية إيمانًا مني أن
1 / 20
المهم في دراسة الأصول هو ربط القاعدة العامة بالفروع التي تفرعت عن الاختلاف في تلك القاعدة العامة.
خامسًا: عند عرض المسألة الفرعية التطبيقية:
أرجع إلى كتب الفقه المشهورة واعتمد في كل مذهب على كتبه الخاصة بغية التأكد من صحة ما نسب إلى كل إمام، ولا أنقل مسألة إلا من كتب أصحابها المعتمدة ما وجدت إلى ذلك سبيلًا، وتارة اعتمد على كتب الأحكام المقارنة المشهود لها بالدقة والأمانة، كنيل الأوطار وسبل السلام، وما شاكلها، ثم أبين أن الخلاف فيها ناشئ عن الخلاف في القاعدة الأصولية التي تفرعت عنها، ولا اكتفي بسرد وجهات النظر حول المسألة الفرعية، بل أقوم أحيانًا بالترجيح حسب الأدلة التي ذكرتها، وبذلك يمكن أن يستفاد من البحث من الناحية الفقهية بالإضافة إلى الناحية الأصولية.
وأما طريقتي في هوامش الرسالة فهي تتلخص في الآتي:
أولًا: النصوص الشرعية التي يودرها الأصوليون - سواء أكانت قرآنًا أم سنة - لا اكتفي بنقلها عنهم، بل أرجع إلى مصادرها الأصلية، فأضبط الآية القرآنية من كتاب الله العزيز، وأتأكد من سلامتها من ناحية النقل، ثم أذكر رقم الآية واسم السورة.
أما إذا كان النص حديثًا فإني أرجع إلى أمات كتب الحديث لأتأكد
1 / 21
من سلامة لفظه، فإن كان مخرجًا في صحيحي البخاري١ ومسلم٢ أو أحدهما اكتفيت بذلك ذاكرًا الكتاب والباب الذي وجد فيه اعتقادًا مني أن ذلك أسلم؛ لأن ذكر الجزء والصفحة يختلف تبعًا لاختلاف الطبعات، وأما إذا كان الحديث مخرجًا في غير الصحيحين، فإني أذكر من خرجه ودرجته من الصحة، أو الحسن أو الضعف، إذا وجدت من حكم عليه بذلك من الحفَّاظ وأهل الاختصاص، وإلا اكتفيت بتخريجه من كتب الحديث المعتمدة ما وجدت إلى ذلك سبيلًا.
ثانيًا: ذكرت في الهامش المراجع التي استقيت منها البحث، مشيرًا إلى اسم الكتاب ومؤلفه، والجزء والصفحة، وعدد الطبعات، واسم
_________
١ البخاري: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة إمام المحدثين وشيخ الحفاظ، ولد سنة ١٩٤هـ ببخارى ثم أخذ يحفظ الحديث وهو دون العاشرة من عمره، وألف فيه أصح كتاب بعد كتاب الله وهو (الجامع الصحيح للبخاري)، توفي البخاري ﵀ سنة (٢٥٦هـ) .
انظر: التقريب لابن حجر: ٢٩٠، وتذكرة الحفاظ ٢/١٢٢، والأعلام ١/٢٥٨.
٢ مسلم: هو مسلم بن الحجاج القشيري أبو الحسن النيسابوري الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، ولد بنيسابوري سنة ٢٠٤هـ، وطلب العلم منذر الصغر، ثم رحل إلى عدة أقطار، من أشهر مؤلفاته كتاب الصحيح المشهور بـ (صحيح مسلم)، وهو من أجل الكتب وأصحها بعد صحيح البخاري، توفي ﵀ سنة (٢٦١هـ) .
انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي ٢/١٥٠، والوفيات ٢/٩١، وقارن بعلوم الحديث ومصطلحه للكتور صبحي الصالح ص: ٣٩٩.
1 / 22
الطابع، وتاريخ الطبع، ومكانه، وهذا يجعلني أذكر كل كتاب وطبعته عند النقل منه، فإذا تكرر ذلك فعذري أنه لا توجد لدي جميع المراجع.
ثالثًا: الأعلام التي ذكرت في صلب الرسالة، ترجمت لها في الهامش ترجمة موجزة، سواء كان المذكور صحابيًا أو غيره، ليكون القارئ على بينة منه، ثم أحيل طالب الزيادة على المراجع التي ذكرت الترجمة بالتفصيل.
رابعًا: شرحت المصطلحات والألفاظ الغريبة والأفكار التي وردت في أثناء البحث، وفيها إجمال، أما ما كان له تعلق بالموضوع فقد بينته في صلب الرسالة.
فهذه جهودي المتواضعة في هذا البحث، وأرجو أن تكون قد كُلّلَت بالنجاح والتوفيق.
1 / 23
٤ - تخطيط البحث وطريقة تنظيمه:
خطة البحثِ أو طريقةُ تنظيمِه تعني في عرف الباحثين رسم صورة متكاملة عن الموضوع المراد بحثه، يحدد فيها الباحثُ المعالمَ التي توضحُ الهيكلَ العام للرسالة، ويكون كلُّ عنصر فيها مكمِّلًا لجانب من جوانب البحث، وحلقة اتصال تربط ما بعدها بما قبلها، ومتى كانت الطريقةُ التي صيغت بها الخطة محكمةً ودقيقةً، فإنها تضفي صورة من الجمال والوضوح التام على الموضوع، وقد جرت العادةُ أن تكون النِّسَبُ التي تربط بين عناصر الخطة متدرجة من الأعلى إلى الأدنى.
ولهذا حاولت أن تكون خطةُ بحثي مشتملةً على مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب تقفوها خاتمة البحث، وهي في النتائج التي توصلت إليها خلال معايشتي الطويلة لموضوع المطلق والمقيد:
فالمقدمة:
اشتملت على أهمية البحث وأسباب اختياره، ثم طريقة الكتابة فيه وتخطيطه.
وأما التمهيد:
فهو في تقسيم اللفظ المفيد إلى عام وخاص.
وفيه أربعة مباحث:
الأول: في تعريف العام، وألفاظه.
1 / 24
الثاني: في تعريف الخاص وصيغه.
الثالث: في الفرق بين دلالة العام والخاص.
الرابع: في أنواع الخاص.
وفيه مطلبان:
الأول: في تعريف الأمر، وصيغه المشهورة وحكم الصيغة المجردة.
والثاني: في تعريف النَّهْي وصيغه المشهورة وحكم الصيغة المجردة.
الباب الأول
في التعريف بالمطلق والمقيد
وفيه فصلان:
الأول: في تعريفهما.
الثاني: في دلالتهما.
الفصل الأول: في التعريف بحقيقة المطلق والمقيد.
وفيه: تمهيد في تقسيم اللفظ باعتبار الحال الملابسة له، ومبحثان:
الأول: في تعريف المطلق لغة واصطلاحًا.
الثاني: في تعريف المقيد لغة واصطلاحًا.
الفصل الثاني: في دلالة المطلق والمقيد:
وفيه خمسة مباحث:
الأول: في الفرق بين المطلق والنكرة.
1 / 25