الموجز في قواعد اللغة العربية
الموجز في قواعد اللغة العربية
Yayıncı
دار الفكر-بيروت
Baskı Numarası
١٤٢٤هـ
Yayın Yılı
٢٠٠٣م
Yayın Yeri
لبنان
Türler
ـ[الموجز في قواعد اللعة العربية]ـ
المؤلف: سعيد الأفغاني
الناشر: دار الفكر - بيروت - لبنان
الطبعة: ١٤٢٤هـ - ٢٠٠٣م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
ترجمة الأستاذ سعيد الأفغاني سعيد الأفغاني.. حامل لواء العربية إعداد: أحمد بن محمود الداهن (*) "في طبعي هُيامٌ بالحرِّية والصَّراحة، وكثيرًا ما أتنكب الطَّريق الأسلم في سبيل الجهر بما أرى أنَّه الحقُّ في العقائد والأشخاص، متحمِّلًا بصبرٍ وطمأنينة ما أجرُّ على نفسي من عناءٍ وعداء. وهذا بلاءٌ حتمٌ لا مفرَّ منه لمن خُلق صريحًا وحاول غير ذلك ما استطاع". هذا ما كتبه الأستاذ سعيد الأفغاني عن نفسه.. إن مفتاح شخصية الأفغاني هو إيمانٌ بالإسلام وتمسُّكٌ به في جميع المواقف، وحبٌّ للغة العربية ينطلق صاحبُه منه بحماسةٍ وإخلاصٍ لرعايتها والدِّفاع عنها ونشرها وتعليمها، وكره من يعاديها من بعيد أو قريب. لمحاتٌ من حياته: ولادته ونشأته: هو محمد سعيد بن الحاج محمد جان الأفغاني، هاجر والده من كشمير، ونزل دمشق واستقرَّ فيها، وتزوَّج من أسرة شامية، ورُزق بابنه محمد سعيد الذي ولد عام ١٩٠٩م. نشأ الطِّفل محمد سعيد في كنف والده، وكان أبوه متديِّنًا صالحًا، وإن كان لا يُحسن العربية. وكان محمد سعيد كثيرًا ما يذهب إلى المسجد الأموي، إما برفقة والده، أو حين يقطعه من بيته في حي العمارة شمالي الجامع إلى مكان عمل والده في حي البزورية جنوبيه. رحلته العلمية: في هذه البيئة الشَّامية الإسلامية الأصيلة، نشأ محمد سعيد الأفغاني، وتفتَّحت عيونُه على الكتاتيب المنتشرة في أحيائها، كما تفتَّحت عيونه على ما كان يشاهد في الجامع الأموي من دروسٍ لا تنقطع طوال النهار. وفي هذه الدُّروس المسجدية عرف أستاذَه (الشيخ أحمد النُّويلاتي)، وفي حلقة هذا الشيخ عرف صديقَه (الشيخ علي الطنطاوي) . والشيخ النويلاتي عالمٌ دمشقيٌ عاملٌ، ومصلحٌ فاضلٌ، قرأ على الشيخ طاهر الجزائري وتأثَّر بآرائه الإصلاحية، وقد قرأ عليه الأفغاني العربيةَ وعلوم الدِّين. بدأ محمد سعيد الأفغاني تعليمه الرَّسمي منذ طفولته، إذ أدخله والدُه مدرسة الإسعاف الخيري في السَّابعة من عمره، ثم تابع دراسته الإعدادية والثانوية بعد ذلك في مدرسة التَّجهيز ودار المعلمين التي كانت تُسمَّى آنذاك (مكتب عنبر)، وتخرَّج فيها حتى عام ١٩٢٨م، والتحق بمدرسة الآداب العليا في الجامعة السُّورية. وفي العام نفسه (١٩٢٨م)، عيَّنه الأستاذ محمد كرد علي، وكان وزيرًا للمعارف، معلمًا في مدرسة (منين) الابتدائية، تنقَّل بعدها بين عدَّة مدارس، حتى استقرَّ به المقام عام ١٩٤١م في مدرسة التَّجهيز الأولى بدمشق. ولما أُنشئت كلية الآداب في الجامعة السُّورية، عُيِّن الأستاذ الأفغاني فيها أستاذًا مساعدًا، ثم أُرسل عام ١٩٤٦م إلى القاهرة للتَّحضير لدرجة الدُّكتوراه موفَدًا من وزارة المعارف، ووافقت جامعةُ فؤاد الأول بعد أن نجح في اختبارات القبول، على قيده للتَّحضير لدرجة الدكتوراه في كلية الآداب (قسم اللُّغة العربية) من العام الدراسي ١٩٤٧ - ١٩٤٨م. عاد الأفغاني إلى دمشق دون أن يتمَّ العمل في برنامج الدكتوراه، وانقطع لتدريس اللُّغة العربية في كلية الآداب في جامعة دمشق، وتدرَّج في الوظائف: أستاذًا مساعدًا منذ ١٩٤٨م، ثم أستاذًا بلا كرسي عام ١٩٥٠م، ثم أستاذ كرسي اللُّغة العربية سنة ١٩٥٧م، وعميدًا لكلية الآداب نهاية سنة ١٩٦١م إلى نهاية سنة ١٩٦٣م، وأحيل إلى التَّقاعد بنهاية سنة ١٩٦٨م. وكُلِّف الأستاذ الأفغاني، بالإضافة إلى عمله، القيامَ بدروس التَّطبيقات العملية في المعهد العلي للمعلِّمين. ودعته الجامعة اللبنانية أستاذًا محاضرًا، فاستجاب لدعوتها، ووضع لطلابها كتبًا في قواعد اللُّغة العربية. ثم تعاقدت معه الجامعة الليبية في بنغازي، حيث بقي عدَّة سنواتٍ أستاذًا ورئيسًا لقسم اللُّغة العربية، ومشاركًا في رئاسة تحرير مجلَّة كلية الآداب. وكانت آخر أعماله في سلك التَّدريس، أستاذًا للَّغة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض، وبقي فيها حتى بلغ الخامسة والسبعين، فعاد إلى دمشق وخلد للرَّاحة. وخلال خدمته في جامعة دمشق بين عامي ١٩٤٨م و١٩٦٨م، كلفته الجامعة تمثيلَها في عددٍ من النَّدوات والمؤتمرات، كان منها ما عُقد في القاهرة سنة ١٩٦١م، وفي بغداد سنة ١٩٦٢م، وفي إسبانية سنة ١٩٦٣م، وطهران سنة ١٩٦٣م أيضًا، وشارك في الموسم العلمي في المغرب عام ١٩٦٧م، واطَّلع في جولاته في المغرب وتونس على خزائن المخطوطات العربية القديمة. وكان كثير السَّفر إلى مصر، إذ كانت له فيها صلاتٍ وصداقات، وطبع فيها عددًا من كتبه، وانتُخب في عام ١٩٧٠م عضوًا مراسلًا في مجمع اللُّغة العربية في القاهرة، ثم انتُخب عضوًا عاملًا فيه في سنة ١٩٩٠م. حياته الاجتماعية: عاش الأستاذ الأفغاني نصفَ عمره عزبًا، ثمَّ تزوَّج من سيدة فاضلة هي ابنة الأستاذ صلاح الدين الخطيب، ورزق منها بابنة وحيدة، وعاش حياة أسرية هانئة وهادئة، إلى أن قضت زوجته رحمها الله سنة ١٩٩٤م. ولا يمكن الفصل بين الجانب الاجتماعي والجانب العلمي في حياة الأستاذ الأفغاني، إذ صرف الرَّجل همه لإتقان اللُّغة العربية وخدمتها في جميع الميادين، فقد كان متابعًا للجلسات الأدبية والفكرية والعلمية في زمانه، وكثيرًا ما كان يحضر مجالس الأستاذ محمد كرد علي، وكانت صلته وثيقةً به وبمن يحضر مجالسه من مثقَّفي عصره وأدبائه، كالأستاذ عارف النكدي، والأستاذ خليل مردم بك، والأستاذ سليم الجندي، وغيرهم. وكان له ولصاحبيه الشيخ عبد القادر العاني والشيخ علي الطنطاوي جلسات أسبوعية، منها التي كانت تُعقد بعد صلاة الجمعة في دار الحديث الأشرفية بالعصرونية، ويحضرها عدد من الفضلاء، مثل الدكتور أحمد حمدي الخياط، والأستاذ فخر الدين الحسني ﵏. وكانت أطول جلساتهم عمرًا، تلك التي كانت في المدرسة الأمينية، واستمرَّت ثلاثين سنة. وكثيرًا ما كان يخرج في أوقات الأصيل صيفًا إلى المتنزهات القريبة من دمشق بصحبة أصدقائه، أو يجلس معهم في مقهى بسيط على سفح قاسيون، وكان له عددٌ محدودٌ من الأصدقاء، اختارهم من مهنٍ متباينة، بعيدًا عن الأساتذة الجامعيين، حرصًا على ألا تتحول النُّزهة معهم إلى جلسةٍ من مجالس الكلية. سعيد الأفغاني وعلي الطنطاوي: كان بين الأستاذ سعيد الأفغاني والشيخ علي الطنطاوي علاقةُ صداقةٍ ومودَّة، بل كانا رحمهما الله كالتوأمين؛ جمع بينهما: وحدةٌ في المشرب والمنزع، ووحدةٌ في المسعى والهدف، وعاشا منذ تعارفا إلى أن فارقا الدُّنيا أخوين متحابين، وصديقين متصافيين، وعديلين متوازيين، لم تستطع الدُّنيا، بكلِّ ما فيها، أن تفسد الحبَّ، أو تعكر الصَّفاء، أو تخل بالتَّوازن. جمعت بينهما أول مرَّة حلقةٌ علميٌة في رحاب الجامع الأموي ولما يبلغا الحلم، كانت تلك حلقة الشيخ صالح التُّونسي، وكانت حلقة الشيخ صالح -كما يقول الشيخ الطنطاوي- كالمدرسة الجامعة؛ فيها حديث، وفيها قواعد في المصطلح والأصول، وفيها تاريخ وشعر وأدب.. فتعارفا في تلك الحلقة أو المدرسة، واستمرَّت صلتهما الحميمية الصَّافية ورحلتهما المشتركة في الحياة على هدى من ذلك الجوِّ الرُّوحي المشبع بالإخاء والصَّفاء. ثمَّ صارا عديلين بعد ذلك، إذ إنَّ جدَّ زوجتيهما والد أمهما هو الشيخ بدر الدين الحسني، أكبر علماء الحديث في الشام. وقد كانت للصَّديقين جلساتٌ خاصَّة للقراءة والمذاكرة، فقد ذكر الطنطاوي أنه قرأ مع الأستاذ الأفغاني كتاب الأغاني، وكانت لهما زيارات مشتركة يقومان بها في دمشق والقاهرة لمفكري وأعلام عصرهما. واستمرَّت رحلة الصَّديقين الطنطاوي والأفغاني، مع أنَّ لكلِّ منهما أسلوبَه في الحياة وصفاتِه المتميِّزة، وأكنَّ كلٌّ منهما لأخيه حبًّا صافيًا، وإعجابًا صادقًا، عبَّر عنه الأستاذ الطنطاوي في كلِّ مناسبة، وفي كلِّ مرحلةٍ من مراحل حياته التي أرَّخها في ذكرياته. ولقد كان ذِكر الأستاذ الأفغاني في ذكريات الطنطاوي ذكرًا مشفوعًا بكلمات الحبِّ والتَّقدير، فهو لا يذكره مرَّة إلا ويصفه بأنَّه الأخ ورفيق العمر، ولا يتحدَّث عن علمه إلا ويعطيه حقَّه، فلقد ذكره في مقدِّمة الطُّلاب الذين نبغوا من طلاب صفِّه، وقال عنه: "إنه مرجع في قواعد اللُّغة العربية نحوِها وصرفِها، وإنَّه.. الذي انتهت إليه الصَّدارة في علم النَّحو في الشَّام". ولطالما سُمع من الأستاذ الأفغاني ثناؤُه العاطر على صديق (الشيخ علي) -على حد تعبيره- وإعجابه بمواقفه الجريئة، فلقد كانا يصدران عن فكر واحد وينحوان في السُّلوك منحىً واحدًا. ولما غادر الشيخ الطنطاوي دمشق ليقضي سِنِي عمره الأخيرة في الحجاز بين مكَّة وجدة، حمل الشَّوقُ إليها صديقَه الأستاذ الأفغاني، وغادر دمشق هو أيضًا ليقيم عند ابنته، ويبقى قريبًا من رفيق عمره الذي لم تطل به الحياة عقبه، فقد توفي بعده سنتين، ﵀. لقد كانت صداقتُهما رحلةً تستحقُّ التَّأريخ، استمرَّت نحوًا من ثمانين سنة، ابتدأت في الجامع الأموي بدمشق، وانتهت في مكَّة المكرَّمة قرب بيت الله الحرام. وفاته: بعد عودته إلى دمشق منهيًا آخر شوطٍ من حياته العلمية في التَّدريس، كان سمعه وبصره قد كلا وضعفا، وظهرت عليه آثارُ الشَّيخوخة وخاصة بعد فقْدِ زوجته. وكانت ابنتُه الوحيدة المقيمة في المملكة العربية السعودية تتفقَّده خلال العام وتقيم معه صيفًا، فلما أنهى أعماله اصطحبته معها إلى المملكة، حيث أمضى فيها سنواته الأخيرة حتى قضى ﵀ في ١١ شوال سنة ١٤١٧هـ- ١٨ شباط ١٩٧٧م، عن عمر قارب ثمانية وثمانين سنة، قضى جلَّها في تعليم العربية والذَّود عنها. تعريف بمؤلَّفاته: أ- الكتب المؤلَّفة والمحقَّقة: ١- أسواق العرب في الجاهلية والإسلام. ٢- الإجابة فيما استدركته عائشة على الصَّحابة للزركشي. ٣- الإسلام والمرأة. ٤- عائشة والسياسة. ٥- ابن حزم الأندلسي ورسالته في المفاضلة بين الصَّحابة. ٦- سير النُّبلاء للذهبي (جزء خاص بترجمة الإمام ابن حزم الأندلسي) . ٧- سير النَّبلاء للذهبي (جزء مخصوص بأبرز امرأة في تاريخ الإسلام عائشة بنت أبي بكر الصِّديق) . ٨- تاريخ داريَّا للقاضي عبد الجبار الخولاني. ٩- مذكَّرات في قواعد اللغة العربية. ١٠- في أصول النَّحو. ١١- من تاريخ النَّحو. ١٢- الإغراب في جدل الإعراب لابن الأنباري. ١٣- لمع الأدلة لابن الأنباري. ١٤- الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب للحسن بن أسد الفارقي. ١٥- ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتَّقليد والتَّعليل للإمام الحافظ ابن حزم الأندلسي. ١٦- من حاضر اللُّغة العربية ١٧- نظراتٌ في اللُّغة عند ابن حزم. ١٨- الموجز في قواعد اللُّغة العربية. ١٩- حجَّة القراءات لأبي زُرعة. ٢٠- مغني اللَّبيب عن كتاب الأعاريب لابن هشام الأنصاري. ب- البحوث والمقالات والأحاديث الإذاعية: ١- حافظ الإنسان. ٢- من وطنية حافظ وشوقي. ٣- هل في النَّحو مذهب أندلسي؟ ٤- الشيخ أحمد النويلاتي والخبازون. ٥- البحتري بين طنجة وأدنبرة. ٦- الشيخ محمد عبده، خواطر عنه. ٧- علمٌ لا سياسة. ٨- درسٌ من الأندلس. ٩- تاريخٌ مفترى. ١٠- معاوية في الأساطير. ١١- الاحتجاج للقراءات. ١٢- تصحيح الأصول. ١٣- البناء على الشَّاهد الأبتر. ١٤- العمل فيما له روايتان من الشَّواهد اللغوية. ١٥- محنةٌ إلى زوال. ١٦- جهود المجمع العلمي الأول في خدمة العربية في الشَّام. ١٧- من قصَّة العامية في الشَّام. ١٨- آخر ساجع في الشَّام. ١٩- من غرائب الأساليب. ٢٠- مع الأخفش الأوسط في كتابه (معاني القرآن) . ٢١- الخط الحديدي الحجازي بين يأس وأمل. ٢٢- لغة الخبر الصحفي. ٢٣- مزاعم الصُّعوبة في لغتنا. ٢٤- ثلاث كلمات للاستعمال العام . ٢٥- الدكتور حسني سبح والمعهد الطبي العربي. ٢٦- وثيقة وعبرتها، (الأمير شكيب أرسلان والشيخ رشيد رضا) . ٢٧- حياة كلمة. ٢٨- خاطرةٌ من سيرة علي بن أبي طالب. المرجع: كتاب (سعيد الأفغاني، حامل لواء العربية وأستاذ أساتيذها)، تأليف: الدكتور مازن المبارك، وهو الكتاب رقم (١٩) في سلسلة: (علماء ومفكرون معاصرون، لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي تصدرها دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ - ٢٠٠٢م. _________ (*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: هذا المقال ليس في المطبوع، أضفته هنا للفائدة
ترجمة الأستاذ سعيد الأفغاني سعيد الأفغاني.. حامل لواء العربية إعداد: أحمد بن محمود الداهن (*) "في طبعي هُيامٌ بالحرِّية والصَّراحة، وكثيرًا ما أتنكب الطَّريق الأسلم في سبيل الجهر بما أرى أنَّه الحقُّ في العقائد والأشخاص، متحمِّلًا بصبرٍ وطمأنينة ما أجرُّ على نفسي من عناءٍ وعداء. وهذا بلاءٌ حتمٌ لا مفرَّ منه لمن خُلق صريحًا وحاول غير ذلك ما استطاع". هذا ما كتبه الأستاذ سعيد الأفغاني عن نفسه.. إن مفتاح شخصية الأفغاني هو إيمانٌ بالإسلام وتمسُّكٌ به في جميع المواقف، وحبٌّ للغة العربية ينطلق صاحبُه منه بحماسةٍ وإخلاصٍ لرعايتها والدِّفاع عنها ونشرها وتعليمها، وكره من يعاديها من بعيد أو قريب. لمحاتٌ من حياته: ولادته ونشأته: هو محمد سعيد بن الحاج محمد جان الأفغاني، هاجر والده من كشمير، ونزل دمشق واستقرَّ فيها، وتزوَّج من أسرة شامية، ورُزق بابنه محمد سعيد الذي ولد عام ١٩٠٩م. نشأ الطِّفل محمد سعيد في كنف والده، وكان أبوه متديِّنًا صالحًا، وإن كان لا يُحسن العربية. وكان محمد سعيد كثيرًا ما يذهب إلى المسجد الأموي، إما برفقة والده، أو حين يقطعه من بيته في حي العمارة شمالي الجامع إلى مكان عمل والده في حي البزورية جنوبيه. رحلته العلمية: في هذه البيئة الشَّامية الإسلامية الأصيلة، نشأ محمد سعيد الأفغاني، وتفتَّحت عيونُه على الكتاتيب المنتشرة في أحيائها، كما تفتَّحت عيونه على ما كان يشاهد في الجامع الأموي من دروسٍ لا تنقطع طوال النهار. وفي هذه الدُّروس المسجدية عرف أستاذَه (الشيخ أحمد النُّويلاتي)، وفي حلقة هذا الشيخ عرف صديقَه (الشيخ علي الطنطاوي) . والشيخ النويلاتي عالمٌ دمشقيٌ عاملٌ، ومصلحٌ فاضلٌ، قرأ على الشيخ طاهر الجزائري وتأثَّر بآرائه الإصلاحية، وقد قرأ عليه الأفغاني العربيةَ وعلوم الدِّين. بدأ محمد سعيد الأفغاني تعليمه الرَّسمي منذ طفولته، إذ أدخله والدُه مدرسة الإسعاف الخيري في السَّابعة من عمره، ثم تابع دراسته الإعدادية والثانوية بعد ذلك في مدرسة التَّجهيز ودار المعلمين التي كانت تُسمَّى آنذاك (مكتب عنبر)، وتخرَّج فيها حتى عام ١٩٢٨م، والتحق بمدرسة الآداب العليا في الجامعة السُّورية. وفي العام نفسه (١٩٢٨م)، عيَّنه الأستاذ محمد كرد علي، وكان وزيرًا للمعارف، معلمًا في مدرسة (منين) الابتدائية، تنقَّل بعدها بين عدَّة مدارس، حتى استقرَّ به المقام عام ١٩٤١م في مدرسة التَّجهيز الأولى بدمشق. ولما أُنشئت كلية الآداب في الجامعة السُّورية، عُيِّن الأستاذ الأفغاني فيها أستاذًا مساعدًا، ثم أُرسل عام ١٩٤٦م إلى القاهرة للتَّحضير لدرجة الدُّكتوراه موفَدًا من وزارة المعارف، ووافقت جامعةُ فؤاد الأول بعد أن نجح في اختبارات القبول، على قيده للتَّحضير لدرجة الدكتوراه في كلية الآداب (قسم اللُّغة العربية) من العام الدراسي ١٩٤٧ - ١٩٤٨م. عاد الأفغاني إلى دمشق دون أن يتمَّ العمل في برنامج الدكتوراه، وانقطع لتدريس اللُّغة العربية في كلية الآداب في جامعة دمشق، وتدرَّج في الوظائف: أستاذًا مساعدًا منذ ١٩٤٨م، ثم أستاذًا بلا كرسي عام ١٩٥٠م، ثم أستاذ كرسي اللُّغة العربية سنة ١٩٥٧م، وعميدًا لكلية الآداب نهاية سنة ١٩٦١م إلى نهاية سنة ١٩٦٣م، وأحيل إلى التَّقاعد بنهاية سنة ١٩٦٨م. وكُلِّف الأستاذ الأفغاني، بالإضافة إلى عمله، القيامَ بدروس التَّطبيقات العملية في المعهد العلي للمعلِّمين. ودعته الجامعة اللبنانية أستاذًا محاضرًا، فاستجاب لدعوتها، ووضع لطلابها كتبًا في قواعد اللُّغة العربية. ثم تعاقدت معه الجامعة الليبية في بنغازي، حيث بقي عدَّة سنواتٍ أستاذًا ورئيسًا لقسم اللُّغة العربية، ومشاركًا في رئاسة تحرير مجلَّة كلية الآداب. وكانت آخر أعماله في سلك التَّدريس، أستاذًا للَّغة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض، وبقي فيها حتى بلغ الخامسة والسبعين، فعاد إلى دمشق وخلد للرَّاحة. وخلال خدمته في جامعة دمشق بين عامي ١٩٤٨م و١٩٦٨م، كلفته الجامعة تمثيلَها في عددٍ من النَّدوات والمؤتمرات، كان منها ما عُقد في القاهرة سنة ١٩٦١م، وفي بغداد سنة ١٩٦٢م، وفي إسبانية سنة ١٩٦٣م، وطهران سنة ١٩٦٣م أيضًا، وشارك في الموسم العلمي في المغرب عام ١٩٦٧م، واطَّلع في جولاته في المغرب وتونس على خزائن المخطوطات العربية القديمة. وكان كثير السَّفر إلى مصر، إذ كانت له فيها صلاتٍ وصداقات، وطبع فيها عددًا من كتبه، وانتُخب في عام ١٩٧٠م عضوًا مراسلًا في مجمع اللُّغة العربية في القاهرة، ثم انتُخب عضوًا عاملًا فيه في سنة ١٩٩٠م. حياته الاجتماعية: عاش الأستاذ الأفغاني نصفَ عمره عزبًا، ثمَّ تزوَّج من سيدة فاضلة هي ابنة الأستاذ صلاح الدين الخطيب، ورزق منها بابنة وحيدة، وعاش حياة أسرية هانئة وهادئة، إلى أن قضت زوجته رحمها الله سنة ١٩٩٤م. ولا يمكن الفصل بين الجانب الاجتماعي والجانب العلمي في حياة الأستاذ الأفغاني، إذ صرف الرَّجل همه لإتقان اللُّغة العربية وخدمتها في جميع الميادين، فقد كان متابعًا للجلسات الأدبية والفكرية والعلمية في زمانه، وكثيرًا ما كان يحضر مجالس الأستاذ محمد كرد علي، وكانت صلته وثيقةً به وبمن يحضر مجالسه من مثقَّفي عصره وأدبائه، كالأستاذ عارف النكدي، والأستاذ خليل مردم بك، والأستاذ سليم الجندي، وغيرهم. وكان له ولصاحبيه الشيخ عبد القادر العاني والشيخ علي الطنطاوي جلسات أسبوعية، منها التي كانت تُعقد بعد صلاة الجمعة في دار الحديث الأشرفية بالعصرونية، ويحضرها عدد من الفضلاء، مثل الدكتور أحمد حمدي الخياط، والأستاذ فخر الدين الحسني ﵏. وكانت أطول جلساتهم عمرًا، تلك التي كانت في المدرسة الأمينية، واستمرَّت ثلاثين سنة. وكثيرًا ما كان يخرج في أوقات الأصيل صيفًا إلى المتنزهات القريبة من دمشق بصحبة أصدقائه، أو يجلس معهم في مقهى بسيط على سفح قاسيون، وكان له عددٌ محدودٌ من الأصدقاء، اختارهم من مهنٍ متباينة، بعيدًا عن الأساتذة الجامعيين، حرصًا على ألا تتحول النُّزهة معهم إلى جلسةٍ من مجالس الكلية. سعيد الأفغاني وعلي الطنطاوي: كان بين الأستاذ سعيد الأفغاني والشيخ علي الطنطاوي علاقةُ صداقةٍ ومودَّة، بل كانا رحمهما الله كالتوأمين؛ جمع بينهما: وحدةٌ في المشرب والمنزع، ووحدةٌ في المسعى والهدف، وعاشا منذ تعارفا إلى أن فارقا الدُّنيا أخوين متحابين، وصديقين متصافيين، وعديلين متوازيين، لم تستطع الدُّنيا، بكلِّ ما فيها، أن تفسد الحبَّ، أو تعكر الصَّفاء، أو تخل بالتَّوازن. جمعت بينهما أول مرَّة حلقةٌ علميٌة في رحاب الجامع الأموي ولما يبلغا الحلم، كانت تلك حلقة الشيخ صالح التُّونسي، وكانت حلقة الشيخ صالح -كما يقول الشيخ الطنطاوي- كالمدرسة الجامعة؛ فيها حديث، وفيها قواعد في المصطلح والأصول، وفيها تاريخ وشعر وأدب.. فتعارفا في تلك الحلقة أو المدرسة، واستمرَّت صلتهما الحميمية الصَّافية ورحلتهما المشتركة في الحياة على هدى من ذلك الجوِّ الرُّوحي المشبع بالإخاء والصَّفاء. ثمَّ صارا عديلين بعد ذلك، إذ إنَّ جدَّ زوجتيهما والد أمهما هو الشيخ بدر الدين الحسني، أكبر علماء الحديث في الشام. وقد كانت للصَّديقين جلساتٌ خاصَّة للقراءة والمذاكرة، فقد ذكر الطنطاوي أنه قرأ مع الأستاذ الأفغاني كتاب الأغاني، وكانت لهما زيارات مشتركة يقومان بها في دمشق والقاهرة لمفكري وأعلام عصرهما. واستمرَّت رحلة الصَّديقين الطنطاوي والأفغاني، مع أنَّ لكلِّ منهما أسلوبَه في الحياة وصفاتِه المتميِّزة، وأكنَّ كلٌّ منهما لأخيه حبًّا صافيًا، وإعجابًا صادقًا، عبَّر عنه الأستاذ الطنطاوي في كلِّ مناسبة، وفي كلِّ مرحلةٍ من مراحل حياته التي أرَّخها في ذكرياته. ولقد كان ذِكر الأستاذ الأفغاني في ذكريات الطنطاوي ذكرًا مشفوعًا بكلمات الحبِّ والتَّقدير، فهو لا يذكره مرَّة إلا ويصفه بأنَّه الأخ ورفيق العمر، ولا يتحدَّث عن علمه إلا ويعطيه حقَّه، فلقد ذكره في مقدِّمة الطُّلاب الذين نبغوا من طلاب صفِّه، وقال عنه: "إنه مرجع في قواعد اللُّغة العربية نحوِها وصرفِها، وإنَّه.. الذي انتهت إليه الصَّدارة في علم النَّحو في الشَّام". ولطالما سُمع من الأستاذ الأفغاني ثناؤُه العاطر على صديق (الشيخ علي) -على حد تعبيره- وإعجابه بمواقفه الجريئة، فلقد كانا يصدران عن فكر واحد وينحوان في السُّلوك منحىً واحدًا. ولما غادر الشيخ الطنطاوي دمشق ليقضي سِنِي عمره الأخيرة في الحجاز بين مكَّة وجدة، حمل الشَّوقُ إليها صديقَه الأستاذ الأفغاني، وغادر دمشق هو أيضًا ليقيم عند ابنته، ويبقى قريبًا من رفيق عمره الذي لم تطل به الحياة عقبه، فقد توفي بعده سنتين، ﵀. لقد كانت صداقتُهما رحلةً تستحقُّ التَّأريخ، استمرَّت نحوًا من ثمانين سنة، ابتدأت في الجامع الأموي بدمشق، وانتهت في مكَّة المكرَّمة قرب بيت الله الحرام. وفاته: بعد عودته إلى دمشق منهيًا آخر شوطٍ من حياته العلمية في التَّدريس، كان سمعه وبصره قد كلا وضعفا، وظهرت عليه آثارُ الشَّيخوخة وخاصة بعد فقْدِ زوجته. وكانت ابنتُه الوحيدة المقيمة في المملكة العربية السعودية تتفقَّده خلال العام وتقيم معه صيفًا، فلما أنهى أعماله اصطحبته معها إلى المملكة، حيث أمضى فيها سنواته الأخيرة حتى قضى ﵀ في ١١ شوال سنة ١٤١٧هـ- ١٨ شباط ١٩٧٧م، عن عمر قارب ثمانية وثمانين سنة، قضى جلَّها في تعليم العربية والذَّود عنها. تعريف بمؤلَّفاته: أ- الكتب المؤلَّفة والمحقَّقة: ١- أسواق العرب في الجاهلية والإسلام. ٢- الإجابة فيما استدركته عائشة على الصَّحابة للزركشي. ٣- الإسلام والمرأة. ٤- عائشة والسياسة. ٥- ابن حزم الأندلسي ورسالته في المفاضلة بين الصَّحابة. ٦- سير النُّبلاء للذهبي (جزء خاص بترجمة الإمام ابن حزم الأندلسي) . ٧- سير النَّبلاء للذهبي (جزء مخصوص بأبرز امرأة في تاريخ الإسلام عائشة بنت أبي بكر الصِّديق) . ٨- تاريخ داريَّا للقاضي عبد الجبار الخولاني. ٩- مذكَّرات في قواعد اللغة العربية. ١٠- في أصول النَّحو. ١١- من تاريخ النَّحو. ١٢- الإغراب في جدل الإعراب لابن الأنباري. ١٣- لمع الأدلة لابن الأنباري. ١٤- الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب للحسن بن أسد الفارقي. ١٥- ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتَّقليد والتَّعليل للإمام الحافظ ابن حزم الأندلسي. ١٦- من حاضر اللُّغة العربية ١٧- نظراتٌ في اللُّغة عند ابن حزم. ١٨- الموجز في قواعد اللُّغة العربية. ١٩- حجَّة القراءات لأبي زُرعة. ٢٠- مغني اللَّبيب عن كتاب الأعاريب لابن هشام الأنصاري. ب- البحوث والمقالات والأحاديث الإذاعية: ١- حافظ الإنسان. ٢- من وطنية حافظ وشوقي. ٣- هل في النَّحو مذهب أندلسي؟ ٤- الشيخ أحمد النويلاتي والخبازون. ٥- البحتري بين طنجة وأدنبرة. ٦- الشيخ محمد عبده، خواطر عنه. ٧- علمٌ لا سياسة. ٨- درسٌ من الأندلس. ٩- تاريخٌ مفترى. ١٠- معاوية في الأساطير. ١١- الاحتجاج للقراءات. ١٢- تصحيح الأصول. ١٣- البناء على الشَّاهد الأبتر. ١٤- العمل فيما له روايتان من الشَّواهد اللغوية. ١٥- محنةٌ إلى زوال. ١٦- جهود المجمع العلمي الأول في خدمة العربية في الشَّام. ١٧- من قصَّة العامية في الشَّام. ١٨- آخر ساجع في الشَّام. ١٩- من غرائب الأساليب. ٢٠- مع الأخفش الأوسط في كتابه (معاني القرآن) . ٢١- الخط الحديدي الحجازي بين يأس وأمل. ٢٢- لغة الخبر الصحفي. ٢٣- مزاعم الصُّعوبة في لغتنا. ٢٤- ثلاث كلمات للاستعمال العام . ٢٥- الدكتور حسني سبح والمعهد الطبي العربي. ٢٦- وثيقة وعبرتها، (الأمير شكيب أرسلان والشيخ رشيد رضا) . ٢٧- حياة كلمة. ٢٨- خاطرةٌ من سيرة علي بن أبي طالب. المرجع: كتاب (سعيد الأفغاني، حامل لواء العربية وأستاذ أساتيذها)، تأليف: الدكتور مازن المبارك، وهو الكتاب رقم (١٩) في سلسلة: (علماء ومفكرون معاصرون، لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي تصدرها دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ - ٢٠٠٢م. _________ (*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: هذا المقال ليس في المطبوع، أضفته هنا للفائدة
Bilinmeyen sayfa
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن عشرين سنة قضيتها أُشرف على المناهج وتطبيقها في علوم اللغة العربية إذ كنت أشغل كرسيها في جامعة دمشق مع قيامي فيها بتدريس النحو والصرف، ثم انتدبت لتدريس هاتين المادتين في الجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية، وكنت خلال ذلك على اتصال بمناهج هذه المادة في الجامعات المصرية والعراقية ومستوى خريجيها.. إن كل ذلك جعلني موقنًا بأمرين:
١- لم يعد يقبل في هذا العصر عرض القواعد في الجامعات دون مناقشة ما تستند إليه من شواهد، لأن الشواهد روح تلك القواعد، تضفي عليها حياة ومتعة وأصالة؛ وعلى هذه المادة في الجامعات أن تكون ثقافة شواهد أكثر مما هي ثقافة قواعد.
٢- لم ينجح وضع المصادر القديمة التي ألفت لغير هذا الزمان في أيدي الطلاب أول ما يستقبلون تحصيلهم الجامعي، فلا "شرح شذور الذهب"، ولا "شرح ابن عقيل على الألفية" ولا أمثالهما قامت بما تُوخُيِّ منها، إذ كانت جميعًا إحدى حلقات سلسلة كان يتدرج فيها طالب العلم قبل مئات السنين. أما اليوم فيدرس الطالب الثانوي مادة القواعد العربية في كتب حديثة خفيفة يراعى فيها تسلسل مخالف للتسلسل القديم، وأساليب حديثة متطورة لم يعهدها الناس من قبل.
لذلك اضطررنا - بعد تدريسنا في هذه الكتب بعض الوقت - أن نرفعها من أيدي طلابنا في السنة الجامعية الأولى على الأقل، وأن ننخل مادتها ونفرغها في أسلوب حديث سهل منسق بحيث يستوعب الطالب مادة العلم ويتذوقها بعد أن كان يشقى باشتغاله بحل عبارة المؤلف عن هضم المادة نفسها؛ حتى إذا ملك هذه المادة في السنة الأولى أو في السنتين الأوليين، وضعنا بين يديه ما شئنا من كتب القدماء في السنتين الثالثة والرابعة وقد اشتد عوده، وأحاط علمه بأكثر محتوياتها.
كنت على أن أسلك مع طلابي في لبنان خطة حمدت أثرها في جامعة دمشق:
1 / 3
أجعل بحوث المنهاج شركةً بيني وبين الطلاب، أُلقي عليهم بعضها على نسق مختار ويحضّرون هم عليه بقية المنهاج في مستوىً وسط بين مواد كتابين: "قواعد اللغة العربية لحفني ناصف" و"جامع الدروس العربية للغلاييني" مع عناية بالشواهد ليست في الكتابين، فيكتسبون بذلك مهارة في التمييز بين الخطوط العريضة الأساسية لبحث ما وخطوطه الثانوية فيستغنوا عن تفاصيل وتفريعات لا يضرهم تأخير العناية بالصحيح منها إلى مرحلة قادمة؛ لكني فوجئت بواقع يختلف كل الاختلاف عما قدّرت لأن أكثر الطلاب في لبنان إما موظفون وإما منتسبون لا يستطيعون حضور المحاضرات لتفرقهم في بلدان شتى، يتعذر عليهم البحث في مصادر متنوعة واستخلاص زبدة منها تفصّل على الخطة المرسومة مما جعل طبع كتاب ملائم لهم أمرًا لا مندوحة عنه.
جريت في تفصيل مواد الكتاب على خطة غير بعيدة فعنيت بالشواهد وانتقيتها بليغة من عيون كلام العرب في عصر السلامة، تنمية لملكة الدارس١ وتوسيعًا لآفاقه في إدراك أحوال أمته، لكون هذه الشواهد مصورة أحوال مجتمعات أصحابها أصدق تصوير، تصويرًا لا نجده - بهذه الدقة والصفاء - حتى في كتب التاريخ نفسها، وهي متى استوعبت أعْوَد على الملكات من كثير من القواعد المحفوظة والتعليلات المكلفة. وجنبت الدارس الأقوال المرجوحة والمذاهب الضعيفة، مختارًا ما ثبتت صحته على الامتحان.
ثم رأيت - لطبعتنا الأخيرة هذه - الجمع بين مناهج الجامعات في الأقطار العربية مع إضافة مباحث ناقصة لم ينص عليها المنهاج اللبناني مثلًا مع ضرورتها، مراعاة لمناهج بقية الجامعات العربية، وليكون بيد المتعلم مرجع متكامل في القواعد العربية "نحوها وصرفها وإملائها" فلا يفقد فيه شيئًا ذا بال.
أسأل الله أن ينفع بما أقدم من جهد، وأن يجعلنا جميعًا من سدنة هذه اللغة الكريمة، وأهلًا للتشرف بخدمتها وهو حسبنا ونعم الوكيل.
٦ذي القعدة ١٣٩٠هـ
٢ كانون الثاني ١٩٧١م
_________
١- سيجد الدارس بعد هذه الكلمة ضوابط في مناقشة الشواهد ودرجة الاحتجاج بها ومتى تقبل وتبنى عليها الأحكام ومتى ترد.
1 / 4
بين يدي الدراسة
حول الشواهد وقواعد الاحتجاج بها
أ
١- ليست القواعد إلا قوانين مستنبطة من طائفة من كلام العرب الذين لم تفسد سلائقهم.
٢- أعلى الكلام العربي من حيث صحة الاحتجاج به:
القرآن الكريم بجميع قراءاته الصحيحة السند إلى العرب المحتج بهم. ثم ما صح أنه كلام الرسول ﷺ نفسه أو أحد الرواة من الصحابة. ثم نثر العرب وشعرها في جاهليتها بشرط الاطمئنان إلى أنهم قالوه باللفظ المروي، ويلي ذلك كلام الإسلاميين الذين لم يشوه لغتهم الاختلاط١.
٣- جعلوا منتصف المئة الثانية للهجرة حدًا للذين يصح الاستشهاد بشعرهم من الحضريين؛ فإبراهيم بن هرمة المتوفى سنة "١٥٠هـ" آخر من يصح الاستشهاد بشعرهم، وبشار بن برد أول الشعراء المحدثين الذين لا يحتج بشعرهم على متن اللغة وقواعدها. وعلى هذا يؤتى بشعر المتأخرين من فحول الشعراء للاستئناس والتمثيل لا للاحتجاج.
أما في البادية فقد امتد الاستشهاد بكلام العرب المنقطعين فيها حتى منتصف المئة الرابعة للهجرة.
_________
١- أسقط بعض العلماء الاستشهاد بشعر عدي بن زيد العبادي مع انه جاهلي لكثرة مخالطته الفرس، بل إن بعضهم لا يحتج بشعر الأعشى نفسه لذلك.
1 / 5
ب
٤- لا يحتج بكلام مجهول القائل:
زعم بعض النحاة أنه يجوز اجتماع "كي" و"أن" على فعل واحد، واحتجوا لذلك بقول القائل:
أردت لكيما أن تطير بقربي ... فتركها شنا ببيداء بلقع
وزعم آخر أن لام التوكيد تدخل في خبر "لكن" كما تدخل في خبر "إن" واستشهد لزعمه بقوله القائل:
ولكنى من حبها لعميد
وكلا القولين ساقط لا يبنى عليه قاعدة، فالشاهد الأول مجهول القائل، والشاهد الثاني لا يعرف له أول ولا قائل. وما بني عليهما ساقط.
٥- لا يحتج بما له روايتان إحداهما مؤيدة لقاعدة تُزْعم، والثانية لا علاقة لها بها، لاحتمال أن الشاعر قال الثانية، والدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال:
ادعى بعضهم أن "الأرض" تذكر وتؤنث، واستشهد للتذكير بقول عامر بن جُوَيْن الطائي في إحدى الروايتين:
فلا مزنة ودقت ودقها
ولا أرض أبقل إبقالها
والرواية الثانية: ولا أرض أبقلتِ إبقالَها
فإن لم يكن لتذكير "الأرض" غير هذا الشاهد فلا يحتج به، لأن الأكثر أن الشاعر قال "أبقلت" اللغة المشهورة المجمع عليها.
٦- ترد الشواهد في كتب النحاة محرفة أحيانًا، ويكون موضع التحريف هو موضع الاستشهاد على قاعدة تُزْعَم؛ ولو حرر الشاهد ما كان للقاعدة مؤيد:
عرفت أن الشاهد على اجتماع "كي" و"أن" مجهول القائل وبذلك حبطت القاعدة، لكن بعضهم احتج بقول جميل العذري وهو ممن يحتج به:
1 / 6
فقالت أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا
وبرجوعنا إلى الديوان نطلع على الرواية الصحيحة وهي:
....لسانك هذا كي تغر وتخدعا١
فالرواية التي احتجوا بها محرفة في موضع الاستشهاد نفسه، وإذًا لا صحة للقاعدة المزعومة، فالواجب تحرير الشاهد والتوثق من ضبطه في مظانة السليمة قبل البناء عليه.
٧- كما يفيد جدًا الرجوع إلى الشاهد في ديوان صاحبه إن كان شعرًا، يفيد الرجوع إلى مصادره الأولى إن كان نثرًا لمعرفة ما قبله وما بعده، فكثيرًا ما يكون الشاهد الأبتر داعية الخطأ في المعنى والمبنى:
زعم بعضهم جواز مطابقة الفعل المتقدم لفاعله المتأخر في الإفراد والثنية والجمع فأجاز قول "جاؤوا الطلابُ" واحتج بحديث في موطأ مالك:
"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة في النهار.."
ولا غبار على الاحتجاج بالحديث البتة، ولكننا حين رجعنا إلى موطأ مالك وجدنا للحديث أولًا وهو:
"إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة في الليل وملائكة في النهار.." وإذًا لا شاهد صحيحًا على قاعدتهم المزعومة.
٨- ينبغي التفريق بين ما يرتكب للضرورة الشعرية وما يؤتى به على السعة والاختيار، فإذا اطمأنت النفس إلى بناء القواعد على الصنف الثاني ففي جعل الضرورة الشعرية قانونًا عامًا للكلام نثره ونظمه الخطأ كل الخطأ:
ادعى بعضهم جواز الرفع: بـ"لم" مستشهدًا بقول قيس بن زهير:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد١
فإذا فرضنا أن الشاعر قال "يأتيك" ولم يقل مثلًا "يبلغْك"، يكون قد ارتكب ضرورة شعرية قبيحة، ولا يجوز البتة أن تبنى قاعدة على الضرورات.
٩- المعوّل في امتحان أوجه الإعراب والترجيح بين أقوال النحاة على المعنى قبل كل شيء، فهو الذي يجب أن يكون الحكم في كل مناقشة.
_________
١- مغنى اللبيب ١/١٩٩،١١٤ طبعة دار الفكر - بيروت.
1 / 7
وموازنة وترجيح، وإذا دار الأمر بين مقتضيات المعنى ومقتضيات الصناعة النحوية التزمت الأولى دون الثانية:
في تعليق إذا والظروف الشرطية قولان: قول الجمهور أن تعلق بفعل الشرط، وقول غيرهم بتعليقها بجواب الشرط؛ "إذا حضرت أكرمك" فالجمهور يجعل الظرف متعلقًا بـ"حضرت" وغيرهم يعلقه بـ"أكرم"، والمعنى ينص على أن الإكرام يقع عند الحضور، لا أن الحضور يقع عند الإكرام، وإذًا فقول الجمهور لا يؤيده المعنى، والصحيح تعليقه بجواب الشرط.
١٠- يفضل في كل مقام فيه إعرابان، الإعراب الذي لا يجنح إلى تقدير محذوف: في جملة المدح "نعم الرجلُ خالدٌ" يجعل البصريون "خالد" خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبًا تقديره "هو" أو "الممدوح" فيكون التركيب جملتين، جملة نعم الرجل، وجملة هو خالد.
أما الكوفيون فيجعلون "خالد" مبتدأ مؤخر وجملة "نعم الرجل" خبرًا مقدمًا من غير تقدير محذوف١. وهذا القول صواب لإغنائنا عن تقدير محذوف أولًا ولأن العرب تقول "خالد نعم الرجل" ثانيًا.
١١- إذا ألجأت أحكام الصناعة إلى تقدير محذوف، قُبل هذا التقدير بشرطين:
١- ألا يلجئ إلى إخلال بالمعنى.
٢- وأن يسوغ التلفظ به دون ركة أو خروج عن الأسلوب العربي المشهور:
يجعلون لهمزة الاستفهام تمام الصدارة حتى على حروف العطف، فلا نقول: وأذهبت؟ كما نقول "وهل ذهبت؟ "، وإنما نقول "أو ذهبت؟ " لكن الزمخشري زعم في مثل قوله تعالى:
﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أن الفاء العاطفة في صدر جملتها وأن الهمزة داخلة على جملة محذوفة وأن التقدير: أقعدوا فلم يسيروا٢.
_________
١- الإنصاف في مسائل الخلاف.
٢- مغنى اللبيب ١/٨.
1 / 8
والطبع السليم يجد ركة في هذا التقدير وبعدًا عن البلاغة، ووجوب إهمال هذا المذهب لسخفه.
هذه أهم الأمور التي سنصدر عنها في دراساتنا ونقدنا للشواهد وما بني عليها من قواعد١ وعلى الدارس اتخاذ مذكرة خاصة به يلخص فيها ما نعلق به على كل شاهد من حيث ضبطه، ومعناه، وموضع الاستشهاد فيه، والقاعدة المتعلقة به، وقيمته في الاحتجاج على هدي الملاحظات السابقة.
وهو - في هذه الحالة - غير معفى من بذل الجهد والدراسة الشخصية وإعمال الفكر، ولن يجتمع التواكل والدراسة الصحيحة بحال.
_________
١- يجد الدارس في كثير من مباحث هذا الكتاب أن الشواهد صُنفت صنفين؛ فشواهد الصنف "أ" مستوفية شروط الاستشهاد، وشواهد الصنف "ب" لا يحتج بها. وعلى الدارس معرفة السبب انطلاقًا مما تقدم.
1 / 9
مباحث الافعال
الجامد والمتصرف
أنواع الجامد - أنواع المتصرف - اشتقاق المضارع - اشتقاق الأمر
أكثر الأفعال له ثلاث صيغ: الماضي والمضارع والأمر مثل: كتب وقرأ وعلم إلخ. فهذه أفعال متصرفة تامة التصرف نقول منها: كتب يكتُبُ، اكتُبْ.. إلخ، ومنها ما لا يأْتي منه إلا صيغتان: الماضي والمضارع فقط، كأَفعال الاستمرار: ما زال ما يزال، وما برح وما يبرح وأَخواتهما: انفك، فتىءَ، و"كاد" و"أَوشك" من أفعال المقاربة. وليس من هذه الأَفعال صيغة للأَمر، فهي ناقصة التصرف.
ومنها ما يلازم صيغة واحدة لم يأْت منه غيرها فهذا هو الفعل الجامد، فإما أَن يلازم صيغة المضيِّ مثل: ليس، عسى، نعم، بئس، ما دام الناقصة، و"كرب" من أفعال المقاربة، وأَفعال الشروع، وحبذا، وصيغتي التعجب وأَفعال المدح والذم الآتي بيانها في بحثٍ تالٍ، وإِما أَن يلازم صيغة الأَمر مثل: هب بمعنى "احسِب" وتعلَّمْ بمعنى "إِعلم" فليس لهما بهذا المعنى مضارع ولا ماض.
ومعنى الجمود في الفعل عدا ملازمته الصيغة الواحدة: عدم دلالته على زمن، لأَنه هنا يدل على معنى عام يعبر عن مثله بالحروف،
1 / 13
فالمدح والذم والنفي والتعجب، معانٍ عامة كالتمني والترجي والنداء التي يعبِّر عنها عادة بالحروف، ولزوم الفعل حالة واحدة جعله في جموده هذا أشبه بالحروف، ولذا كان قولك: "عسى الله أن يفرج عنا" مشبهًا "لعل الله يفرج عنا". ولا يشبه الفعل الجامد الأَفعال إلا بدلالته على معنى مستقل واتصال الضمائر به، فتقول: ليس وليسا ولستم، وليست ولستُ كما تقول عسيتم وعسى وعسيتنَّ إلخ.
ومن النحاة من يلحق بالأَفعال الجامدة "قلَّ" و"كثُر" و"شدّ" و"طال"، و"قَصُر" في مثل قولنا "قلَّما يغضب أَخوك وطالما نصحته، وشدَّ ما تعجبني الكلمة في موضعها، وطالما تغاضيت" والحق أَنها أفعال متصرفة وأَن "ما" فيهن: مصدرية، وفاعلها المصدر المؤول منها ومن الفعل بعدها، والتقدير في الجمل السابقة: "قلَّ غضبُ أَخيك وطال نصحي له.. إلخ" فلا داعي لعدها من الأَفعال الجامدة لا في المعنى ولا في الاستعمال.
التصرف
أولًا: يتصرف الفعل المضارع من الفعل الماضي بأَن:
أَ- نزيد عليه أَحد أحرف المضارعة "الهمزة للمتكلم وحده، أَو النون للمتكلم مع غيره، أو الياء للغائب، أو التاءُ للمخاطبين أو الغائبة" مضمومًا في الفعل الرباعي ومفتوحًا في غيره.
ب- ثم ننظر في عدد حروفه على ما يلي:
١- الثلاثي نسكن أَوله ونحرك ثانية بالحركة المسموعة فيه: ضمةً
1 / 14
أَو فتحةً أَو كسرةً. فنقول مثلًا، يكتُب ويَفْتَحَ ويضرِب.
٢- الرباعي والخماسي والسداسي إن لم تكن تبتدئ بتاءٍ زائدة، نكسر ما قبل آخرها بعد حذف أَلف الوصل من الخماسي والسداسي وهمزة القطع الزائدة من الرباعي فنقول: يُدَحْرج، يَنطَلِق، يسْتَغْفِر، يُكَرِم.
فإِن بدئت بتاءٍ زائدة بقيت على حالها: تشارَكَ يتشارك، تعلَّمَ يتعلَّمُ، تدحرج يتدحرج.
ثانيًا: يتصرف الأَمر من المضارع بإجراء الخطوات التالية:
١- إِدخال الجازم على المضارع: لم يكْتبْ، لم يَرْم، لم يدَحرجْ، لم ينطلقوا، لم تستخرجي، رفيقاي لم يتشاركا.
٢- حذف حرف المضارعة.
٣- رد ألف الوصل وهمزة القطع اللتين كانتا حذفتا في الفعل المضارع فنقول: اكتبْ، دحْرجْ، انطلقوا، استخرجي، تشاركا يا رفيقيَّ.
1 / 15
فعلا التعجب
شروط اشتقاقهما - أحكام تتعلق بهما - إعرابهما
إذا أَراد امرؤٌ أَن يعبر عن إعجابه بصفة لشيءٍ ما، اشتق من مصدر هذه الصفة إحدى هاتين الصيغتين:
١- ما أَفْعَلَه ٢- أَفْعِلْ به
فتقول متعجبًا من حسن حظ رفيقك: ما أَحسن حظَّه، وأَحسنْ بحظه، فتأْتي بالتعجب منه منصوبًا بعد الفعل الأَول ومجرورًا بالباء الزائدة وجوبًا بعد الفعل الثاني.
١- شروط اشتقاقهما:
لا يشتقان إلا مما توفرت فيه الشروط السبعة الآتية:
أن يكون: ١- فعلًا ثلاثيًا، ٢- تامًا، ٣- متصرفًا، ٤- قابلًا للتفاوت "المفاضلة"، ٥- مبنيًا للمعلوم، ٦- مثبتًا غير منفي، ٧- صفته المشبهة على غير وزن أفعل. مثل ما أَصدق أَخاك.
فإِن نقص في الكلمة شرط من هذه الشروط توصلت إلى التعجب بذكر مصدرها بعد صيغة تعجب مستوفية للشروط.
فكلمة "إنسان" ليست فعلًا ثلاثيًا، و"كان" فعل غير تام،
1 / 16
و"الموت" غير قابل للتفاوت، و"هُزِمَ خصْمُك" مبني للمجهول، و"الخُضْرة" الصفة المشبهة منها على أَفعل، فإِن أَردت التعجب منها قلت مثلًا: ما أَلطف إِنسانيته، وما أَحلى كونَك راضيًا، وما أَسرعَ موتَ المولود، وما أَشدَّ هزيمةَ خصمك، وما أَنضر خضرةَ الزرع، وهكذا.
ومن الصيغة الثانية للتعجب تقول: أَلطِفْ بإِنسانيته، وأَحْلِ بكونك راضيًا، وأَسرِعْ بموت المولود، وأَشدِدْ بهزيمة خصمك وأَنضِرْ بخضرة الزرع.
أحكام
١- لا يبدي الإِنسان إِعجابه بشيءٍ لا يعرفه، لذلك لابدّ في المتعجب منه أَن يكون معرفة مثل: ما أَكرم خالدًا، أَو نكرة مختصة مثل: أَكرمْ برجلٍ ينفع الناس. فلا معنى للتعجب من نكرة.
٢- صيغتا التعجب فعلان جامدان فلا يتقدم عليهما معمولهما "أي المفعول به في الصيغة الأولى، والجار والمجرور في الصيغة الثانية"، فلا يقال "خالدًا ما أَكرم"، ولا "بخالدٍ أَكرمْ" وجمودهما مانع أَيضًا أَن يفصل بين أجزائهما بفاصل.
لكنهم تسامحوا في الفصل بينهما وبين معموليْهما بثلاثة أَشياء: بالجار والمجرور مثل "ما أَطيب - في الخير - مسعاك!، أَطيب - في الخير - بمسعاك! "، وبالظرف مثل "ما أَنبلَ - اليومَ - مسعاك!، أَنبِل - الليلة - بمسعاك! "، وبالنداءِ مثل "ما أَحسن - يا سليم -
1 / 17
خطابَك!، وأَسرعْ - يا أَخي - بسير العدّاء! ". وتزاد "كان" بين جزأي الصيغة الأولى مثل: "ما كان أَجملَ جوابَك! " فلا تحتاج إلى اسم ولا خبر.
٣- ولجمود هاتين الصيغتين تفارقان الأفعال المتصرفة في الإعلال، فإذا أَتينا بهما من فعل "جاد يجود" لا نعلّ العين بل نصححها فنقول: "ما أَجوَدَ جارَك!، وأَجوِدْ به! "، وتفارقانها في الإدغام فإذا أَتينا بهما من فعل "شدّ" المدغم وجب فك الإدغام في الصيغة الثانية مثل: "ما أَشدّ البردَ! وأَشدِدْ به! ".
٤- يلزم الفعلان صورةً واحدةً على عكس الأَفعال المتصرفة، فتخاطب المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث بصيغة واحدة فتقول: "أَكرمْ يا هندُ بخُلق جارتِكِ! وأَكرمْ برفيقيْ أَخيك! وما أَحسنَ كلامكم أَيها الرفاق!.. إلخ".
إعرابهما:
١- معنى الصيغة الأُولى "ما أَجملَ خطَّك! ": شيءٌ جعل خَطَّك جميلًا، ومعنى "ما أَبدع صنعَ الله": شيءٌ نسب الإِبداع إلى صنع الله، وعلى هذا يكون الإِعراب:
ما: نكرة تامة بمعنى شيء، مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ.
أجمَلَ: فعل ماض جامد مبني على الفتح لا محل له من الإِعراب، وفاعله ضمير مستتر وجوباُ تقديره "هو" يعود على "ما".
خطّك: "خطّ" مفعول به منصوب، الكاف مبني على الفتح في محل جر بالإضافة١.
_________
١- يجوز حذف المفعول إن دل عليه دليل، كما إذا سألني: "كيف سليم؟ ".......................=
1 / 18
وجملة "أَجْمَلَ خطّك" في محل رفع خبر المبتدأ "ما".
٢- ومعنى الصيغة الثانية "أَكْرِمْ بخالدٍ" = كرُم خالدٌ، وعلى هذا يكون الإعراب:
أكْرِمْ: فعل ماض جامد أتى على صورة الأمر، مبني على فتح مقدّر على آخره منع من ظهوره السكون العارض لمجيئه على صورة الأمر.
بخالد: الباء حرف جر زائد وجوبًا، "خالد" فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الآخر منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد١.
وإن كان ما بعد الباء ضميرًا مثل "أكرم به" قلنا: الهاء فاعل، ووضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع لوجود حرف الجر الزائد.
ملاحظة: في أفعال الحب والبغض، الفرق بين قولك "ما أحبني إلى خالد" وقولك "ما أحبني لخالد"، أن خالدًا في الأولى هو المحِب، وفي الثانية هو المحبوب وأنت المحب.
تذييل:
سمع من العرب أفعال تعجب غير مستوفية الشروط، فيقتصر فيها على ما سمع ولا يقاس عليه، من ذلك:
ما أرجله "من الرجولة ولا فعل لها"،
ومن غير الثلاثي: ما أعطاه للدراهم وما أولاه للمعروف وما أتقاه الله، ما أملأ القربةَ "أي ما أكثر امتلاءها"، ما أخصر كلامه من "اختصر".
ومن المبني للمجهول: "ما أزهاه! وما أعناه بأمرك".
ومما صفته المشبهة على "أفعل": "ما أحمقه وما أهوجَه! وما أرعنه! "
_________
=فأجبتك: " ما أحسن! وما أكرم! " أي ما أحسنه! وما أكرمه!.
١- يجوز حذف هذا الجار والمجرور إن وجدا في جملة سابقة مماثلة: " أنعم بأخيك! وأكرم" أي: وأكرم به!
1 / 19
الشواهد:
١- أقيم بدار الحزم ما دام حزمها وأحر ... - إذا حالت - بأن أتحولا
...
أوس بن حجر
٢- لله در بني سُلَيم ما أَحسن ... - في الهيجاءِ - لقاءها! وأكرمَ
- في اللزبات "الشدائد" - عطاءَها، ... وأثبتَ - في المكرمات - بقاءَها
...
عمرو بن معد يكرب
٣- فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدا، وإن يستغن يوما فأجدر
...
عروة بن الورد
٤- ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا﴾ [سورة مريم: ٣٨]
٥- جزى الله عني - والجزاء بكفة ... ربيعة خيرا ما أعطف وأكرما.
...
نسب لعلي بن أبي طالب
٦- منعت تحيتها فقلت لصاحبي: ... ما كان أكثرها لنا وأقلها
...
عروة بن أذينة
٧- أَعززْ عليَّ - أَبا اليقظان ... أن أَراك صريعًا مُجَدَّلا
...
علي
٨- أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
1 / 20
٩- ياما أميلح غزلانا شدن له ... من هؤليا بين الضال والسمر١
... العرجي، وينسب لغيره
شدن الغزال: نما وقوي، الضال والسمر نوعان من الشجر
_________
١- سمع التصغير في فعلين من أفعال التعجب هما "ما أملح" و"ما أحسن"، والتصغير خاص بالأسماء. وعللوا ذلك بشبه "ما أفعل" باسم التفضيل، وليس بشيء. إذ لو صح ذلك لاطرد في كل الأفعال ولم يقتصر فيه على السماع.
1 / 21
أفعال المدح والذم
١- أفعال المسموعة وإعرابها ٢- الأفعال المقيسة
حين تعبر العرب عن المدح والذم تعبيرًا لا يخلو من التعجب، تصوغ له أفعالًا منقولة عن بابها لأَداء هذا المعنى الجديد، على صيغ خاصة لا تتغير، ولذلك كانت هذه الأفعال كلها أفعالًا جامدة لا مضارع لها ولا أمر. وهي صنفان:
أ- الصنف الأول: نعم وبئس وساء، وحبذا ولا حبَّذا.
فأما نعم وبئس ففعلان جامدان مخففان من "نَعِم، وبَئِس"، و"ساءَ" أَصلها من الباب الأَول "ساءَ يسوءُ" وهو فعل متعدٍ، فلما نقلوه للذم إلى باب "فَعُل": جمُدَ وأَصبح لازمًا بمعنى بئس. والتزمت العرب في فاعل نعم وبئس أَن يكون أحد ثلاثة:
١- محلىًّ بـ"أَل" الجنسية، أو مضافًا إلى محلىًّ بها، أَو مضافًا إلى مضاف إلى محلىًّ بها: نعم الرجل خالد، نعم خلقُ المرأَة الحشمة، بئس ابن أخت القوم سليم.
٢- أَو ضميرًا مميزًا "مفسرًا بتمييز": نعم رجلًا فريد١، وساءَ
_________
١- وحينئذ يلازم الفعل الأفراد مهما يكن المخصوص بالمدح أو الذم مثل: نعم............=
1 / 22
خلقًا غضبك.
٣- أَو كلمة "ما" بئس ما فعل جارك: ساءَ ما كانوا يصنعون. والمرفوع بعد الفعل والفاعل هو المخصوص بالمدح أو بالذم، إذ معنى "نعم الرجل خالد" أَن المتكلم مدح جنس الرجال عامة "وفيهم خالد طبعًا" ثم خص المدح بـ"خالد" فكأَنما مدحه مرتين. ويعرب المخصوص بالمدح أَو بالذم خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبًا تقديره "هو"، أو "الممدوح أو المذموم"، وكأَن الكلام جوابٌ لسائلٍ سأَل "من عنيت بقولك: نعم الرجل؟ ". أَما إذا تقدم المخصوص على جملة المدح مثل "خالد نعم الرجل" فيعرب مبتدأً والجملة خبره.
وأَما حبذا: فـ"حَبَّ" فعل ماض جامد و"ذا" اسم إشارة فاعل، والمخصوص بالمدح، خبر لمبتدأ محذوف وجوبًا تقديره "هو"، ولا يتقدم على الفعل، ولا يشترط أَن يكون أَحد الثلاثة الماضية في فاعل نعم، فيجوز أَن تقول لا حبذا خليل، وإِذا اتصل بها فاعل غير "ذا" جاز جره بالباءِ الزائدة: أَخوك حَبَّ به جارا.
ب- الصنف الثاني: كل فعل قابل للتعجب١ يمكن نقله إلى الباب الخامس "فعُل يفعُل" إذا أُريد منه مع التعجب المدحُ أَو الذم. ففعل "فهِم يفهَم" من الباب الرابع "فهم الطفلُ المسأَلة"، أَما إذا زاد فهمه حتى صار يُتَعجَّب من سرعته وأَردنا مدحه قلنا "فهُم الطفل"
_________
= رجلين خالد وفريد، نعمت أو نعم طالبات هند ودعد وسعاد. بئس أخلاقا الكذب والغدر والغش، فالتغير حينئذ هو الذي يطابق المخصوص ثنية وجمعا.
١- مما استوفى الشروط المذكورة في باب التعجب.
1 / 23
بمعنى أَن الفهم صار ملكةً فيه وغريزة ثابتة، لأن الباب الخامس خاص بالغرائز مثل: "المحسنتان نبُلتا فتاتين". وإذا أَخبر إنسان بخلاف الواقع قلنا "كذَب في خبره"، أَما إذا صار الكذب غريزة له ونبغ فيه وأَردنا التعجب من ملازمته له مع ذمة قلنا "كذُب". والمعتل اليائي يحول إلى الواو إِذا نقلناه إلى باب "كرُم" للمدح أَو الذم: "هَيُؤَ صالحٌ" بمعنى صار ذا هيئة حسنة.
1 / 24