Al-Manhal Al-Adhb Al-Mawrood Sharh Sunan Abi Dawood
المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود
Araştırmacı
أمين محمود محمد خطاب (مِن بعد الجزء ٦)
Yayıncı
مطبعة الاستقامة
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٣٥١ - ١٣٥٣ هـ
Yayın Yeri
القاهرة - مصر
Türler
المنهل العذب المورود
شرح سنن الإمام أبي داود
تأليف
الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق
محيي السنة وقامع البدعة، صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ:
محمود محمد خطاب السبكي
تاج العلماء الأعلام بالأزهر المعمور
[الجزء الأول]
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، الذي شرح صدور من اصطفاهم من خيار المؤمنين، لنصرة وكشف اللثام عن هدي سيد الأولين والأخرين، فبذلوا الجهد في بيان ما ورد عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من معالم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها صمدا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير بشير ونذير القائل ﴿نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع، فربّ مبلغ أوعى من سامع﴾ (١) والقائل ﴿اللهم ارحم خلفائي قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلمونها الناس﴾ (٢) والقائل ﴿من أدّى إلى أمّتي حديثا لتُقَامَ به سُنّةٌ، أو تُثْلَمَ به بِدْعَةٌ، فله الجنّةُ﴾ (٣) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى كل من نهج نهجه القويم.
﴿أما بعد﴾
فيقول محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي (٤):
إني لما شرعت بعون الله تعالى وتيسيره في قراءة سنن الإمام الورع الثبت الحجة أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني في ربيع الثاني من سنة ١٣٤٣ ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف هجرية، وكانت نسخ ذلك الكتاب نادرة الوجود، وقد صعب على الطلبة اقتناؤها، أردت طبعه ليسهل الحصول عليه، ويعمّ النفع به، فطلب مني أن أكتب عليه شرحا يكشف عنه النقاب، ويوضح ما فيه للطلاب، إذا لم يكن مشروحا شرحا وافيا، فشمرت عن ساعد الجدّ والاجتهاد، واستعنت بالملك المقتدر الهادي إلى سبيل الرشاد، وشرحته شرحا واضحا غاية الإيضاح؛ مفصحا عن معانيه كلّ الإفصاح
_________
(١) رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(٢) رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(٣) أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(٤) نسبة إلى سبك الأحد مركز أشمون بمديرية المنوفية.
1 / 2
وتوخيت فيه تأييد الحق، وقوّيته حسبما وصل إليه الجهد، وسميته (المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبى داود) وقد عنيت فيه بيان تراجم رجال الحديث، وشرح ألفاظه وبيان معناه، وما يستفاد منه من الأحكام والفوائد، مبينا أوجه الخلاف وأدلته إن كان ثم أذكر من أخرج الحديث غير المصنف سواء أكان من الأئمة الستة أم غيرهم، وأبين حاله من صحة أو حسن أو غيرهما، سالكا في كل ذلك سبيل الإنصاف، منتكبا طريق الاعتساف ولإتمام الفائدة بدأت الشرح بذكر مقدمة تشتمل على نبذة من مصطلح الحديث وعلى ترجمة المصنف وتلاميذه وبيان النسخ المرويّة عنه وأسانيد روايتى هذه السنن عن المصنف وأسأل الله تعالى أن يجعله عملا مقبولا لديه خالصا لوجهه الكريم ولا اعتماد لى في شئ إلا عليه وهو حسبى ونعم الوكيل
مقدمة
تشتمل على مبادى علم الحديث، وشذرات من علم المصطلح، وترجمة الإمام أبى داود والتعريف بسننه، وشرطه؛ وطريقته فيها؛ والكلام على ما سكت عليه والنسخ المروية عنه، وتراجم رواتها؛ وسندنا إليه
. . . . . . . . . . . . . . . (مبادئ علم الحديث). . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(الحديث) لغة ضد القديم، واصطلاحا ينقسم إلى قسمين علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية.
أما علم الحديث رواية فهو علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة خلقية بكسر فسكون ككونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس بالطول ولا بالقصير أو خلقية بضمتين ككونه لا يواجه أحدا بمكروه، وليس المراد بالعلم هنا القواعد الكلية بل هو قضايا جزئية يتبين بها ما ذكر
(وموضوعه) أقوال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته
(وفائدته) الاحتراز عن الخطأ في نقل ما أضيف إلى النبى صلى لله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعرفة كيفية الاقتداء به في أفعاله وغير ذلك
(وواضعه) أعنى أول من جمعه محمد بن مسلم ابن شهاب الزهرى بأمر سيدنا عمر بن عبد العزيز
(وحكمه) الوجوب العينيّ على من انفرد به؛ والكفائى عند التعدد وأما علم الحديث دراية فهو علم يعرف به أحوال السند والمتن من صحة وحسن وضعف ورفع ووقف وقطع وعلوّ ونزول وغيرها. فالعلم هنا عبارة عن القواعد كقولهم
1 / 3
كل حديث صحيح أو حسن يستدلّ به
(والسند) الطريق الموصل إلى المتن وهو الرواة
(والمتن) ما انتهى إليه السند من الكلام (وموضوعه) السند والمتن من حيث إثبات هذه الأحوال لهما
(وفائدته) معرفة المقبول والمردود منهما
(وواضعه) القاضي أبو محمد الرّامَهُرمُزي بشدّ الراء وفتح الميم الأولى وضم الهاء والميم الثانية بينهما راء ساكنة. ثم الحاكم ثم آخرون كأبي نعيم وابن الصلاح
(واسمه) علم مصطلح الحديث وله تعريف آخر وهو علم يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وحكمها وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق بها.
فحقيقة الرواية نقل السنة ونحوها وإسناد ذلك إلى من عزى إليه بتحديث أو إخبار أو غير ذلك (وشرطها) تحمل راويها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل من سماع وإجازة ونحوهما
(وأنواعها) الاتصال والانقطاع ونحوهما
(وأحكامها) القبول والردّ
(وحال الرواة) العدالة والجرح
(وشروطهم) في التحمل وفى الأداء ما هو مذكور في المصطلح
(وأصناف المرويّات) المصنفات والمسانيد والمعاجم والأحاديث والآثار وغيرها
(وما يتعلق بها) هو معرفة اصطلاح أهلها.
شذرات من علم مصطلح الحديث
الخبر مرادف للحديث على الصحيح وله تقسيمان
التقسيم الأول له باعتبار طرقه
ينقسم الخبر إلى متواتر وآحاد
(فالمتواتر) ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب
عن مثلهم وكان مستند انتهائهم الحسّ كسماع أو رؤية ولا يتعين عددهم على الصحيح. وحكمه أنه يفيد العلم الضرورىّ على المشهور. وهو مقبول لإفادته القطع بصدق مخبره
(والآحاد) ما ليس بمتواتر: وأقسامه ثلاثة
(الأول المشهور) وهو ما رواه عدد فوق اثنين عن أكثر من اثنين وهكذا بحيث لم يجتمع فيه شروط المتواتر.
(والثاني العزيز) وهو ما رواه اثنان عن اثنين ولو في طبقة واحدة عن متعدد فالزيادة عنهما أحيانا لا تضر إذ الحكم للأقل
(الثالث الغريب) وهو ما تفرد بروايته واحد في أى موضع من السند. وينقسم إلى مطلق ونسبىّ. فالمطلق ما تفرد فيه الصحابى أو التابعى. والنسبىّ ما تفرد فيه غيرهما. وأقسام الآحاد منها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها.
الحديث المقبول
هو ما ترجح صدق المخبر به، وينقسم إلى أربعة أقسام. صحيح لذاته ولغيره. وحسن لذاته ولغيره لأنه إن اشتمل من أوصاف القبول على أعلاها فالصحيح لذاته. وإن اشتمل على
1 / 4
أوسطها أو أدناها ووجد ما يجبر القصور ككثرة الطرق فهو الصحيح لغيره. وإن اشتمل على أوسطها أو أدناها ولم يوجد ما يجبر القصور فهو الحسن لذاته. وإن لم يشتمل على شئ من أوصاف القبول لكن كثرت طرقه أو تقوّى بمتتابع أو شاهد (١) فهو الحسن لغيره. وصفات القبول هى العدالة، والضبط، واتصال السند، والسلامة من العلة والشذوذ. فالعدالة ملكة تحمل من اتصف بها على ملازمة التقوى والمروءة. والضبط ضبط صدر وهو أن يحفظ ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء. وضبط كتاب وهو تصحيحه وصيانته عنده منذ سمع فيه إلى أن يؤدّى منه. واتصال السند سلامته من سقوط راو منه أو أكثر بحيث يكون كل من رواته سمع ذلك المروىّ من شيخه أو أخذه عنه إجازة على المعتمد. والعلة أمر قادح مؤثر في ردّ الحديث يظهر للنقاد عند جمع طرقه كإرسال ووقف مرفوع: والشذوذ مخالفة الثقة من هو أرجح منه حفظا أو عددا بزيادة أو نقص مع عدم إمكان الجمع. وتتفاوت رتب الصحيح بتفاوت هذه الأوصاف في القوة، فما كانت رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وتحرّى مخرّجيه كان أصح مما دونه ولهذا اتفقوا على أن أصح الحديث ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخارى في صحيحه على رأى الجمهور إلا أن الصفات التى تدور عليها الصحة من كتابه أتمّ منها في مسلم ولأن شرطه أن يكون الراوى قد ثبت لقاؤه بمن روى عنه ولو مرة وأما مسلم فاكتفى بمطلق المعاصرة مع إمكان اللقى عادة. ثم ما انفرد به مسلم. ثم ما كان على شرطهما ثم ما كان على شرط البخارى ثم ما كان على شرط مسلم ثم ما كان على شرط غيره واتفقوا أيضا على أن صحيح ابن خزيمة أصح من صحيح ابن حبان وهو أصح من مستدرك الحاكم لتفاوتهم في الاحتياط وفائدة هذا الترتيب الترجيح عند التعارض وعدم مرجح آخر
(فوائد)
(الأولى) إذا جمع بين وصفين كأن يقال حديث حسن صحيح فذلك لكون الحديث له إسنادان: أحدهما حسن. والآخر صحيح. أو له إسناد واحد وتردّد في وصفه بالحسن أو الصحة وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف الترديد إذ حقه أن يقال فيه حسن أو صحيح
(الثانية) لا تلازم بين السند والمتن في الصحة والحسن إذ قد يصح السند أو يحسن لاجتماع شروط الصحة أو الحسن دون المتن لشذوذ أو علة قادحة فيه وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق آخر
(الثالثة) زيادة الثقة مقبولة ما لم تناف رواية من هو أوثق منه على الصحيح. فإن خولف بأرجح منه لمزيد ضبط
_________
(١) المتابع بالفتح هو الفرد النسبىّ الذى تبين بعد ظن فرديته أن غيره قد وافقه حتى انتهيا إلى صحابيّ واحد؛ والمتابع بالكسر هو هذا الغير الموافق للفرد النسبيّ وهذا هو المراد هنا؛ والمتابعة قسمان: تامة وهي ما حصلت للراوى نفسه في الأخذ عن شيخه؛ وناقصة وهى ما حصلت لشيخه فما فوقه دون الراوى. والشاهد هو ما خالف الفرد النسبيّ الصحابى وشابه متنه متنه لفظا ومعنى أو معنى فقط
1 / 5
أو كثرة عدد أو غير ذلك من المرجحات فالراجح يقال له المحفوظ. والمرجوح يقال له الشاذ فالمحفوظ ما رواه الثقة مخالفا من هو أقلّ منه بزيادة أو نقص مع عدم إمكان الجمع بينهما. والشاذ ما رواه الثقة مخالفا من هو أوثق منه بزيادة أو نقص في المتن. وإن خولف براو ضعيف لسوء حفظه أو نحوه. فالراجح يقال له المعروف. ومقابله المنكر. فالمعروف ما رواه الثقة مخالفا الضعيف والمنكر مارواه الضعيف مخالفا للثقات ويطلق على ما تفرد به الضعيف وإن لم يخالف غيره
(الرابعة) إذا روى العدل الضابط المتقن حديثا انفرد به فمقبول اتفاقا. وإذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا أو رواه بعضهم موقوفا وبعضهم فوعا أو وصله هو في وقت وأرسله في وقت آخر أو رفعه في وقت ووقفه في وقت آخر فالصحيح الذى قاله المحققون أن الحكم لمن وصله أو رفعه ولو كان المخالف له أكثر أو أحفظ. وقيل الحكم للأكثر. وقيل للأحفظ. وينقسم المقبول أيضا إلى معمول به وغير معمول به: فالمعمول به المحكم ومختلف الحديث؛ والناسخ؛ والراجح: وغير المعمول به المنسوخ؛ والمرجوح، والمتوقف فيه لأن الخبر إن سلم من المعارض فهو الحكم ومن هذا الباب أكثر الأحاديث فإن أكثرها غير معارض والمعارض منها قليل وإن عورض بمثله وأمكن الجمع بلا تعسف فهو مختلف الحديث كحديث جابر رضي الله تعالى عنه مرفوعا ﴿لا عدوى ولا طيرة (١) ولا هامة (٢) ولا صفر (٣) ولا غول (٤)﴾ رواه أحمد ومسلم. وحديث أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عند البخارى وفيه ﴿وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد﴾ فهذان الحديثان ظاهرهما التعارض وجمع بينهما بأن الأمراض لا تعدى بطبعها لكن الله ﷾ جعل مخالطة المريض سببا لسريان المرض إلى الصحيح وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب. أو بأن الأول محمول على كامل العقيدة والثاني على خلافه. وإن لم يمكن الجمع وعرف التاريخ فالمتأخر ناسخ كحديث ثوبان رضي الله تعالى عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه على آله وسلم ﴿أفطر الحاجم والمحجوم﴾ رواه أحمد والمصنف والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم وهو متواتر صحيح. وحديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ﴿احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم﴾ أخرجه الشيخان
_________
(١) بكسر ففتح من التطير وهو التشاؤم بالطيور.
(٢) بالتخفيف اسم طائر قيل هى البومة كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم يقول نعت إليّ نفسى أو أحد من أهل دارى.
(٣) بفتحتين وهو تأخير المحرم إلى صفر وهو النسيء وذلك أن العرب كانت تحرّم صفر وتستحلّ المحرم فجاء الإسلام بردّ ما كانوا يفعلونه.
(٤) بضم فسكون قال النووي كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغوّل تغّولا أى تتلون تلوّنا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فأبطل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك.
1 / 6
والمصنف والترمذى وصححه. فقد بين الشافعي أن الثانى ناسخ للأول لأنه كان في سنة عشر والأول في سنة ثمان. وإن لم يعرف التاريخ وأمكن الترجيح بوجه من الوجوه ككون راوى أحد الحديثين أزيد ثقة أو فطانة أو أكثر عددا عن الآخر فالأقوى هو الراجح؛ وإن لم يمكن الترجيح وجب التوقف عن العمل بأحدهما.
(الخبر المردود)
هو ما لم يترجح صدق الخبر به ولا يعمل به. والردّ إما لحذف من السند أو لطعن في راو من رواته فالمردود للحذف أنواع
(الأول المعلق) وهو ما حذف من أول سنده من جهة المحدّث واحد أو أكثر ولو كل السند حذفا لا خفاء فيه وإنما وإنما كان المعلق مردودا للجهل بحال المحذوف. وقد يقبل إذا علم أن المحذوف ثقة كأن يجئ من طريق آخر مصرّحا فيه باسمه أو كنيته أو لقبه.
(الثانى المرسل) وهو ما سقط منه الصحابى كأن يقول التابعى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كذا. ولم يحتج به كثير من المحدّثين وعدّوه من المردود لاحتمال أن التابعى روى عن تابعى ضعيف وأسقطه أيضا. وذهب مالك وأحمد في المشهور عنهما إلى الاحتجاج به وكذا أبو حنيفة إن عرف أن التابعى لا يرسل إلا عن ثقة. وقال الشافعى لا بقبل إلا إنا تقوّى بمجيئه من وجه آخر.
(الثالث المعضل) وهو ما سقط من سنده اثنان فصاعدا على التولي سواء أكان السقوط من أول السند أم أثنائه أم آخره.
(الرابع المنقطع) وهو على المشهور ما سقط من سنده راو واحد قبل الصحابى في أى موضع ولو تعددت المواضع فيكون منقطعا من مواضع. وقيل هو ما لم يتصل إسناده ولو سقط منه أكثر من واحد فهو أعمّ عموما مطلقا من المرسل والمعلق والمعضل وينقسم الحذف من السند إلى واضح وخفىّ. فالواضح يعلم بدون بحث كأن يروى البخارى عن ابن عمر أو عن أبي حنيفة. والخفي ما لا يعلم إلا بالبحث. وينقسم إلى مدلس ومرسل وخفىّ فالمدلس ثلاثة أنواع: الأول مدلس الإسناد. وهو ما أسقط فيه المحدّث من سمعه منه ورواه عن شيخ لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه بصيغة لا تقتضى اتصالا كعن وقال. فإن أتى بصيغة تقتضى الاتصال كحدثنى كان كاذبا. الثاني: مدلس الشيوخ وهو ما لم يسقط فيه المحدّث من سمعه منه لكن وصفه بغير ما اشتهر به من اسم أو كنية أو لقب. الثالث: مدلس التسوية. وهو ما أسقط فيه الراوى ضعيفا بين ثقتين لقى أحدهما الآخر ورواه عن شيخه الثقة عن الثقة الثانى بلفظ محتمل كعن فسوّى بين الرجال بجعلهم ثقات. وهذا القسم أشدّ الأنواع ذما. وظاهر كلام شعبة حرمته لأنه يوهم الاحتجاج بما لا يحتج به. ويليه النوع الأول. وأخفها النوع الثانى. ومن عرف منه هذا التدليس وأتى بحديث بلفظ يقتضي الاتصال فهو مقبول على الصحيح إذا كان المدلس عدلا وقيل من عرف منه هذا التدليس صار مجروحا لا تقبل روايته في شيء وإن بين السماع. ثم هذا الحكم في المدلس جار فيمن دلس ولو مرة واحدة. والمرسل الخفيّ ما رواه المحدث عمن عاصره
1 / 7
ولم يلقه.
(والمردود للطعن)
ما طعن في راويه بواحد من عشرة. خمسة منها تتعلق بالعدالة. وهي الكذب. وتهمته. وظهور الفسق. والجهالة بأن لا يعرف تعديل الراوى ولا تجريحه. والبدعة. وهي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا بمعاندة بل بنوع شبهة. فإن كانت بمكفر لا يقبل صاجها كأن يعتقد أن النار تؤثر بطبعها. وإن كانت بمفسق يقبل كأن يعتقد أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية ما لم يكن داعيا إلى بدعته. وخمسة تتعلق بالضبط هي فحش الغلط أى كثرته، وفحش الغفلة وهى كثرة ذهوله عن الإتقان، والوهم بأن يروى عن توهم وتردّد لا عن يقين. ومخالفة الثقات، وسوء الحفظ وهو إن كان ملازما للراوى لم يقبل حديثه وإن كان طارئا عليه لنحو كبر سنّ أو ضعف أو ضياع كتبه قبل ما حدّث به قبل الاختلاط لا ما عرف أنه حدّث به بعده.
(والمردود للطعن أنواع)
(الأول الموضوع) وهو المطعون فيه بكذب الراوى بأن يروى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما لم يقله متعمدا ذلك.
(الثانى المتروك) وهو على ما اختاره السيوطى ما تفرد بروايته واحد مجمع على ضعفه لتهمته بالكذب أو فحش غلطه أو كثرة غفلته أو ظهور فسقه.
(الثالث المعلّ) وهو ما أوهم الراوى سلامته ثم اطلع فيه بعد البحث على قادح خفىّ من وصل مرسل أو منقطع أو إبدال ثقة بضعيف أو إدخال حديث في حديث.
(الرابع مدرج الإسناد) وهو ما خالف راويه الثقات بتغيير سياق إسناده وهو أقسام:
- (أولها) أن يسمع الراوى حديثا من جماعة مختلفين في إسناده فيرويه عنهم بإسناد واحد بدون بيان الاختلاف.
- (ثانيها) أن يروى الشيخ بعض المتن بإسناد وباقيه بآخر فيرويه كله عنه راو واحد بالإسنادين.
- (ثالثها) أن يروى شخص حديثين بإسنادين فيرويهما عنه راو بأحد الإسنادين أو يروى أحدهما بإسناده ويزيد عليه بعضا من الثانى
(الخامس مدرج المتن) وهو ما خالف راوية الثقات بأن يزيد فيه ما ليس منه لتفسير كلمة غريبة بدون تمييز بينهما كحديث الزهرى عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا (كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحنث في غار حراء. وهو التعبد الليالى ذوات العدد) (١) فقوله وهو التعبد مدرج لتفسير التحنث
(السادس المقلوب) وهو ما خالف راويه الثقات بتقديم أو تأخير في السند أو المتن كأن يقع في الإسناد كعب بن مرة غلطا بدل مرة بن كعب وفى المتن كحديث أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه ففيه (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) فهذا مما انقلب على أحد الرواة وإنما هو (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)
(السابع المزيد في متصل الأسانيد) وهو ما خالف راويه الثقات بزيادة راو فأكثر في موضع من سنده
_________
(١) رواه البخارى في صحيحه ضمن حديث طويل في بدء الوحى.
1 / 8
قد صرّح فيه الأكثر إتقانا بالسماع أما إن عنعن الأتقن في موضع الزيادة ترجحت رواية الزيادة كأن يقول الأتقن حدثنا مالك حدثنا نافع حدثنا ابن عمر ويقول الأقلّ منه إتقانا حدثنا مالك حدثنا الزهرى حدثنا نافع
(الثامن المضطرب) وهو ما وقع الاختلاف في سنده أو متنه أو فيهما مع تساوى الروايتين وتعذّر الجمع بينهما فالاختلاف في السند كحديث سنده هكذا قال الثورىّ حدثنا إسماعيل بن أمية حدثنا أبو عمرو حدثنا محمد بن أحمد حدثنا أبو هريرة وقال بشر حدثنا إسماعيل بن أمية حدثنا أبو عمرو حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة. والاختلاف في المتن كحديث فاطمة بنت قيس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إن في المال حقا سوى الزكاة) فقد روى عنها بهذا اللفظ. وروى عنها أيضا بلفظ (ليس في المال حق سوى الزكاة) فقد حكم بعض المحدّثين باضطرابه وجمع بعضهم بينهما فأوّل الحق المثبت بالمستحب والمنفى بالواجب فلا اضطراب
(التاسع المصحف) وهو ما كانت المخالفة فيه بالنقط كحديث (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوّال) الخ صحفه أبو بكر الصولى فقال شيئا بالشين المعجمة والمثناة التحتية بدل ستا
(العاشر المحرف) وهو ما كانت المخالفة فيه بالشكل مع بقاء صورة الخط كحديث جابر (رمى أبىّ يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) حرّفه غندر فقال فيه أبى بالإضافة وإنما هو أبيّ بن كعب. والأكحل عرق في الذراع يفصد
(الحادى عشر المبهم) وهو ما جهل فيه راو لعدم تسميته كأن يقال روى الزهرىّ عن رجل ويستدلّ على معرفة اسمه بوروده من طريق آخر مسمى فيه أو من بعض الأئمة المطلعين.
التقسيم الثانى للخبر باعتبار نهاية السند
ينقسم الخبر إلى ثلاثة أقسام
(الأول المرفوع) وهو ما أضيف إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة تصريحا أو حكما (١) سواء اتصل سنده أم لا أضافه صحابى أم غيره فدخل فيه المرسل والمعضل والمنقطع والمعلق دون الموقوف والمقطوع. فالمرفوع إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صريحا من القول قول الراوى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ومن الفعل قول الراوى (سها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسجد) ومن التقرير: كأن يفعل الصحابيّ شيئا بحضرته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويسكت عليه، ومن الصفة كأن يقال (كان النبى
_________
(١) كقول الصحابىّ أمرنا أو نهينا أو أوجب أو حرّم أو رخص لنا لظهور أن فاعلها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.
1 / 9
صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حليما كريما)
(الثانى الموقوف) وهو ما أضيف إلى الصحابى من قوله أو فعله أو تقريره متصلا أو منقطعا وكان للرأى فيه مجال أما ما ليس للرأى فيه مجال فهو في حكم المرفوع كما في رواية البخارى (كان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد) فمثل هذا لا يقال من قبل الرأى
(الثالث المقطوع) وهو ما أضيف إلى التابعى فمن دونه من قول أو فعل أو تقرير كأن يقول الراوى قال ابن المسيب كذا أو فعل كذا مما للرأى فيه مجال. وعدّه من أنواع الحديث فيه تسامح كما قاله الزركشى ومثله الموقوف.
(فائدة) إذا قال الصحابى كنا نقول أو نفعل كذا أو كنا لا نرى بأسا بكذا فعند الجمهور أنه إن لم يضفه إلى زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو موقوف وليس بمرفوع وإن أضافه فقال كنا نفعل في حياة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو وهو فينا فهو مرفوع مطلقا. وقيل إن كان ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا كان مرفوعا كأن يقول الصحابى (كنا نكبر على الجنائز في عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع تكبيرات) وإن كان مما يخفى كان موقوفا كقوله (كنا نعزل المنىّ عن الإماء بغير إذنهنّ وعن الزّوجات بإذنهنّ في عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) وإلا كان موقوفا. وأما إذا قال الصحابى أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو من السنة كذا فهو في حكم المرفوع على الصحيح. وإذا قال التابعى من السنة كذا فالصحيح أنه مرفوع أيضا مرسل. ولو قال التابعى عن الصحابى يرفعه أو ينهيه أو يبلغ به أو يرويه أو ينميه أو رواية أو رواه فهو مرفوع متصل اتفاقا كحديث مسلم عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة يبلغ به (الناس تبع لقريش) وقوله " ينميه " فتح المثناة التحتية وسكون النون أى ينسبه. وهذه من الصيغ التى يكنى بها أصحاب الحديث عن قولهم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكونه روى بالمعنى أو اختصر.
(أقسام السند)
ينقسم السند إلى عال ونازل. وكل منهما مطلق ونسبىّ. فالعالى المطلق هو سند قلّ عدده بالنسبة لسند آخر وانتهى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والمتن فيهما واحد. والنازل المطلق هو ما كثر عدده من هذين السندين وانتهى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والعالى النسبىّ هو سند قلّ عدده بالنسبة لسند آخر وانتهى إلى إمام ذى صفة علية من نحو حفظ وضبط، كمالك والبخارى، والمتن واحد. والنازل النسبىّ هو ما كثر عدده من هذين السندين وانتهى إلى الإمام صاحب الصفة العلية ويقدّم العالى على النازل لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ إذ ما من راو من رجال الإسناد إلا ويجوز عليه الخطأ فكلما كثرت الوسائط كثرت
1 / 10
مظانّ تجويز الخطأ وكلما قلت الوسائط قلت المظانّ فإن كان في النازل مزيّة ليست في العالى كأن يكون رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه كان مقدّما على العالى
(والعلوّ النسبىّ أنواع)
(الأول) الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المؤلفين من طريق آخر أقلّ عددا من طريقه كما لو روى البخارىّ عن قتيبة عن مالك حديثا فلو رواه ابن حجر من طريق البخارى كان بينه وبين قتيبة ثمانية. ولو رواه من طريق أبى العباس السرّاج عن قتيبة كان بينه وبين قتيبة سبعة
(الثانى) البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخ أحد المؤلفين من طريق آخر أقلّ عددا من طريقه مثلا لو روى ابن حجر حديثا من طريق البخارى عن قتيبة عن مالك كان بينه ويين مالك تسعة ولو رواه من طريق أبى العباس عن القعنبىّ عن مالك كان بينه وبينه ثمانية
(الثالث) المساواة وهي استواء عدد سند راو إلى ذى صفة علية مع عدد سند أحد المصنفين إلى ذى الصفة كأن يروى أبو داود حديثا سنده إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعة ورواه ابن حجر بسند آخر عدده تسعة ولو رواه بطريق أبى داود لزاد العدد
(الرابع) المصافحة وهي استواء عدد السند من الراوى إلى ذى صفة علية مع عدد سند من تلميذ أحد المصنفين إلى ذى الصفة. وسميت مصافحة لأن العادة جرت بمصافحة المتلاقيين فكأن الراوى صافح التلميذ المذكور
(أنواع الرواية) وهي كثيرة: منها
- رواية الأقران وهي رواية الشخص عن قرينه أى مشاركه في السنّ أو اللقىّ أى الأخذ عن المشايخ والمراد بالمشاركة في السنّ المساواة فيه أو المقاربة وهي قسمان: المدبّج وهي رواية كل من القرينين عن الآخر إما مباشرة كرواية أبى هريرة عن عائشة ورواية عائشة عنه وإما بواسطة كرواية الليث عن يزيد عن مالك ورواية مالك عن يزيد عن الليث. ويشترط في هذا القسم المشاركة في السنّ واللقىّ معا. وغير المدبّج وهو أن يروى أحدهما عن الآخر فقط بشرط التشارك في السنّ أو اللقىّ كرواية الأعمش عن التيمىّ وهما قرينان
- (ومنها) رواية الأكابر عن الأصاغر وهى أن يروى الراوى عن دونة في السنّ واللقىّ أى زمن التلقى كرواية الزهرىِّ عن مالك ويدخل فيها رواية الآباء عن الأبناء كرواية العباس عمّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ابنه الفضل حديث الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة. وهذا النوع قليل. وفائدة ضبط هذا النوع الأمن من ظنّ الانقلاب في السند وتنزيل الناس منازلهم
- (ومنها) رواية الأصاغر عن الأكابر وهو كثير
- (ومنها السابق واللاحق) وهو أن يشترك اثنان في الرواية عن شيخ مع تقدم موت أحدهما على الآخر بزمن بعيد. وفائدة ضبط هذا النوع الأمن من ظن سقوط شيء من إسناد المتأخر بينه وين شيخه
- (ومنها المهمل) وهو أن يروى الراوى عن اثنين متفقَين في الاسم أو غيره مما به التمييز ولم يتميزا كأن يكون له شيخان كل منهما اسمه أحمد وقال حدثنى أحمد ولم يعلم من هو منهما فإن كانا ثقتين فلا يضرّ ذك وإلا ضرّ
1 / 11
على الصحيح. وفائدة ضبط هذا النوع أمن اللبس. والفرق بين المهمل والمبهم السابق أن المبهم لم يذكر له اسم والمهمل ذكر اسمه مع الاشتباه
- (ومنها المتفق والمفترق) أى المتفق في الاسم والمفترق في المسمى وهو ما رواه قوم اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعدا أى ما كان بعض سنده بهذه الصفة وهو أقسام
(منها) ما اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم كالخليل بن أحمد فإن المسمى بهذا ستة رجال
(ومنها) ما اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم كأحمد بن جعفر بن حمدان. إلى غير ذلك من باقى الأقسام المبينة في المبسوطات. وفائدة ضبط هذا النوع أمن اللبس
- (ومنها) المؤتلف والمختلف وهو ما اتفقت فيه الأسماء خطا واختلفت نطقا كسلام بتشديد اللام وسلام بتخفيفها وفائدة ضبط هذا النوع الاحتراز عن التصحيف والتحريف في الأسماء
- (ومنها) المتشابه وهو ما اتفقت فيه أسماء الأبناء خطا ونطقا واختلفت فيه أسماء الآباء نطقا مع ائتلافهما خطا أو بالعكس كمحمد ابن عقيل بفتح العين ومحمد بن عقيل بضمها وكشريح بن النعمان بالشين المعجمة والحاء المهملة وسريج بن النعمان بالسين المهملة والجيم
- (ومنها المسلسل) وهو ما اتفقت رواته على صفه من الصفات سواء أكانت صفة للرواة أم للإسناد، مثال الأول حدثنى فلان وهو قائم قال حدثنى فلان وهو قائم وهكذا إلى آخر السند، ومثال الثانى حدثنى فلان قال حدثنى فلان وهكذا إلى آخر السند بصيغة التحديث ومثل صيغة التحديث غيرها من صيغ الأداء. والأصل أن يكون التسلسل من أول السند إلى آخره وقد يكون في أكثره كحديث المسلسل بالأوّلية وهو (الرّاحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فقد قال الراوى سمعت حديث الرحمة المسلسل بالأوّلية من شيخى فلان وهو أوّل حديث سمعته منه ويقول شيخ شيخه سمعت حديث الرحمة المسلسل بالأوّلية من شيخى فلان وهو أوّل حديث سمعته منه وهكذا إلى أن انتهت السلسلة بالأوّلية إلى سفيان بن عيينة وانقطع بالأوّلية في سماع ابن عيينة من عمرو بن دينار وفى سماع ابن دينار من أبى قابوس وفي سماع أبى قابوس من عبد الله بن عمرو ابن العاص من الرسول صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم.
(طرق تحمل الحديث)
هى سبعة
(الأول) السماع من لفظ الشيخ إملاء أو تحديثا أو من حفظه أو كتابه
(الثانى) القراءة على الشيخ وتسمى عرضا
(الثالث) الإجازة وهى أنواع: إجازة معين في معين كأجزتك كتاب البخارى وأجزت فلانا جميع ما اشتملت عليه كل كتبى. والصحيح جواز الرواية بالإجازة مطلقا. وإجازة معين في غير معين كأجزتك مسموعاتى أو مروياتي، والجمهور على جوازها وإجازة العموم كأجزت للمسلمين أو لمن أدرك زمانى. والصحيح جوازها، وإجازة المجاز كأجزت لك ما أجازنى به فلان. وينبغى لمن يروى بها أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه فليس له أن
1 / 12
يروى الحديث عن شيخه عن شيخ شيخه حتى يتيقن أنه بما صح عند شيخه كونه في مسموعات شيخة. وتستحب الإجازة إذا كان المجيز والمجاز له من أهل العلم. وينبغى للمجيز بالكتابة التلفظ بها ويصح الاقتصار على الكتابة
(الرابع) المناولة وأعلاها ما تقرن بالإجازة بأن يدفع إليه أصل سماعه أو فرعا مقابلا عليه ويقول هذا سماعي أو روايتى عن فلان أجزت لك روايته ثم يتركه في يده. ومنها أن يناول الطالب الشيخ سماعه فيتأمله وهو عارف متيقظ ثم يناوله الطالب ويقول هو حديثى وسماعي أو روايتى فاروه عنى
(الخامس) الكتابة وهي أن يكتب مسموعه أو يأذن بكتابته للغير ولو حاضرا وهي إما مقرونة بالإجازة أو مجرّدة عنها
(السادس) الإعلام وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الكتاب روايته أو سماعه غير قائل اروه عنى. والأصح أنه لا تجوز روايته لاحتمال أن الشيخ عرف خللا فيه لكن يصح العمل به إذا صح سنده عند المطلع
(السابع) الوجادة وهي أن يقف على كتاب بخط الشيخ فيه أحاديث فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أوفى كتاب فلان بخطه حدثنا فلان ويسوق بقية السند والمتن وعليه العمل قديما وحديثا ولا يقول أخبرنى أو حدثنى فلان إلا إن كان له منه إذن بالرواية عنه.
صيغ الأداء
هي مراتب: سمعت وحدثنى ثم أخبرنى وقرأت عليه، وكان الإخبار أقل من التحديث لأنه أعمّ منه لصدقه على السماع من الشيخ مشافهة أو بواسطة بخلاف التحديث فلا يكون إلا مشافهة ثم قرئ عليه وأنا أسمع ثم أنبأنى ونبأنى وكانتا أقلّ من الإخبار لأنهما في عرف المتأخرين للإجازة ثم ناولنى ثم شافهنى بالإجازة كأجزتك بالبخارى، ثم كتب إلىّ بالإجازة ثم عن فلان وقال ونحوهما من الصيغ المحتملة للسماع وعدمه والإجازة إلا إذا كانت العنعنة من معاصر ثبت لقاؤه بالشيخ ولو مرة فتكون بمعنى السماع فقط ما لم يكن مدلسا ثم أوصى إلىّ أى بكتاب عند موته أو سفره. والجمهور على عدم الاكتفاء بالوصية في الرواية إلا إذا كان له منه إجازة تم وجدت بخطه
(فوائد)
(الأولى) جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد في الخط وينبغى للقارئ أن يلفظ بها وإذا كان في الكتاب قرئ علي فلان أخبرك فلان فليقل القارئ قرئ على فلان قيل له أخبرك فلان وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان فليقل قرئ على فلان قيل له قلت أخبرنا فلان وإذا تكررت كلمة قال كقوله حدثنا صالح قال قال الشعبى فإنهم يحذفون إحداهما في الخط فليلفظ بهما القارئ فلو ترك القارئ لفظ قال في هذا كله فقد أخطأ والسماع صحيح للعلم بالمقصود ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه
(الثانية) جرت العادة بالاقتصار على الرّمز في حدثنا وأخبرنا واشتهر ذلك فيكتبون من حدثنا (ثنا) وهى الثاء والنون والألف وربما حذفوا الثاء ويكتبون من أخبرنا (أنا) ولا تحسن زيادة الباء قبل
1 / 13
(نا) وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد (ح) وهي حاء مهملة مفردة والمختار أنها مأخوذة من التحوّل لتحوّله من إسناد إلى إسناد وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها (ح) ويستمر في قراءة ما بعدها. وقد كتب جماعة من الحفاظ موضعها صح وهو حسن لئلا يتوهم أنه سقط متن الإسناد الأول
(الثالثة) ليس للراوى أن يزيد في نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه لئلا يكون كاذبا عليه فإن أراد تعريفه وإيضاحه وزوال اللبس المتطرّق إليه لمشابهة غيره فطريقه أن يقول قال حدثنى فلان يعنى ابن فلان أو الفلانى أو هو ابن فلان أو الفلانى أو نحو ذلك فهذا جائز حسن قد استعله الأئمة وهذا مبحث نفيس يعظم الانتفاع به فإن من لا يعانى هذا الفن قد يتوهم أن قوله يعنى وقوله هو زيادة لا حاجة إليها وأن الأولى حذفها وهذا جهل بصناعة الفنّ
(الرابعة) يستحب لكاتب الحديث إذا مرّ بذكر الله تعالى أن يكتب ﷿ أو تعالى أو ﷾ أو ﵎ أو جلّ ذكره أو تبارك اسمه أو جلت عظمته أو ما أشبه ذلك وكذلك يكتب عند ذكر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتمامها لا رامزا إليها ولا مقتصرا على الصلاة أو السلام وكذلك يقول في الصحابى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وإن كان صحابيا ابن صحابى قال رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وكذلك يترضى أو يترحم على سائر العلماء والأخيار ويكتب كل هذا وإن لم يكن مكتوبا في الأصل الذى ينقل منه فإن هذا ليس رواية وإنما هو دعاء. وينبغى للقارئ أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكورا في الأصل الذى يقرأ منه ولا يسأم من تكرار ذلك، ومن أغفل هذا حرم خيرا عظيما وفوّت فضلا جسيما
(الخامسة) إذا أراد رواية الحديث بالمعنى فإن لم يكن خبيرا بالألفاظ ومدلولاتها لم يحز له ذلك اتفاقا وإن كان عالما بذلك فالجمهور على جواز الرواية بالمعنى إذا جزم بأنه أدّى المعنى وهذا هو الصواب الذى تقتضيه أقوال الصحابة فمن بعدهم في روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة. ثم هذا في الذى يسمعه في غير المصنفات. أما المصنفات فلا يجوز تغييرها وإذا وقع في الرواية أو التصنيف غلط لاشك فيه فالصواب الذى عليه الجمهور أنه لا يغير في الكتاب بل ينبه عليه حال الرواية في حاشية الكتاب فيقول كذا وقع والصواب كذا
(السادسة) من الألفاظ التى ينبغى معرفتها الأثر والسند والمسند بالفتح والجامع والجزء والمسند بالكسر والمحدّث والحافظ والحجة. فالأثر لغة البقية واصطلاحا الحديث مرفوعا أو موقوفا. وقيل هو الموقوف. والسنة لغة الطريقة. واصطلاحا مرادفه للحديث وهي كل ما أضيف إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقيل الحديث خاص بقوله وفعله والسنة أعمّ. والمسند بفتح النون اسم مفعول ما اتصل سنده من أوله إلى منتهاه ولو موقوفا. وقيل ما أضيف إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متصلا أو منقطعا. ويطلق أيضا على الكتاب الذى جمع فيه مروىّ كل
1 / 14
صحابىّ على حدة. والجامع ما كان مرتبا على أبواب الفقة كالكتب الستة أو على ترتيب الحروف في أوائل الترجمة ككتاب الإيمان والبر والتوبة والثواب. وهكذا كما فعله صاحب الجامع الأصول أو باعتبار رعاية الحروف في أوائل الحديث كما فعل السيوطى في الجامع الصغير وقد جمع في جامعه الكبير بين الجامع والمسند فجعل القسم القولى على ترتيب الحروف والقسم الفعلى على ترتيب المسانيد. والجزء يطلق على ما هو أعمّ من الجامع والمسند وقد يطلق على ما ألف في نوع خاص. والمسند بكسر النون من يروى الحديث بإسناده. والمحدّث بضم ففتح فشد الدال مكسورة هو العالم بطرق الحديث وأسماء الرواة والمتون. والحافظ من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسنادا وإن تعددت الطرق ووعى ما يجتاج إليه. والحجة من أحاط بثلاثمائة ألف حديث. والحاكم من أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتاريخا
(ترجمة الإمام الحافظ أبي داود)
هو الإمام الحافظ العلم أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو ابن عمران الأزدى السجستانى الشافعى أو الحنبلى أحد حفاظ الحديث ونقاده وهو في الدرجة العليا من الصلاح والورع والإتقان والفقه. قال ابن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وحفظا ونسكا وإتقانا وهو أحد من رحل وطوّف البلاد وجمع وصنف وسمع بخراسان والعراق والجزيرة والشام والحجاز ومصر. ولد سنة اثنتين ومائتين. وأخذ الحديث عن الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقتيبة بن سعيد وغيرهم ممن ستقف على تراجمهم في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى. قال أحمد بن محمد بن الليث جاء سهل بن عبد الله إلى أبى داود فرحب به وأجلسه فقال له سهل يا أبا داود لى إليك حاجة قال وما هي قال حتى تقول قضيتها مع الإمكان قال قضيتها مع الإمكان قال أخرج إلىّ لسانك الذى حدثت به أحاديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أقبله فأخرج إليه لسانه فقبله. وقال أبو سليمان بسنده إلى أبى بكر بن جابر خادم أبى داود قال كنت معه ببغداد فصلينا المغرب إذ قرع الباب ففتحته فإذا الأمير أبو أحمد الموفق يستأذن فأذن له أبو داود فدخل وقعد تم أقبل أبو داود وقال ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت قال خلال ثلاث قال وما هي قال تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا لترتحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض قال هذه واحدة هات الثانية قال تروى لأولادى كتاب السنن قال نعم هات الثالثة فقال تفرد لهم مجلسا للرواية فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة فقال أما هذه فلا سبيل إليها فإن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء، قال ابن جابر فكانوا يحضرون ويضرب بينهم
1 / 15
وبين الناس ستر فيسمعون مع العامة. وقد أخذ الحديث عنه ابنه أبو بكر عبد الله وكان من أكابر الحفاظ عالما متفقا على علمه. وأخذ عنه أيضا الحافظ أبو عبد الرحمن النسائى صاحب السنن وعبد الرحمن النيسابورى وأبو عيسى الترمذى وغيرهم وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل حديثا واحدا وهو حديث العتيرة (١) وكان أبو داود يفتخر بذلك، توفى أبو داود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالبصرة ودفن بها يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين والسجستانى منسوب إلى سجستان بكسر السين المهملة فالجيم فسكون السين المهملة إقليم معروف بين خراسان وكرمان ويقال في النسبة إلى سجستان سجزى أيضا وهو من عجيبب التغيير في النسب.
. . . . . . . . . . . . . . . . التعريف بكتاب السنن لأبى داود . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال الخطابى إن كتاب السنن لأبى داود رحمه الله تعالى كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله وقد رزق القبول من كافة الناس فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء فلكل فيه ورد ومنه شرب وعليه معوّل أهل العراق ومصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار الأرض، وهو أحسن وضعا وأكثر فقها من الصحيحين. والحديث منه صحيح وحسن. وكتاب أبى داود جامع لهما ومنه سقيم وهو على طبقات شرّها الموضوع ثم المقلوب ثم المجهول وكتاب أبى داود خلىّ منها فإن وقع فيه شئ منها لضرب من الحاجة فإنه يبين أمره ويذكر علته ويخرج من عهدته. وقال أبو العلاء المحسن الوادادى رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المنام فقال من أراد أن يستمسك بالسنن فليقرأ سنن أبى داود اهـ. وقال النووى في قطعة كتبها في شرح سنن أبى داود وينبغى للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبى داود وبمعرفته التامة فإن معظم أحاديث الأحكام التى يحتج بها فيه مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه اه وقال أبو بكر أحمد بن على الخطيب كان أبو داود قد سكن البصرة وقدم بغداد غير مرة روى كتابه المصنف في السنن بها ونقله عنه أهلها ويقال إنه صنفه قديما وعرضه على أحمد بن حنبل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فاستجاده واستحسنه. وقال أبو بكر محمد بن بكر بن داسه سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما تضمنه كتاب السنن وهو أربعة آلاف وثمانمائة حديث ليس فيها
_________
(١) رواه الإمام أحمد والبخارى ومسلم والمصنف والترمذي والنسائى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مرفوعا (لا فرع ولا عتيرة) وفرع بفاء وراء وعين مهملة مفتوحات هو أول نتاج الناقة كانت الجاهلية تذبحه لطواغيتها. وعتيرة بفتح المهملة وكسر المثناة الفوقية فمثناة تحتية ساكنة فراء ما يذبح أول رجب تعظيما له فنهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك
1 / 16
حديث أجمع الناس على تركه اه وقال ابن الأعرابى من كان عنده كتاب الله وسنن أبى داود لم يجتج إلى شئ معهما من العلم. ومن ثمّ صرّح الغزالى وغيره بأنه يكفى المجتهد في أحاديث الأحكام. وسنن أبى داود وجامع الترمذى ومجتبى النسائى في الطبقة الثانية من كتب الحديث بعد الصحيحين وموطأ مالك. قد عرف مصنفوها بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحر في فنون الحديث ولم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم فتلقاها من بعدهم بالقبول وعلى هاتين الطبقتين اعتماد المحدّثين اه. وقال أبو داود في رسالته لأهل مكة يصف كتابه السنن هو كتاب لا يرد عليك سنة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا وهي فيه، ولا أعلم شيئا بعد القرآن ألزم للناس من هذا الكتاب ولا يضرّ رجلا أن لا يكتب من العلم شيئا بعد ما يكتب هذا الكتاب وإذا نظر فيه وتدبّره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره
. . . . . . . . . . . . . . . . شرط أبى داود وطريقته في سننه . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده شرط أبى داود والنسائى إخراج حديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال السند من غير قطع ولا إرسال. وقال أبو داود في رسالته لأهل مكة سلام عليكم فإنى أحمد الله الذى لا إله إلا هو وأسأله أن يصلى على محمد عبده ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أما بعد عافانا الله وإياكم عافية لا مكروه معها ولا عقاب بعدها فإنكم سألتموني أن أذكر لكم الأحاديث التى في كتاب السنن أهى أصح ما عرفت في الباب ووقفت على جميع ما ذكرتم، فاعلموا أنه كله كذلك إلا أن يكون قد روى من وجهين أحدهما أقوى إسنادا والآخر صاحبه أقدم في الحفظ فربما كتبت ذلك. وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين أو ثلاثة مع زيادة كلام فيه أو كلمة على الحديث الطويل لأنى (١) لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم موضع الفقه منه فاختصرته لذلك. أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل سفيان الثورى ومالك والأوزاعى حتى جاء الشافعى فتكلم فيها وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره. فإذا لم يكن مسند غير المراسيل فالمرسل يحتج به وليس هو مثل المتصل في القوة. وليس في كتاب السنن الذى صنفته عن رجل متروك الحديث شئ. وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر وليس على نحوه في الباب غيره. وما كان في كتابى من حديث فيه وهن شديد فقد بينته. ومنه ما لا يصح سنده؛ وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض اه
_________
(١) قوله لأنى لو كتبته الخ لعله علة لمحذوف تقديره اقتصرت على الزائد أو على محل الشاهد بدليل قوله فاختصرته لذلك
1 / 17
. . . . . . . . . . . . الكلام على ما سكت عليه أبو داود . . . . . . . . . . . . . . .
قال الحافظ ابن حجر إن قول أبي داود وما فيه وهن شديد بينته يفهم منه أن ما يكون فيه وهن غير شديد لم يبينه ومن هنا تبين لك أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من الحسن الاصطلاحى بل هو على أقسام. منها ما هو صحيح أو على شرط الصحة. ومنها ما هو حسن لذاته. ومنها ما هو حسن لغيره وهذان القسمان كثير في كتابه جدًّا. وفيه ما هو ضعيف لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا وكل من هذه الأقسام تصلح عنده للاحتجاج بها كما نقل ابن منده عنه أنه يخرّج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وأنه أقوى عنده من رأى الرجال وكما حكاه ابن العربى عنه أنه قال لابنه إن أردت أن أقتصر على ما صح عندى لم أرو من هذا المسند إلا الشئ بعد الشئ ولكنك يا بنىّ تعرف طريقتى في الحديث أنى لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب ما يدفعه، ومن هنا يظهر لك طريق من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عليها كابن لهيعة وصالح مولى التوءمة وموسى بن وردان فلا ينبغى للناقد أن يتابعه في الاحتجاج بأحاديثهم بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع يعتضد به أو هو غريب فيتوقف فيه لا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه فإنه ينحط إلى قبيل المنكر. وقد يخرّج أحاديث من هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن وجيه وصدقة الدقيقى ومحمد بن عبد الرحمن البيلمانى. وكذا ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين الضعفاء والأسانيد التى فيها من أبهمت أسماؤهم فلا يتجه الحكم على أحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبى داود لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوى وتارة يكون لذهول منه وتارة يكون لظهور شدة ضعف ذلك الراوى واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبى الحدير ويحيى بن العلاء، وتارة يكون لاختلاف الرواة عنه وهو الأكثر فإن في رواية أبى الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤى وإن كانت روايته عنه أشهر. ثم قال والصواب عدم الاعتماد على مجرّد سكوته لما وصفنا من أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ويقدّمها على القياس هذا إن حملنا قوله "وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح" على أن مراده صالح للحجية وهو الظاهر وإن حملناه على ما هو أعمّ من ذلك وهو الصلاحية للحجية وللاستشهاد أو المتابعة فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف ويجتاج إلى تأمل ما سكت عليه وهو ضعيف أله أفراد أم لا فإن وجد له أفراد تعين الحمل على الأول وإلا تعين الحمل على الثانى اه بتصرف من التحفة المرضية للقاضى المحدث حسين بن محسن اليمانى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . النسخ المروية عن أبى داود وتراجم رواتها . . . . . . . . . .
اعلم أنه روى كتاب السنن عن أبى داود خمسة حفاظ من تلاميذه ولهذا تعدّدت نسخ السنن
1 / 18
في ديار العرب وغيرها (النسخة الأولى نسخة اللؤلؤى) وهي المنتشرة في بلاد المشرق والمعروفة بسنن أبى داود عند الإطلاق. واللؤلؤى هو الإمام الحافظ أبو على محمد بن أحمد بن عمرو البصرى اللؤلؤى نسبة إلى اللؤلؤ لأنه كان يبيعه، روى هذه السنن عن أبى داود في المحرّم سنة خمس وسبعين ومائتين، وروايته من أصح الروايات لأنها من آخر ما أملي أبو داود وعليها مات وعليها عوّلنا في كتابتنا لهذا الشرح. وأخذ عن اللؤلؤى الإمام أبو عمرو القاسم بن جعفر ابن عبد الواحد الهاشمى والحافظ عبد الله الحسين بن بكر بن محمد الورّاق (النسخة الثانية نسخة ابن داسة) وهى مشهورة في بلاد المغرب وتقارب نسخة اللؤلؤى وإنما الاختلاف بينهما بالتقديم والتأخير. وهو الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار البصرى المعروف بابن داسة بفتح السين المهملة المخففة، وقيل بتشديدها، وقيل إن روايته أكمل الروايات أخذ عنه الإمام أبو سليمان الخطابى وأبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن القرطبى وأبو عمر أحمد بن سعيد ابن حزم وجماعة (النسخة الثالثة نسخة الرملى) وهى تقارب نسخة ابن داسة، والرملى هو الإمام الحافظ أبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملى منسوب إلى الرملة مدينة بفلسطين. روى عنه الإمام الحافظ أبو عمر أحمد بن دحيم بن خليل (النسخة الرابعة نسخة ابن الأعرابى) وهو الإمام الحافظ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر المعروف بابن الأعرابى وقد سقط من نسخته كتاب الفتن والملاحم والحروف والقراءات والخاتم ونحو النصف من كتاب اللباس وفاته أيضا من كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة. أخذ عنه أبو إسحق إبراهيم بن على بن محمد التمار وأبو عمر أحمد بن سعيد بن حزم اه ملخصا من بعض الشروح (النسخة الخامسة نسخة العبدى) وهو أبو الحسن بن العبد فيها من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤى كما تقدم عن ابن حجر. وقال السخاوى ومما ينبه عليه أن سنن أبى داود تعددت رواتها عن مصنفها ولكل أصل وبينها تفاوت حتى في وقوع البيان في بعضها دون بعض ولا سيما رواية أبى الحسن العبدى ففيها من كلامه أشياء زائدة على رواية غيره اه من التحفة
. . . . . . . . . . . (أسانيد الكتاب منى إلى المؤلف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) . . . . . . . . .
اعلم أن كتاب السنن للإمام الحافظ أبى داود قد أجزت به من شيخنا العلامة المحدث المفسر الفقيه محيى السنة إمام الأئمة. ذى التآليف المفيدة الجمة. سيدى أبى عبد الله الشيخ محمد عليش الشهير. وهو مجاز من الإمام الجليل سيدى محمد الأمير الصغير. وهو مجاز من والده شيخ أكابر المحققين سيدى محمد الأمير الكبير. وهو مجاز من قدوة العارفين سيدى محمد الحفنى. عمهم جميعا بزائد رحمته الواحد القدير. ونص عبارة الأمير الكبير في كتاب الأسانيد له: سنن الحافظ أبى داود بن الأشعث السجستانى الأزدى أرويها عن البدر
1 / 19
الحفنى إجازة عن العلامة البديرى عن الملاّ إبراهيم الكردى النقشبندى عن شيخه صفىّ الدين القشاش المدنى بإجازته العامة عن الشمس الرملى عن زكريا بن محمد عن مسند الديار المصرية عزّ الدين بن عبد الرحيم المعروف بابن الفرات عن أبى حفص عمر بن الحسن بن يزيد المراغي عن الفخر على بن أحمد بن عبد الواحد عن أبى حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادى أنبأنا به الشيخان إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخى وأبو الفتح مفلح بن أحمد الرومى سماعا عليهما ملفقا قالا أنبأنا به الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادى أنبأنا به أبو عمرو القاسم بن جعفر الهاشمى أنبأنا به أبو على محمد بن اللؤلؤى أنبأنا به أبو داود "يعنى المؤلف" وبه قال حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد السلام بن أبى حازم أبو طالوت قال شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثنى فلان سماه مسلم وكان في السماط (١) فلما رآه عبيد الله قال إن محمد يكم هذا الدّحداح ففهمها الشيخ فقال ما كنت أحسب أنى أبقى في قوم يعيرونى بصحبة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له عبيد الله إن صحبة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لك زين غير شين قال إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض هل سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر فيه شيئا فقال أبو برزة نعم لا مرة ولا ثنتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا فمن كذّب به فلا سقاه الله منه ثم خرج مغضبا. وهذا من الرباعيات التى في حكم الثلاثيات وهو أن يروى تابعى عن تابعى عن الصحابى أو صحابى وهو عن صحابي آخر فيحسب التابعيان أو الصحابيان بدرجة واحدة فهما اثنان في حكم الواحد فإذا كان معهم راو أخذ عنه المؤلف يقال فيه رباعى في حكم الثلاثى. وهذا أعلى ما عند أبى داود (وأرويه) أيضا من طرق أخر منها طريق شيخنا السقاط بسنده إلى أبى بكر محمد البصرى التمار المعروف بابن داسة وهو آخر من حدّث عن أبي داود اه كلام الشيخ الأمير الكبير (وكما) أجزت برواية هذا الكتاب من هذا الطريق أجزت به أيضا من الأستاذ الكبير والعلامة النحرير الألمعى الأوحد واللوذعي المفرد إمام علماء الأزهر وشيخ شيوخه ذى التآليف الكثيرة والتحقيقات المفيدة مولانا شيخ الإسلام الشيخ محمد ابن الحاج محمد ابن الحاج حسين الإنبابى الشافعىّ الحائز قصب السبق في الأصول والفروع وصاحب اليد الطولى في التفسير والبيان الثبت في الرواية والتخريج والتأويل. ولد سنة أربعين ومائتين وألف هجرية وتوفى بمصر ليلة السبت الحادى والعشرين من شوّال سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف هجرية فرحمه الله تعالى رحمة واسعة (وأجزت) به أيضا من العلامة المحقق والفهامة المدقق تاج العلماء الأعلام شيخ الأزهر والإسلام أستاذنا الشيخ سليم البشرى المالكي. تولى مشيخة الأزهر مرتين وتوفى أوائل شهر ذى الحجة
_________
(١) بوزن كتاب الجماعة من الناس
1 / 20